اللهم إنا نشكو إليك ضعفَ الحال وقلةَ الحيلة، وكثرةَ الذنوب وضعف الوسيلة، لا رجاء لنا إلا في رحمتك، ولا طمع إلا في عفوك، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق. وأصلي وسلم على عبدك ورسولك محمد، بلّغ الرسالةَ وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهدَ في الله حقَ جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خِيارِ هذه الأمة.
أما بعد: عباد الله، محمد أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين، إمام العالمين وقائد الغر المجلين، أمين الله على وحيه ومصطفاه من خلقه، اختاره الله وبعثه رحمة للعالمين، حمل هداية رب السماء إلى أهل الأرض، نورُ النبوة ومشكاتُها وشُعاعُها، قرن الله اسمه باسمه في الأذان وجعل شأنه عاليًا، وتفضل عليه بالوحي والرسالة، واصطفاه من بين خلقه ليكون خاتمَ النبيين، وكان فضل الله عليه عظيمًا، جعل له لواء الحمد والمقام المحمود، صاحب الوجه الوضاء والطهر والقداسة والبهاء، أعظم استنارةً وضِياءً من القمر ليلة البدر، يفيض سماحة وبشرًا ونورا وسرورًا، طلعته آسرة تأخذ بالألباب، كل من رآه عرف صدقه في وجهه، من القوم من ارتعدت فرائسه وهو ينظر إليه، ومنهم من بكى إعجابًا به وإجلالاً، ما كان عابسًا ولا مكشرًا، كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، إذا سُرَّ استنار وجه كأنه قطعة قمر، أهدب الأشفار، أكحل العينين، كأنه سبيكة فضة، مليح الوجه، يقول أنس : (ما مسست حريرًا ولا ديباجا ألين من كف الرسول ). كان يُعرف بريح الطيب إذا أقبل، أحسنُ الناس خلقًا، وأكرمُهم وأتقاهم، يمشي مع المساكين، تأخذه الجارية الصغيرة بيدها فينطلق معها لقضاء حاجتها، يزور الأنصار ويسلّم على صبيانهم، يأتي ضعفاءهم ويعود مرضاهم، يشهد الجنائز ويجلس ويأكل على الأرض، يعقِل الشاة فيحلبها، يخصف نعله ويخيط ثوبه ويخدم أهله، كان يبيت الليالي طاويًا لا يجد عشاءً، لا يجد ما يملأ بطنه من الدقل وهو التمر الرديء، يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة، كان أشجع الناس، يُتّقى به في الحرب والقتال، كان أرحم الناس، يمتلئ عفوًا وصفحا وسخاء وكرمًا وجودًا، تمر به الهرة فيسقي لها الإناء لتشرب منه، عظيمًا في أخلاقه، عظيمًا في آدابه، عظيمًا في شمائله .
ألَم تر أن الله خلّد ذكره إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد
وشقّ له من اسْمه ليجلّه فذو العرش مَحمود وهذا محمد
أوفر الناس عقلاً، وأسدّهم رأيًا، وأصحهم فكرة، وأسخاهم يدًا، وأنداهم راحة، وأجودهم نفسًا، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، يجود ويقول: ((أنفق يا بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا)). أرحب الناس صدرًا، وأوسعهم حلمًا، لا يزيده جهل الجاهلين عليه إلا أخذًا بالعفو وأمرًا بالمعروف، يمسك بغرة النصر، وينادي أسراه في كرم وإباء: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)). أعظم الناس تواضعًا، يُخالط الفقير والمسكين، ويُجالس الشيخ والأرملة، لا يتميز عن أصحابه بمظهر، ألين الناس عريكةً، وأسهلهم طبعًا، ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مُحرمًا، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب، وأشدهم مع الحق، لا يغضب لنفسه، وإذا انتُهِكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ولا يستطيع أن يقف أحد في طريقه، كأنما يُفقأ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب؛ تعظيمًا لحرمات الله وغضبًا لها. أشجع الناس قلبًا، وأقواهم إرادة، يتلقى الناس بثبات وصبر، يخوض الغمار قائلاً: ((أنا النبي لا كذب، أنا أبن عبد المطلب)). أعف الناس لسانًا، وأوضحهم بيانًا، يسوق الألفاظ مُفصلة كالدر، مشرقة كالنور، طاهرٌ كالفضيلة، في أسمى مراتب العفة وصدق اللهجة، صاحب عفة وطهر ونزاهة، أعدلهم في الحكومة، وأعظمهم إنصافًا في الخصومة، يَقِيدُ من نفسه، ويقضي لخصمه، يقيم الحدود على أقرب الناس، ويقسم بالذي نفسه بيده: ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)). يقيم الحدود، ويقسم بالعدل بين الناس، أسمى الخليقة روحًا، وأعلاها نفسًا، وأزكاها وأعرفها بالله، وأشدها صلابة وقيامًا بحقه، وأقومها بفروض العبادة ولوازم الطاعة، مع تناسق غريب في أداء الواجبات، واستيعاب عجيب لقضاء الحقوق، يُؤتي كلّ ذي حقٍّ حقه، فلربّه حق، ولصاحبه حقّ، ولزوجه حقّ، ولدعوته حقّ، أزهد الناس في المادّة، وأبعدهم عن التعلّق بعرض هذه الدنيا، يطعم ما يُقدَّم إليه، فلا يرد موجودًا، ولا يتكلّف مفقودا، ينام على الحصير والأدم المحشو بالليف، أرفق الناس بالضعفاء، وأعظمهم رحمة بالمساكين والبؤَساء، شملت رحمته وعطفه الإنسان والحيوان.
خُلِقت مبرّأً من كل عيب كأنّك قد خُلِقتَ كما تَشاء
ولو لم يكن للنبيّ من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض وإيصال هذا القرآن الكريم إلى العالم لكان فضلاً لا يستقلّ العالم بشكره، ولا تقوم الإنسانية بكفائه، ولا يُوفي الناس حامله بعض جزائه. إنها العظمة الماثلة في كل قلب، المستقرة في كل نفس، يستشعرها القريب والبعيد، ويعترف بها العدو والصديق، وتهتف بها أعواد المنابر، وتهتزّ لها ذوائب المنائر. إنه النبي محمد حيث الكمال الخُلقيّ بالذروة التي لا تُنال، والسمو الذي لا يُسامى.
أيها المسلمون، ثلاثةُ أشهرٍ وعشرونَ يومًا مرت منذ أن تجرّأت صحيفةُ دانمركيّة من أوسع الصحف اليومية انتشارًا في الدانمارك على الإساءةِ لنبيّنا ، أشرفِ مخلوقٍ وأطهرِ إنسان وأرفعِ من خطا على هذه البسيطةِ، نشرت هذه الجريدة اثني عشرَ رسمًا ساخرًا كاريكاتوريًا للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، أقلُّ ما توصفُ به أنها بذيئةٌ ومنحطة إلى أبعد الحدود، على هيئة مسابَقَة عُرضت على أكثر من خمسين رسّاما، أظهر منهم اثنا عشر قبيحا وقِحا نبيّنا محمّدا أنه مجرم حرب، إضافة إلى بعض الرسومات التي تمس علاقة المسلم بربه في أقدس فريضة وهي الصلاة، مائةٌ وعشرةُ أيامٍ أو قل: ألفانِ وستمائةٍ وأربعون ساعةً تصرَّمتْ على هذه الفعلةِ الشنيعةِ، وذلك في يوم الثلاثاء الموافق 26 من شهر شعبان لعام 1426 للهجرة النبوية. ثم تقدم مجلة نرويجيةٌ على إعادة نشر الصورِ ذاتِها بعد مائةِ يومٍ، وبالتحديد في اليوم العاشر من ذي الحجة يوم الحج الأكبر، يوم عيد الأضحى المبارك، لتنكأ الجراح وتشنّ الغارة من جديد, إمعانا للعداء وإغاظة للمسلمين، مشفوعًا بتعليقٍ لرئيس تحرير تلك المجلة قائلا: "إنّ حرية التعبير في منطقتنا مهدّدةٌ من دين ليس غريبًا عليه اللّجوء إلى العنف".
أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53]. كفرة فجرة شِرذمة مردة يشنون غارات على شخصية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، رسوماتٌ وصور آثمة وقِحة وقاحةَ الكفر بأهله. فيا لله، ماذا بقي في الحياة من لذة عندما ينال من مقام محمد ثم لا ننتصر له؟! ماذا نقول تجاه هذا العداء السافر والتهكم المكشوف؟! أنغمض أعيننا؟! أنصم أذاننا؟! أنطبق أفواهنا وفي الجسد عِرق ينبض، وفي القلب حب يدفق؟! والذي كرّم محمدا وأعلى مكانته ، لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن نبينا ، ألا جفّت أقلام وشلّت سواعد وفُقعت عيون وغصت حناجر امتنعت عن تسطير الأحرف والنطق بالكلمات للذود عن حياض وجناب النبي .
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمّد منكم فداء
ولم تنته القصة بعدُ لتُبارَك هذه الرسومات من ملكة تلك الدولة النصرانية الصليبية الكافرة، وهي ـ وربي ـ كبقية دول أوربا وأمريكا الشمالية التي تدين بعقيدة التثليث الباطلة الفاشلة الفاسدة الكاسدة، ولا غرو ولا عجب، فمن الطبيعي أن تظل كغيرها عدوة لكلِّ ما يمت للإسلام بصلة، هذه الدولة ظلت منذ عدة أشهر تسخر عبر صحفها ووسائل إعلامها من رسولنا الكريم ونبينا العظيم ، لا لشيء إلا لأن بعض أبناء شعبها بدؤوا يفكرون جديًا بالتخلي عن نصرانيتهم واعتناق الإسلام، كغيرهم من شعوب العالم الذين أبهرتهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من تداعيات لا تخفى على أحد.
إنّ ما تقوم به الدنمارك وتؤيدها النرويج وتسكت عنه بقية دول العالم النصراني يؤكد أنّ الحرب القائمة بين الإسلام والنصرانية في أفغانستان والشيشان والعراق حرب دينية عقدية، وإن تبرقعت بغطاء مكافحة الإرهاب, أو تلفعت بمرط محاربة الدكتاتوريات في العالم.
عباد الله، لقد أنصف بعض الكفار نبينا عليه الصلاة والسلام لما قرؤوا سيرته ورأوا عظيم دينه أخلاقه، يقول مايكل هارت في كتابه الخالدون المائة: "لقد اخترت محمدًا في أوّل هذه القائمة ـ بعد أن ذكر مائة رجل ـ لأنه هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي، دعا إلى الإسلام وأصبح قائدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا، ولما كان محمد قوة جبارة لا يستهان بها يمكن أن أقول: إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ". ويقول الأديب العالمي تُولُسْتْوِي: "يكفي محمدًا فخرًا أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وإن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة". ويقول شِبْرِك النمساوي: "إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون إذا توصلنا إلى قمته". ويقول الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل في كتابه الأبطال: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يُصغي إلى ما يُقال من أن دينَ الإسلام كذب، وأن محمدا خداع مزور، وقد رأيناه طول حياته راسخَ المبدأ، صادق العزم، كريمًا برًا رؤوفًا، تقيًا فاضلاً حرًا، رجلاً شديد الجد مخلصًا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جم البِشْر والطلاقة، حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، كان عادلاً صادق النية ذكي اللب".
وهكذا ـ عباد الله ـ تتوالى الشهادات من الأعداء ومن مخالفيه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ما من أحد ادّعى النبوة من الكذابين إلا وظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين ما فضحه، وما من أحد ادعى النبوة من الصادقين إلا وظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ميزه عن غيره، وصدقت خديجة رضي الله عنها لما قالت: (أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)، ولما سمعه ورقة بن نوفل عرفه وقال: (هذا الناموس الذي نزل على موسى)، وعرفه بحيرا الراهب بصفته وهو صغير، وعرفته الجن لما سمعوا كلامه، وعرفه ملك الروم هرقل لما سأل أبا سفيان أسئلة فأجابه عنها، ثم قال له هرقل: "سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلتُ: رجل يأتّسى بقولٍ قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه من ملك لقلتُ: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذبَ على الناس ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءَهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرتَ أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتمّ، وسألتك: أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: بم يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبد الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقًا فسيملِك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلَم أنه خارج، ولكني لم أظنّ أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشّمت لقائه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه".
أيها المسلمون، نبينا محمد عندنا في مقام عظيم، وفي نفوسنا له منزلة كبيرة، سبُّه من أعظم المحرمات وكفر وردّة عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك القائل جادًا أم هازلاً، وعقوبة من سبّ النبي عليه الصلاة والسلام في الدنيا أنّ الله يذيقه العذاب المهين، إن كان مسلمًا لا تمنعه التوبة من قتله وإقامة الحد عليه على القول الراجح، وإن كان من الكفار فإنّ النبيّ قد جرّد الكتائب لقتلهم، كما فعل ببعض اليهود الذين وقعوا فيه وسبّوه وشتموه في شعرهم، فأرسل إليهم من اغتالهم على فرُشهم وفي عقر دارهم. ولما فتح مكة أهدر دم عبد الله بن أخطل المشرك، فقبض عليه وهو متعلق بأستار الكعبة، فجعل يتوسل يقول: يا محمد، من للصبية؟ فقال: ((النار))، وقتله عند الكعبة، تلك حرمة محمد بن عبد الله .
وصدق الله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ [المائدة:67]، وقال: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95]، وقال: فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ [البقرة:137]، وقال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36]. قال الشيخ السعدي رحمه الله: "وقد فعل سبحانه وتعالى، فما تظاهر أحد يعني بالاستهزاء برسول الله وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتله".
ولقد جاءت الروايات مبينة لهذا، فأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو النعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ قال: (المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطة السهمي والعاصم بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله فقال: أريني إياهم، فأراه كل واحد منهم وجبريل يشير إلى كل واحد منهم في موضع من جسده، ويقول: كَفَيتُكَه؛ فأما الوليد فمر برجل بن خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بَني ألا تدفعون عني؟ قد هلكت وطعنت بالشوك في عيني، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئًا، فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه، وأما العاص فركب إلى الطائف فرُبط على شبرقة فدخل من أخمص قدميه شوكة فقتلته، وكان بعض أعدائه مع أبيه في سفر، فنزلوا منزلاً وهم على الشرك، فقال أبوه للقوم: إني أخاف من أصحاب محمد على ولدي، إني أخاف من السباع، اجعلوا حوله الأمتعة وناموا حوله، فجاء أسد وهم نيام، فشمهم حتى وصل إلى ابنه فافترسه).
وروى أنس : (أن رجلاً نصرانيًا أسلم وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي عليه الصلاة والسلام يعني الوحي، فعاد نصرانيًا فارتدّ، وكان يقول: ما يدري محمّد إلا ما كتبت له، فادعى أنّ هذا القرآن منه، فأماته الله فدفنوه ـ أي: دفنه النصارى ـ، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمّد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا، فأصبحوا وقد لفظته الأرض لليوم الثاني، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمَقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس) رواه البخاري ومسلم.
وذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله عن والده محمد شاكر وكيل الأزهر سابقًا أن خطيبًا مفوّها فصيحا كان يمدح أحد الأمراء في مصر عندما أكرم طه حسين الذي كان يطعن في القرآن وفي العربية، فلما جاء طه حسين إلى ذلك الأمير قام هذا الخطيب المفوّه يمدح ذلك الأمير قائلا له:
جاءه الأعمى فما عبس بوجه وما تولى
وهو يقصد من شعره هذا إساءَة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله قال عن قصته عليه الصلاة والسلام مع ابن أم مكتوم: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى [عبس:1، 2]، فلما صلى الخطيب بالناس قام الشيخ محمد شاكر والد الشيخ أحمد شاكر رحمهما الله وقال للناس: "أعيدوا صلاتكم فإنّ إمامكم قد كفر؛ لأنه تكلّم بكلمة الكفر"، قال الشيخ أحمد شاكر: "ولم يدع الله لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسم بالله أنه رآه بعينه بعد بعض سنين، بعد أن كان عاليًا منتفخًا مستعزًا مهينًا ذليلاً خادمًا على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقّى نعال المصلين ليحفظها في ذلّة وصغار".
وهذا أحدهم ذهب لنيل شهادة الدكتوراه خارج بلده، فلما أتم دراسته وكانت تتعلق بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام طلب منه أستاذه النصراني أن يسجّل في رسالته ما فيه انتقاص للنبي عليه الصلاة والسلام وتعريض له، فتردد الرجل بين القبول والرفض، فاختار دنياه على آخرته، وأجابه إلى ما أراد طمعًا في تلك الشهادة، فما أن عاد إلى بلده حتى فوجئ بهلاك جميع أولاده وأهله في حادث مروّع، ولَعذاب الآخرة أشد وأنكى.
اللهم شلّ أيد وأخرس ألسنة تطاولت على نبيك . اللهم أرنا في أعدائك وأعداء رسولك الذلة والصغار والعار والشنار يا رب العالمين. اللهم أرنا فيمن سبه مصيرًا أسود. اللهم انتقم لنبيك، اللهم انتقم لنبيك، اللهم انتقم لنبيك، إنك عزيز ذو انتقام.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم.
|