.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الأمة الإسلامية آلام وآمال

3115

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

عبد الرحمن السديس إمام الحرم

مكة المكرمة

4/1/1424

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الاعتبار بانصرام العام. 2- كيف تستقبل الأمة الإسلامية عامها الجديد؟ 3- درس الهجرة النبوة. 4- سبيل القوة والعزة. 5- التحذير من التغريب. 6- حراسة العقيدة والفضيلة. 7- التنديد بالحملات الظالمة على الإسلام والمسلمين. 8- دعوة للاتحاد والائتلاف. 9- نداء لعقلاء البشرية وللعلماء وللدعاء ورجال الحسبة والتربويين. 10- أهمية الزمان. 11- الحث على الجدّ والمثابرة في العمل الصالح. 12- فضل شهر الله المحرم ويوم عاشوراء.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عبادَ الله، على إثرِ الوصيّة بالتقوى نبتهلُ إلى المولى جلَّ وعلا أن يُهلَّ هذا العامَ على أمّة الإسلام بالأمن والأمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحبّه ويرضاه، فإنّه إذا استُعين أعان، وأن يجعلَ من هذا العامَ نصرًا للإسلام والمسلمين في كلّ مكان، وأن يعمَّ بالخير والعدل والسلام كافةَ بني الإنسان، وأن يجعلَ حاضرَ أيّامنا خيرًا من ماضيها، ومستقبَلها خيرًا من حاضرِها، وأن يحفظَ أمةَ الإسلام من شرور الحوادِث والفتَن وغوائلِ الكوارث والمحن، إنّه سبحانه وليّ الجود والإحسان والكرم.

أيّها المسلمون، ويدور الزمانُ دورتَه، وليسَ تمّة معتبِرٌ في زحمَة الأحداث إلا مَن أنار الله بصيرتَه، فتفتّقت قريحتُه عن موارد الرِّفعة، فمضى يلتقط سُويعات عُمره، لا يلوي إلا على مجالاتِ العمل الصالح وميادينِ البرّ والطاعة، والتجافي عن دروب التفريط والإضاعة.

وها هي الأمّة الإسلامية قد ودّعت عامًا هجريًّا مضى وتولَّى، ولم يبقَ منه إلا ذكرَى ما تبدّى فيه من الخير وتجلَّى، ودّعْنا العامَ الماضي كما يودِّع المرء يومَه عند انقضائه وقد تذكَّر ما لقي بين صباحه ومسائه، وما تقلّب عليه من حالَي كدرِه وصفائه، حزنٌ وسرور، ضعةٌ وظهور، سعادة وابتلاء، شدَّة ورخاء، فطوبى ثمّ طوبى لمن عمرَه بجليل الطاعاتِ والقربات، ويا بشرَى لمن أودَع خزائنَه الحسناتِ وحاذرَ فيه المعاصيَ والسيئات.

معاشرَ المسلمين، العامُ الهجريّ الجديد ضيفٌ محبَّب لطيف ومغنَم آهِل وريف، فيه الأمَل والانشراح، والتفاؤل والارتياح، بهجر المآسي والجراح، ولكن بكلِّ أسًى انبلَج صبحُ هذا العامِ الجديد ولم تختَطَّ أمتُنا الإسلامية بعدُ سبيلاً يبلغ بها معارجَ العزّة والصلاح، ولم تقِم لها عزًّا يعصِمها من تطاول الطامِع والمجتاح، ومع هذه الخطوبِ الوشيكة الملمَّة والعواصف المحْدقة المدلهمَّة يبقى التفاؤل ديدنَنا، والأملُ المشرق رائدَنا، أمَّا دِماء الأمة فبالتوحيد تجري، وأمَّا قلوبُها فبالإيمان تنبض وباليقين تثري، وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [الصف:8].

وإنّنا لنرجو أن تكونَ مناسبة الهجرةِ النبوية خيرَ أوانٍ للتصحيح والمراجعة، وأفضلَ زمان للتصفية والمحاسبة، لتدركَ الأمة أن تأسيسَ الأمور وإحكامَها وتمهيدَ القواعد وإتمامها رهينُ استعصامها بكتاب ربّها واستمساكها بسنّة نبيّها ، كيف وفيهما الفلَقُ والسناء، والفرقُ بين النعيم والشقاء، في معتقدٍ صحيح ومنهج سليم، ليس يعروهما ريبٌ ولا امتراء، ومن تطلّب المجدَ والكمالَ في سواهما فقَد رامَ المحالَ، وباء بالوبالِ، ولم يكن له من الله نصيرٌ ولا وال.

إخوةَ الإيمان، إنَّه لن تستبدلَ الأمة ضعفَها بقوَّة وهوانها بعزةٍ إلا إذا عادَت إلى ذلك الطراز العالي الذي سطّره السلفُ في العصور الخوالي، أعني إبرازَ الحقائق والمحاسن لهذا الدين التي سعِد بها المصطفى وأصحابُه رضي الله عنهم، وأسعَدوا بها العالَم قرونًا من الزمان، وسيُصلح الله شأنَنا إذا نظَرنا في مرآة الشريعة ما شانَنا، وممّا يعين على امتثال ذلك لزومُ المصداقيَّةِ مع النفس والمجتمع والأمّة في القول والعمل والملّة، لّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ [الأحزاب:24]، وما ازدهارُ الأمَم ورفعتُها إلا ثمرةُ الأعمال الصادقة المخلِصة التي يقدّمها رجالُها البررة المخلصون وبنوها الأوفياء الصادقون.

وهنا لفتةٌ إلى رجالِ الفِكر وحملَة الأقلام وأربَاب الثقافة والإعلام أنَّهم لن يجِدوا في أعطاف الأمّة ارتياحًا لطرحٍ وانعطافًا لعرضٍ مهما تدفَّقت من حروفه الجدّة والإثارة إلا إذا كان مُفعَمًا بالنفع والحكمة، وما الحكمةُ إلا لزومُ المصداقية في الحوار، والدعوة إلى الحقّ بالحقّ، وسلوك مسالك الإصلاح بالبرهان والرويَّة والرفق والأناة، وعدم الوقيعة في ثوابت الأمَّة وحملة الشريعة إذكاءً لتماسك جبهة الأمّة الداخلية، وحفاظًا على أمنِها الشامِل بكلّ مضامينه، واليقين بأنَّ عمقَ الطرح في عموم الوسائل والقضايا وجميع الشؤون والشجون دليلٌ على توجّه الأمة إلى ميادين البحثِ الجادّ في أسباب العِلل والأدواء، والتأكيد على المحافظة على معالِم شخصيّة الأمّة وعدم المساس بثوابتها، والاعتزاز بتأريخها وحضارتها، وعدَم شَوْبها بما يعيبها من الثقافات الدخيلة، ومتى أعظمتِ الأمة تأريخَها وثوابتَها نالت السؤددَ والكرامة، وفوّتت الفرصةَ على الخصمِ المتربّص أن يستجرَّها إلى ألوانٍ من الإرهاب الفكري، فيقضي على مكامِن القوّة في حضارتها، وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120].

إخوة العقيدة، ومن معارِج الرّقيّ في سلّم النجاةِ للأمة العنايةُ بحراسة العقيدة والفضيلة، والتركيزُ على جوانب التربية الإسلامية للنشء والأجيال، وانتشالهم من مباءات الرذيلة ومستنقعات المخدرات، تحصينًا لهم من التحدّيات الفكرية المعاصرة.

فليتَ شعري هل تحسنُ الأمّة الإسلاميّة استثمارَ وسائل العصر وتِقاناته؟! وهل تقف بحزمٍ ومواثيقِ شرفٍ أمامَ تلك الفضائيات الوبيئة الحالقة للدين والفضيلة، ومبلغِ ما تنضح به من السموم والهموم التي استطار شررُها إلى السماء، فرشقت كثيرًا من الشباب والفتيات بوابلٍ من سهام الضياع والفناء؟! ولئن أجَلْنا النظرَ في بناءِ هيأة كثير من الأسَر والمجتمعات ظهرَت الثُلمة الواسعة بين أفرادِها جرّاءَ الانتكاس في حنادِس الرذيلة، فانتزعت منهم الرشدَ والصواب، وألقت بهم في بيداءِ الضياعِ والمعرَّة والاضطراب، ويلفُّك الأسَى أن كان بعضهم مستبِقًا إلى أثارةٍ من فكرٍ أو ثقافة، وزُيّن له أنَّ هذه الأصباغ والمكاييج الخادعة هي المدنية المبتغاة والحضارة المرتجاة، وإذا كانت الأمة ـ يا عباد الله ـ في نزواتها تحترِق فيوشِك الغيور أن يرى أنَّها تحتَ رِقّ.

أمّة الإسلام، ومن غيوم الفِتن التي تصاعدَ دخانُها في سماء الأمّة ويرجى مع بداية العام انقشاعُ هذه الغمّة ما مُني به الإسلام من حملاتٍ ظالمة وهجمات عاتية من أقوامٍ غلا الكيدُ من مراجِل قلوبهم، فطفح زبدُ أقلامهم، وعلا فحيحُ إعلامهم، ولم يهتدوا للوقوف على معاني الإسلام وحقائقِه، فناصبوه الهجوم، وبدا على سُبُحات وجوههم الوجوم[1]، وتلقَّفهم بكلِّ أسًى وأسف ببغاوات من بني جلدتِنا، فانثنَوا في نشرِ سلبيّات المدنية الغربيّة بين ظهرانَي الأمّة، رافعين عقيرتَهم أن الداء آتٍ من الإسلام، مطالبين بتغيِير مناهجِه وتشويه مباهِجه، ولهؤلاء يقال: اربعوا على أنفسكم، واعلَموا أنَّ الإسلام في الذؤابة من الكمال والجمال والجلال لكلِّ من سلِمت فطرته، ولم يعْشُ قذى الانهزاميّة والتبعية عينيه فطُمست بصيرتُه، ولعلَّ الفرصةَ جدُّ مواتية لكم للفيأة إلى حياض الحقّ والولاء، لينهض الجميع إلى ميادين الإصلاح والبناء والإعمار والنماء. إن عرضَ الإسلام بمحاسنِه وعالميَّته طوقُ النجاة للأمة من تحدّيات تيّار العولمة المعاصرة.

أمّة الإسلام، ومن الأصول المهمّة التي يجب أن نتنادى بها ونتواصى ـ والأمة في بداية عامها ـ الدعوةُ الحرّاء إلى الاتّحاد والائتلاف، إلى العُروة الجامعة الإسلامية المتينة، وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103]، وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46]، والتحذيرُ من الشعارات الضيّقة والولاءات المحدودة الآسنة التي كانت ولا تزال منبعَ الشقاء ومبعثَ العناء، وحالُ الأمة الراهنُ ـ أيها الكرام الأماجد ـ أجلى برهان، تدابرٌ وتنافر، فرقة وتناحرٌ، عشوائيّة وفوضى، اتحادٌ على الاختلاف، وعزوف عن الترابط والائتلاف، واتفاقٌ على عدَم الاتفاق، ولسان الحال: أطويلٌ طريقُنا أم يطول؟!

وكلّما انبَرى عبدٌ لله موفَّق رشيدٌ لغَرس هذه الركيزة وتأسيسها في الأمّة انثنى بعضُ الموتورين شوكةً في لهواتنا وطعنةً في خاصراتنا، يقذِف بالمهازِل والمزايدات، ويهرِف بالسَّفه والمهاترات، متغافلاً عن كونِ الأمّة الإسلاميّة تكابِد الشدائدَ وتعاني المرائر في عالمٍ متغيِّر، وفي مرحلة عصيبة لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه.

وحينما يستمرّ الهذيانُ ويُستمرَأ الكذِب والبهتان يُقيِّض الحقّ عبدًا لله مُلهَما، ينصر الحقَّ، ويوضّح للخلق بحزمٍ وحقّ مَن هؤلاء الأقزام ربائِب الغرب وأفراخُ الاستعمار، بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18].

فيا أيّها القادة والزعماء، ها قد أظلّكم عامٌ هجريّ جديد، والعالَم في توجُّسٍ والمنطقة في احتِراب، وحبل استقرارِها في قلقٍ واضطراب، فاستجلوا في حادث الهجرة النبويَّة عبرةَ الاتّحاد والتناصر، والتخطيط الواعي للنهوض بالأمة من كبوتِها، والدفاع عن مقدَّساتها، من إرهابِ الدّولة الصهيونيّة الغاشمة، وصونًا لها عن ويلات المحن التي ذرّ قرنُها في الأفق، ولا يفوتنّكم أنَّ الخصوم هم الخصومُ بل ألدّ، وأنَّ التحدياتِ هي التحدياتُ بل أشدّ.

ويا عقلاء البشريّة وشرفاء الإنسانية، لا بدَّ من الاستيقان أنَّ اتباعَ الرّسالات والشرائع وذوي العقولِ الحجى في العالم يرومون دوامَ الأمنِ والاستقرار والسلام، وينادون بضبط النفس وتحكيم صوت العقل والمنطق، حتى تُجنَّب المنطقة مخاطرَ الكوارث والحروب وويلاتِ الحوادث والخطوب.

وما الحربُ إلا ما علمتُم وذقتمُ ...............................

 

................................... والرأيُ قبلَ شجاعةِ الشجعـانِ

أيّها العلماء، أنتم الأمناءُ على وحي السماء، ركّزوا في مجتمعاتِكم بوجوبِ الائتلاف ونبذِ الفرقة والاختلاف، اجمَعوا الأمَّة على كتابِ الله وسنّة رسوله ، اسلُكوا مسالكَ التيسير للأمة على ضوء النصوص والقواعد والآداب والمقاصد، جِدُّوا في الذَّود عن حياض دينكم وجناب نبيّكم باللسان والبيان، وجِّهوا الأجيالَ إلى ميادين الرفق والحكمة والأناة والتحصيل العلمي الأصيل، علِّقوا آمالَ الأمَّة بربّها بعدما دبّ اليأسُ والإحباط والخوف والهلع والقلق والفزع في قلوبِ كثيرين، فما من يدٍ إلا يدُ الله فوقَها.

دعاةَ الإسلام، جدِّدوا ما اندَرس من الأخلاق والآداب والفضائل المثُل العليا، أحلّوا بين جنباتِ المجتمع الترابطَ والتراحم والتعاون والتفاهمَ، واجمَعوا قلوبَكم على الاعتصامِ بالوحيين تسعَدوا وتُوَفَّقوا في الحياتَين، ألم يئِنْ الأوانُ ـ يا دعاةَ الإسلام ـ لإغمادِ سيوفِ المعارك الوهميّة الموجّهَة لصدور الإخوة والأحبَّة؟!

أيّها المحتسبون، بوركَت جهودكم، ونِعم الدِّرع للأمّة أنتم، فاللهَ اللهَ في الأساليبِ الشرعية والآداب المرعيّة، إظهارًا للصورة المشرقة للإسلام وأهله.

أيّها التربويّون، اللهَ اللهَ في الرقيّ بالمرأة المسلمة في معارج العفَاف والطّهر، ودونَكم الشّباب، أحيُوا نفوسَهم بالأمَل والثقة بحقيقةِ الدّين، واغرِسوا في صدورِهم علاءَ المراشد والشموخ ومعاليَ الأمور وعزائمها، أكِّدوا في أطروحاتِكم بالفيأة إلى كلِّ ما يُرضي خالقَكم وبارئَكم، ملتزمين المنهجَ الوسط حيث لا غلوَّ ولا شطَط، مظهِرين سماحةَ الإسلامِ وما يدعو إليه من معالي الأخلاق والقيَم وفضائل المثُل والشيَم.

والله المسؤول أن يصلحَ الحال، ويوفّق الجميع لما فيه خيرُ الحاضر والمآل، إنّه كريم العطاء جزيل النوال.

نفعني الله وإياكم ورفعنا بالقرآن العظيم وبهدي سيّد المرسلين، أقول ما سلف، وفي ما عند الله عِوَض لي ولكم من كلّ خلف، فاستغفروه توبوا إليه، إنه كان حليمًا غفورًا.


 



[1] وجَم بالفتح يجِم وجوما، وهو ظهور الحزن وتقطيب الوجه منه مع ترك الكلام. قاله في مشارق الأنوار.

الخطبة الثانية

الحمد لله مقدِّر الأزمانِ والآجال، ومبدِع الكون على غير سابق مثال، جلّ ثناؤه يعجز عن وصفِه بليغ البيان والمقال، أحمده تعالى وأشكره وهو أهلٌ للشكر على كلّ حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعَال، وأشهد أن نبينا محمدًا أزكى الخليقة محتِدًا وأكرمهم في الشمائل والخصال، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، المخصوصين بالرضا وأفضل الخلال، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حقَّ التقوى، واعلَموا أنَّ الأعمارَ سريعة الانقضاء فلا تبقَى، وتزوَّدوا من التقوى تزكو أحوالكم وفي معارج القبول ترقَى.

أيّها الإخوة المسلمون، إنَّ عامَكم الجديدَ قد استهلّ، فاستصفوا له من صالحِ الأعمال ما جلّ، ورحِم الله امرًا حاسَب نفسَه، وتابَ ممَّا يوجب يومَ العرض على الله بخسَه.

إخوَة الإيمان، إنَّ الإسلام يعظِّم من شأنَ الزمان، ويقرِن ذلك بصفتَي التقوى والإيمان، إِنَّ فِى ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ [يونس:6]، أولئك ـ يا رعاكم الله ـ من جعلوا الحياةَ الدنيا معبَرًا لرفعتِهم، وقنطرةً لصلاحهم واستقامتِهم، وذلك باكتساب المآثر والحسنات والبُعد عن المعاصي والسيئات، ورفعة أمتهم وسؤددها بدفع الأعاصير عنها والشّبهات وردِّ الحملات والهجمات.

أمَّا الذين استكانوا إلى الحياة ونفَروا عن العلياء وعلوّ الهمَّة وبلوغ الجوزاء فقد أصيبوا ـ عياذًا بالله ـ بالذلة والمذمّة، وإنَّهما لملقيان في دياجير الخسران، ويوم القيامة يُسألون فيشخصون، وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].

ألا وإنَّ من النِّعم التي لا ينهض بشكرها اللسان أن النَّصفَة قاطبةً لمْ ولمّا ولنْ يجِدوا بلادَ الحرمين الشريفين رعاةً ورعية على تجدّد الأعوام بإذن الله إلا في ميادين الدّفاع عن الحقّ والعدل والإسلام والسّلام بمنّ الله وكرمه.

أيّها الأحبّة في الله، اشكُروا الله على ما بلّغكم غرّةَ هذا العام، ولعلّه يكون غرّة انطلاقةٍ للجدّ والاجتهاد في الأعمال الصّالحة، وعلى ما تعيشون هذه الأيام من فاتحة شهور العام شهر الله المحرّم، فمكانتُه عظيمة بين الشهور، وأفضلُ أيامِه يومُ عاشوراء الذي نصر الله فيه نبيَّه موسى عليه السلام على فرعون وقومِه، فصامه شكرًا لله عز وجل، وصامه نبيّكم وحثّ على صيامه، ففي صحيح مسلم أن رسول الله سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: ((أحتسبُ على الله أن يكفِّرَ السنةَ التي قبله))[1].

فبادِروا ـ عباد الله ـ إلى اغتنام هذا الأجرِ العظيم اقتداءً بأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام مع صومِ يومٍ قبله أو بعدَه، فهنيئًا لمن شمّر لعامِه عن ساعدِ الجد والاجتهاد، وأجرى في ساحات القربات سابِقات الجيَاد، ويا لفوز المشمِّرين، جعلنا الله وإياكم منهم بمنّه وكرمه.

هذا، وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خير الورى كما أمركم الباري جل وعلا فقال سبحانه: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلِّم على النبيِّ المصطفى من بني هاشم، الحبيب المجتبى أبي القاسم، ما تجدَّدت الأعوام وتعاقبت المواسم، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء...



[1] أخرجه مسلم في الصوم (1162) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً