.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

رد هجمة الكفار ونصر النبي المختار

4725

الإيمان, موضوعات عامة

الإيمان بالرسل, جرائم وحوادث

عبد الفتاح بن سعد عياش

المدية

4/1/1427

مسجد الإمام مالك بن أنس

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نعمة بعثة النبي . 2- الشانئون لدعوة محمد . 3- جريمة الاستهزاء بالنبي . 4- وجوب الذبّ عن عرض المصطفى . 5- إيجابيات الحدث. 6- واجب الحكام والعلماء.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.

ثم أما بعد: عبادَ الله، فقد امتن الله سبحانه وتعالى على الثقلين ببعثة نبينا محمد رحمةً منه عز وجل لخلقه، مصداقًا لقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، فأخرج الله بهذا النبيّ الأمي عليه أفضل الصلاة والتسليم الناسَ من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن العذاب إلى الرحمة، بعدما اجتالتهم الشياطين عن صراط الله المستقيم، فأشرقت الأرض بنور الرسالة المحمّدية، ورغمت أنوف المبطلين، وانخنس الكفر وأهله، مصداقًا لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].

وقد كان في مقدّمة ركبِ الشيطان ممّن شَرِقَ بالبعثة المحمدية ـ على رسولها أفضل الصلاة والسلام ـ بعضُ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقد امتلأت قلوبهم غيظًا وحقدًا وحسدًا للإسلام وأهله مصداقًا لقوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109]، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا [الفرقان:31]، وقال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]. وهؤلاء الظالمون المعادون لدين الإسلام وللبشير النذير هم في حقيقة الأمر يقومون بأكبر جريمة في تاريخ البشرية؛ إذ إنهم يحولون بين الناس وبين أكبر نعمة امتنّ الله بها على الإنسانية، ألا وهي نعمة الإسلام، كما أنهم في ذات الوقت يعرِّضون من سار في ركابهم واتبع ضلالهم لسخطِ الجبار عز وجل ومقته في الدنيا والآخرة.

وإن المتأمل في الوقائع والحوادث في ماضي الزمان وحاضره ليظهر له بجلاء عداوة وكيد فئامٍ من أهل الكتاب من اليهود والنصارى للأمة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وتزداد عداوة بعض المغضوب عليهم والضالين للمسلمين ويزداد جنونهم وجنوحهم عن قواعد العدل والعقل والحق كلما ازداد انتشار الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فعند ذلك يزداد حقدهم وحسدهم، وتطيش أحلامهم وأفهامهم، فتتوالى من قِبَلهم الحملات الجنونيّة الظالمة على كل ما هو مقدَّس ومعظَّم في دين الإسلام، وكان من آخر ما حدث في هذا المجال الحملة الظالمة الآثمة التي تولّى كِبرَها وحَمَلَ لواءَها بعضُ وسائل الإعلام المقروءة في دولتي الدنمارك والنرويج، عندما أظهرت سيّد البشرية ـ فديناه بالآباء والأمهات ـ في بعض الرسومات الكاريكاتيرية الساخرة المسيئة، متجاوزةً حدود المنطق والعقل، ومنفلِتة من كل القيَم والمبادئ والأعراف، في استهتارٍ واضح بدين الإسلام الذي يَدين به ما يزيد على المليار نَسَمة من البشر على ظهر المعمورة.

بالله، ماذا يبقى في الحياة من لذة يوم ينال من مقام محمد ثم لا ينتصر له ولا يُذاد عن حياضه؟! ماذا نقول تجاه هذا العداء السافر والتهكم المكشوف؟! هل نغمض أعيننا ونصم آذاننا ونطبق أفواهنا وفي القلب عِرق ينبض؟! والذي كرم محمدًا وأعلى مكانته، لبطن الأرض أحبّ إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن رسول الحق. ألا جفّت أقلام وشُلّت سواعد امتنعت عن تسطير أحرفٍ تذود بها عن حوضِه وتدافع عن حرمته.

فإن أبي ووالده وعرضي         لعرض محمد منكم فداء

عرض نبينا وسيدنا وقدوتنا وإمامنا وحبيبنا فيها ينتقص وينتهك؟! صحف دنماركية تعبث بمقامه؟! ومقامه مقام الخلّة؛ فهو أحب الخلق إلى الله تعالى. فيا ويلهم من الله تعالى حيث قال: ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب))، وأكبر الأولياء وسيدهم محمد بن عبد الله . فالله تعالى قد آذنهم بالحرب، اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.

المسلمون نوَّم! لو مالٌ تلِف أو بيت تهدّم أو وطن سلِب لسمعتَ صياحا ووَلْوَلَة وإقسامًا: لنثأرنّ قاتَلَه الله ما أكفره! فأين هم أهل الصولة والزمجرة؟! أين هم لم نسمع لهم حسّا، ولم نر قلما يدفع ظالما ما أفجره؟! إلا قليلا احتسبوا وغضبوا، فكتبوا واستنكروا، وعن الأمة عذابا كاد يحيق بها دفعوا، فالذب عنه فريضة، ولا يحلّ للأمة ترك الفريضة، ومن موجبات العقوبة الاجتماع على ترك الفريضة.

إن من حقوق النبي على أمته نصرته، وهي واجبة على جميع المسلمين؛ ذكورا وإناثا، علماء وولاة أمر وعوام، قولا وفعلا، كلّ بحسب قدرته واستطاعته، أدناها بالقلب، ثم باللسان، ثم باليد، لقوله : ((من رأى منكم منكرا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). وأيّ منكر أعظم من العدوان على مقام رسول الله ؟!

فهو فرض على الكفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الآخرين، مع وجوب إنكار القلب في كل حال، سواء تعيّن الذبّ والنصرة أو لم يتعيّن على آحاد المؤمنين؛ لأن الإنكار القلبي علامة الإيمان. والدليل على وجوب نصرته قوله تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، فعلق الفلاح بالنصرة، فمن لم ينصره فليس من المفلحين. وقال تعالى: فَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ، فنصرة المؤمنين واجبة، ونصرة النبي أوجب. وقل سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، ونصرة النبي من نصرة الله تعالى. وقوله : ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما))، فهذا في حقّ المؤمنين، وفي النبيّ أعظم.

ووقت النصرة وجود الظلم والعدوان على مقام النبي في ذاته أو أخلاقه أو دينه، فمتى وجد هذا النوع من الظلم والعدوان وجب على المؤمنين الذب عنه ، ولا يحل لهم أن يسكتوا أو يخضعوا ويرضوا، فإن فعلوا ذلك دلّ على خلل في إيمانهم وضعف في ولائهم لله ورسوله ، فلا يرضى بالطعن في النبي إلا منافق أو كافر، أما المؤمن فيغضب ويتمعر وجهه لأدنى من ذلك، لأذى يلقاه عوام المسلمين؛ لما بينه وبينهم من أخوة الإيمان، فأي عدوان على رأس المؤمنين وقائدهم ومقدمهم فهو عليه أشد وأنكى، بل حاله كحال خبيب بن عدي لما أخرجه أهل مكة من الحرم ليقتلوه فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا خبيب، أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك يضرب عنقه وأنك فيأهلك؟! فقال خبيب: (والله، ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وإني جالس في أهلي)، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحبّ أحدا كحبّ أصحاب محمّد محمدا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد: عباد الله، لئن ساء كلَّ مسلم ما نُشِر في بعض صُحُف الدانمارك فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لم يَخْلُق شَرًّا مَحْضًا، لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

فقد تضمّن ذلك السوء خيرًا، منه أنه ظهر وانكشف وجه الحقيقة عن وجه الحضارة الغربية، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، وظهر لكل ذي بَصَر عداوة النصارى، وأنّ من يطلب رضاهم مُتطلِّب في الماء جذوةَ نار، وقول الله أصدق وأبلغ: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ. كما تجلّى نفاق بعض الصُّحُف والكُتَّاب الذين التَزموا الصمت تجاه هذا الْخَطْب الْجلل، فماذا عساهم يقولون؟! ماذا عسى أُغَيْلِمة الصحافة وسفهاء قومي يقولون؟! أليسوا الذين كانوا يُلمِّعُون الغَرْب والغُراب تحت شِعار (الآخر) سَتْرًا للكافر؟! إلا أنّ الحقيقة التي تجلّتْ كشَفَتْ عن وجوه من الحقائق وصَمت من كانوا يُنادون باحترام (الآخر) ومن كانوا يَودّون لو صَمَتَ دُعاة الإسلام، أليسوا هم من يُنادي بـ(حُريّة الفِكر)، فإذا هم يُنادون بـ(حُريّة الكُفْر)؟! إذا تكلّم (صادق) نَصَبُوا له العِداء، وإن تَبجّح (كافر) سَكَتُوا وكأنّ الأمر لا يَعنيهم، وهو لا يعنيهم لأن حبّهم للنبي دعوى من غير بيِّنَة.

ها هو (الآخر) بزعمكم يتطاول على دين الله وعلى رسول الله ، فبماذا أجبتم؟! تَهَافتْ دعاوى (قبول الآخر) الذي لم ولن يَقبلكم حتى يجتمع الماء والنار والضَّب والحوت، شأنكم في ذلك شأن ذلك (الْمُتَفَرْنِس) الذي أمضى عمره في التذلّل للغرب ولو كان على حساب دِين ومبدأ، فإذا الغرب يَرفضه ويَلفظه، بل وينبذه نَبْذ الحذاء المرقّع، وها هو يقول عن نفسه: "وأصبح (محمد أركون) أصوليًا متطرفًا، أنا الذي انْخَرَطْتُ منذ ثلاثين سنة في أكبر مشروع لنقد العقل الإسلامي أصْبَحْتُ خارجَ دائرة العلمانية والحداثة"، ويقول أيضا: "والمثقف الموصوف بالْمُسْلِم يُشار إليه دائمًا بضمير الغائب، فهو الأجنبي المزعج الذي لا يمكن تمثّله أو هضمه في المجتمعات الأوروبية؛ لأنه يَسْتَعْصِي على كلّ تحديث أو حداثة".

وقد أخبر الله عن ذلك الرفض وعن تلك العداوة المتأصِّلة بقوله: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.

وفي هذا الْحَدَث تميّز الطيب من الخبيث والصادق من الكاذب، مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.

إذا اشتبكت دموع في خُدود   تَبَيَّنَ من بَكى ممن تباكى

تبيَّن الْمُحبّ الصادق لرسول الله من الدَّعِيّ الْمُدَّعِي، وفي الغرب (مُنصِفُون) قد تُثيرهم تلك الحملات الشعواء على طلب الحقائق، فيهدي الله بِتلك الصحيفة رجالاً ونساء كانوا في (عَمَاء). ومن سُنّة الله: ((إن الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر)) كما في الصحيحين، وفي شِعْر أبي تمام:

وإذا أراد الله نَشْـر فَضَيـلة  طُويت أتَـاحَ لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جَاوَرَتْ  ما كان يُعْرَف طِيب عُرف العُود

إن الصِّدام المباشِر والمساس الواضِح أبلغ وأيقَظ للقلوب، وهذا يُبيِّن مدى خطورة الغزو الفكري، وأنه أخطر من الغزو العسكر وإن كان مُدمِّرًا؛ ذلك أن اليهود والنصارى يقولون في الله قولاً عظيمًا، ومع ذلك وُجِد من يُحبّهم أو يتعاطَف معهم، إلا أن هذا الذي صَدَر من نصارى الدانمارك أيقظ في الأمة قلوبًا غافلة أو مُستَغفَلة، فالنصارى قالت قولاً عظيمًا في الله من قَبْل ومن بعد، قالوا في الله قولاً عظيمًا، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا. وما قالته النصارى في حقّ الله أعظم وأكبر، وقد أخبر الله وخبره الحقّ وقال وقوله الصِّدْق: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ.

وإن تلك الحملات الشعواء على الإسلام وأهله لم تُغيِّر قناعات الشعوب. إن ما يُقال أو يُثار ضدّ الإسلام أو ضدّ نبيِّه يسوء كل مسلم، إلا أنّ هذا الشرّ لا يَخلو من خير، هُم يُريدون أمرًا، والله يُريد أمرًا، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. دبّروا ومكروا وقلّبوا الأمور، فأبْطَل الله سعيهم، ووردّ كيدهم في نحورهم، وحاق بهم مكرهم. وهذه سُنَّة الله في نصر أوليائه وخُذلان أعدائه.

لقد سَعى المنافقون بكل حيلة، فَصَرّفوا الأمور، وأرادوها ظهرا لبطن وبَطْنًا لِظَهْر، وطلبوا بكل حيلة إفساد أمر رسول الله ، فَنَصَرَ الله نبيّه، وأظْهَر دينه، قال تعالى: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ، وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ أي: دَبَّرُوها من كل وجه، فأبْطَل الله سعيهم، كما قال ابن كثير: "يقول تعالى مُحَرِّضًا لِنبيه عليه السلام على المنافقين: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ، أي: لقد أعْمَلُوا فكرهم وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك وخُذلان دِينك وإخماده مدة طويلة؛ وذلك أول مَقْدَم النبي المدينة رَمَتْه العرب عن قوس واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها، فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته قال عبد الله بن أبيّ وأصحابه: هذا أمْرٌ قد تَوَجَّه، فَدَخَلُوا في الإسلام ظاهرا، ثم كلّما أعَزّ الله الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم، ولهذا قال تعالى: حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ" اهـ.

 وقد أقسم النبي على نُصْرَة هذا الدِّين، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين، بِعِزّ عزيز، أو بِذُلّ ذليل، عِزًّا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر)) رواه أحمد وهو صحيح. والله ليكونن هذا وإن رَغِمَتْ أنوف، والله ليُتمَّنّ الله نوره ولو كَرِه الكافرون.

وفي الأخير نقول: يا حكامَ المسلمين، إن الواجب الشرعي يُحَتِّم عليكم الغضبَ لرسولكم وأن تجتمعوا وتتخذوا القرار المناسب تجاه هذه الممارسات الظالمة، وليتذكّر كل واحد منكم أن هذا العدوان الآثم على رسولنا الكريم لو كان موجهًا لواحد منكم لأقام الدنيا ولم يُقعِدها غضبًا وانتقامًا، فليكن غضبكم وحَميَّتكم لرسولكم أكبر من غضبكم لأنفسكم ودنياكم، وتذكروا قول المصطفى : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))، وفي رواية: ((من أهله وماله والناس أجمعين)) أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه.

ويا علماءَ الإسلام ودعاةَ الملة، إن الواجب الشرعي يحتم علينا جميعًا أن نوظّف هذا الحدث توظيفًا إيجابيًا بتكثيف الجهود في دعوة الناس لدين الإسلام والتركيز على ثوابت الدين ومحكَماته، وفي مقدمة ذلك بيان عقيدة الولاء للمؤمنين والعداء للكافرين، وتجلية سيرة سيد الخلق إذ إن هذا هو الرد الناجع والمؤلم لأعداء الإسلام.

ونختم بدعاء عمر رضي الله عنه في القنوت: اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يُكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين. وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً