.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

محمد في قلوبنا

4719

الإيمان, سيرة وتاريخ, موضوعات عامة

الإيمان بالرسل, الشمائل, جرائم وحوادث

عامر بن عيسى اللهو

الدمام

27/12/1426

جامع الأندلس

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضائل المصطفى . 2- حكم من سب الرسول . 3- نماذج من فداء الصحابة للنبي . 4- واجب المسلم تجاه ما أصاب النبي من أذى وسخرية.

الخطبة الأولى

إن أعظم منّة من الله تعالى على عباده المؤمنين هدايتهم للدين الحنيف والشريعة الإسلامية التي جعلها الله خاتمة الشرائع والأديان، وكل ذلك انتظم عقده ببعثة محمد الرسول الأمين وخير خلق الله أجمعين، فهدى الله به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وبصّر به من العمى، وفتح به قلوبًا غلفا وآذانا صما، فحقّ لأهل التوحيد أن يفخروا بهذه النعمة العظيمة، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

هذا الرسول العظيم الذي رفع الله ذكره فلا يذكر الله إلا ويذكر معه رسول الله .

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه   إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسْمه كي يُجله     فذو العرش مَحمود وهذا محمد

محمد الذي لعن الله مؤذيه في الدنيا والآخرة: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:61]. محمّد الذي عصمه الله من الناس وكفاه المستهزئين وبتر شانئه ومبغضه.

محمد الذي اختصه الله من بين إخوانه المرسلين بخصائص تفوق العدّ، فله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ولواء الحمد، وله الشفاعة العظمى وله الكوثر، وهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يفتح له باب الجنة، وهو أول شافع وأول مشفّع، وهو سيّد ولد آدم أجمعين الذي زكاه ربه تزكية ما عُرفت لأحد غيره قاطبة، فقد زكى الله عقله فقال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]، وزكى لسانه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى [النجم:3]، وزكى شرعه فقال: إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، وزكى قلبه فقال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]، وزكى بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكى أصحابه فقال: وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29]، وزكى أخلاقه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وزكى دعوته فقال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]. فنحن أمام رجل عظيم ما عرف التاريخ مثله في العظمة.

تالله ما حملت أنثى ولا وضعت  مثل الرسول نبي الأمة الهادي

لذلك كان الإيمان به ركنا ركينا من أركان الدين، وكانت محبته عبادة وطاعة لله رب العالمين، مقدّمةً على محبة النفس والأهل والمال والعشيرة، قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]، ويقول النبي : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) متفق عليه.

لذلك فقد آذانا وكدّر صفو حياتنا وعصر قلوبنا ما قامت به بعض الصحف الدنمركية والنرويجية المجرمة بإقرار ومباركة من حكومة بلادهم بنشر رسومات ساخرة تستهزئ برسول الله ، وتصفه بأوصاف باطلة مفتراة. أسأل الله أن يشلّ يد من أقدم على ذلك، فقد لعبت الخمر في عقولهم، وملأ لحم الخنزير بطونهم، فعبدوا الشيطان وأطاعوه فزيّن لهم سوء أعمالهم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه الضرب، بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه، خصوصا من يجب عليه أن يُظهر للناس كمالَ عرضه وعلوّ قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة"؛ لذلك فالأمر عظيم والخطب فادح.

هجوتَ محمدا فأجبتُ عنه       وعند الله فِي ذاك الجزاء

هجوت مُحمدا برّا تقيّـا       رسول الله شيمته الوفاء

أتَهجوه ولست له بكفء       وشرّكما لخيركما الفداء

فإنّ أبِي ووالده وعرضي        لعِرض محمد منكم وقاء

وقد نقل غير واحد من العلماء الإجماع على قتل من سبّ النبي ، وأنه يكفر إن كان مسلما، وينتقض عهده إن كان معاهدًا، بل ذكر بعض أهل العلم أن الحدّ لا يسقط عنه ولو تاب.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان معنى السّبّ: "السب الذي ذكرنا حكمه هو الكلام الذي يقصد منه الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه".

روى البخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله ركب حمارا، فانطلق ومعه المسلمون يمشون، فأتى عبد الله بن أبي بن سلول، فلمّا رآه ابن سلول قال: إليك عني فقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: لحمار رسول الله أطيب ريحا منك. الله أكبر، هذه صورة مما كان عليه قدر محمد في نفوس أصحابه رضي الله عنهم.

وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لواقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فغمزني أحدهما فقال: أي عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، فما حاجتك إليه يا ابن أخي؟! قال: أُخبرت أنه يسبّ النبي ، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك، قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت لهما: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه.

إذا فالسب والتنقيص ليس وليد اليوم، بل هو قديم قِدم الإسلام؛ لأن الكفر ملة واحدة.

هو الكفر لكن بالأسامي تجدّدا  وأصبح ضدّ الدين صفّا موحدا

نسأل الله أن يردّ كيد الكائدين في نحورهم، وأن يردّهم على أعقابهم، وأن ينصر دينه وسنّة رسوله وعباده المؤمنين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....

 

الخطبة الثانية

أيها الإخوة المؤمنون، إن المنصفين من عقلاء العالم ـ بغضّ النظر عن كونهم مسلمين أو غير مسلمين ـ ليدركون بقراءة سيرة المصطفى ما كان عليه من كمال في الشخصية وتعامل راق وأخلاق عالية، وأنه ما بعث إلا لسعادة البشرية كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

عباد الله، أمام هذه الأعمال والممارسات المشينة يأتي السؤال المهم والملح: ما دورنا؟ وهذا سؤال قد تطول إجابته، لكن لعلنّا نجمله على شكل نقاط سريعة فنقول:

1- على المسلمين جميعا أن ينكروا هذا التصرف الأهوج الأرعن، وأن يعلموا أنه محادّة لرسول الله ، وكل على حسب استطاعته في الإنكار، ولعل من أنسب الإنكار إرسال الرسائل إلى الحكومة الدنمركية والنرويجية وإلى سفارتها وإلى تلك الصحيفة مطالبين بالاعتذار والكف عن هذه الأعمال التي لا تزيد النار إلا اشتعالا.

2- على المسلمين جميعا أن يعودوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ، وأن يتمسكوا بهما، فقد أثبتت هذه الفتنة الحب العظيم من المسلمين لنبيهم ، وأخرجت المعدن الصافي لقلوب كثيرين حتى ممن تهاون ببعض الأوامر وارتكب بعض النواهي. فنقول: أما آن لكم أن تعودوا إلى ربكم، وأن تقدروا حجم الهجمة الشرسة على دينكم ووطنكم وأمتكم، وتكونوا مشعل هداية ومنبر إصلاح؟!

3- على الحكومات الإسلامية أن تتخذ موقفا موحدًا ضد هذا الهجوم، فلا تتعامل مع دولة تظهر الاستهزاء برسول الله على صفحات جرائدها، إلا أن ترتدع وتعاقب المسيء ومن وراءه. وإننا إذ نذكر ذلك لنحمد الله تعالى أن كانت هذه الدولة هي أول من بادرت إلى هذا الأمر نصرة لنبي الهدى . نسأل الله تعالى أن يحفظها بالإسلام عزيزة منيعة.

4- فيما يتعلق بمقاطعة المنتجات نقول: لا شك أن الأصل في التعامل التجاري مع الكفار الجواز والحل، وكذلك شراء البضائع المباحة منهم، لكن من المعلوم أن شراء البضائع من دولة معيّنة ينعش اقتصادها ويجعلها في مصاف الدول المتقدمة، ومن هنا فإن ترك التعامل معها يجعلها تضرب ألف حساب وحساب لأخطائها وتعدياتها، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بجناب المصطفى .

5- ومن هذه الفتنة على المسلمين أن يتفاءلوا بنصرة سنة محمد ودينه؛ فقد ذكر شيخ الإسلام أن المسلمين لما حاصروا الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، والتي فيها بنو الأصفر قالوا: "كنا نحاصر المدينة الشهر والشهرين وهي ممتنعة علينا، وإذ تعرَّض أهلها لسب رسول الله والوقيعة في عرضه تعجّلنا فتحه وتيسر، ولم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين. قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوه فيه".

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً