.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الدفاع عن النبي وحماية جنابه من عدوان المعتدين

4724

الإيمان, موضوعات عامة

الإيمان بالرسل, جرائم وحوادث

ناصر بن محمد الغامدي

مكة المكرمة

27/12/1426

جامع الخضراء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل نبينا محمد ومنزلته. 2- مسلسل الاستهزاء والسخرية بالنبي . 3- دفاع الله تعالى عن نبيه . 4- عداء اليهود والنصارى لهذه الأمة. 5- جريمة الصحيفة الدنماركية. 6- افتضاح أدعياء الحرية واحترام الأديان. 7- واجب المسلمين تجاه الحدث.

الخطبة الأولى

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى أَنْ هَدَاكُمْ للإِسْلاَمِ، وَجَعَلَكُمْ مِنْ أُمَّةِ خَيرِ الأَنَامِ عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20].

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّ مِنَ الأُمُورِ المُقَرَّرَةِ الثَّابِتَةِ التِي لاَ مَجَالَ فِيهَا للشَّكِّ وَالرَّيبِ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ إِمَامُ المُتَّقِينَ وَصَفْوَةُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَأَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمُ المُرْسَلِينَ، صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ وَاللِّوَاءِ المَعْقُودِ وَالمَقَامِ المَحْمُودِ وَالحَوْضِ المَوْرُودِ، أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، وَيَشْفَعُ للخَلْقِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ المَوْعُودِ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ وَتَقْدِيرَهُ وَاحْتِرَامَهُ حَيًّا وَمِيِّتًا مِنْ أَعْظَمِ الوَاجِبَاتِ التِي لاَ يَتِمُّ إِيمَانُ العَبْدِ إِلاَّ بِهَا، وَأَنَّ مَحَبَّتَهُ وَالدِّفَاعَ عَنْهُ وَنُصْرَتَهُ وَفِدَاءَهُ بِالنَّفْسِ وَالمَالِ وَالأَهْلِ دِينٌ يَدِينُ بِهِ المُسْلِمُ للهِ تَعَالَى، وَأَنَّ كَرَاهِيَتَهُ وَبُغْضَهُ وَانْتِقَاصَهُ وَالاسْتِهْزَاءَ بِهِ وَبِدِينِهِ كُفْرٌ وَرِدَّةٌ عَنْ دِينِ اللهِ تَعَالَى، تُوْجِبُ العُقُوبَةَ وَاللَّعْنَةَ، وَتُهْدِرُ دَمَ فَاعِلِهَا وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ، إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57]، وَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ قَالَ: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)).

نَعَمْ عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ بِبِعْثَتِهِ ، وَجَعَلَهُ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، وَأَفْضَلَ الخَلِيقَةِ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَاخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ، وَجَمَعَ لَهُ بَينَ الخُلَّةِ وَالتَّكْلِيمِ وَالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَأَكْثَرَهُمْ أَتْبَاعًا وَأَعْلاَهُمْ قَدْرًا وَمَقَامًا، رَسُولاً للعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)).

لَقَدِ اسْتَقَرَّتْ مَحَبَّتُهُ فِي النُّفُوسِ، وَأَجَلَّتْهُ القُلُوبُ، وَشَهِدَ بِعَدْلِهِ وَصِدْقِهِ وَفَضْلِهِ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ، وَالعَدُّو وَالصَّدِيقُ، وَلاَ يَزَالُ أَتْبَاعُهُ فِي ازْدِيَادٍ وَذِكْرُهُ خَالِدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، تَهْتِفُ بِهِ أَعْوَادُ المَنَابِرِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَخْلَدَ ذِكْرَهُ       إِذَا قَالَ فِي الخَمْسِ المُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ

وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ        فَذُو العَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ

عِبَادَ اللهِ، وَمَعَ مَكَانَتِهِ العَالِيَةِ وَمَنْزِلَتِهِ الرَّفِيعَةِ وَأَخْلاَقِهِ الحَمِيدَةِ وَفَضَائِلِهِ العَظِيمَةِ التِي زَكَّاهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ وَأَثْبَتَهَا لَهُ قَبْلَ النَّاسِ وَشَهِدَ بِهَا عُقَلاَءُ البَشَرِ وَمُثَقَّفُوهُمْ حَتَّى مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَهْلِ الكُفْرِ وَالمِلَلِ الأُخْرَى قَبْلَ البِعْثَةِ وَبَعْدَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ مِنَ السُّخْرِيَةِ وَالأَذَى وَالاعْتِدَاءِ وَالشَّتْمِ وَالتَّنَقُّصِ وَالتَّهَكُّمِ منْذُ بِعْثَتِهِ وَإِلَى هَذِهِ الأَيَّامِ، شَأْنُهُ شَأْن إِخْوَانِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ الذِينَ كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ تَعَالَى، وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ حِينَ قَالَ: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [يس:30].

وَلاَ يَزَالُ مُسَلْسَلُ الفِرَى وَالأَكَاذِيبِ وَتَلْفِيقِ التُّهَمِ بِجَنَابِ النَّبِيِّ وَالاسْتِهْزَاءُ بِهِ مُسْتَمِرًّا، مِنْذُ بَدَأَهُ الكُفَّارُ وَالمُشْرِكُونَ إِبَّانَ البِعْثَةِ وَإِلَى هَذِهِ الأَيَّامِ؛ وَصَفُوهُ بِالجُنُونِ وَالسِّحْرِ وَالكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ، وَلَمَزُوهُ فِي عِرْضِهِ، وَغَمَزُوهُ فِي أَهْلِهِ وَنَفْسِهِ، وَضَعُوا سَلَى الجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ يُصَلِّي، وَأَدْمَوا عَقِبَهُ الشَّرِيفَ، وَشَجُّوا وَجْهَهُ الكَرِيمَ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَهُ، وَأَغْرَوا بِهِ السُّفَهَاءَ يَسُبُّونَهُ وَيُؤْذُونَهُ وَيَنَالُونَ مِنْ عِرْضِهِ وَحُقُوقِهِ، وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا مِنْ قَتْلِهِ وَالتَّنْكِيلِ بِهِ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ.

وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ حِمَايَةَ نَبِيِّهِ الكَرِيمِ وَالدِّفَاعَ عَنْهُ وَحِفْظَهُ وَنُصْرَتَهُ وَخُذْلاَنَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَإِهْلاَكَهُ وَخُسْرَانَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ، وَهَذَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى شَاهِدٌ فِي آيَاتٍ كَثِيرَاتٍ تُتْلَى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة:67]، إِنَّا كَفَينَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95]، إِنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [سورة الكوثر].

وَهَذِهِ وُعُودٌ ثَابِتَةٌ صَادِقَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ وَخَلِيلِهِ أَن لاَّ يَضُرَّهُ المُسْتَهْزِئُونَ، وَأَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُمْ بِمَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ العُقُوبَةِ، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَهْدًا وَقِيلاً وَنُصْرَةً وَمَقْدِرَةً؟!

وَهَذَا هُوَ التَّأْرِيخُ بِعِبَرِهِ وَأَحْدَاثِهِ، وَهُوَ شَاهِدٌ لاَ يَكْذِبُ، فَإِنَّهُ مَا تَظَاهَرَ أَحَدٌ بِمُعَادَاةِ رَسُولِ الهُدَى وَالاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَهْلَكَهُ اللهُ تَعَالَى وَأَذَلَّهُ وَخَذَلَهُ وَأَمَاتَهُ شَرَّ مِيتَةٍ وَبَتَرَ نَسْلَهُ وَقَطَعَهُ.

أَينَ أَبُو لَهَبٍ وَأَبُو جَهْلٍ وَالوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةِ وَالعَاصِي بنُ وَائِلٍ وَصَنَادِيدُ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ الذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ فَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَنَاصَبُوهُ العِدَاءَ؟! وَأَينَ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالمُنَافِقُونَ الذِينَ حَارَبُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَطَعَنُوا فِي عِرْضِهِ وَأَهْلِهِ وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ وَدِينِهِ؟! بَلْ أَينَ الأَكَاسِرَةُ وَالقَيَاصِرَةُ وَأَعْدَاؤُهُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ؟! هَلْ بَقِي لَهُمْ نَسْلٌ وَعَقِبٌ وَذِكْرٌ؟! كَلاَّ وَاللهِ، لَقَدْ هَلَكُوا جَمِيعًا، وَقُتِلُوا شَرَّ قِتْلَةٍ، وَقَطَعَ اللهُ نَسْلَهُمْ، وَطَمَرَتْهُمُ الأَرْضُ، وَلَحِقَتْهُمُ اللَّعْنَةُ، وَبَاؤُوا بِثِقْلِ التَّبِعَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ، وَبَقِي ذِكْرُهُ عَلَمًا شَامِخًا، وَعَقِبُهُ مُتَتَابِعًا مَذْكُوَرًا، وَسِيرَتُهُ مَنْبَعًا ثَرًّا للمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالبَيهَقِيُّ وَغَيرُهُمَا بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا كَفَينَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ قَالَ: (المُسْتَهْزِئُونَ: الوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةِ وَالأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ يَغُوثَ وَالأَسْوَدُ بنُ المُطَّلِبِ وَالحَارِثُ بنُ غَيطَلَةَ السَّهْمِيُّ وَالعَاصٍي بنُ وَائِلٍ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَشَكَاهُمْ إِلَيهِ ـ بَعْدَمَا نَالَهُ مِنْهُمْ أَذًى عَظِيمٌ ـ، فَقَالَ: أَرِنِي إِيَّاهُمْ، فَأَرَاهُ إِيَّاهُمْ، وَجِبْرِيلُ يُشِيرُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ، وَيَقُولُ: كَفَيتُكَهُ، وَالنَّبِيُّ يَقُولُ: ((مَا صَنَعْتَ شَيئًا))، فَمَا هِي إِلاَّ أَيَّامٌ حَتَّى مَرَّ الوَلِيدُ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلاً، فَأَصَابَ أَبْجَلَهُ فَقَطَعَهَا، وَأَمَّا الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَنَزَلَ تَحْتَ سَمُرَةٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ، أَلاَ تَدْفَعُونَ عَنِّي؟! قَدْ هَلَكْتُ وَطُعِنْتُ بِالشَّوْكِ فِي عَينَيَّ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيئًا، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَينَاهُ، وَأَمَّا الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ يَغُوثٍ، فَخَرَجَ فِي رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنْهَا، وَأَمَّا الحَارِثُ فَأَخَذَهُ المَاءُ الأَصْفَرُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ خَرْؤُهُ مِنْ فِيهِ، فَمَاتَ مِنْهُ، وَأَمَّا العَاصِي فَرَكِبَ إِلَى الطَّائِفِ، فَرَبَضَ عَلَى شِبْرِقَةٍ، فَدَخَلَ مِنْ أَخْمَصِ قَدِمِهِ شَوْكَةٌ، فَقَتَلَتْهُ).

وَهَا هُو كِسْرَى يُمَزِّقُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ وَيَسْخَرُ مِنْهُ وَمِنْ رَسُولِهِ، فَيَدْعُو عَلَيهِ أَنْ يُمَزِّقَ اللهُ مُلْكَهُ، فَيُمَزَّقُ، وَيُقْتَلُ عَلَى يَدِ وَلَدِهِ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيهِ.

وَعِنْدَ البُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ؛ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ؛ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ، فَأَلْقَوْهُ.

قَالَ شَيخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: "فَهَذَا المَلْعُونُ الذِي قَدِ افْتَرَى عَلَى النَّبِيِّ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي إِلاَّ مَا كَتَبَ لَهُ، قَصَمَهُ اللهُ وَفَضَحَهُ، بِأَنْ أَخْرَجَهُ مِنَ القَبْرِ بَعْدَ أَنْ دُفِنَ مِرَارًا، وَهَذَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنِ العَادَةِ، يَدُلُّ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ عُقُوبَةً لِمَا قَالَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا".

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكِينَ قَوْمٌ بُهْتٌ خَوَنَةٌ، نَقَضَةٌ للعُهُودِ، قَتَلَةٌ للأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَعْدَاءٌ للهِ تَعَالَى وَلِرُسُلِهِ وَدِينِهِ وَالمُؤْمِنِينَ، وَمَا فِي ذَلِكَ شَكٌّ وَلاَ رَيبٌ؛ فَقَدْ سَبُّوا اللهَ تَعَالَى سَبًّا قَبِيحًا، وَنَسَبُوا إِلَيهِ مِنَ الصِّفَاتِ القَبِيحَةِ مَا يَتَوَرَّعُ عَنْهُ عُقَلاَءُ البَشَرِ جَمِيعًا وَيُنَزَّهُون عَنْهُ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، وَحَارَبُوهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ وَآَذَوْهُمْ، وَرَمَوْهُمْ بِالنَّقَائِصِ وَالقَبَائِحِ، وَنَسَبُوا إِلَيهِم مِنَ البُهْتَانِ وَالفَوَاحِشِ مَا تَعُجُّ بِهِ كُتُبُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ المُحَرَّفَةِ التِي بِأَيدِيهِمْ؛ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82]، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:120]، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89].

وَقَدْ قَطَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ مِنْذُ بُعِثَ النَّبِيُّ وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى عَدَاوَةِ الإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ وَالرَّسُولِ مَا عَاشُوا، فِي حَمَلاَتٍ شَعْوَاءَ مُتَتَابِعَةٍ، لاَ يَنْتَهِي مُسَلْسَلُهَا مِنَ العِدَاءِ وَالحِقْدِ وَالاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ بِالرَّسُولِ وَالإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ بَينَ الفَينَةِ وَالأُخْرَى، عَبْرَ وَسَائِلِ إِعْلاَمِهِمْ المُخْتَلِفَةِ، عَلَى مَرْأَى العَالَمِ وَبَصَرِهِ، الذِي يَدَّعِي العَدَالَةَ، وَيُنَادِي بِالحَقُوقِ وَاحْتِرَامِ الأَدْيَانِ وَالشُّعُوبِ وَالحُرِيَّاتِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، وَالتِي كَانَ مِنْ آَخِرِهَا هَذِهِ الحَمْلَةُ النَّصْرَانِيَّةُ السَّافِرَةُ التِي تَقُودُهَا الصِّحَافَةُ الدَّانِمَرْكِيَّةُ وَالنَّرْوِيجِيَّةُ؛ مِنْ خِلاَلِ اثْنَي عَشَرَ رَسْمًا قَبِيحًا، يَتَوَالَى نَشْرُهَا مِنْذُ أَرْبَعَةِ شُهُورٍ، تُصَوِّرُ فِيهِ النَّبِيَّ الكَرِيمَ فِي أَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ يَظْهَرُ فِي أَحَدِهَا مُرْتَدِيًا عِمَامَةً تُشْبِهُ قُنْبُلَةً مَلْفُوفَةً حَوْلَ رَأْسِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ عَدَدٌ مِنَ النِّسَاءِ المُتَحَجِّبَاتِ، وَفِي الأُخْرَى عَلَيهِ ثِيَابٌ مُرَقَّعَةٌ وَهُوَ يُدَرِّسُ أَصْحَابَهُ، وَفِي الثَّالِثَةِ حَوْلَهُ أَعْرَابٌ يُسَكِّنُهُم عَنْ طَلَبِ النِّسَاءِ، وَفِي الرَّابِعَةِ وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ بِالسُّيُوفِ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ السَّفَاهَةِ وَالوَقَاحَةِ التِي يَرْمُونَ مِنْ خِلاَلِهَا إِلَى إِلْصَاقِ الرَّجْعِيَّةِ وَالتَّخَلُّفِ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ، وَأَنَّهُ مُجْرِمُ حَرْبٍ يُحِبُ النِّسَاءَ، وَأَنَّ النِّسَاءَ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ مَهْضُومَاتِ الحُقُوقِ لاَ يَسِرْنَ إِلاَّ خَلْفَ الرِّجَالِ.

يَتَطَاوَلُونَ مِنْ خِلاَلِهَا عَلَى جَنَابِ المُصْطَفَى الرَّفِيعِ وَدِينِهِ الحَنِيفِ، بِطَرِيقَةٍ هَمَجِيَّةٍ قَبِيحَةٍ، تُؤَجِّجُ الفِتَنَ، وَتَزْرَعُ الكَرَاهِيَةَ، وَتُنَمِّي الأَحْقَادَ، وَتُذْكِي العَدَاوَةَ بَينَ الشُّعُوبِ، فِي وَقْتٍ يَتَأَجَّحُ فِيهِ العَالَمُ عَلَى فُوَّهَةِ بُرْكَانِ ثَوْرَةٍ تُوْشِكُ أَنْ تَنْفَجِرَ بَينَ عَشِيَّةٍ أَوْ ضُحَاهَا.

وَمَعَ اسْتِنْكَارِ المُسْلِمِينَ جَمِيعًا فِي العَالَمِ بِأَسْرِهِ لِهَذِهِ الهَجْمَةِ الصَّلِيبِيَّةِ عَلَى المُصْطَفَى وَمُطَالَبَتِهِمْ بِمُعَاقَبَةِ أَهْلِهَا وَالاعْتِذَارِ لَهَا، إِلاَّ أَنَّ عُبَّادَ الصَّلِيبِ وَالطَّاغُوتِ يُصِرُّونَ عَلَى حِقْدِهِمْ، وَيَرْفُضُونَ حَتَّى الاعْتِذَارَ عَنْ فِعْلَتِهِمْ، بِحُجَّةِ حُرِيَّةِ الإِعْلاَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الرَّأْيِ؛ قَاتَلَهُمْ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، وَشَتَّتَ شَمْلَهُمْ، وَأَدَالَ دَوْلَتَهُمْ، وَأَخَذَهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.

وَا أَسَفَاهُ ـ إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ ـ عَلَى المُسْلِمِينَ وَأَوْضَاعِهِمْ؛ أَكْثَرُ مِنْ مِلْيَارِ مُسْلِمٍ وَلَكِنَّهُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيلِ، تَكَالَبَتْ عَلَيهِمُ الأُمَمُ الكَافِرَةُ، وَانْتُزِعَتْ مِنْ صُدُورِ عَدُّوهِمُ المَهَابَةُ مِنْهُمْ، فَدِيسَتْ كَرَامَتُهُم، وَضُيِّعَتْ حُقُوقُهُمْ، وَسُلِبَتْ مُقَدَّسَاتُهُمْ، وَأُرِيقَتْ دِمَاؤُهُمْ، وَاحْتُلًَّتْ أَراضِيهِمْ، فِي زَمَنٍ حُفِظَتْ فِيهِ حُقُوقُ البَهَائِم وَصِينَتْ دِمَاءُ المُعْتَدِينَ وَأَمْوَالُهُمْ.

قَبْلَ أَعْوَامٍ يُغْزَوْنَ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ، وَيُذْبَحُونَ عَلَى أَرْضِهِمْ وَفِي مَنَازِلِهِمْ، وَيُشَرَّدُونَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، فِي أَفْغَانِسْتَانَ وَالعِرَاقَ، وَقَبْلَهُمَا فِلَسْطِينَ، وَقَبْلَ شُهُورٍ يُدَاسُ قُرْآنُهُمْ مَصْدَرُ عِزَّتِهِمْ وَدُسْتُورُ شَرِيعَتِهْم وَمَنْهَجُ حَيَاتِهِمْ، وَاليَوْمَ يُسَبُّ إِسْلاَمُهُمْ، وَيُعْتَدَى عَلَى عِرْضِ نَبِيِّهِمْ وَيُسَبُّ وَيُسْخَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى مَاذَا سَتَكُونُ الدَّائِرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَنَحْنُ نَرَى بَعْضَ المُنْتَسِبِينَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَهُمْ يُوَالُونَ المُعْتَدِينَ، وَيَطْلُبُونَ رِضَاهُمْ، وَيَخْطُبُونَ وُدَّهُمْ، وَبَعْضُهُمْ صَامِتٌ لاَ يَنْطِقُ بِبِنْتِ شَفَةٍ، وَكَأَنَّ الأَمْرَ لاَ يَعْنِيهِ، لاَ يَتَمَعَّرُ وَجْهُهُ غَضْبَةً للهِ وَلِرَسُولِهِ وَدِينِهِ، بَلْ لاَ يُفَكِّرُ أَصْلاً فِي الاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَعْدَاءِ دِينِهِ وَرَسُولِهِ وَمُقَاطَعَتِهِمْ، وَلَكَ أَنْ تُرَدِّدَ بِمِلْءِ فِيكَ أَسَفًا وَحُزْنًا عَلَى أَحْوَالِ المُسْلِمِينَ:

لاَ يُلاَمُ الذِّئْبُ فِي عُدْوَانِهِ       إِنْ غَدَا الرَّاعِي عَدُوَّ الغَنَمِ

وَلَوْ كَانَ المُسْلِمُونَ مُخْطِئِينَ لَسَارَعُوا بِالاعْتِذَارِ قَبْلَ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُمْ، وَلَقَدَّمُوا الصَّدَقَاتِ وَالتَّنَازُلاَتِ، وَقَرَّبُوا القَرَابِينَ، وَلَدُكَّتْ أَرْضُهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَوَاللهِ مَا جَرَّأَ أَعْدَاءَ الأُمَّةِ عَلَى المُسْلِمِينَ إِلاَّ صَمْتُهُمْ وَتَخَاذُلُهُمْ عَنْ نُصْرَةِ دِينِهِمْ وَقَضَايَاهُمْ وَالدِّفَاعِ عَنْ حُقُوقِهِمْ، وَلَكَمْ تَذِلُّ بِصَمْتِهَا اَلأَجْيَالُ وَالأَوْطَانُ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي ولَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيهِ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِِ وَكَفَى، وَالصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى عِبَادِهِ الذِينَ اصْطَفَى، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَمَنِ اقْتَفَى.

أَمَّا بَعْدُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

ثُمَّ اعْلَمُوا ـ رَعَاكُمُ اللهُ ـ أَنَّ هَذِهِ المَسَالِكَ المَشِينَةَ للمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَالضَّالِّينَ ـ إِخْوَانِ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ وَعَبَدِ الصَّلِيبِ وَالطَّاغُوتِ ـ لَتُوَضِّحُ للعَالَمِ كُلِّهِ عَوَارَهُمْ وَسَفَاهَتَهُمْ وَضَلاَلَهُمْ وَبُعْدَهُمْ عَنْ هَدْي المَسِيحِ عِيسَى بنِ مَرْيَمَ وَمُوْسَى عَلَيهِمَا السَّلاَمُ وَكَذِبهُمْ فِيمَا يَدَّعُونَ؛ فَإِنَّهُمْ يَدَّعُونَ العَدَالَةَ وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةَ وَحِفْظَ الحُقُوقِ وَالحُرِّيَّاتِ، وَأَنَّهُمْ أَصْحَابُ دِينٍ سَمَاوِيٍّ صَحِيحٍ، وَأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمُوْسَى وَعِيسَى، وَكَذَبُوا وَاللهِ؛ فَإِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ، وَالأَنْبِيَاءُ جَمِيعًا إِخْوَةٌ، دِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَعَقِيدَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَدَعْوَتُهُم جَمِيعًا إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ قَالَ: ((أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ؛ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ))، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي)).

وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ بَشَّرَ قَوْمَهُ فِي الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ عَلَيهِم بِمُحَمَّدٍ ، وَأَخَذَ اللهُ تَعَالَى عَلَيهِ المِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ لَيُؤْمِِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81]. وَلَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ المُدَّعُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ تَعَالَى وَيَتَّبِعُونَ رَسُلَهُ الذِينَ أَرْسِلَهُمْ إِلَيهِمْ حَقِيقَةً مَا اعْتَدَوا عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَسَخِرُوا مِنْهُ وَطَعَنُوا فِي دِينِهِ وَحَارَبُوا أَتْبَاعَهُ.

وَلأَجْلِ هَذَا كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الإِيمَانِ وَقَوَاعِدِ عَقِيدَةِ الإِسْلاَمِ العَظِيمَةِ الإِيمَانُ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ عَلَيهِمُ السَّلاَمُ وَمَحَبَّتُهُمْ وَاحْتِرَامُهُمْ وَعَدَمُ التَّفْرِيقِ بَينَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَينَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَينَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَينَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:150-152].

أَلاَ فَلْيَأْخُذْ عُقَلاَؤُهُمْ عَلَى أَيدِي سُفَهَائِهِمْ، وَلْيَحْذَرُوا سُنَنَ اللهِ فِي المُسْتَهْزِئِينَ بِدِينِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَلْيَتَذَكَّرُوا مَوَاقِفَ أَسْلاَفِهِمُ العُقَلاَء الذِينَ كَانُوا يَحْفَظُونَ لِرَسُولِ اللهِ حَقَّهُ وَيَعْرِفُونَ قَدْرَهُ؛ مِنْ أَمْثَالِ النَّجَاشِيِّ وَهِرَقْلَ وَأَتْبَاعِهِ الذِينَ أَكْرَمُوا رُسُلَ رَسُولِ اللهِ إِلَيهِمْ، وَأَكْرَمُوا كُتَبَهُ إِلَيهِمْ، وَعَرَفُوا الحَقَّ الذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَأَنَّهُ وَالذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى وَمُوْسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَثَبَّتَ اللهُ مُلْكَهُمْ، وَاسْتَمَرَّ فِي الأَجْيَالِ اللاَّحِقَةِ لَهُمْ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ.

عِبَادَ اللهِ، إِنَّهُ لَيسَ لَدَى المُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ رَبِّهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَدِينِهِمْ، وَإِنَّ حُبَّهُ وَالدِّفَاعَ عَنْهُ لَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُفَاخِرُ بِهِ المُسْلِمُونَ وَيَتَسَابَقُونَ إِلَيهِ، وَإِنَّ الوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَادِقٍ فِي إِسْلاَمِهِ وَإِيمَانِهِ أَنْ يَفْدِيَ رَسُولَ اللهِ بِكُلِّ مَا لَدَيهِ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَمَالٍ، بَلْ حَتَّى بِنَفْسِهِ التِي بَينَ جَنْبَيهِ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُمْكِنَةٍ، وَأَنْ يَرُدَّ عَلَى هَؤُلاَءِ المُعْتَدِينَ عَلَى عِرْضِ أَزْكَى البَشَرِيَّةِ، وَيَنْتَصِرَ لَهُ، وَيُقَاطِعَ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى وَسَائِرَ مُنْتَجَاتِهِمْ وَتَعَامُلاَتِهِمْ، لاَ سِيَّمَا هَذَينِ البَلَدَينِ المُعْتَدِيَينِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَقَلِّ الوَاجِبَاتِ عَلَى المُسْلِمِينَ وَالحُقُوقِ التِي للمُصْطَفَى عَلَى أُمَّتِهِ، وَإِذَا عَجَزَ المُسْلِمُونَ أَنْ يَنْطِقُوا بِالحَقِّ وَيُدَافِعُوا عَنْ نَبِيِّهِمْ وَقُدْوَتِهِمْ بِالحَقِّ وَيُعَزِّرُوهُ وَيَنْصُرُوهُ وَيَذُودُوا عَنْ عِرْضِهِ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيرٌ لَهُمْ مِنْ ظَهْرِهَا، وَأُفٍّ عَلَى الحَيَاةِ وَلَذَّتِهَا إِذَا أُهِينَ إِمَامُنَا وَقُدْوَتُنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَفِي الأَرْضِ مُسْلِمٌ صَامِتٌ جَبَانٌ.

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي        لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْهُمْ فِدَاءُ

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِِكَ وَرَسُوْلِكَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُم بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً