يقول الله عز وجل في سورة البقرة: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ [البقرة:109]، ويقول تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].
أيها المسلمون، لا تزال الحملة المسعورة ضد الإسلام وضد نبي الإسلام عليه أفضل السلام وأتم التسليم وضد القرآن الكريم، أقول: لا تزال هذه الحملة الظالمة قائمة غير قاعدة، وإن هذه الحملة بل الحملات العدوانية قد ازدادت في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، وإن المستهدف هو نبي الهدى والرحمة وخاتم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وإن الذين يطلقون هذه الحملات المسمومة من الإعلاميين والمبشرين والصليبيين لا يدركون بأن الله رب العالمين قد أكرم هذا النبي بأن رفع ذكره في العالمين.
أيها المسلمين، قبل أيام تناقلت الصحف العالمية والمحلية وأجهزة الإعلام المسموعة والمرئية ما جرى في الدنمارك من محاولات للمس بشخص رسولنا الأكرم محمد ، وللتطاول على ديننا الإسلامي العظيم، حيث طرحت مسابقة في إحدى الصحف الدنماركية لوضع رسومات "كاريكاتيرية" للرسول، وشارك في هذه الرسومات اثنا عشر رساما دنماركيا، وقد جاءت هذه الرسومات معبرة عن الحقد الصهيوني العدواني الإرهابي ضد الإسلام ونبي الإسلام، واصفة إياه بالمعتدي والإرهابي، بالإضافة إلى أن هذه الرسومات تهدف إلى السخرية والاستهزاء والإهانة بالنبي الأكرم ، ولا يخفي أن هناك بعض الفضائيات متخصصة بالكيد للإسلام وتشويه صورته وصورة نبينا الأكرم محمد.
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله ، إن محاولات المس بحرمة خاتم الأنبياء والمرسلين قد اهتز لها عرش الرحمن، وإن الله عز وجل سينتقم لنبيه ومصطفاه من هؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله ويكفرون بالنبوة وبالقرآن.
والسؤال: لماذا طرحت هذه الرسومات بحق النبي ، ولم تطرح بحق نبي آخر؟
والجواب: إن التشكيك والطعن بالدين الإسلامي العظيم وبالرسول هو هدف مشترك لجميع أعداء الإسلام عبر التاريخ، وقد شهدت الحقب الزمنية المتعاقبة محاولات متعددة للتشكيك بالإسلام ولتشويه صورته وإلصاق التهم الباطلة به وتكذيب القرآن الكريم والتطاول على نبي الهدى والرحمة.
أيها المسلمون، أيها المرابطون، لكن هذه المحاولات الظالمة لم ولن تحقق أهدافها الخبيثة في حرف المسلمين عن دينهم، لا سابقًا ولا لاحقًا، فقد باءت ـ والحمد لله ـ بالفشل الذريع، بل ازداد تمسك المسلمين بدينهم واعتزوا به، بل إن تزايد عدد المسلمين متواصل بحمد الله، فهذه المحاولات الهابطة الحاقدة تمثل زوابع لن تنال من الإسلام أي شيء، وهي تنطلق من الحسد والحقد، وهذا أمر متوقع من الذين يكفرون بالإسلام، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله عز وجل: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [آل عمران:186]. هل تفهمون ـ أيها المعتدون ـ حرية الرأي والتعبير بهذه الصورة؟!
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله ، كيف يوصف نبينا العظيم بالقاتل والمعتدي والإرهابي وهو الذي دعا بالهداية لأهل الطائف رغم أنهم أوعزوا لغلمانهم ولسفهائهم بإيذاء الرسول والاعتداء عليه، فقذفوه بالحجارة حتى أصابوا قدميه الشريفتين؟! فحينما لجأ عليه الصلاة والسلام إلى كرم العنب دعا دعاءه المشهور بقوله: ((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟! إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؟! إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك، ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
أيها المسلمون، إن حبيبكم محمدا عد الرضا من الله عز وجل هو السلاح الإيماني، هو القوة الفاعلة، هو المنعة، وأن ما لاقاه من الغلمان والسفهاء والغوغاء لم يضعف من عزيمته، ولم ينقص من قدره ومقامه ومنزلته، فالسفهاء والغوغاء موجودون في كل زمان ومكان، تحركهم أيدي الضلالة والتآمر على البلاد والعباد من حيث يشعرون أو لا يشعرون، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18]. لقد نزل جبريل عليه السلام من السماوات العلا ومعه ملك الجبال، لقد أرسله رب العالمين ليقول للنبي : إن الله أمرني أن أطيعك في قومك لما صنعوه معك، ولو أردت أن يطبق الله عليهم الأخشبين أفعل، والمراد بالأخشبين الجبلان المحيطان بالطائف، فماذا كان جواب صاحب القلب الكبير؟! ((اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله))، فقال ملك الجبال: صدق من سماك: رؤوف رحيم.
أيها المسلمون، كيف يوصف نبينا عليه السلام بالقاتل والمعتدي والإرهابي وهو الذي عفا عن أهل قريش يوم الفتح الأعظم، فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة؟! فقد خطب في أهل مكة خطبة مطولة قال فيها: ((يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعاظمتها بالآباء؛ الناس من آدم، وآدم من تراب))، ثم تلا هذه الآية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، ثم قال: ((يا معشر قريش، ما ترون إني فاعل فيكم؟)) قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال مقولته المشهورة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
أيها المسلمون، لقد أعلن العفو العام عن أهل قريش الذين عادوه وخاصموه وحاربوه مدة 21 عاما، فإن رسولنا الأكرم صاحب القلب الكبير حين دخل مكة لم يقتل أحدًا، ولم يعتقل أحدًا، ولم يعذب ولم يبعد أحدًا، ولم يهدم بيتا ولم يقطع طريقًا. وإن السيرة النبوية المطهرة حافلة بآلاف المواقف الرحيمة الإنسانية مع المسلمين ومع غير المسلمين.
أيها المسلمون، فقولوا لأعداء الإسلام والذين يكفرون بالنبوة وبالقرآن: خسئتم من إطفاء نور الله فلا تتعبوا أنفسكم، وإن ما تقومون به لا يدل على حرية الرأي والتعبير، والله رب العالمين يقول في سورة التوبة: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]، ويقول في سورة الصف: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8].
|