.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

حقيقة الداء ووصف الدواء

4933

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

المدينة المنورة

17/7/1427

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حال الأمة الإسلامية. 2- ضرورة معرفة الأسباب الحقيقية لذل الأمة وهوانها. 3- جناية الحلول المستوردة على الأمة. 4- وجوب الرجوع للقرآن والسنة لمعرفة الداء والدواء. 5- أضرار المعاصي على الأمة. 6- وجوب تحكيم شرع الله تعالى. 7- خطورة الركون إلى الدنيا. 8- ضرورة إعداد القوة لإرهاب العدو. 9- أهمية الوحدة والائتلاف وخطورة التفرق والاختلاف.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فمن اتقاه وقاه وأسعده ولا أشقاه.

معاشر المسلمين، لا تَزال أمّتُنا تمرّ بأحوال عصيبة وظروفٍ مريرة، مهما أوتي القلم من براعةٍ ووصَلَت إليه البلاغة من مهارة فلن تفِي في تصوير الواقع المأساويّ للأمّة الإسلاميّة، فإلى الله الملجَأ والمشتكى، وبه العونُ والسند في كلّ ضرّاء.

إن ما تعانيه الأمّةُ الإسلاميّة اليومَ مِن أحداث موجعةٍ وآلام قاسِيَة وما تمرّ بِه في كثيرٍ مِن مواطِنِها من بلايا متعدّدة وما يسمَعُه المسلمون كلَّ يومٍ في أصقاعٍ متعدِّدة من عدوانٍ يشهَد الصّغارَ قبلَ الكِبار بلا استحياءٍ ولا اكتِراثٍ بحقوقٍ إنسانيّة ولا أعرافٍ بشريّة ولا مُراعاة لمَعَايِرَ أخلاقيّة ولا مبادئ حضارية من صهاينَة حاقدين وأعداء محاربين، كلّ ذلك يفرِض على المسلِمين جميعًا أن يعلموا أن الخطرَ قد أحدقَ وأن شرَّ قد أرعَدَ وأبرَق، وحينئذٍ يجب أن نتذكَّر ونستدرِك أنه آنَ الأوانُ وحان الوقتُ أن نقفَ عند الأسباب الحقيقيّة للمآسي والمصائب، وأن نُدركَ جميعا الإدراكَ الصحيح بالواقعِ المزرِي والضعفِ المُضني.

إنَّ الأمةَ الإسلاميّةَ منذ أكثرَ مِن قرنٍ وهي تستجدِي الحلولَ وتتلقّف أسبابَ النهضةِ والعزّة من تيارات متعدّدةِ المشارب وتوجّهاتٍ متنوّعةِ المآخذ، ومرَّ الزمن وطالَ العهدُ ولم تُجدِ تلك التوجهاتُ إلا عارًا وخزيًا ودمارًا وذلاًّ وهوانًا، لا دُنيا أقامَت، ولا دِينًا أبقَت، بل ما خلَّفت على المسلمين إلا تَأخُّرًا بالأمّة وتدهوُرًا في أحوالها وضعفًا في بلدانها وتخبّطًا في سياسَاتها وفقرًا في اقتصادها وتأخّرًا في ازدهارها، جرَّت ويلاتٍ وويلات، تعجَز الأقلام عن تسويدِها، ولا يسع الوقت عرضها، ولا تستطيع الذاكرةُ استيعابها.

نعم أيّها المسلمون، لأنها توجُّهاتٌ وتيّاراتٌ لا تستمِدّ تصوُّراتِها من كتابِ رَبِّها، ولا تستضِيء بهدي رسولها، ولا تأخذ العبرةَ من سيرة أسلافِها؛ لذا عاشَتِ الأمّة الإسلاميّةُ ومنذ ذلك الحين ولا زالت تنادِي بلسان حالها: ماذا حلَّ بها؟! ومَاذا دَهَى أمرَها مِن كوارثَ مزرِية وبلايا مخزية؟! وها هنا لا بدَّ أن يعلمَ الساسةُ ويفقَهَ المثقَّفون ويستدرِكَ العقلاء وتستفيقَ الشعوب بأنَّ هناك أسبابًا حقيقيّة لواقعهم المؤلم قد غُيِّبَت عن عقولهم وتناسَتهَا قلوبهم، وإلاَّ فمن أراد الرؤيةَ الواضحة والمنطلقاتِ الصحيحةَ لأسباب الضّعف والذلَّة الخِزي فلا بدَّ أن يعودَ لأصل البنيان وأساسِ الكيان، فالله جل وعلا اختارَ هذه الأمّةَ لتكون خيرَ الأمَم وهو العليم الخبير، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

إنّه قد آن للأمّةِ الإسلاميّة أن تعودَ للقرآنِ، وأن ترجعَ لهدي سيّد الأنام عليه أفضل الصلاةِ والسلام؛ لتقفَ على الأسبابِ الحقيقية للتدهوُر، ولتستلهمَ العلاجَ الصحيح لتعديل المسار وتغيير الأحوالِ ورفع ما أصابَ البلاد والعباد.

تريد الأمّةُ أمنا وأمانًا من المصائب والكروب، وتبتغي حِفظًا من الكوارث والخطوب؟! فلن يتحقَّق لها ذلك إلاَّ بتحقيق الطاعةِ الحقيقيّة لخالِقِها جلّ وعلا ولرسولِه والمتابَعَة الصادِقَة في كلِّ شأن صغيرٍ وكبير، في كلِّ حالٍ دقيق وجليل، فربّنا جلَّ وعلا يقول: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، ويقول ربُّنا جلَّ وعَلا: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، وَيَقول سُبحانَه: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:130]، ورسولُنا يبيِّن لأمَّتِه طريقَ الحفظِ وسَفينَةَ النجاةِ وطوقَ الأمان، فيقولُ : ((احفَظِ الله يحفَظْك)). حِفظٌ يشمَلُ الحفظَ من كلِّ المصائبِ والشرور والآلام.

نحنُ ـ معاشرَ المسلِمين ـ نَصبُو إلى صَلاحٍ وإِصلاح ونَنشُد عِزَّ الشأن وسِيادَة السلطان، فلن يتمَّ ذلك إلاّ بالانقياد لما فيه رِضا الرّحمن، فالله جلّ وعلا يقول: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]. ولَن يحصلَ التمكينُ ويتمَّ الأمان إلا بالامتِثال الحقيقيّ لشريعة الديّان، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41].

أيّهَا المسلِمون، كيف لا تسوءُ أحوالُ الأمّة وكيف لا يضعُفُ شأنها وكيفَ لا يعمُّ الشرُّ أرجاءَها وقَد كثُر من أبنائها العصيانُ في أوامر الله وأوامِرِ رسولِه ووَقَع فِئامٌ في التمرُّد عن منهَج الله جلّ وعلا؟! فربُّنا يحذِّرنا من ذلك فيقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وربُّنا جلّ وعلا يَقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].

أينَ عقلاءُ الأمّة وأين حكماؤها من تاريخِ أمَّتهم المجيد وماضيها العتيدِ ومِن واقعِ أسلافِهم وأسباب عزِّ المسلمين الأوائل؟! ذكرَ ابن كثيرٍ رحمه الله عن أحَد قادةِ المسلمين وهو يخاطِب المسلمين في حال الخطوب والكروبِ فيقول: "إنَّ الله لا يُنال ما عنده إلا بِطاعتِه، ولا تُفرَج الشدائدُ إلاّ بالرجوع إليه والامتثالِ لشريعتِه ـ ثم يقول: ـ والمعاصي في كلِّ مكان باديةٌ والمظالمُ في كل موضع فاشِية، وإنما أوتِينَا مِن قِبَل أنفسنا، ولو صدقناهُ لعجَّل لنا عواقِبَ صِدقنا، ولو أطعناه لما عاقَبَنا بعدوِّنا". إِنَّها كلِماتٌ تكتَب بماءِ الذّهب، تنبئ عن الواقعِ الصحيح الذِي يكون بِه عزُّ الأمة وحضارتها وارتفاع شأنها.

أمّةَ الإسلام، لئن تحيَّرت علينا الأمورُ وأعيانا الأسى والواقع المريرُ فالتوجُّه الصادِق إلى الواحدِ الأحَدِ هو العِصمَةُ والشِّفاء، وهو الطريقُ إلى العِزّةِ والرّفعةِ والمَنَعَة مِن الأعداء، فربُّنا جلّ وعلا يَعِدنا فيقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

أمّةَ الإسلام، أَلَم يحِنِ الأوانُ أن ينطلِقَ المسلمون الانطلاقَةَ الصّحيحةَ لتَعديلِ المسار ويتوجَّهوا التوجّهَ الصادقَ لطرد الظلماتِ التي خيَّمت على كثيرٍ من الأوضاع؟! أين موقِع القرآن من دساتير المسلمين؟! أين منزلةُ الوحي من التحكيمِ في شؤون الحياة؟! ألَم يئِنِ الوقتُ لتحكيم شريعةِ الله وإقصاءِ حُثالة القوانين الوضعيّة والدساتير البشَريّة التي أضاعَتِ البلادَ والعبادَ وأغضَبَت رَبَّ العباد؟! لقد حَان الوقتُ أن تجمَعَ الأمّة قلوبها وجوارِحَها لمحاربةِ الفساد الواقعِ في كثيرٍ من الشؤون في علاقَاتِها واقتِصادِها ومجتمَعَاتِها وثقافَاتِها وإعلامِها، وَفقَ مسارِ القرآنِ الكريمِ والهدي النبويّ العَظيم، إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]. ولَن تنالَ الأمّةُ الإسلاميّة في يومٍ منَ الأيّام نصرًا ولا قوّةً ولا رفعةً ولا عزّةً أمام قوَى الطغيان وفي وجهِ صفوف العدوان إلا بالوفاءِ بالعهد الربانيّ والوعد الإلهيّ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة:40]، فربُّنا جلّ وعلا يَقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51].

يا حكّامَ المسلمين، يا عُلَماء الأمة، يا مجتَمَعاتِ المؤمنين، أتظنّون أنّ الشقاءَ يرتَفِع وأنّ الذلَّ والهوان ينقشِع وأنَّ الكروب والمصائب تنجلي ونحنُ نحارب حكمَ الله في عبادِه والمعاصِي تنتشِر في بلادِ المسلمين والموبقاتُ تُبَثّ في إعلامهم؟! أنَظُن أن لا تكثُرَ بِنا المصائبُ وتدور علينا الدوائر وكثيرٌ منّا يحارِب اللهَ بارتِكاب الموبقات ويضادُّ شرعَه بالعظائم المهلِكات؟! فربُّنا جلّ وعلا يقول: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].

إنَّ أمّةَ الإسلام متى رَكَنت إلى شهواتها الحيوانيّة البهيميّة ورضِيَت بالذلّ والهوان والخلود إلى هذه الدنيا الدنيئَة فسوف تمرّ عليها عواصِفُ مِنَ الآلامِ العصيبةِ والنّكبَات المريرةِ، وسوف تلاقي أبشعَ المصائبِ في تاريخها الحاضِر والمستقبل، فإنَّ أعداءَ الله كما أخبرَ الله عنهم: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ [التوبة:10]. لكن متى رَكَنت الأمّةُ إلى زخارِفِ الدنيا وجَمَالها والبُعد عن دينِ ربِّها وقعَ لها ما أخبرَ بهِ رسولها صلوات الله وسلامه عليه في قولِه: ((يوشِك أن تَتَداعى عليكُمُ الأممُ مِن كلِّ أفُقٍ كما تتداعى الأكَلَة إلى قصعتها))، قيل: يا رسول الله، فَمِن قِلّةٍ يومئذ؟ قال: ((لا، ولكنّكم غثاءٌ كغثاءِ السّيل، يُجعل الوَهن في قلوبِكم، وينزَع الرعبُ من قلوب أعدائكم))، لماذا؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((لحبِّكم الدنيا وكَرَاهِيَتكم الموت)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داودَ في سنَنِه، ورسولُنا يقول: ((إذا تبايَعتُم بالعينةِ ورضِيتم بالزّرع وأخذتم أذنابَ البقَر وتركتُم الجهادَ سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزِعه حتى تراجِعوا دينَكم)) حديث صحيح عن رسولِنا وسيدنا محمّد .

أمّة الإسلام في كلّ مكان، نحن في عالم سيطَر فيه القويّ على الضعيف، عالم اختلَّت فيه موازين مبادئِ العدل، ونُسِيت فيه شعاراتُ حقوقِ الإنسان، وأصبَحَ المنطق الذي يسودُ هو منطِق القوّة لا منطِق الحقّ والعدل والإنصاف واحترامِ الإنسان كإنسان؛ ولِذا حرِيٌّ بأمّة محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام حرِيٌّ بها وجديرٌ بأمرها أن تستجيبَ لأمر خالقِها بأن تُعِدّ القوة ليحتَرِمَها القويُّ قبل الضعيف ويخافَها العدوّ قبل الصديق: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60]. إعداد القوّة التي تحمِي البيضةَ وتصون النفوسَ والأعراضَ مِن بأس العدوّ وهجومِه، قوّةٌ تدافع عن الحقّ وتنافح عن مبادئِ العدلِ وتنصر الضعيفَ وتذود عن المقدَّسات.

ألاَ وإنَّه وإن كانتِ الأمة قد فرَّطَت في ذلك كثيرًا فاللهَ اللهَ أن تفرِّط في القوّةِ الحقيقية وهي التوكُّل على الله جلّ وعلا والوثوقُ الصادق بوعدِه، فمن توكَّل على اللهِ وتَوخّى أمرَه كَفاه ما أهمّه وردَّ عنه بأسَ عدوِّه، الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، فما كان الجزاء؟ قال ربّنا جلّ وعلا: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ [آل عمران:174].

بارك الله لنا في الوحيين، ونفعنا بما فيهما من الهدي والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له في الآخرةِ والأولى، وأشهد أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدا عبده ورسوله النبيّ المجتبى، اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى أصحابه النجباء.

أمّا بعد: فيا أيّها المسلِمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا.

أيّها المسلمون، إنَّ الأمّة الحيّةَ هي التي تعمل على جمع شملِها ولَمِّ شتاتِها، وما تمسَّكت أمّةٌ بالتوحّد إلا قويت شوكتُها وعظُم سلطانُها وهِيبَ جانبُها، فلماذا لا تَتَّحدُ الأمّةُ على هديِ الوحيَين ومنهجِ الصحابة والتابعين؟! وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمرن:103].

إنّ من أعظم أسبابِ تقهقُر الأمّة وظهورِ خُسرانها وضَعفها وذلّها التفرّقَ السائِدَ في صفوفِها والتحزّبَ الظاهرَ بين أبنائِها، وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46]. فواجبٌ عَلَى قادةِ المسلمين وعلمائِهم ومُثَقفيهم السعي إلى وَحدةِ الصَّفّ تحتَ مظلَّةِ الإسلام الحقّ عقيدةً ونظامَ حياةٍ ودستورَ حُكمٍ.

فيا أمّة محمد، تقارَبوا على القرآن، تعاطفوا على سنّة سيِّد ولَد عدنان، تصافَوا على وفق منهج الصحابة والتابعين، انبُذوا التفرّقَ بينكم، اهدموا الفواصِلَ بين صفوفِكم، ارفَعوا الحواجِزَ عن توحُّدِكم، فاللهُ جلّ وعلا يَقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

ثمَّ إنَّ الله جلّ وعلا أمرَنا بأمر عظيم، ألا وهو الصّلاة والسّلام على سيِّدنا وقائِدنا وحبيبِنا محمّد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم.

اللّهمّ ارضَ عن الخلفاءِ الأربعة...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً