وبعد: أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أيها الصابرون على البلاء في الوقت الذي يوسّع فيه الاحتلال عدوانه الغاشم على شعبنا لترتفع أرواح الشهداء من الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ والشباب إلى بارئها تشكو ظلم الظالمين وتخاذل المتخاذلين، في هذا الوقت تخرج علينا وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لتكشف عن مخطّط يهدف إلى إزالة طريق باب المغاربة المؤدية إلى المسجد الأقصى المبارك، هذه الطريق التي تربط باب المغاربة وهو بوابة رئيسية من بوابات المسجد المبارك بحائط البراق وما تبقى من أملاك الوقف الإسلامي والآثار الأموية في الجهة الغربية الجنوبية للمسجد الأقصى، بعد أن نالت يد الهدم حيّ المغاربة في بدايات الاحتلال لمدينة القدس عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين.
إن هذه الطريق تحتوي على الآثار الإسلامية منذ الفترات المتقدمة للوجود الإسلامي في هذه الديار، وهي وقف إسلامي على المسجد الأقصى المبارك، وإن العبث في هذه الطريق أو إزالتها لهو اعتداء صارخ على المسجد الأقصى المبارك الذي يشكل جزءًا من عقيدة المسلمين، وهو قبلتهم الأولى وثالث مسجد تشد إليه الرحال في الإسلام، وهو منتهى معجزة الإسراء بالنبي وبوابة معراجه إلى السماوات العلا، وإن الإقدام على إزالة هذه الطريق يحمل في طياته مخاطر جسيمة على أمن وسلامة المسجد الأقصى خاصة وأن المتربّصين بالمسجد من المستوطنين والمتطرفين اليهود لا يخفون نواياهم العدوانيّة تجاه المسّ بقدسية المسجد ووجوده، وهذا ما تظهره تفوّهاتهم من خلال وسائل الإعلام ودعواتهم الصريحة لدخول المسجد الأقصى ضمن مجموعات كبيرة.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إننا ونحن نحذر من المخاطر المترتبة على هذه الأعمال غير المسؤولة لنحمّل سلطات الاحتلال كافة النتائج التي تؤدي إليها مثل هذه المغامرة الحمقاء، فقد أصبح واضحا أن كل الحفريات التي قامت بها السلطات الإسرائيلية المحتلّة لم تسفر إلا عن الحضارة الإسلامية وآثارها من قصور أموية ومبان إسلامية، وإن العبث بالقدس وحضارتها وتاريخها وحقوق مواطنيها في أرضهم وإقامتهم لن يغيّر من الحقيقة الناطقة بإسلامية القدس ووجهها العربي والإسلامي، ولن يخالف الحقيقة من قال: إن القدس متحف لحضارة الإسلام والمسلمين، وهذه مساجدها درّة جبينها المسجد الأقصى المبارك بما اشتمل عليه من قباب ومساطب ومحاريب ومصليات، وهذه زواياها وتكاياها ومدارسها وأسواقها الإسلامية تشهد لكل ذي بصر وعقل على ارتباطها بالمسلمين وارتباط المسلمين بها؛ لهذا كله نهيب بالمسلمين دوَلا وشعوبا وحكومات أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في المحافظة على إسلامية وعروبة هذه المدينة والدفاع عن أقدس مقدساتهم فيها، كما نطالبهم أن يقفوا موقف العزّة في العمل على وقف هذا العدوان الدموي الذي يشنّ على أبناء هذا الشعب الصابر المرابط، ولا يقولوا كما قال الشاعر:
مررت علـى المروءة وهي تبكـي فقلت: علام تنتحب الفتـاة
فقالـت كيف لا أبكـي وأهلـي كلهم من دون خلق الله ماتوا
|