الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1]، وتَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [النمل:1، 2]، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9]، وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:192-195]، وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15، 16]، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23]، وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً [الإسراء:106]، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:1، 2]، كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ [المدثر:54، 55]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57].
هكذا أعلن سبحانه وتعالى: وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الإسراء:105]. هكذا كان هذا الذي أوتِيَه النبي وحيًا أوحاه الله إليه، بقي على مدى الأزمان، وسيبقى إلى قُرب قيام الساعة؛ ولذلك كان أتباع محمد أكثرَ الأمم من الذي اتبعوا نبيَّهم.
عباد لله، كتاب فيه الخير والبركة والهدى والنور، قال عثمان : (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله، وما أحب أن يأتي عليَّ يوم ولا ليلة إلا أنظر في كلام الله). هؤلاء الذين ينظرون في الكتاب العزيز فقهًا وتدبُّرًا يحصل لهم الخشوع والخشية، ويخرّون وهم يفقهون، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:107-109].
تنزل الملائكة لسماعه، وتتأثر به، ((اقرأ يا ابن حضير، تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم)).
خلع أفئدة الكفار، وألقى الهيبة في قلوبهم، وهذا جبير بن مطعم ـ وكان مشركًا من أكابر قريش وعلماء السب فيها ـ لما أخذ في أسرى بدر وربِط في المسجد بحيث يسمع القرآن: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ [الطور:35] قال: (كاد قلبي أن يطير، كان ذك أول ما دخل الإيمان في قلبي). وكان أبو بكر وقد أوتي ذلك الخشوع، كان رجلا بكاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فابتنى مسجدا بفناء داره بمكة، وبرز، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يستمعون عند داره، يعجبون وينظرون إليه، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين.
وكذلك فإن الجن والإنس الذين سمعوه مسلمهم وكافرهم لم يملكوا أنفسهم حين سمعوا قول الله: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:59-62]، لم يملكوا أنفسهم فسجدوا، هيبة القرآن التي أرغمتهم على السجود. لقد تأثر الجن به: فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن:1، 2]، وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف:29]، لقد كانت الآيات كافية أن يصبح أولئك دعاة إلى الله، فولوا إلى قومهم منذرين: قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ [الأحقاف:30].
وحتى أصحاب الأديان الأخرى من الذين أراد الله بهم خيرًا كانوا تأثروا عند سماعه: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة:83]. هؤلاء أقرب الناس مودة للذين آمنوا، الذين يتأثرون إذا سمعوا القرآن ثم يسلمون في النهاية: رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.
هذا القرآن الذي يُكرم صاحبه يوم القيامة بتاج الوقار، ويحَلَّى بالحلية العظيمة، حتى والديه ينالهما خيرًا بسبب حفظ ودهما، ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا))، ويشفع لصاحبه يوم القيامة، وتأتي البقرة وآل عمران كغمامتين تظللان على صاحبهما يوم الحر الأكبر.
عباد الله، هذا قرآن عربي مبين، تكفل الله بحفظه، ولم يوكل حفظه إلى أحبار الأمة وعلمائها كما فُعِل بالذين من قبلنا، وإنما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وإِنَّا تأكيد، واللام في قوله: لَحَافِظُونَ تأكيد.
وقد تولى الله حفظه فلم يستطع أحد من يوم بُعث النبي عليه الصلاة والسلام إلى الآن، ولن يستطيع أحد إلى قيام الساعة أن يحرفه ولا أن يبدله ولا أن يغيره تغييرا يروج على الناس جميعًا، لا يمكن، أن يحصل فيه تحريف عام بحث يزول من الأرض القرآن الأصلي لا يمكن أن يتوصل إلى ذلك أحد، لا من الجن ولا من الإنس، ولذلك كشِفت محاولات تحريف القرآن، وتصدى من هذه الأمة من قيَّضه الله لكشف الألاعيب والتحريف في اللفظ أو المعنى، واستمرت المحاولات، ولكن كناطح صخرةٍ يومًا ليوهنها، فلم يضرها وأوهى قرنَه الوعلُ.
بل بالإضافة إلى ذلك تحدى الله البلغاء والفصحاء والناس جميعًا على مراحل، فقال في كتابه طالبًا من العباد أن يأتوا بمثله فعجزوا، ولما عجزوا قال: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود:13] فعجزوا، فناداهم أن يأتوا بسورة واحدة: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس:38]، وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23]، لم يستطيعوا، فنادى عليهم بالعجز إلى قيام الساعة فقال: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88].
لقد نزل القرآن في وقت كانت العرب في أوج قوتها في الشعر والنثر، خطابةً وشعرا، نثرا وشعرا، تحداهم وهم في أوج قوتهم البلاغية وفي زمن المعلقات التي حفظوها، ولكنهم جميعا قد خرسوا أن يأتوا بمثله، بل إن فصحاءهم كبراءهم لم يستطيعوا إخفاء إعجابهم بالقرآن، حتى قال الوليد بن المغيرة المشرك: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر". وهؤلاء الأعراب الأقحاح الذين كانوا يأتون من الصحراء بلغتهم القوية لم يخالطها شيء لم يملكوا أنفسهم من الإعجاب والرضوخ لفصاحة القرآن وبلاغته وقوة أسلوبه، حتى إن أعرابيا سمع قول الله: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94] فقال: سجدت لفصاحتها، وسمع آخر قول الله: فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف:80] قال: أشهد أن مخلوقًا لا يقدر على مثل هذا الكلام.
ومن تأمل علوَّ أسلوب القرآن وأنه فوق أمثال العرب، العرب تقول في أمثالها: "القتل أنفى للقتل"، يعني: إذا قُتِل القاتل ينفي ذلك القتلَ، فلما نزل قول الله: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] أنساهم ذلك المثل؛ فإنه فوقه في البلاغة والإيجاز والمعنى وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ فكيف يكون في القتل حياة؟! كيف يكون القصاص وهو قتل حياةً؟! حياة لبقية الناس.
وكذلك لما سمع بعضهم قول الله: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا [مريم:4]، الاشتعال للنار يسير سريعًا، وجاء هذا التعبير عن انتشار الشيب بسرعة، وبعض الناس هكذا ينتشر شيبهم بسرعة. وعندما تسمع قول الله: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ [البقرة:93]، لتتأمل أن هذا التعبير أبلغ من "تغلغل الحب" و"دخل" ونحو ذلك، جعل القلب كالسفنجة وحبَّ العجل كالماء الذي يتشربه، وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ يعني حب العجل.
لقد أعجزهم بالإخبار عن المغيبات ثم تقع كما أخبر، فكانت الفرس قد هزمت الروم واكتسحتها، وكانت قريش تؤيد فارس لأنهم عباد أصنام، وكان المسلمون يميلون إلى الروم لأنهم أهل كتاب، ولما كان المسلمون بمكة أولئك الكتابيون أقرب إليهم من عباد النار والأصنام، ونزل قول الله: الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ [الروم:1-3] في عقر دارهم، ولكن ما الذي سيحدث؟ قال: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:3]، (سـ) في المستقبل، متى؟ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ [الروم:4]، يفرحون بصدق هذه البشارة، بصدق هذا الخبر. وراهنت قريش أبا بكر، لقد استحال عندهم أن يحدث ذلك، لا يمكن في الموازين الأرضية والعسكرية أن تستعيد الروم قوتها، ولكن ما مضت تسع سنين إلا والروم تكتسح فارس من جديد.
عباد الله، شهد ببلاغة القرآن ومكانته وعلوه القاصي والداني، ولما حاول بعضهم أن يقبل التحدّي بزعمهم في الإتيان فبماذا أتوا؟! قال مسيلمة الكذاب: "يا ضفدع، يا ضفدعين، نِقّي ما تنقّين، نصفك في الماء ونصفك في الطين. الشاة وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرِّم المذق، فما لكم لا تمجعون؟! والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالةً..." إلى آخر الكلام الفارغ بعد قصص الأطفال التي ألفها مسيلمة، ثم تأتي إليه سجاح التي ادعت النبوة ثم تابت بعد ذلك ليقول لها قرآنا نزل عليه: "إنكن معشر النساء خلِقتن أفواجا، وجعلتُن لنا أزواجا، نولجه فيكن إيلاجا..." إلى آخر الكلام من قلة الأدب ليقول: "أرأيتِ إن كنتِ حبلى، وفي بطنك حية تسعى"، وتأتي بعده لتقول: "عليكم باليمامة، ورفوا رفيف الحمامة..." إلى آخر الكلام الفارغ، ليقوم عطارد بن الحاجب مفتضحا بها يقول:
أضحـت نبيّتنـا أنثـى يُطاف بِها وأصبحت أنبيـاء الناس ذكرانا
فلعنـة الله رب النـاس كـلهـم على سجاح ومن بالإفك أغوانا
أعنـي مسيلمة الكذاب لا سُقيت أصداؤه من رعيت حيثمـا كانا
رجعت سجاح عن غيها، وكذلك طليحة الأسدي، وبقي مسيلمة حتى فضحه الله وقتله شر قتلة، وحاولوا وحاولوا بعد ذلك، توالت المحاولات، وعرف الأعداء مكمن قوة هذه الأمة، فجردوا الحملات لأجل القضاء على هذا الدين، وكان قائدهم وهو ذاهب في حملاتهم الصليبية يقول: "أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة لأحارب الديانة الإسلامية، ولأمحو القرآن بكل قوتي"، ولكن ما استطاعوا محوه.
قتل من قتل من المسلمين شهيدا وظلِموا وأخذت ديارهم فترة من الزمن ولكن ما استطاعوا محوه، ولما عوتِب بعض كبرائهم في العصر الحديث: ماذا صنعتم؟! لما استعمرتم البلد الفلاني ما هي النتائج؟! قال: ماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى منا؟! وبالرغم من محاولات بعض المستشرقين للطعن في القرآن ووصفه بأنه مملّ ومضطرب ومختلط ومشوّش ويكرّر بلا نهاية ومعقّد، ولكن كل هذه المحاولات ذهبت أدراج الرياح، حاولوا التحريف لفظا ومعنى، ووزعوا مصاحف في هذه السنوات المتأخرة على الجامعات والكليات والمعاهد العلمية في أوربا وأمريكا، ولكن كشِفت محاولاتهم، وكان من أهل الإسلام من لهم بالمرصاد. لقد حاولوا حتى الطعن من خلال الترجمة وهم يفسرون قول الله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ [الأعراف:157]، قالوا: نبي العوام، وكشِفت. وامتد جهل الجاهلين وعبث العابثين حتى فسر بعضهم الم: (ALM).
واستمرت هكذا الجهالات تتوالى، وهؤلاء الصوفية يقولون: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] اليقين مرحلة إذا بلغها الإنسان سقت عنه التكاليف، فيقوم لهم أهل السنة والإيمان ليقولوا: إن اليقين بإجماع المفسرين هو الموت، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ. وهكذا يقوم من يريد أن يحرف القرآن فقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] عائشة، ونحو ذلك من التراهات، بقرة موسى أين هذا من عائشة رضي الله عنها؟! ويقوم القاديانيون بالتحريف لأنهم يعتقدون أن أحمد القادياني نبي، ويريدون التخلص من قضية أن محمدا عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين ليقول قائلهم: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] الخاتم يعني الزينة الخاتم في الأصبع. انتبه ـ يا عبد الله ـ للتحريف الذي يريدونه، والنبي عليه الصلاة والسلام فسره وبينه وقال: ((لا نبي بعدي))، فماذا تقول في هذه يا قادياني يا عدو الله؟!
عباد الله، لم تُجدِ المحاولات، وجاء أصحاب العبث الآخر، تارة تحت تيار الإعجاز العددي والرقم 19، وإعجاز المكتشفات والمخترعات ونحو ذلك ليقولوا: إن القرآن مليء بالمكتشفات والمخترعات، ويكون العبث الذي يقول: أشعة (x) نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، وحدثني من أثق به أنه سمع ذلك المعمّم على طلابه يقول لهم: إن القرآن قد ذكر المكتشفات الحديثة: التلفون، وتعجبتُ ما هذه الآية التي فيها ذكر التلفون؟! ليقول له: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ [النبأ:1-3]: "مُخْ تلِفُون"، فقلت له: لا مخّ له.
عباد الله، هكذا يقولون: تَرَكوك وكُوكَا، فأين الببسي يا غافل يا جاهل؟! ونحو ذلك من الأشياء الترهات التي نسمعها بين الحين والآخر. يخرج علينا مسيلمات في هذا الزمن ويقولون: نقبل التحدي، وقد أصدرنا قرآنا: "المذ"، عجبا! إذا غيَّر حرفا جاء بسورة جديدة؟! "إنا أرسلناك للعالمين مبشر ونذيرا"، طيب نحن نقول ذلك، قال: "تقضي بما يخطر بفكرك وتدبر الأمور تدبيرا"، إذًا و يريد أن يقول: إنه لا يأتي بوحي من الله، بل بما يخطر بفكره، "فمن عمل بما رأيتَ فلنفسه، ومن لم يعمل فلسوف يلقى على يديك جزاء مريرا"، إذًا "من عمل بما رأيتَ" أين هو هذا الكذاب من قول الله: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105]؟!
عباد الله، هكذا تتوالى الافتراءات، وبعضهم من نصارى العرب الذين درسوا هذا القرآن، وأرادوا بعربيتهم محاولة تقليده بزعمهم: "إنا أعطينا موسى من قبلك من الوصيات عشرة، ونعطيك عشرة أخرى، إذ ختمنا بك الأنبياء وجعلناك عليهم أميرا، فانسخ ما لك أن تنسخ مما أمرناك به ـ قال: ـ سمحنا لك أن تري على قراراتنا تغييرا"، إذًا المسألة الآن تلاعب، فهو ينسخ ما يرى، ويحذف ويبقي وهكذا ما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، القرآن ما فيه مجاملات في تبليغه، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46]، يقوله عن عبده ونبيه محمد ، لو فعل ذلك لقطعنا عرق القلب والظهر الذي إذا انقطع مات الإنسان، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:47]، ولا يستطيع أحد حين ذلك أن يدافع عنه، ولا أن يمنع عقاب الله النازل فيه، ولكنه عليه الصلاة والسلام بلغه بصدق وأمانة، بلغه عليه الصلاة والسلام ولم يكتم منه شيئا، ولو أراد أن يكتم لكتم مثلا: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37]، لو كان كاتما شيئا لكتم مثلا: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:1]، ولكن أداه عليه الصلاة والسلام كاملا، علمه أصحابَه، فعلموه من بعدهم، وهكذا انتقل غضا طريا كما أنزل، إلى ابن مسعود، وإلى من بعده من طلابه، ولا زالت القراءات بالأسانيد في أجيال الأمة إلى الآن، فهنيئا لمن تلقوا القرآن تلقيا مشافهة من هؤلاء الخبراء في القراءة الذين أخذوه بالسند إلى محمد إلى جبريل إلى الله عز وجل. سلسلة عظيمة في أجيال الأمة، لو قام هؤلاء اليهود والنصارى والكفار بتحريف جميع نسخ القرآن المطبوعة فستبقى هنالك نسخ غير قابلة للتحريف، إنها النسخ في صدور مؤمني هذه الأمة، بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49].
اللهم اجعلنا من حملة كتابك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن رزقتهم تدبره يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من أهلك أهل القرآن، اللهم إنا نسألك أن تشرح به صدورنا، وتنوّر به قلوبنا، وترفع به شاهدنا، وتثقل به يوم الموازين موازيننا، اللهم علمنا منه ما جهلنا، وذكرنا منه ما نُسِّينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
|