أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعملوا أنكم في الدين إخوة وأن هذه الأخوة والرابطة الدينية أقوى من كل رابطة وصلة فيوم القيامة لا أنساب بينكم ولكن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، فحققوا أيها المؤمنين هذه الأخوة بالتحاب بينكم والتآلف ومحبة الخير بعضكم لبعض والتعاون على الخير وفعل الأسباب التي تقوي ذلك وتنميه، واجتناب الأسباب التي تضعف ذلك وتنقصه، فالأمة لا تكون أمة لا يجتمع لها قوة حتى تكون كما وصفها نبيها بقوله: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)).
أيها الأخوة: لقد شرع الله لكم ما يقوي اتحادكم وينمي المحبة بينكم ويزيل العداوة والفرقة، وشرع لكم أن يُسَلَّم بعضكم على بعض فالسلام يغرس المحبة والألفة، والهجر يوجب البغضاء والوحشة، فإذا لقي بعضكم بعضا فليسلم عليه، وخيركم من يبدأ بالسلام، ولْيجبه المسَّلم عليه ببشاشة وانطلاق وجه، بجواب يسمعه ويكون مثل سلامه أو خيرا منه، وشرع لكم أن يعود بعضكم بعضا إذا مرض فعيادة المريض تجلب المودة وترقق القلب وتزيد في الإيمان وتوجب الثواب. فمن عاد مريضا ناداه مناد من السماء طِْبَت وطاب ممشاك ومن عاد أخاه المسلم لم يزل في خَرْفة الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة قال جناها، وإذا عاد أحدكم المريض فليوسع عليه الأمر ويقول ما يفرحه من ذكر ثواب الصابرين وانتظار الفرج وأنه طيب ولا بأس عليه، ويفتح له باب التوبة واغتنام الوقت بالذكر والقراءة والتسبيح والاستغفار وغيرها مما يقرب إلى الله، ويرشده كيف يتطهر بالماء أو التيمم وكيف يصلي وكيف يوصي لأن كثيرا من المرضى يجهل ذلك، وشرع لكم الإصلاح بين الناس فقد قال الله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس وفي الحديث أن النبي قال لأبي أيوب: ((ألا أدلك على تجارة)) قال بلى يا رسول الله قال: ((تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا)). فالموفق إذا رأى بين اثنين عداوة وتباعدا سعى بينهما في إزالة تلك العداوة والتباعد، حتى تنقلب العداوة صداقة والتباعد قربا، وفي هذه الحال يحصل على خير كثير وأجر كبير ولقد شرع النبي لكم إذا سمعتم العاطس المسلم يحمد الله أن تقولوا له يرحمك الله، ويرد عليكم: يهديكم الله ويصلح بالكم، وشرع لكم المهاداة فيما بينكم وأخبر أن الهدية تذهب السخيمة وتوجب المحبة وكل أمر يوجب ارتباط المسلمين واتحادهم فهو مشروع ومأمور به، ومن ذلك تشاور أهل الرأي في الأمور العامة التي تهم المسلمين فإذا اجتمع المسلمون على أمورهم وتشاوروا بينهم فيها فما أحراهم بالتوفيق إلى الصواب وما أقربهم من النجاح.
وفي مقابلة ذلك نهى النبي عن كل ما يوجب تفرق المسلمين وتباعدهم فنهى أن يهجر الرجل أخاه فوق ثلاثة أيام يدبر هذا ويدبر هذا فلا يسلم أحدهما على الآخر ولا يزيل الوحشة والعداوة التي بينهما وهذا خلق ذميم لعب الشيطان فيه على بعض الناس حتى أوقعهم فيه فنجد الرجلين كل منهما يحب الخير ويعلم ما يعلم منه، وُيعد من أهل الديانة ولكن الشيطان قد خدعه فكان يهجر أخاه لأغراض شخصية ومصالح دنيوية، ولم يعلم المسكين أن الإسلام أسمى من أن تؤثر الأغراض الشخصية أو المصالح الدنيوية في الصلة بين أبنائه .
ولقد قال النبي : ((لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار)) وقال : ((تعرض الأعمال في كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا)). فهجر المسلم حرام إلا أن يكون مجاهرا بمعصية ويحصل بهجره ردع له عنها أو تخفيف أو ردع لغيره، فيهجر تحصيلا لهذه المصلحة.
وجاء الشرع بتحريم النميمة والسعي بين الناس بالإفساد بينهم فقال النبي : ((لا يدخل الجنة نمام)) ونهى عن السباب والشتم لأن ذلك يحدث العداوة والبغضاء فتآلفوا أيها المؤمنون بينكم وأزيلوا العداوة والبغضاء بينكم وكونوا عباد الله إخوانا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون [الحجرات:10].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . . |