إن أعظم منّة من الله تعالى على عباده المؤمنين هدايتهم للدين الحنيف والشريعة الإسلامية التي جعلها الله خاتمة الشرائع والأديان، وكل ذلك انتظم عقده ببعثة محمد الرسول الأمين وخير خلق الله أجمعين، فهدى الله به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وبصّر به من العمى، وفتح به قلوبًا غلفا وآذانا صما، فحقّ لأهل التوحيد أن يفخروا بهذه النعمة العظيمة، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].
هذا الرسول العظيم الذي رفع الله ذكره فلا يذكر الله إلا ويذكر معه رسول الله .
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسْمه كي يُجله فذو العرش مَحمود وهذا محمد
محمد الذي لعن الله مؤذيه في الدنيا والآخرة: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:61]. محمّد الذي عصمه الله من الناس وكفاه المستهزئين وبتر شانئه ومبغضه.
محمد الذي اختصه الله من بين إخوانه المرسلين بخصائص تفوق العدّ، فله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ولواء الحمد، وله الشفاعة العظمى وله الكوثر، وهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يفتح له باب الجنة، وهو أول شافع وأول مشفّع، وهو سيّد ولد آدم أجمعين الذي زكاه ربه تزكية ما عُرفت لأحد غيره قاطبة، فقد زكى الله عقله فقال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]، وزكى لسانه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى [النجم:3]، وزكى شرعه فقال: إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، وزكى قلبه فقال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]، وزكى بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكى أصحابه فقال: وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29]، وزكى أخلاقه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وزكى دعوته فقال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]. فنحن أمام رجل عظيم ما عرف التاريخ مثله في العظمة.
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت مثل الرسول نبي الأمة الهادي
لذلك كان الإيمان به ركنا ركينا من أركان الدين، وكانت محبته عبادة وطاعة لله رب العالمين، مقدّمةً على محبة النفس والأهل والمال والعشيرة، قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]، ويقول النبي : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) متفق عليه.
لذلك فقد آذانا وكدّر صفو حياتنا وعصر قلوبنا ما قامت به بعض الصحف الدنمركية والنرويجية المجرمة بإقرار ومباركة من حكومة بلادهم بنشر رسومات ساخرة تستهزئ برسول الله ، وتصفه بأوصاف باطلة مفتراة. أسأل الله أن يشلّ يد من أقدم على ذلك، فقد لعبت الخمر في عقولهم، وملأ لحم الخنزير بطونهم، فعبدوا الشيطان وأطاعوه فزيّن لهم سوء أعمالهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه الضرب، بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه، خصوصا من يجب عليه أن يُظهر للناس كمالَ عرضه وعلوّ قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة"؛ لذلك فالأمر عظيم والخطب فادح.
هجوتَ محمدا فأجبتُ عنه وعند الله فِي ذاك الجزاء
هجوت مُحمدا برّا تقيّـا رسول الله شيمته الوفاء
أتَهجوه ولست له بكفء وشرّكما لخيركما الفداء
فإنّ أبِي ووالده وعرضي لعِرض محمد منكم وقاء
وقد نقل غير واحد من العلماء الإجماع على قتل من سبّ النبي ، وأنه يكفر إن كان مسلما، وينتقض عهده إن كان معاهدًا، بل ذكر بعض أهل العلم أن الحدّ لا يسقط عنه ولو تاب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان معنى السّبّ: "السب الذي ذكرنا حكمه هو الكلام الذي يقصد منه الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه".
روى البخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله ركب حمارا، فانطلق ومعه المسلمون يمشون، فأتى عبد الله بن أبي بن سلول، فلمّا رآه ابن سلول قال: إليك عني فقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: لحمار رسول الله أطيب ريحا منك. الله أكبر، هذه صورة مما كان عليه قدر محمد في نفوس أصحابه رضي الله عنهم.
وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لواقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فغمزني أحدهما فقال: أي عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، فما حاجتك إليه يا ابن أخي؟! قال: أُخبرت أنه يسبّ النبي ، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك، قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت لهما: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه.
إذا فالسب والتنقيص ليس وليد اليوم، بل هو قديم قِدم الإسلام؛ لأن الكفر ملة واحدة.
هو الكفر لكن بالأسامي تجدّدا وأصبح ضدّ الدين صفّا موحدا
نسأل الله أن يردّ كيد الكائدين في نحورهم، وأن يردّهم على أعقابهم، وأن ينصر دينه وسنّة رسوله وعباده المؤمنين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....
|