أما بعد: أيها المسلمون، مما يجدر بالداعية والناصح الغيور أن يبيّن للناس ما هم عليه وفيه وقت الحاجة، فهذا نبي الله شعيب قاوم بكل ما أوتي من قوة في مشكلة ظهرت في مجتمعه ألا وهي الغشّ والتطفيف في الميزان، وهذا نبي الله لوط حارب مشكلة اللواط في مجتمعه، وهذا نبينا محمد كان له مع كلّ مشكلة تظهر موقف وبيان وتعليم، والموفَّق من وفّقه الله لسماع القول فيتبع أحسنه.
ومن هذا المنطلق ـ عباد الله ـ ونحن في أول أيام الإجازة الصيفية وفّق الله الجميع فيها لكل خير ومتعهم فيها متاعًا حسنًا، فحسبي أن أنبّه ـ أيها المسلمون ـ على بعض الأمور المهمّة التي يجدر التذكير بها، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].
الأمر الأول ـ أيها المسلمون ـ هو قضية السّهر، فمن المعلوم شرعًا وطبعًا وطبًّا أنّ الله قد خلق الناس وخلق الليل والنهار، فجعل الليل لباسًا وسباتًا، فهو للنوم والهدوء وراحة للأبدان بعد تعب وكدّ النهار، قال تعالى: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا [النبأ:9، 10]، هذه هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، يشذّ عن هذه القاعدة من كانوا في شغل لا بد منه كأصحاب الوظائف الليلية التي لا بد منها.
أما أن يتحول الليل للسّهر غير المبرَّر وإلى وقت للتهريب وفعل الفواحش والتخريب ووقتًا لاقتراف الكبائر والجرائم ومسرَحًا للأعمال الخبيثة والأفعال القبيحة ومجمعًا للرذائل وإيذاء الجار وسهر على مطاعم ومشارب وأفلام خبيثة وخلوات محرّمة ومخدرات مضرّة فكل هذا من السهر المحرم، وإنما معهم الشيطان يؤزّهم أزًّا، يعِدهم الشيطان ويمنيهم بالأنس والانبساط، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
ومما يساعد على السهر في هذه الأيام طول النهار وقصر الليل وتأخّر حفلات الزواج، فحري بالقائمين على حفلات الأعراس أن يتّقوا الله في الناس، ولا يتأخروا في تقديم العشاء لهم، فالناس قد تكلّفوا الحضور إكرامًا للداعين، فحريّ بالداعين أن يخفّفوا على الناس انصرافهم إلى بيوتهم.
كان نبيكم يكره السهر بعد العشاء والحديث بعدها، وكان من هديه النوم في أول الليل، وكان إذا أوى إلى فراشه يجمَع كفيه ويقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [سورة الإخلاص] والمعوذتين، فينفث فيهما في كفيه ثم يمسح ما استطاع من جسده، يفعل ذلك ثلاثًا، كان إذا رقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول: ((اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك))، وكان يقول: ((باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))، وكان من هديه أن يقوم فيصلّي بالليل كما أمره ربه: قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً [المزمل:2، 3].
أيها الناس، لقد علم من السنة الصحيحة الصريحة الثابتة أن الثلث الأخير من الليل هو أشرف الأوقات ووقت نزول الرحمات واستجابة الدعوات، ذلك لأنه وقت ينزل الله العلي نزولاً يليق بجلاله وعظمته، وذلك كلَّ ليلة، فينادي عباده وهو الغني عنهم: هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، هل من سائل فأعطيه سؤله.
فينبغي أن يتذكر الساهر في الليل ويتنبه إلى فضيلة هذا الوقت المبارك، بل على بعض الناس أن يستحوا من الله حقّ الحياء، فالله جل وعلا يناديهم وهم على معصية من المعاصي قد اختفوا عن أنظار الناس، ولكن تحت نظر ورقابة من لا يخفي عليه خافية.
أيها المسلمون، والقضية الثانية هي قضية السفر، ويدعو الناس إليها وجود الإجازة وشدّة الحر وتوفّر نعمة المال عند من يسافر، ولست هنا اليوم لأقول للناس: لا تسافروا ولا ترتحلوا، فالسفر كما قيل: فيه سبعة فوائد، ولكن حسبي أن أنبه على أمور في السفر:
ما الوجهة التي يقصدها المسافر والغاية من هذا السفر؟ فالسفر إلى بلاد غير المسلمين أو إلى بلاد مسلمة يظهر فيها العري والخمور ويكثر فيها الزنا، فتلك بلاد لا ينبغي السفر إليها، وللمسافر أماكنُ كثيرة نظيفة غنية عن تلك الأماكن، والغاية من السفر إن كانت للأمور المحرّمة كشرب الخمور والرقص في المراقص الليلية ومعاشرة العاهرات والجلوس على شواطئ التبرّج والعري فذلك سفر ومقصد خبيث.
ألا وإني أنصح وأذكّر كلّ من كان هذا قصده وغايته أن يتّقي الله في نفسه، وليعلم أن تلك الأرض التي سوف يذهب إليها هي من أرض الله وخلق الله، وستأتي يوم القيامة تشهَد لك أو عليك، تلك الخطوات والأميال التي قطعت، كلّها والله ستكتب وسوف يشهد عليك يوم القيامة الشهود، ولن ينفعك والله ما متعت به نفسك من متَع زائلة تزول في وقتها ويبقى عليك رجسها.
والمسافر جرت السنة له بقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين رخصة من الله، وليس هناك تحديد لأيام محددة، بل طالما أنه مسافر عرفًا فيجوز له القصر، يستثنى من ذلك من كانت إقامته طويلة جدًا تقارب أن يكون استيطانًا وليس سفرًا، أما من سافر لقضاء حاجة أو نزهة فالسنة في حقه قصر الرباعية ولو تجاوزت مدة سفره أربعة أيام أو عشرة أيام أو شهر، وهذا القول الذي أفتى به شيخ الإسلام ابن تيميه والشيخ العثيمين رحمهما الله.
كما أنه لا يجوز للمسافر سفر معصية قد عزم الأمر على المعصية والعياذ بالله وأسرّها في نفسه والله مطلع على مكنون صدره وما هو عازم عليه ونيته، فمثل هذا لا يجوز له الترخص برخص السفر، ذلك أن الشريعة أتت للتيسير، فلا يمكن بحال القول بالتيسير على المسافر للمعصية فكأن الشريعة تساعد مثل هذا، هذا أمر صعب ومستبعد، والمسافر للمعصية لا يرخص له برخص السفر التي يتمتع بها المسافر السفر المباح الذي لا معصية فيه.
وأما الجمع بين الصلاتين فإن المسافر يجمع ما بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء، ولا يجوز الجمع في غير ذلك، فلا يجوز جمع الفجر مع الظهر، ولا العصر مع المغرب، ولا العشاء مع الفجر. ويستحب الجمع إذا كان يحتاج إلى ذلك، فإن كان هناك مسجد وجماعة فالأولى المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد.
ومن هدي النبي في السفر أنه كان يودع المسافر ويقول: ((أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)). وكان النبي يكره أن يسافر المسلم لوحده وقال: ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان))، فالمستحب للمسلم أن يسافر مع رفقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ونهى النبي عن سفر المرأة بلا محرم.
وكان النبي يحب السفر يوم الخميس، وكان إذا سافر سافر في أول النهار، وكان إذا ابتدأ سفر وركب دابته كبر ثلاثًا ثم قال: ((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل)).
وكان يكبر إذا علا أو هبط، وكان يصلي وهو على دابته صلاة التطوع في السفر يومي إيماءً، وكان إذا نزل منزلا استعاذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
وأمر النبي بسرعة الرجوع من السفر إذا قضى الإنسان حاجته، وقال: ((السفر قطعة من العذاب، فإذا قضى مهمته فليرحل إلى أهله)). وكره النبي أن يرجع الرجل إلى داره ليلاً فجأة. وكان من هديه صلاة ركعتين في المسجد قبل أن يبادر إلى بيته.
والنصيحة الثالثة في الصيف هي عن حفلات الزواج في هذه الأيام، نسأل الله أن يبارك لكل عروسين وأن يجمع بينهما خير.
لكن يا عباد الله، حفلات الزفاف في هذه الأيام فيها الكثير مما يغضب الله ولا يرضاه، فقضية الإسراف اليوم هي أم القضايا وأسّها، فلم تعد هناك مشكلة كبيرة في المهور عند أكثر البيوت, ولكن المشكلة في حفلة الزفاف التي أصبحت تحت وطأة مسايرة الناس والمشي على ما مشى عليه الناس، أصبحت تكلف الكثير من المال، ونحن اليوم ـ أيها العقلاء ـ يُستأجر مكان الاحتفال لمدة تقارب ست ساعات ويصرف من أجل هذه الساعات الستمائه ألف ريال أو أكثر ما بين إجار لمكان غالي الثمن وعشاء سببه كثرة المدعوِّين بدون سبَب وجيه واستئجار مغنّية وأشياء أخرى، فهل يعقل أن يصرف الشاب أو أبوه هذا المبلغ الكبير على ست ساعات؟! هذا أمر يصعب جدًا القبول به، وعلى العقلاء من الرجال تدارك هذا السفَه في الاحتفالات.
ومن مخالفات الأفراح عندنا اليوم دخول الأزواج على النساء، وهو مخالفة صريحة للشرع المطهر، وفيه إنقاص من الرّجولة، خاصّة إذا صاحب هذا الدخول رقص وأشياء أخرى يستحى من ذكرها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
|