أما بعد: عباد الله، كل الكتب السماوية وكلّ الأعراف الأرضية والقوانين الوضعية وكل الأخلاق الإنسانيّة تحرّم الاستهزاء بالرسل والرسالات، وتجرّم الاعتداء ببذيء القول على كرام الناس وقادة الإنسانيّة، فكيف إذا كانوا رسلاً كِراما وأنبياء عِظاما؟! بل كيف إذا كان المعتدَى عليه هو محمد ، محمد الذي أضاءت أركان الكون وتفلّجت فجاج الأرض بمبعثه؟!
وغير خفيّ على مَنْ يَقْدُر هذا النبيّ قدرَه أن ليس في طوق كاتب ولو ألقَت إليه البلاغة أعنّتَها تقصِّي المعاني التي انطوَت في هذه السيرة العظيمة، فهو الرسول العظيم والنبيّ الكريم، بل هو أفضل الرسل قاطبة، هو خير خلق الله أجمع، هو خير من ركب المطايا، ما ولدت النساء مثلَه، وما أظلّت السماء له نظيرا.
كلّ نبي يبعث إلى قومه وبعث للثقلين: الأنس والجن، ورسالته هي خاتمة الرسالات، وهو خاتم الأنبياء والرسل، لا نبي بعده، فرسالته باقية ما دامت السموات والأرض.
هو من يفتح الجنة، هو الشافع المشفّع في المحشر، قال : ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشقّ عنه الأرض))، يقول أبو هريرة : (ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله ، كأن الشمس تجري في وجهه)، وقال ابن عباس: (كان رسول الله أفلج الثنيّتين، إذا تكلم رئي كأن نورًا يخرج من بين ثناياه)، وعن أنس قال: (كان رسول الله أزهر اللون، كأن عروقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّى، وما مسست ديباجًا ولا حريرًا ألين من كف رسول الله ، ولا شممت مسكًا ولا عنبرًا أطيب ريحا من رسول الله ).
فصيح اللسان، واضح البيان، بليغ القول، موجز العبارة، موضح في الإشارة، غير متكلّف في اللفظ، جميل المنطق، سلس مبين، أوتي جوامع الكلم وبدائع الحكم.
وصفته أم معبد في طريق هجرته فقالت: (رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه تجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشعاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطح، أحور، أكحل، أزجّ، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأحلاهم من قريب، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظِمنَ يتحدّرن، ربعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفّون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود، محشود، لا عابس، ولا مفنّد).
وقيل في شأنه أيضًا:
بلـغ العلـى بكمـاله كشف الدّجـى بجماله
حسنـت جميـع خصاله صلّـوا عليـه وآلـه
وقال حسان:
وأحسن منك لم تر قطّ عيني وأفضل منك لم تلد النساء
خلِقت مبرّأً مـن كل عيب كأنك قد خلقة كما تشاء
وفوق هذا وذاك قول الحق تبارك وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
يـا من له الأخلاق ما تهوى العلا منهـا ومـا يتعشق الكبراء
زانتك في الخلق العظيـم شمـائل يغرى ِبِهن ويـولع الكرمـاء
فإذا سخوت بلغت بالْجود الْمدى وفعلت مـا لا تفعـل الأنواء
وإذا عفـوت فقـادرا ومقـدّرا لا يستهيـن بعفـوك الجهلاء
وإذا رحـمـت فأنـت أم أو أب هـذان فِي الدنيا هُما الرحماء
وإذا غضبـت فإنمـا هـي غضبة في الحـق لا ضغن ولا بغضاء
وإذا رضيـت فذاك من مـرضاته ورضـا الكثير تَحلّم وريـاء
وإذا خطبـت فللمنـابـر هـزة تعرو النديَّ وللقلوب بكـاء
وإذا قضيت فلا ارتيـاب فكأنَّمـا جاء الخصومَ من السماء قضاءُ
وإذا أخـذت العهـد أو أعطيتـه فجميـع عهدك ذمة ووفـاء
وسمعتم ـ عباد الله ـ ما فعل أهل الحضارة بزعمهم، فأين الحضارة من سب الرسول؟! أين حقوق الإنسان التي يزعمون؟! أين الأخلاق التي يدعون؟! أين المبادئ والقيم؟! بل إنها براء منهم ومن أفعالهم.
إن الله يغضب أن ينال رسوله بسوء: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ [سورة المسد]، وقال في العاص بن وائل: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [سورة الكوثر]، فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137]، فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:94، 95]، أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [سورة الشرح].
إن عرض رسولنا ليس كلأً مباحًا لكل أفّاك أثيم، ولا حمى مهينا لكل أمّة، لقد هجا أحد المشركين رسول الله فما كان من شاعر الرسول حسان إلا أن تصدّى له فقال:
ألا أبلغ أبـا سفيـان عني فأنت مُجوف نخب هواء
بأن سيـوفنا تركتك عبدًا وعبد الدار سادتها الإماء
هجوتَ محمدًا فأجبت عنه وعند الله فٍي ذاك الجزاء
أتهجوه ولستَ لـه بكفءٍ فشرّكما لخيركما الفداء
هجوتَ مبـاركًا برًّا حنيفًا أمينَ الله شيمته الوفـاء
فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحـه وينصُره سواء
فإن أبي ووالده وعرضـي لعرض محمد منكم وقاء
لسانِي صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدّره الدلاء
فقال له : ((وقاك الله حرّ النار يا حسان)).
عباد الله، نحبّ الرسول وندعي ذلك، فماذا قدمنا؟ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31]. هذه الآية الكريمة حاكمة على كلّ من ادّعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتّبع الشرع المحمدي والدين النبويّ في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: ((مَنْ عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، ولهذا قال: إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ، أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: "ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ"، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: "زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية فقال: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ".
عباد الله، في الصحيحين عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: ((وماذا أعددت لها؟)) قال: ما أعددت لها كثير عمل، إلا أنني أحب الله ورسوله، قال النبي : ((المرء مع من أحب))، يقول أنس : فما فرحنا بشيء كفرحَنا بقول النبي : ((المرء مع من أحب))، ثم قال: وأنا أحب رسول الله وأبا بكر وعمر، وأرجو الله أن أحشر معهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.
إن محبة الرسول أصل عظيم من أصول الدين، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.
وإن الحديث عن محبتهم رسولَ الله وآحاده ضرب من العجَب ونذكر بعض المواقف معدودةً لنرى كيف كانت محبة الصحابة لرسول الله :
هذا خبيب بن عدي مصلوبًا على خشبة القتل عند قريش، يقولون له: أتحبّ أنك سالم في أهلك وأن محمدًا مكانك؟ فيقول: والله، ما أحب أني سالم في أهلي وتصيب محمدًا شوكة. إنه لا يجعل قتله كفاء لقتله، ولكنه يرى موتَه هو أهون عليه من أن يصاب رسول الله بأدنى أذى حتى الشوكة.
وتلك أم سُلَيْم رضي الله عنها حين قال عندها رسول الله فجعلت تسلت العرق عن جنبه الشريف في قارورة معها، فاستيقظ بفعلها فقال: ((ما تصنعين يا أم سليم؟)) قالت: عرقك يا رسول الله نجعله في طيبنا.
ويقول سهيل بن عمرو: لقد دخلت على الملوك وكسرى وقيصر فما رأيت أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمدٍ محمدًا.
قال الله تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24].
قال القاضي عياض في شرح الآية: "فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها ؛ إذ قرّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وتوعدهم بقوله تعالى: فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضلّ ولم يهده الله".
وقال الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6]، وقال النبي : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))، وقال أيضًا: ((والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده))، وعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي : ((لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي : ((الآن يا عمر)).
رأى عبد الله بن المغفل رجلا من أصحابه يخذف فقال له: لا تخذف فإن رسول الله كان يكره ـ أو قال: ـ ينهى عن الخذف؛ فإنه لا يُصطاد به الصيد ولا يُنكأ به العدو، ولكنه يكسِر السن ويفقأ العين، ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أخبرك أنّ رسول الله كان يكره أو ينهى عن الخذف ثم أراك تخذف، لا أكلمك كلمةً كذا وكذا.
وهذا عمران بن حصين كان في رهط وفيهم بشير بن كعب، فحدّث عمران يومئذ فقال: قال رسول الله : ((الحياء خير كله))، قال: أو قال: ((الحياء كله خير))، فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله ومنه ضعف، فغضب عمران حتى احمرّتا عيناه وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله وتُعارض فيه؟! فأعاد عمران الحديث فأعاد بشير، فغضب عمران، قال أبو السوار العدوي: فما زلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد، إنه لا بأس به.
ولما قال عبد الله بن عمر : سمعت رسول الله يقول: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنّكم إليها)) قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن، قال الراوي: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبّه مثله قط وقال: أخبرك عن رسول الله وتقول: والله لنمنعهن؟! وفي رواية: فضرب في صدره وقال: أحدِّثك عن رسول الله وتقول: لا؟!
وبلغوا من الامتثال أجمله وأحسنه وأكمله، روى البخاري عن نافع عن ابن عمر قال:كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها: لِمَ تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟! قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟! قال: يمنعه قول رسول الله : ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)).
وبلغ من شدّة تمسُّك سلف الأمة بسُنّةِ نبيِّها مبلغًا استفاضت معه أقوالُهم.
عباد الله، هذه فيمن خالف أمر المصطفى ، فكيف بمن استهزأ بشيء مما جاء به ؟! وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة:65، 66].
وإن مما يبعث على الأسى ويدعو إلى الأسف والحسرة ما تناقلته وسائل الإعلام في الأيام الماضية، حيث تناولت ما تبثّه صحف الدانمارك والنرويج، تلك الصحف التي ما فتئت تنال من مقام النبوة بأسلوب ساخر ينمّ عن حقد دفين وحسد يأكل قلوبهم، ويأبى لها إلا تغالط محلّ الحقائق وتتيه في أودية الزور والبهتان، ظانين أن ذلك ينزل من مقام النبوة الأعظم فتيلاً أو قطميرًا أو أقل من ذلك.
إذا وصف الطـائي بالبخل مـادر وعيـر قس بالسفـاهة بـاقل
وقال الدجى للشمس نورك باهت وقال السهى للبدر وجهُك حائِل
عباد الله، هذا يبين ما عليه مثقّفوهم والنّخب منهم والمتحدثون فيهم ومن يملك القلم ويدعو للحضارة ويوجّه الناس، فقد انكشف الغطاء الزائف عن الغرب وإدعائه الحضارة والحرية، وتعروا أمام العالم بأجمعه؛ حتى حار من يدافع عنهم مِن بني جلدتنا المنخدعون بهم، فما يدرون ما يقولون.
وفي تعب من يحسد الشمس نورها ويجهد أن يأتي لها بضريب
فكيف بمن عادى الأنبياء؟! يقول الله جل الله: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:61]، وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا [الأحزاب:57]، يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].
يقول ابن تيمية رحمه الله: "إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمُكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَا به أعدادٌ من المسلمين العُدُول أهل الفقه والخبرة عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حصارِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لمَّا حاصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا: كنا نحن نحاصِرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يومًا أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظًا عليهم بما قالوا فيه" انتهى.
ولقد ساء ذلك الفعل الشائن قلوب المسلمين، وتتابعت أقلام الكتاب في ردّ ذلك الزيف وإبطال ذلك الكيد؛ فكان من ذلك بعثٌ لفضائل هذا النبي الكريم عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وإذا أراد الله نشر فضيلة طوِيت أتاح لها لسان حسود
وفضيلة النبي لم تطوَ، وإنما تتجدّد، وتتلألأ كالبدر في سماء صاحية، وكالشمس في رأْدِ الضحى.
ومن الغريب والعجيب أن بعض الناس لو طعن فيه أو في أبيه أو نسبه أو قبيلته لغضب غضبا شديدًا، ولكن عندما يتكلّم أحد في الرسول أو سنته التي هي وحي من الله تعالى لا يردّ بشيء، ولا شك أن هذا من علامات ضعف المحبّة للرسول الناتج عنها ضعف الإيمان والعياذ بالله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولسائر المسلمين من كل ذنب.
|