.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

فضائل العشر وفضل ليلة القدر

4508

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأزمنة والأمكنة

حسين بن شعيب بن محفوظ

صنعاء

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضائل ليلة القدر. 2- عبادة النبي في العشر الأواخر من رمضان. 3- مخالفات ومنكرات يقع فيها كثير من الناس في العشر الأواخر من رمضان. 4- الحكمة من إخفاء وقت ليلة القدر.

الخطبة الأولى

وبعد: فقد فضل الله سبحانه وتعالى بعض الأزمنة على بعض، وجعل منها مواسم للطاعة وفرصة للتجارة الرابحة، ومن تلك المواسم والأزمنة الخيرة والتي يغتنمها المسلمون العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث جعل الله فيها خصائص ومزايا وفضائل قلَّ أن يكون لها نظير في أيام وليالي السنة، فلَيالي العشر الأواخر من شهر رمضان لها فضائل، وذلك أن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر، فالعبادة والطاعة في هذه الليلة تعدل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فهي ليلة مباركة أنزل الله فيها القرآن كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [سورة القدر].

وهي الليلة التي فيها يفرق كل أمر حكيم، كما أخبر عن ذلك رب العالمين فقال تعالى: حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:1-4]، ولذلك حث رسول الله على قيامها فقال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه من حديث أبي هريرة . ومعنى ((إيمانًا واحتسابًا)) كما قال الحافظ في الفتح (4/251): "أي: تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، وطلبًا للأجر، لا لقصد آخر من رياء أو نحوه".

فيا أيها المسلمون، إن الذي ينبغي على الصائمين الاجتهاد في العبادة في ليالي العشر، والإكثار من الذكر وتلاوة القرآن، والحرص على القيام وإحياء الليل كله في طاعة الله، فقد كان هذا هو هدي نبيكم ، ففي صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.

وكان رسول الله من شدة اجتهاده في الطاعة في العشر الأواخر ومبالغته فيها يعتزل النساء؛ ليتفرغ للعبادة والطاعة، ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر. وشد المئزر كناية عن اعتزاله للنساء.

فاقتدوا ـ رحمكم الله تعالى ـ بنبيكم عليه الصلاة والسلام، واجتهدوا في الطاعة في هذه الليالي المباركة، ولا تنشغلوا عنها بالبيع والشراء وشراء لوازم العيد، فإنّ من حرم خير هذه الليالي فقد حرم خيرًا كثيرًا، والموفق من وفقه الله تعالى لطاعته.

فيا عباد الله، إن كثيرًا من الناس يغفلون عن ليالي العشر، لأنهم قد اعتادوا في هذه الليالي التجوال في الأسواق لشراء مستلزمات العيد، فهو في كل ليالي العشر أو أكثرها مشغول إما بالبيع أو الشراء، فلا أعطى لنفسه نصيبًا من الطاعة، ولا تفرغ لإحياء ليلة من لياليها ولو بالقيام، فما هذه الغفلة يا عباد الله؟! وما هذا الإعراض أيها المسلمون؟! أنسيتم الآخرة وأهوالها وغفلتم عن النار وجحيمها؟! ألم تذكروا هادم اللذات ومفرق الجماعات؟! ألم تتعظوا بما جرى للأولين الغابرين؟!

فالله الله عباد الله، واتركوا الغفلة والإعراض، واغتنموا مواسم الطاعات والعبادات، فإن العمر قصير والزاد قليل والسفر طويل وكل مرتهن بعمله، فمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، وما ربك بظلام للعبيد.

وإن من أسوأ الفعال وأرذل الأعمال من ضيعوا وقتهم وأعمارهم حتى في تلك الليالي المباركة، بمشاهدة الأفلام الخليعة والمسلسلات المبتذلة والمسرحيات الهابطة، والتي كانت سببًا في تدمير أخلاقيات الأمة، بل إن من الناس من تراه حتى في ليالي العشر يأنس بسماع الأغاني ومتابعة الفوازير الشيطانية، والتي سميت زورًا وكذبًا بالفوازير الرمضانية، فتراه يشنف آذانه بسماع ما يغضب الرحمن ويسلي نفسه بمشاهدة ما يرضي الشيطان، فأين هؤلاء من غضب الديان؟! وأين هم من عذاب الواحد القهار؟!

فلا تضيعوا ـ عباد الله ـ ساعات هذه الليالي والأيام واغتنموها، فلعل أحدكم لا يدركه رمضان آخر إلا وهو في عداد الموتى والمقبورين، فهنيئًا لمن اغتنمه بالطاعة والذكر والقيام، وبئس من فرط في هذه الليالي المباركة وضيعها بمجالس اللهو واللعب والعصيان.

فاللهم وفقنا لطاعتك، واجعلنا في المقبولين في هذا الشهر الكريم. آمين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.


 

الخطبة الثانية

أما بعد: فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين أن جعل لهم ليلة القدر فرصة للتزود من الطاعات والإكثار من العبادات والتقرب إليه سبحانه وتعالى بأنواع القربات، من ذكر وقيام وصدقة وتلاوة قرآن، فهي ليلة موصوفة بأنها خير من ألف شهر، كما في قوله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] أي: أن العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر فيما سواها، فأي خيرية أعظم من هذه الخيرية؟! وأي فضيلة أفضل من هذه الفضيلة؟! وليلة القدر موصوفة بأنها مباركة، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3]، ومن بركتها تنزل الملائكة والروح فيها وهو جبريل عليه السلام، حيث تتنزل الملائكة مع تنزل الرحمات والبركات، فهي ليلة سالمة من كل سوء ومعصية، ولذلك وصفت بأنها سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:5]. وليلة القدر هي الموصوفة كذلك بقوله تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4].

وقال الحسن وعمر مولى غفرة ومجاهد وقتادة ـ كما في تفسير ابن عطية الأندلسي (13/263) ـ: "في ليلة القدر يفصل كل ما في العام المقبل من الأقدار والآجال والأرزاق وغير ذلك، ويكتب ذلك لهم إلى مثلها من العام المقبل". قال هلال بن يساف: "كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان".

ولذلك لما كانت هذه الفضائل كلها مجتمعة في هذا الشهر الكريم وفي ليلة القدر على وجه الخصوص غفر لمن قامها إيمانًا واحتسابًا، فعن أبي هريرة عن النبي قال: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه. وهذا فيه الترغيب على قيامها وابتغاء فضلها.

يا عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى قد أخفى عنا أي ليلة هي ليلة القدر من ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، وذلك لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، لكي نتحراها ونجتهد في العبادة في كل ليالي العشر، ولذلك أمر رسول الله بتحريها في العشر الأواخر من شهر رمضان، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) رواه مسلم، وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام أمر بتحريها في الوتر من العشر الأواخر، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر)) رواه البخاري.

أرجاها السبع الأواخر من العشر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله : ((أرى رؤياكم قد ألجأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) متفق عليه.

وأرجى لياليها ليلة سبع وعشرين، حيث حلف على ذلك أبي بن كعب ، قال زر بن حبيش فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله ، أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها. رواه مسلم.

فعلى المسلم أن يتحراها، ويجتهد في العبادة فيها طلبًا لالتماسها وسعيًا إلى اغتنام فضلها، وليجتهد بالدعاء فيها والتضرع إلى الله عز وجل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح.

فاللهم تقبل أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك الكريم. آمين.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً