عباد الله، لقد نشبت الحرب السادسة في لبنان، وخلَّفت وراءها كثيرًا من الدروس والعبر، وهي:
الأول: أنَّ المستقبل لهذا الدين، مهما حاول الأعداء القضاء عليه مهما خططوا لذلك فإنّ المستقبل للإسلام، قال ربنا تبارك وتعالى: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 32، 33].
الثاني: تنبئ هذه الأحداث عن واقع مزرٍ أليم وضعف كبير يخيم على أمة الإسلام، فالأمة التي بلغ عددها أكثر من مليار وثلاثمائة مليون فرد لا تقوى على فعل شيء لرفع الظلم على إخواننا في لبنان! يُؤسر علج يهودي فتمتلئ الدنيا ضجيجًا، بينما يمكث عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون الصهاينة ولا أحد يُحرِّك ساكنًا! والله المستعان. هذا هو الضعف والهوان الذي تنبأ به نبينا ، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا))، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ((بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ))، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: ((حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)) رواه أحمد (21363)، وأبو داود (3745)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3567).
الثالث: أنَّ هذه الأمة أمة باقية لن تباد، مهما خطط الأمريكان واستعملوا اليهود كأداةٍ لتحقيق ذلك فلن يقدروا على إبادة هذه الأمة، لن يتمكنوا من إعدامها، مهما نفذوا فيها من مجازر، مهما قتَّلوا فلن يقدروا، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا)) رواه مسلم (2889)، وقال: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)) رواه البخاري (6767)، ومسلم (1920).
الرابع: علمتنا هذه الحرب أنَّ من رام مجدًا فلا يكون ذلك إلا برفع راية الجهاد في سبيل الله، لن يعود للأمة مجدُها ولن تسترد كرامتها إلا بالجهاد، يصدق ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)) رواه أبو داود (3003)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3462). أما المناداة بسلام دائم مع اليهود فهذا هدم للشرع وعدم عقل، إن اليهود ـ أيها المسلمون ـ لا تجدي معهم إلا لغة واحدة، هي لغة القتال والجهاد.
الخامس: من دروس هذه الحرب أنَّ أجبن عباد الله عند النزال وأحرصهم على البقاء وعدم الزوال هم اليهود. لقد عاين الناس وأدركوا عظيم جبن اليهود وكبير حرصهم على الحياة الدنيا، رأينا جنودًا منهم توجهت إليهم الأوامر بالتوجه إلى مواقع النزال فبكوا بكاء الثكلى من النساء، فلما جاءهم الأمر بالانسحاب وتوقَّفَ إطلاق النار رقصوا وفرحوا! قال الله عنهم: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96]، وقال: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [الجمعة:6، 7].
السادس: تعلمنا هذه الأحداث ما للإعلام من دور كبير في توجيه الأمة وبناء تصوراتها، فلقد كان من المستقر عند الناس بسبب هذا الإعلام المضل أنَّ الجيش اليهودي جيش لا يُقهر وكيان لا يُكسر! ولكن تبدد هذا الوهم بالوعد الصادق، لقد قُصف اليهود في يوم واحد قبل وقف إطلاق النار بأكثر من (250) كاتيوشا وهم عاجزون عن صدها والتصرف حيالها إلا بمغادرة مساكنهم إلى الملاجئ والنحيب من الجنسين.
ولذا ـ أيها المؤمنون ـ نهى الله عزَّ وجل عن كل ما من شأنه أن يفت في عضد الأمة بإشاعة الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات المغرضة: لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:60-62].
السابع: من الدروس أنَّ اليهود متى ما عادوا إلى الغطرسة والبغي والإفساد عاد الله عليهم بالإذلال، وهذا هو تأويل قول الله تعالى: ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا [الإسراء:6-8]، قال البغوي رحمه الله: "عَسَى رَبُّكُمْ يا بني إسرائيل أَن يَّرْحَمَكُمْ بعد انتقامه منكم، فيرد الدولة إليكم، وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا أي: إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة".
الثامن: أنّ الذلة والمهانة قدَر مكتوب على اليهود، وقد قال تعالى في ذلك: فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:166، 167]. لقد سامهم الله سوء العذاب بصواريخ القسام من مجاهدي غزة، وبكاتيوشا لُبنان، وقال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران:112].
التاسع: من الدروس أنَّ للخيانة دورًا كبيرًا في هزيمة الأمة، لقد اجتمع العرب لحرب اليهود من قبل عام 1967م، فكانت النكسة لوجود الخيانة؛ ولذا امتلأ القرن الكريم بالنهي عنها لخطورة أمرها وعظيم خَطْبها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38].
العاشر: أنَّ النصر بيد الله، حزب واحد فقط يقف في وجه قوة عسكرية بهذه الآليات الضخمة ويوقع النكايات العظيمة بها. لأول مرة تُقصف حيفا ونهاريا وعكا وكرمئيل بالصواريخ، لأول مرة ينام مليون يهودي في الملاجئ، خسر اليهود حسب الإحصائيات التي نُشرت في بعض صُحفهم (5.7) مليارًا من الدولارات.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
|