.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أحكام عشر ذي الحجة

4660

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الحج والعمرة, فضائل الأزمنة والأمكنة

عبد الله بن راضي المعيدي

حائل

3/12/1425

جامع عمر بن الخطاب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل الأيام العشر من ذي الحجة. 2- ما يشرع في هذه الأيام من الأعمال. 3- صفة العمرة.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى واعلموا أنكم في هذه الدنيا في دار ممر، وما زلتم في سفر، وأن إلى ربكم المستقر، وأنها تمر بكم مواسم عظيمة تضاعف فيها الحسنات وتكفر فيها السيئات. ومن هذه المواسم أيام عشر ذي الحجة التي دخلتموها بفضل ربكم ونعمته، وهذه الأيام من أعظم الأيام عند الله يا عباد الله، ولا يخفى فضلها وشرفها إلا على أهل الغفلة والإعراض، أيام عظم الله فيها العمل وأجزل فيها الأجر، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.

فهذه الأيام أيام مباركة شريفة، قد نوه الله بها في كتابه الكريم حيث قال سبحانه: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1، 2]، والمراد باليالي العشر عشر ذي الحجة، أقسم الله بها تعظيمًا لشأنها وتنبيها على فضلها.

ومما ورد في فضلها ما أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)) يعنى العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)).

وهذه الأيام ـ يا عباد الله ـ يشرع فيها للمسلم أعمال ينبغي أن يحافظ عليها، ومن هذه الأعمال:

أولاً: أداء الحج والعمرة وهو أفضل ما يعمل، ويدل على فضله عدة أحاديث، منها قوله : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج إلى الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).

ثانيًا: من الأعمال المشروعة في هذه العشر صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها، وبالأخص يوم عرفة، والصيام عمل مبرور وسعي مشكور، أهمله كثير من الناس، فتجد بعضا من المسلمين قد تهاون في هذه السُّنة العظمة، لا يصوم إلا شهر رمضان، أما صيام الاثنين والخميس أو الأيام البيض أو يوم عرفة فلا يصومها إلا من رحم ربي، وهذا جهل بعظيم الفضل ووافر الأجر. اسمعوا ماذا قال رسول الله في فضل الصيام، قال: ((ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا)) متفق عليه. الله أكبر يا عباد الله. أما صوم يوم عرفة ففضله عظيم وأجره كبير، روى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي قال: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)).

فأنت ـ أيها المسلم ـ إذ لم يتيسر لك الحج فعندك يوم عرفة، جعله الله لمن لم يحج غنيمة باردة، فلا يفوتنكم هذا اليوم يا عباد الله. أما الحاج فلا يصوم هذا اليوم كما ثبت في الحديث.

ثالثًا: من الأعمال المشروعة التكبير والتهليل والتحميد، لقوله تعالى: وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ [الحج:27]، والأيام هنا العشر، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: ((ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) رواه الإمام أحمد. وذكر البخاري رحمه الله أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. واليوم تدخل السوق والمسجد والدور والطرقات ولا تجد من يكبر أبدًا، وهذا جهل بالسنة وزهد في الأجر.

والتكبير ـ يا عباد الله ـ نوعان: مطلق يبدأ من دخول العشر إلى آخر أيام التشريق، ومقيد وهو الذي بعد الصلوات، يعني بعدما تصلي تكبر، وهذا يبدأ يوم عرفة بعد صلاة الفجر.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

عباد الله، سنذكر كيفية الإحرام، فإذا أراد المسلم أن يحرم بعمرة أو حج فالمشروع له إذا وصل الميقات أن يتجرد من ثيابه، ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجد من دهن وعود أو غيره في رأسه ولحيته لا في لباسه، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام، لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد ذلك. والاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء حتى النفساء والحائض؛ لأن النبي أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها وتستثفر بثوب وتحرم.

ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي ـ غير الحائض والنفساء ـ الفريضة إن كان في وقت فريضة أو يصلي نافلة كوتر أو الضحى، وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء، فإذا فرغ من الصلاة أحرم، فإن كان عمرة قال: لبيك عمرة، وإن كان حجًا قال: لبيك حجًا، وإن كان متمتعًا قال: لبيك عمرة ممتعًا بها إلى حج. وذهب البعض إلى أن الإحرام يكون بعد ركوب الدابة واستوائه عليها، وهذا هو اختيار شيخنا ابن عثيمين رحمه الله.

وإذا كان من يريد الإحرام خائفًا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول عند عقده: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أي: إن منعني مانع عن إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي؛ لأن النبي أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط، وقال: ((إن لك على ربك ما استثنيتِ)). فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل ولا شيء عليه.

وأما من لا يخاف من عائق يعوقه من إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط؛ لأن النبي لم يشترط ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها.

وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصًا عند تغير الأحوال والأزمان، مثل أن يعلو مرتفعًا أو ينزل منخفضًا أو يقبل الليل أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار.

والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبتدئ بالطواف، وفي الحج من الإحرام إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد. ولفظها ما رواه البخاري وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أن تلبية رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)). وله أن يزيد على ذلك مما ورد عن الصحابة، ومن ذلك ما نقله نافع قال: كان عبد الله بن عمر يزيد فيها: (لبيك لبيك لبيك وسعديك، والخير في يديك، لبيك والرغباء ـ أي: المسألة ـ إليك والعمل). وهناك صفات أخرى.

فإذا دخل المحرم المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. ثم يقدم رجله اليمنى ليبتدئ الطواف فيستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله ويسجد عليه، فإن لم يتيسر تقبيله استلمه بيده وقبلها، فإن لم يتيسر استلمه بشيء معه وقبله بيده، فإن لم يتيسر فإنه يستقبل الحجر ويشير إليه بيده ولا يقبلها، والأفضل أن لا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم، لما في الحديث عن النبي أنه قال لعمر: ((يا عمر، إنك رجل قوي لا تزاحم الناس على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر)).

ويقول عند استلام الحجر: بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد . ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره، فإذا بلغ الركن اليماني استلمه من غير تقبيل، فإن لم يتيسر فلا يزاحم عليه، ويقول بينه وبين الحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ولا يصح من الدعاء الثابت عن رسول الله في الطواف غير هذا، وأما تلك الكتب التي يدعو بها بعض الحجاج ويشترونها والتي فيها تحديد دعاء لكل شوط فهي لا تجوز؛ بل بدعة؛ فإن النبي حج وحج معه جم غفير ولم يحدد لهم مثل هذا.

وكلما مر بالحجر الأسود كبر، ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة القرآن، فإنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.

وفي هذا الطواف أعني الطواف أول ما يقدم ينبغي للرجل أن يفعل شيئين:

أحدهما: الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه، وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه داخل إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته التي قبل الطواف؛ لأن الاضطباع محله طواف القدوم فقط.

الثاني: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته.

فإذا أتم الطواف سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، ثم صلى ركعتين خلفه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية بقل هو الله أحد بعد الفاتحة.

فإذا فرغ من صلاة الركعتين رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه إن تيسر له.

ثم يخرج المحرم إلى المسعى، فإذا دنا من الصفا قرأ قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة:158]. ثم يرقى الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه على هيئة الدعاء، فيكبر ثلاثاً ويحمد الله، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بين ذلك بما شاء.

ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشيًا، فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضًا شديدًا بقدر ما يستطيع ولا يؤذي، فقد روي عن النبي أنه كان يسعى حتى ترى ركبتاه من شدة السعي ويدور به إزاره، وفي لفظ: وإن مئزره ليدور من شدة السعي. فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل المروة فيرقى عليها، ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة، وهكذا المروة حتى يكمل سبعة أشواط، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر.

ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة، فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه أو قصر إن كان رجلاً، وإن كانت امرأة فإنها تقص من كل قرن أنملة. ويجب أن يكون الحلق شاملاً لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس، والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة، إلا أن يكون وقت الحج قريبًا بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس فإن الأفضل التقصير ليبقى الرأس للحلق في الحج، بدليل أن النبي أمر أصحابه في حجة الوداع أن يقصروا للعمرة؛ لأن قدومهم كان صبيحة الرابع من ذي الحجة.

وبهذه الأعمال تمت العمرة فتكون العمرة: الإحرام ثم الطواف ثم السعي ثم الحلق أو التقصير، ثم بعد ذلك يحل منها إحلالاً كاملاً، ويفعل كما يفعله المحلون من اللباس والطيب وإتيان النساء وغير ذلك.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً