.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

سقوط بغداد

4910

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

عمر بن محمد رزق الله

جدة

9/2/1424

مسجد الإمام مالك

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تساؤلات عن سقوط بغداد. 2- العدوان الأمريكي على بغداد. 3- الأمر كله لله تعالى. 4- عاقبة الظالمين. 5- طغيان أمريكا. 6- دروس من الأزمة.

الخطبة الأولى

أما بعد: معاشر المسلمين، سقطت بغداد، ووقف الجميع مذهولين لما يحدث، كيف حدث هذا؟! ولماذا حدث؟! وهل ما نشاهده حقيقة أم خيال؟! كيف سقطت بغداد بهذه السرعة وهي المدينة الرئيسة والتي من المفترض أن تكون أكثر صمودا وأشد مقاومة؟! أين عبارات التهديد بجعل بغداد مقبرة للغزاة؟! أين مئات الآلاف من الجنود والحرس والثوريين والفدائيين؟! هل هي صفقة ما بين نظام عميل خائن ومحتل غاصب، أم هو الانهزام الحتمي أمام التقنية الحربية والتكنولوجيا التي لا يمكن أن تنهزم، أم هي خطة عسكرية لها ما وراءها؟! ما الذي يحدث بالضبط؟!

وفي الحقيقة ـ أيها الإخوة ـ ما جئت اليوم لأحلل لكم تحليلاً سياسيًا ولا عسكريًا لما يحدث، وليس هذا من اختصاصي، وإنما أريد أن أبين موقف المسلم البصير بدينه، وأريدكم أن تفكروا معي وأن تنتبهوا لما سأقوله جيدًا.

نحن المسلمون نتميز عن غيرنا بأن لنا ربًا نعبده، وكتابًا أنزله نقرؤه ونتدبره، فصل لنا فيه كل ما حصل وما سيحصل، ذكر لنا كل أمورنا الشرعية والدنيوية، بين لنا ربنا في كتابه وفي سنة نبيه كل شيء، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]. ومن هنا أريد أن أقرأ معكم ما حدث، وما هو موقفنا نحن المسلمين تجاه ما حدث.

معاشر المسلمين، لا شك أن ما يحدث لإخواننا المسلمين في العراق يسوء كل مسلم؛ قتل وتدمير وتشريد وذل وفوضى، أطفال تموت، ونساء تنتهك أعراضهن، ورجال يبكون ويقتلون ويؤسَرون، من رأى منكم قطع اللحم إنها لشيء كانوا يسمّونه طفلاً، من رأى منكم الشاب العراقي المسلم وهو يقبّل يد الجندي الأمريكي المسلم، من رأى منكم الرجال يُركَلون وتسلسل أيديهم وأرجلهم، مناظر مخزية وجبروت أمريكي متسلّط ومتجاوز لحده، بغداد عاصمة الحضارة الإسلامية يدمرونها باسم الحرية، وينتهك شرفها باسم الديمقراطية، أين هم مما يحدث الآن من فوضى وسلب ونهب وقتل وإحراق في مدن العراق إذا كانوا جاؤوا لنشر الحرية والديمقراطية؟! فلماذا توجهوا لوزارة النفط وتركوا الشعب يتقاتل ويحترق؟! إن مآذن بغداد صارت ركامًا وأطفالها قطعًا من اللحم، إنها تحترق بقنابل ومتفجرات زِنَتها الأطنان وآلاف الكيلوغرامات، والخونة يصفقون على مشهد من النار والأشلاء، ويردد الخائبون وراء القتلة: "لا بد للحرب من ضحايا".

أقول: أيها الإخوة، إنها حال مؤسفة، لكن الذي يُثبّت المسلم ويطمئن قلبه أنه يعلم أن الأمر بيد الله تعالى وحده، فهو الذي أعطى هذه الدولة هذه القوة وهذا الجبروت، وهو الذي سينزعها قوتها ويبدلها ضعفًا وذلة، قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]. فالأمر لله وحده، وهو سبحانه المقدّر والمدبر لأمر هذا الكون، كما أن من قدر الله أن الظالم لا بد أن ينال جزاءه ويلقى جزاء ظلمه، فالظلم مرتعه وخيم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وعلى الظالم تدور الدوائر، وكما قال شيخ الإسلام: "فالعدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخرة".

إن الإنسان إذا اتبع العدل نُصر على خصمه، و إذا خرج عنه طمع فيه خصمه. لقد وقع الظلم من نظام ظالم مستبد فكان السقوط مصيره.

إن ما حدث في بغداد أيًا كان تفسيره إنما هو نتيجة لامتهان الشعب واستعمال الحديد والنار في سياسة الشعب المسلم المقهور على أمره. إننا لا يجب أن نلوم ما حصل من العراقيين من فرح وهتاف؛ إنهم منذ 30 سنة وهم لم يتنفسوا هواء الحرية ولم يذوقوا إلا طعم القوة والبطش والسجون والقتل، لقد فرحوا حين شاهدوا قوة أكبر من قوة صدام وقوة دحرت صداما وجيشه العرمرم ومخابراته القوية وفدائييه الذين ذابوا ككرة الثلج تحت لهيب الشمس المحرقة، لقد وقع الظلم من الحاكم الطاغية فكان هذا جزاءه، ويقع الظلم من أمريكا المعتدية الظالمة لأنها دولة معتدية تخصصت في اغتيال المدن وقتلها بدءًا من هيروشيما ومرورًا بفيتنام وانتهاء ببغداد، ولا ندري من سيكون في المستقبل.

أمريكا تعد الناس بالجنة جنة الديمقراطية والحرية، ثم ها نحن نشاهد جنتها قتلاً وتشريدًا وحرقًا وتدميرًا. إنها تنتهك القوانين السماوية والأرضية، وترتكب جرائم الحرب، تنتهك سيادة الدول، وتهدد الجميع، وتغير الأنظمة دون استئذان من أحد. بدأت بأفغانستان، وها هي في العراق، ولا ندري على من سيأتي الدور بعد ذلك.

إن أمريكا تحتج على عرض الأسرى وهي التي اختطفت رجالنا وشبابنا ووضعتهم في أقفاص كالحيوانات المتوحشة في جزيرة نائية في المحيط، في عرف أمريكا أن تكون مسلمًا فذلك يعني أنك لا إنسان ومطرود من جنتهم الموعودة ومعاقب أينما كنت، ويتكفل بك صاروخ كروز ذكي يتبعك حيث سرت ويحيلك إلى شظايا باسم مكافحة الإرهاب. إنهم يتحدثون عن اتفاقية جنيف وهم الذين داسوا على النظام الدولي كله وأداروا أظهرهم لكل ما يسمى بالشرعية الدولية. وإذا كانت هذه هي أمريكا فسيكون السقوط المريع مصيرها لا محالة. ويقع الظلم ممن يعاون أمريكا ويقف معها ضد الشعب المسلم فسيكون العقاب المؤلم مصيرهم، أين الذين أنكروا الجهاد من أجل أمريكا؟! وأين الذين تباكوا على قتلى أبراج التجارة وأدانوا الإرهاب وقتها؟! أين هم من الموت المجّاني في العراق للأطفال والنساء والشيوخ؟! جميع هؤلاء سيلفظهم التاريخ من صفحاته، وسيكونون في مزبلة التاريخ، وإن التاريخ لن يرحم المتخاذلين. وهكذا لا يترك الله الظالم وشأنه بل يأخذه شر أخذة أيا كان هذا الظلم بكلمة أو إشارة أو رأي.

معاشر المسلمين، إن من سنة الله أنه إذا أراد أن يظهر الحق أقام من يعارضه من أهل الباطل، فيظهر الحق على أثر الباطل. إن دين الله غالب، والعاقبة للمتقين، والأرض لله يورثها عباده الصالحين المؤمنين، ولن يمكن الظالمون الكافرون حتى يبعث الله من أهل الإيمان من يجدد لهذه الأمة دينها وجهادها، فيرفع الله به شأن الأمة. لا بد أن يستقر في ذهن وقلب كل مسلم أن الإسلام هو المنتصر، وأن جولة الظلم ساعة، ولكن العاقبة للإسلام إلى قيام الساعة، ومهما تجبر الكافر فسيدحره المسلمون بإذن الله، وكل ما نحتاجه هو أن نكون مؤهلين لنصر الله لنا؛ ولذلك فإنني أسأل كل واحد: ماذا استفدنا من هذه الأزمة؟ هل علمتنا الأزمة أن نعود لربنا وأن نكون على قدر من الجدية والالتزام بديننا؟ هل علمتنا الأزمة أن نتوكل على ربنا ونثق به ونركن إليه ونحمل أمورنا وهمومنا وآلامنا لربنا؟ هل تعلمنا أن نحافظ على الصلوات ونقترب من الله؟ هل سأل أحد منا نفسه أن ما حدث في العراق الشقيق من الممكن أن يحدث لنا نحن؟ فماذا نحن فاعلون؟ هل سننهزم أم سيجد العدو رجالاً مؤمنين صادقين مصلين متوضئين مستقيمين؟ هل لا زلنا نبحث عن شهواتنا وملذاتنا والعالم يلتهب من حولنا أم استيقظت نفوسنا من غفلتها؟ هل أحيينا في أنفسنا معاني الجهاد الحقيقي جهاد النفس وجهاد الشيطان، كره الكفار وبغضهم وحب المسلمين كل المسلمين؟ هل شعرنا في هذه الأزمة بمعنى قوله تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، وقول الرسول : ((المسلم أخو المسلم))؟ هل كانت تؤلمنا مناظر القتلى والجرحى والنساء والأطفال المسلمين؟ هل سأل أحدنا نفسه: ماذا لو كان هذا أخي وتلك أختي وذلك طفلي؟

أيها الإخوة، إنه ليس بين الله وأحد من خلقه نسب إلا بالطاعة، وبالطاعة تدوم النعم، كما أنه بالمعاصي تزول وتفنى، وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

معاشر المسلمين، لا بد أن نستمرّ في الدعاء للإسلام والمسلمين، وأن ينصر الله عباده المجاهدين، إننا لا ندعو لنظام ظالم ولا لحكومة جائرة، بل ندعو لشعب مسلم، ندعو لأطفال أبرياء ونساء لا ذنب لهن وشيوخ لا يملكون من أمرهم شيئًا، نحن ندعو للأمة المسلمة، وندعو على أعداء الله الكفرة الظالمين المعتدين، وندعو ربنا أن يحفظ بلاد المسلمين، ولذلك فلنستمر في الدعاء والتضرّع لإخواننا المسلمين في العراق وفلسطين وفي كل مكان، ونستمر في مقاطعة المنتجات الأمريكية والبريطانية، المقاطعة هذا السلاح الفعال الذي أثبت فعاليته وجدواه.

أيها الإخوة، إن واجبنا كبير ودورنا عظيم، وكل ما يفعله المسلم لنصرة دين الله بكلمة أو رأي أو إشارة أو فعل أو دعاء، وأعظم شيء أن ننصر دين الله في أنفسنا فنستقيم على دين الله ونسلك الطريق المستقيم ونلتزم بالصلاة وبالدعاء وبالذكر وقراءة القرآن والتقرب إلى الله تعالى، أسأل الله أن يلطف بنا بلطفه.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً