.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أهل رمضان

4983

الرقاق والأخلاق والآداب

اغتنام الأوقات, فضائل الأعمال

حمزة بن فايع الفتحي

محايل

15/9/1422

جامع الملك فهد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حال السلف في رمضان. 2- انتصاف الشهر. 3- الحث على الاجتهاد في الطاعة والاستعتاب. 4- التحذير من تضييع رمضان. 5- التذكير بالمصابين والمنكوبين من المسلمين والحث على الإنفاق عليهم.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

معاشر المسلمين، إن لرمضان أهلاً يعرفون قدره، ويجلّون زمانه، ويسارعون فيه مسارعة الأبطال. هل سمعتم بسباق رمضان والجادين فيه؟!

لقد كان السلف قبلنا هم أهل العمل والمسارعة وأرباب الجد والمبادرة، وفي مواسم الخير يتضاعف جدهم وتعظم مسارعتهم، فلا يجعلون رمضان إلا موسم المضاعفة وزمن الجد والمبادرة. قد استهواهم رمضان بجماله، وأسرهم بعظيم ثوابه ونواله، كيف وهم قد وعَوا: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين))؟! إنهم أناس زكت عقولهم، وصانوا أنفسهم، واستثمروا أوقاتهم، وسارعوا إلى مرضاة ربهم.

يقول الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه: (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم)، وقال الحسن رحمه الله: "والله، ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه وقل فرحه، وكثر بكاؤه وقل ضحكه، وكثر نصبه وشغله وقلت راحته وبطالته"، وقال وهيب رحمه الله: "نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئًا أرق للقلوب ولا أشد استجلابًا للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره".

قال ابن رجب في لطائف المعارف: "كان بعض السلف يختم في قيام رمضان كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع منهم قتادة، وبعضهم في كل عشر منهم أبو رجاء العُطاردي، وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان، وكان الحنفي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث، وكان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير المصحف، وعن أبي حنيفة نحوه. وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام".

وقال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي بكر بن عياش رحمه الله: "قد روي من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحوًا من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، وهذه عبادة يُخضَع لها".

وقال نافع: لما غسل أبو جعفر القاري نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، فما شك من حضره أنه نور القرآن رحمه الله. وفي ترجمة عبد الرحمن بن مهدي قال ابن المديني: كان ورد عبد الرحمن كل ليلة نصف القرآن. وقال الذهبي: "عبد الرحمن له جلالة عجيبة، وكان يُغشى عليه إذا سمع القرآن".

وقال حمزة بن حبيب الزيات رحمه الله وهو أحد القراء السبعة: نظرت في المصحف حتى خشيت أن يذهب بصري، قال الذهبي: "كان إمامًا حجةً، قيِّما بكتاب الله، عابدًا خاشعًا قانتًا لله، ثخين الورع، عديم النظير". وقال فيه أيضًا: "وكان رحمه الله يُقرئ القرآن حتى يتفرّق الناس، ثم ينهض فيصلي أربع ركعات، ثم يصلي ما بين الظهر والعصر وما بين المغرب والعشاء، وحدث بعض جيرانه أنه لا ينام الليل، وأنهم يسمعون قراءته يرتل القرآن".

كذا ـ يا مسلمون ـ كان سلفكم الصالح رضي الله عنهم، عرفوا قدر رمضان فاحترموه، وأدركوا فضله فسابقوا فيه، فاسلكوا آثارهم، وتشبهوا بهم حرصًا وجدًا واجتهادًا، كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].

أيها الإخوة الكرام، ها هو رمضان قد انتصف وتصرمت أيامه، رمضان الذي هنأنا أنفسنا به واستقبلناه قبل أيام ها هو يقطع شطر زمانه، فأين أنتم يا مسارعون؟! وأين أنتم يا سابقون؟! ليسأل كل واحد منا نفسه: ماذا حصل في خمسة عشر يومًا؟! هل كان من عمارها أم من الغافلين عنها؟‍‌! هل كان من المسارعين أم من الضائعين؟!

لقد أفلح أناس عرفوا قدر رمضان، فكانوا من عُبّاده وقوّامه، يقرؤون القرآن ويختمونه الختمات، ويستغرقون ساعاتهم في الذكر والتلاوة والعلم والصدقة والمعروف، أقبلوا على الطاعات وقد سمعوا المنادي: ((يا باغي الخير أقبل))، وكفوا عن الشهوات وقد سمعوا المنادي: ((يا باغي الشر أقصر)).

يا صائمون، ليزدد محسنكم من الإحسان، وليتأهب للعشر الأواخر الكريمات، وليكن أكثر عملاً وجدًا ومسارعة، وليتنبه غافلكم، وليتعظ مسيئكم، فإن الأيام منصرمة، والمنايا خطافة، والسعيد من اغتنم أيام زمانه قبل الحسرة والندامة، السعيد ذاك الصائم القانت الذاكر، من اهتبل الرحمات وبادر الباقيات الصالحات.

يا صائمون، قد أساء ـ وايم الله ـ ذاك الذي ضيّع رمضان وغفل عن رحماته ولم يبادر لحظاته، قال كما في الحديث الصحيح: ((رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له)).

أي وبال علينا إذا نحن ضيعنا رمضان ولم نغتنم جواهره وكنوزه؟! وا حسرتاه على عمرٍ يمضي سبهللا ونفس تعيش حياة تعيسة بلا موعظة ولا أذكار!

يروى أن أعرابيا وعظ ابنًا له فقال: "لا الدهر يعظك، ولا الأيام تنذرك، والساعات تعد عليك، والأنفاس تعد منك، أحبُّ أمر إليك أردهما بالمضرة عليك".

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: إخوة الإسلام، هل استمتعتم برمضان؟! وهل تلذذتم بطيباته؟! قال : ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقائه بربه)).

حين تهم بالإفطار تذكر أن هناك مسلمين صائمين، ولا يذوقون الطعام، ولا يجدون الفرح الذي تجده أنت. إخوانكم المسلمون في أكثر من بلد إسلامي يؤذون ويحاربون، وفيهم الصائمون، فماذا قدمتم لهم؟!

ذات مرة جاء إلى النبي قوم حفاة عراة، مجتابي النمار أو العَباء، متقلِّدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعَّر وجه رسول الله لما رأى ما بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى، ثم خطب فقال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]))، وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18]، تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، ـ حتى قال: ـ ولو بشق تمرة))، قال الراوي: فجاء رجل من الأنصار بصُرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجِزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كَومَينِ من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله يتهلل كأنه مُذْهَبة ـ أي: كالقصعة المذهبة بياضًا وسرورًا ـ، فقال رسول الله : ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء)) الحديث.

كذا يا مسلمون، أغيثوا إخوانكم المنكوبين في أفغانستان وفلسطين وكشمير والشيشان، أغيثوهم بكل ألوان الإغاثة، وجودوا عليهم بكل ما تملكون، فإنهم في أمس الحاجة إلى صدقاتكم ومعوناتكم.

تذكروا ـ يا مسلمون ـ أنكم إذا تنعمتم بالطيبات فإن هناك إخوانا لكم لا ينعمون ولا يتلذذون، إخوانكم في الأرض المحتلة فلسطين لا يذوقون حلاوة رمضان؛ تتسلط عليهم الخنازير اليهودية، وتفتك بهم في كل ساعة، فذاك شهيد، وذاك منكوب، وذاك سجين، وذاك مهدوم بيته ومشرد أهله، وإخوانكم في غاية الخطورة، والدعم قليل، والمسلمون يشاهدون ويتأمّلون، والله المستعان.

إن صدقة تبذلها في هذا الشهر الكريم تغيث بها ملهوفًا وتطعم جائعًا وتعين مجاهدًا وصامدًا هي كبيرة عند الله، فابذلوا ـ يا مسلمون ـ لإخوانكم المبتَلَين في فلسطين، فأنتم في موسم الجود والرحمة، ولا تقولوا: كثرت المآسي، ولا تحقروا من المعروف شيئًا، فإن صدقة يسيرة تقوي بها مسلمًا وتقتل بها يهوديًا وترفع بها للإسلام راية.

اللهم انصر إخواننا المسلمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً