الحمد لله وحدَه، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده.
وبَعد: فاتّقوا الله عبادَ الله.
واعلموا ـ حجّاجَ بيت الله ـ أنّه يُشرَع للحاجّ في اليوم الثامن من ذي الحجّة أن يحرِمَ بالحجّ إن كان متمتِّعًا، وإن كان مفردًا أو قارنا فهو لا يَزال في إحرامِه. ويُستحبّ للحاجّ في اليوم الثامن أيضا أن يتوجَّه إلى منى قبلَ الزوال، فيصلِّي بها الظهر والعصرَ والمغرب والعشاءَ والفجر قصرًا من دون جمعٍ، ما عدا الفجر والمغرب.
فإذا صلّى فجرَ يوم التاسِع وطلعتِ الشمس توجَّه إلى عرفَة وهو يلبِّي أو يكبِّر، فإذا زالتِ الشمس صلَّى بها الظهرَ والعصر جمعًا وقصرا بأذانٍ وإقامَتين، ثم يقِف بها، وعَرفة كلُّها موقِفٌ إلا بطنَ عُرَنَة، فيكثِر فيها من التهليلِ والتسبيح والدعاء والاستغفار، ويتأكَّد الإكثار من التهليل لأنَّه كلمةُ التوحيد الخالِصَة، فقد قال : ((خيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمدُ، وهوَ على كل شيء قدير)).
فإذا غربتِ الشّمس أفاضَ الحاجّ من عَرفة إلى المزدلفة بسكينةٍ ووَقَار، فلا يزاحِم، ولا يؤذِي، ثم يصلِّي المغربَ والعشاء جمعًا وقصرًا بأذان وإقامَتَين، ثمّ يبقى بها حتى طلوعِ الفجر، إلا الظّعن والضّعفة، فلهم أن ينصرِفوا منها بعدَ منتصف الليل.
فإذا صلّى الحاجّ الفجرَ بالمزدلفة وقَف عند المشعر الحرام، والمزدلفَة كلُّها موقف، فيدعُو الله طويلاً حتى يسفِر، ثم يسير إلى مِنى، فيرمي جمرةَ العقبة، وهي أقرب الجمرات إلى مكّة، يرميها بسبعِ حصيَات صغيرات، يكبِّر مع كلّ حصاة، ثم ينحَر هديه إن كانَ متمتِّعا أو قارنا، ثم يحلِق ويحلّ من إحرامه، فيباح له كلُّ شيءٍ حَرُم عليه بسَبَب الإحرام إلا النساء، ويبقَى في حقِّ القارِن والمفرِد طوافُ الإفاضَة وسعيُ الحجّ إن لم يكن سَعَى مع طواف القدوم، وأمّا المتمتِّع فيبقَى عليه طوافٌ وسعي غير طوافِ العمرة وسعيها.
ثمّ بعد الطواف يحِلّ للحاج كلّ شيء حرُم عليه بسبَب الإحرام حتى النساء.
ولا يضرّ الحاجَّ ما قدَّم أو أخَّر من أفعال يومِ النحر؛ لأنَّ رسول الله ما سئِل عن شيءٍ قدِّم ولا أخِّر في ذلك اليومِ إلاّ قال: ((افعَل ولا حرج)) متفق عليه.
ثم يبيت الحاجّ بمنى أيّام التشريق وجوبًا لفعلِ النبيِّ ولِقوله: ((خذوا عني مناسككم)) متفق عليه، فيرمِي الجمراتِ في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالثَ عشَر إن لم يكن متعجِّلاً، كلّ جمرةٍ بسبع حصيَاتٍ، يبدأ بالجمرة الصّغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، ولا يكون الرميُ في هذه الأيّام إلاّ بعدَ الزّوال لفعلِه وأمره.
ومَن أراد أن يتعجَّل فليَرمِ بعدَ الزّوالِ مِن يوم الثاني عشر، ثم يخرُج من مِنى إلى مكة، ولا يضرُّه لو غَرَبت عليه الشّمسُ وهو لم يخرُج من منى، كما لا يضرُّه لو رمَى بعد مغربِ اليومِ الثاني عشَر وتعجَّل علَى الصحيحِ من أقوالِ أهل العلم، وهو الأولى بالإذنِ فيه من الإذنِ في الرميِ قبل الزوال؛ لورود النصّ في الرمي بعد الزوالِ وعَدَمِ ورودِ نصٍّ يجِب الرجوعُ إليه في النهيِ عن الرميِ بعد غروب الشمس من اليومِ الثاني عشر للمتعجِّل.
ثمّ يطوف بعدَ ذلك طوافَ الوَداع، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:200-202].
هذا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكتِه المسبِّحة بقدسه، فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرًا)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...
|