أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، اسمعوا قول الله تعالى وتدبروا معانيه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]، واسمعوا قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142].
يا إخوة الإيمان في كل مكان، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، منذ بداية الصراع الحديث فوق هذه الأرض منذ مطلع القرن العشرين وإلى يومنا هذا ومنطقتنا تشهد حروبا إقليمية وعالمية، أدت إلى سفك الدماء وتشتيت الشعوب وترويعها ووقوع أقطار منطقتنا تحت نار الاستعمار الذي ما زالت تعاني آثاره السيئة البلاد والعباد. وكان من بين أخطر أنواع هذا الاستعمار ما يجري فوق الأرض الفلسطينية من احتلال استيطاني واستعماري بغيض، يهدف ـ أول ما يهدف ـ إلى اقتلاع هذا الشعب الصابر من أرضه وتشريده في أصقاع العالم لإحلال المستوطنين والمستعمرين اليهود مكانه؛ بحجة أن هؤلاء لا يوجد لهم وطن، في ظل المقولة الإسرائيلية: "أرض بلا شعب لشعب بلا وطن".
إلا أن هذه الأرض المباركة التي اختاركم الله مرابطين فيها وبشركم بذلك رسولنا الأكرم كانت وما زالت لشعب قدم ويقدم التضحيات من أجل حمايتها والدفاع عنها في وجه كل من يحاول طمس هويتها أو سلخها عن محيطها العربي والإسلامي أو الانحراف بها عن أداء رسالتها في حماية مقدساتها ورعاية الحكم الشرعي لها لكونها أرضا عربية إسلامية، يرابط بها الفئة المنصورة ـ بإذن الله ـ إلى أن يأتي أمر الله وهم كذلك، لقول الرسول : ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: ((هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن المتتبع لحلقات الصراع فوق هذه الأرض المباركة يجد الحقيقة ماثلة لناظريه من خلال الصمود والثبات والرباط في هذه الأرض المباركة، التي لم يبخل أي جيل من أجيالها في حمل راية الذود عنها وتقديم العطاء والفداء من أجل المحافظة على إسلاميتها، تضحية بالأرواح والأنفس.
وإن سجل الشهادة في سبيل الله حافل بهذه التضحيات منذ الفتح الإسلامي لهذه الديار وإلى يومنا هذا. وإن مواكب الشهداء التي تزفها هذه الديار لشاهد على مدى ما يتعرض له شعبنا الصابر المرابط من الظلم والقهر على يد المحتلين الجلادين، الذين تجاوزوا كل القيم الإنسانية، وخرقوا كل القوانين والأنظمة الدولية التي ترعى حقوق المدنيين في ظروف الحروب والاختلاف، فكان آخر خرق ما أقدم عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي من هذه المجازر الدموية الرهيبة في بيت حانون، في جريمة حرب قذرة ضد المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء الذين أخلدوا للنوم في بيوتهم، التي لم يراع الاحتلال حرمتها، فقصفها بقذائف وحقد، لتكون حصيلة الشهداء من الأطفال والنساء تسعة عشر شهيدا، قضوا فيما يصم جبين الاحتلال والمحتلين بوصمة عار العدوان على البراءة الإنسانية والفطرة السوية، وبما يفضح الصمت المريب للمجتمع الدولي، ويعري المواقف الخاذلة للعالم العربي والإسلامي.
إن وصف بيت حانون بالشهيدة أو بالمنطقة المنكوبة لا يكاد يفي بوصف ما أصاب هذه المنطقة من دمار وخراب وتبعثر أشلاء الشهداء واختلاطها بالثرى الطاهر، في مسرح الجريمة والمجزرة التي اقترفت بحق أبنائها تحت بصر العالم وسمعه.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، لم تكن مذبحة بيت حانون الأولى في تاريخ هذا الاحتلال، ولن تكون الأخيرة، فقد سبقتها مذابح كثيرة في دير ياسين وكفر قاسم وفي نحالين وفي جنين وفي المسجد الأقصى، فهل ينبِّه هذا الذين أعمى أبصارهم شعار الحرب على الإرهاب، ليحددوا معنى الإرهاب، ويفرقوا بين الضحية والجلاد، أم لا زال شعارهم:
قتل كلب في غابة جريمـة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر
يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، لقد كان الرد على مجزرة بيت حانون من قلب المأساة نفسها، فقد أعلن إخوتكم هناك عزمهم وتصميمهم على التشبث بأرضهم والصمود فيها حتى ولو كلف الأمر مزيدًا من الشهداء. وهذا الموقف الإيماني والبطولي هو ما عهدناه في أبناء شعبنا الصابر المرابط، الذي يسمو على المصائب والجراح، معلنا للقريب والبعيد، للعدو والصديق: أنه لن يرضى بديلاً عن حريته وكرامته وحقه في الحياة حرًا كريمًا فوق تراب وطنه الطهور، شعاره في ذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].
وجاء في الحديث الشريف عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما يصيب المسلم من تعب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)).
|