إخوة الإيمان، لقد تحدّث القرآن الكريم عن طوائف من الأعداء ليحذر المسلمون صنيعهم، وليتّقوا شرورهم، ولتستبين سبيل المجرمين، لكنه خصّ بالعداوة قومًا، وحذّر وأنذر واستوعب الحديث فئةً اندسّت قديمًا، ولا تزال تندسّ بين صفوف المؤمنين حديثًا؛ خِداعًا وكَذبًا وتزويرًا، قال الله فيهم: هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4]. وحذر النبي منهم، واشتدّ خوفه على أمته منهم، فقال: ((أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان)).
وفي الحديث ـ أيها المسلمون ـ عن النفاق والمنافقين حديث يبدأ ولا ينتهي، كيف لا وقد جاء الحديث عنهم في أكثر من نصف سوَر القرآن المدنيّة؟! حتى قال ابن القيم رحمه الله: "كاد القرآن أن يكون كلّه في شأنهم".
عباد الله، أعداء الأمة الإسلامية كثر، ولكنه حصر العداوة بالمنافقين في قوله تعالى: هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ، يراد به إثبات الأولويّة والأحقّية للمنافقين في هذا الوصف، ولا يراد منه أنه لا عدوّ لكم سواهم، بل على معنى أنهم أحقّ بأن يكونوا لكم عدوًا من الكفار المجاهرين بكفرهم، فإنّ الحرب مع أولئك ساعة أو أيام ثم تنقضي، ويعقبها النصر والظفر، وهؤلاء ـ أي: المنافقون ـ معكم في الديار والمنازل، صباحًا ومساءً، يدلّون العدو على العورات، ويتربّصون بالمؤمنين الدوائر، ولا يمكن بل يصعب مناجَزتهم.
فيا ويح المنافقين! يظنون أنهم يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، وخابوا وخسروا وإن زعموا الإصلاح، فهم مفسدون بشهادة العليم الخبير: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12]. ومهما تطاولوا على أهل الإيمان ورموهم بالسفاهة أو غيرها من رديء الألفاظ فهم أهل السفاهة بشهادة القرآن: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13].
أيها المسلمون، لا يغترّ المؤمنون بنصح المنافقين لهم وإن زعَموا النصح، وإن حلفوا وأقسموا بالله أنهم ناصحون وأنهم ينصحون لأجل أن يخلوا مسؤوليتهم وأمانتهم أمام الله، فإنهم كذَبَة كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون:1، 2]، فهم يستتِرون بالحلف الكاذب ليثقَ بهم الناس، ولكن الله قد حذّرنا منهم فقال عنهم: هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ.
أيها المسلمون، أكبر قضية يدندن حولها المنافقون قضية المرأة وإصلاح المرأة، والعجيب أن الله بعد أن أمر بالحجاب للمرأة في سورة الأحزاب بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، بعد هذه الآية مباشرة حذر الله من المنافقين فقال: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا [الأحزاب:60، 61] فهم يرون أن صلاح المرأة في خروجها من بيتها والله جل وعلا يقول: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، ويرون أن صلاح المرأة يكون بتبرجها وقيادتها للسيارة وخروجها بدون إذن وليها، ويزعمون أن المرأة لن تصلح إلا إذا أخذت حريتها بالكامل، وذلك من خلال فصلها عن قوامة الرجل عليها، ومن خلال اختلاطها بالرجال وجلوسها معهم على طاولة العمل ونحو ذلك. وفي الحقيقة أن هؤلاء المنافقين يريدون الإفساد وليس الإصلاح، أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ. وقضية المرأة هي قضية المنافقين الكبرى، فبفساد المرأة يفسد المجتمع، والرسول حذر من فتنة النساء فقال: ((فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).
أيها المسلمون، إن الأمر المزعج هو ما يفعله المنافقون اليوم بالذات مع الأحداث الأخيرة، فالمتابع للصحف يجد كتابات كثيرة ضدّ العلماء وضدّ الجهاد، بل ضدّ السنة كذلك، فلم يسلَم هيئة كبار العلماء ولا العلماء ولا الدعاة ولا طلبة العلم من لمز المنافقين وهمزهم. وإن هذه الكتابات الصريحة ضدّ الصحوة الإسلامية لهي تزيد الأمر سوءًا وبلاءً، بل والعجيب أنهم يحمِّلون ما حدث المناهجَ، وأي مناهج يقصدون؟! طبعًا المناهج الشرعية، حتى إن أحدهم يقول: "إن المناهج التي يدرسها أبناؤنا هي السبب في ظهور الغلو والتكفير". وهذا شأن الذين في قلوبهم مرض، المناهج الآن عليها هجوم شرِس، وبالذات فيما يتعلق بالولاء والبراء، فأحدهم يقول: "إن المشكلة من داخلنا"، كيف؟! قال: "بسبب كتب أئمة الدعوة"، وأوصل الأمر بطريقة إلى منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، يعني أن الذي ينشئ الغلوّ والتكفير هي كتب الدعوة وكتب أئمة الدعوة.
وكلنا يعلم أن أعظم نعمة امتن الله بها على هذه البلاد هي نعمة الدين الصحيح، نعمة التوحيد، عقيدة أهل السنة والجماعة، وكلنا ولله الحمد تعلّم ودرس هذه المناهج، وأبناؤنا الآن يدرسون وليس عندهم غلو وتكفير، بل نجد عندهم العكس تمامًا من تفريط ومعاصي وتقليد للغرب وسخريّة بالدين وترك للصلاة وتساهل بالعبادات والتشبّه بالغرب مع دراستهم أن التشبّه لا يجوز، فهذا أكبر دليل أنه يوجد تفريط في الجانب العملي وليس الغلوّ كما يزعم المنافقون، بل أقول: إن كتاب التوحيد الذي ألّفه إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيه تحذير من الغلوّ، وقد قال : ((إياكم والغلو)). وقد حدث الغلوّ في عهد الرسول عندما حرّم أحدهم على نفسه اللحمَ، والثاني حرم على نفسه الأزواج، والثالث حرم على نفسه النوم، والرابع حرم على نفسه الإفطار، فبيّن النبي أن هذا مخالف لسنته وأنه غلوّ، فإذا وجد الغلوّ في عهد الرسول وفي عهد الخلفاء الراشدين فمن الطبيعي أن يوجد الآن، فالغلو موجود، ولكن بشكل شاذّ ولله الحمد، فالغلو ولله الحمد ليس سمةً ظاهرةً في طلاّبنا ولا معلّمينا ولا مجتمعنا حتى تحارب هذه المناهج، فهؤلاء الذين يطرحون هذه القضايا هم أكذب الناس في بحثهم عن حلّ المشكلات وإن أقسموا الأيمان أنهم يريدون الإصلاح.
ما جاء المنافقون بحلّ مشكلة أبدًا، فهم الذين أثاروا الفتن في عهد النبي ، وهم الذين يثيرون الآن الفتن في مجتمعنا، وهم الذين يسبِّبون الغلو في الحقيقة. لماذا تتَّهَم المناهج؟! لماذا تتَّهَم كتب أئمة الدعوة؟! لماذا يُتَّهم العلماء؟! لماذا يتَّهَم طلاب العلم؟! لماذا يتَّهَم الخطباء؟! لماذا يلمَز بالسنة وبالمتمسكين بالسنة؟! أين نحن أيها الإخوة؟! فيجب أن نكون على مستوى الوعي، وأن نحذر من هؤلاء المنافقين الذين لا ترتفع رؤوسهم إلا عند الفتن والعياذ بالله؛ ليخرجوا ما في صدورهم من غلّ وحقد على كتُب السنة وعلى هذا البلد وعلى أهله ومجتمعه وإن زعموا الإصلاح، فإنه لا يوجد أحد أبدًا يدّعي الإفساد، حتى فرعون يقول لقومه: مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29]، بل ويخاف على قومه من موسى فيقول لقومه عن موسى: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26]. ففرعون يرى أنه هو المصلح، وأن موسى هو المفسد، وكذلك المنافقون يقول تعالى عنهم: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، فهم يدعون الإصلاح وهم المفسدون حقيقة كما قال الله عنهم: أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
|