أيها المسلمون، هذه الدار دار الدنيا هي دار امتحان واختبار وابتلاء، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2]. وهذا الاختبار نهايته تكون بالموت، ونتيجته يوم القيامة، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
ونحن في هذا الاختبار مراقَبون، وكل حركاتنا مرصودة، قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]. وكل قول نتلفظ به فإنه مسجل علينا، قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
أيها المسلمون، هذه الدنيا دار ابتلاء، فلنحذر أن تلهينا عما خلِقنا له، فمَثَل طالب الدنيا كمثل شارب ماء البحر، كلّما ازداد شربًا ازداد عطشًا حتى يقتله. وقيل: إن عيسى عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كلّ زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحفظهم، قال: فكم مات عنك أم كلّهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلتُ، فقال عيسى عليه السلام: بؤسًا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين؟! كيف تهلكينهم واحدًا بعد واحد ولا يكونون منك على حذر؟! وقال عليه الصلاة والسلام كما جاء في البخاري: ((ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع)).
أيها المسلمون، ها هم أبناؤنا في هذه الأيام يعيشون همّ الاختبارات، ومن هنا فإني أوجه بعض الرسائل للطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات.
أيها الطلاب والطالبات، العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه، فقال: "إني أرى أن الله قد ألقى في قلبك نورًا، فلا تطفئه بظلمة المعصية"، وقال الشافعي:
شكوت إلى وكيـع سوء حفظـي فأرشدني إلى ترك المعاصـي
وقـال: اعلم بـأن العلم فضـل وفضل الله لا يؤتاه عاصـي
فترك الصلاة أو جمعها أو تأخيرها بالنوم عنها بحجّة الإرهاق والتعب مع الاختبارات أو التخلف عنها في الجماعة، كل ذلك من الآثام والمعاصي التي تطفئ نور العلم الذي في قلبك.
أيها الطلاب والطالبات، حافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها، وستجدون العون والتوفيق من الله تعالى.
أيضًا في هذه الأيام نلاحظ أن بعضًا من أبنائنا قد انشغل بتناول المنبهات والمسكرات، والتي ينشط مروِّجوها في هذه الأيام في صفوف البنين والبنات، فهذه معصية حذّر الشرع منها وعاقب عليها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]. والخمر وإن سميت بغير اسمها فهي أم الخبائث، ومن شربها لا تقبل صلاته أربعين يومًا، وإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية كما جاء في الحديث الصحيح، وقال النبي : ((ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)) وهي صديد أهل النار. فاحذروا معصية المسكر والمخدّر؛ لأنها تطفئ نور العلم وتفسد الجسم وتمرضه.
أيها الطلاب، في أيام الاختبارات تكثر التجمعات الطلابية خارج المدارس، وتزداد جلسات الأنس على الأرصفة والمطاعم الشعبيّة والبوفيات وعلى شاطئ البحر وغير ذلك، وهذه فرصة ثمينة يستغلها ضعفاء النفوس للتغرير بأبنائنا ودعوتهم إلى سيئ الأخلاق، ودعوتهم إلى التعرف على بعض أصدقاء السوء، ودعوتهم على تعاطي الدخان وغيره، بل هذه فرصة أيضًا لاستعراض المهارات والعضلات من خلال التفحيط والعبث بالسيارات، أو التجوال حول مدارس البنات. ورجال الهيئة ورجال الأمن ـ وفقهم الله ـ يشتكون من كثرة المصائب والحوادث والمعاصي في هذه الأيام القليلة، بل إني قرأت في إحدى الصحف المحلّية أن الطالبات كذلك يجدن الفرصة في هذه الأيام للتجوّل في الأسواق والأماكن العامة.
فيا أيها الطلاب والطالبات، احذروا رفقاء السوء، وعليكم بالعودة للبيوت والخلود للراحة، ولا تطفئوا نور العلم بهذه المعاصي.
أيها الطلاب والطالبات، إنّ حرص المسلم على مستقبله أمر مهم، والمؤمن كيس فطن، والمؤمن يحرص على ما ينفعه ويترك ما يضره. ولعلكم تلاحظون جميعًا في هذه الأيام ومع الاختبارات تعرض المباريات التي تشغل أبناءنا عن دراستهم، فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، والملاحظ أن درجات الطلاب ومستوياتهم متدنية بشكل واضح وكبير، وبالذات لطلاب الثانوية العامة الذين سيتخرجون في هذا العام بإذن الله، ولن يلاحظ هذا إلا من كان مشاركًا في لجان التصحيح للثانوية العامة، ولعل لهذه المباريات دورا في تدني المستوى.
فيا أيها الأبناء، احرصوا على مستقبلكم، أنتم الآن في وضع يتطلب منكم الجد والاجتهاد، فلا تفرح وتأنس بدقائق يتبعها الندم والحسرة بقية العمر.
أيها المسلمون، في هذه الأيام تظهر معصية محرمة، ألا وهي ظاهرة الغش من الطلاب والطالبات، ومباركة بعض الآباء والأمهات، أو من قبل فزعة بعض المعلمين والمعلمات، وذلك بإتاحة الفرصة للطلاب والطالبات أثناء الاختبارات بمزاولة الغش وغض الطرف عنهم، والرسول قال: ((من غشنا فليس منا)). والغش له نتائج سيئة على المجتمع؛ فتخيل طبيبًا نجح بالغش فكيف سيكون ناصحًا للمرضى؟! ولماذا في هذه الأيام نسمع كثيرًا عن الأخطاء الطبية حتى ذهبت أنفس بريئة؟! لعله من الأسباب ظهور بعض الأطباء وبعض المهندسين وبعض الإداريين وبعض الفنيين وبعض المختصين الذين درسوا وتخرجوا ولكنهم بالغش، فغضّ المجتمع بأكمله حتى وجدنا النتيجة فيما نقرؤه في الصحف وفيما نسمعه في الإذاعات، وصدق رسول الله : ((من غشنا فليس منا)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
|