.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

المرأة تحرير أم تدمير (2)

4331

الأسرة والمجتمع

المرأة

ناصر بن محمد الأحمد

الخبر

29/12/1424

النور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حال المرأة في الجاهلية. 2- تردّي أوضاع المرأة في الغرب. 3- حقيقة دعاوي تحرير المرأة. 4- كلمة للمرأة المسلمة. 5- صور من حياة الصحابيات. 6- دور المرأة المسلمة في رد العدوان عليها.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسلمون، استكمالاً لخطبة الأسبوع الماضي عن المرأة وما يُكاد لها فأكمل وأقول: لقد كانت المرأة في الجاهلية تعدّ من سقط المتاع، لا يقام لها وزن، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58، 59].

أما وضعها في المجتمعات الكافرة والمجتمعات التي تتسمّى اليوم بالإسلام وهي تستورد نظمها وتقاليدها من الغرب فإن وضعها أسوأ بكثير من وضعها في الجاهلية الأولى، فقد جُعِلت فيها المرأة سلعة رخيصة تُعرض عارية أو شبه عارية أمام الرجال في مواطن تجمعهم، على شكل خادمات في البيوت وموظفات في المكاتب وممرضات في المستشفيات ومضيفات في الطائرات والفنادق وممثلات في أفلام التلفزيون والسينما، وإذا لم يمكن ظهور صورتها في هذه الوسائل جاؤوا بصوتها في المذياع مذيعة أو مطربة، وإلى جانب إظهار صورتها المتحركة في وسائل الإعلام المرئية يظهرون صورتها الفوتوغرافية في الصحف والمجلات، بل وعلى أغلفة السلع التجارية، فيختارون أجمل فتاة يجدونها، ويضعون صورتها على هذه الصحف والمجلات السيّارة، أو على أغلفة السلع التجارية؛ ليتخذوا منها دعاية لترويج صحفهم وبضائعهم، وليغروا أهل الفساد الخلقي بفسادهم، وليفتنوا الأبرياء. لقد كانت على شاطئ السلامة وبرّ الأمان، بعيدة عن متناول الأيدي ومماسّة الرجال، فتآمروا عليها وقذفوها في بحار الاختلاط المغرقة، عرضة للأيدي الآثمة ومطمعًا للنفوس الأمّارة بالسوء، فحرّموا ما أحلّ الله، وأحلّوا ما حرّم الله.

لقد جاءت الحضارة الغربية ورفعت شعارات برّاقة كشعار تحرير المرأة ومساواتها بالرجل وعدم كبتها أو التحكم فيها، فعاشت شقاءً لا يدانيه شقاء، واصطلت بنار هذه الحرية الشوهاء، لقد كُتبت تقارير وإحصاءات مذهلة عما تعانيه المرأة في الغرب، إليكم طرفًا من ذلك:

- لقد شاعت الفاحشة شيوعًا لم يسبق له مثيل، فلم تعد مزاولة الفاحشة ـ أجارنا الله وإياكم ـ مقصورة على دُور البغاء، بل تجاوزت ذلك إلى الفنادق والمقاهي الراقصة والمنتزهات وعلى قارعة الطريق، ولم يعد من الغريب ولا الشاذ أن يقع الأب على ابنته، والأخ على أخته، وأصبح ذلك في الغرب شائعًا ومألوفًا.

- وأصبحت الخيانة الزوجية ظاهرة عامة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية امرأة واحدة من كل أربع نساء أمريكيات تخون زوجها.

- أما التفكير في الانتحار في ظل الرفاهية المزعومة والحرية وحقوق المرأة التي ينادون بها في الغرب فإن أربعًا وثلاثين بالمائة من النساء يفكرن في الانتحار.

- ومن الإحصاءات النسوية ـ إن صح التعبير ـ أن ثلثي حوادث الاعتداء في أمريكا بالضرب ضد النساء تصدر من أقاربهن، والباقي من غير الأقارب.

- ثمان وعشرون في المائة من حالات الاعتداء الجسمي على النساء تصدر من الزوج والصديق.

- وفي فرنسا تتعرض حوالي مليون امرأة للضرب، وأمام هذه الظاهرة التي تقول الشرطة: إنها تمثل حوالي 10 بالمائة من العائلات الفرنسية أعلنت الحكومة أنها ستبدأ حملة توعوية لمنع أعمال العنف. وهذه كأنها ظاهرة طبيعية. وقالت أمينة سر الدولة لحقوق المرأة: "إن الحيوانات تعامَل أحيانًا أحسن منهنّ، فلو أن رجلاً ضرب كلبًا في الشارع فسيتقدم شخص ما بالشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان، ولكن إذا ضرب رجلٌ زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد". ونقلت صحيفة فرنسية عن الشرطة أن ستين في المائة من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة الخدمة في باريس أثناء الليل هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهنّ معاملتهنّ.

- ونشرت مجلة التايمز الأمريكية أن حوالي أربعة آلاف زوجة من حوالي ستة ملايين زوجة مضروبة تنتهي حياتهنّ نتيجة ذلك الضرب.

- وأشار خبر نشره مكتب التحقيقات الفيدرالية جاء فيه أن أربعين في المائة من حوادث قتل السيدات ارتكبها أزواجهنّ.

- ودلت الدراسات على أن في الولايات المتحدة نفسها أكثر من خمسةٍ وثلاثين مليون متزوج يقيم علاقات غير شرعية خارج عش الزوجية، أي: بنسبة تصل إلى سبعين في المائة من الرجال المتزوجين. وبعبارة أخرى فإن سبعين في المائة من الزوجات الأمريكيات مأسورات بقيد الخيانة، خيانة أزواجهنّ لهنّ.

- أما صورة أخرى فهي صور الاغتصاب التي تتعرض لها المرأة، ففي الولايات المتحدة تقول التقارير الخاصة بالاغتصاب: إن حادثة الاغتصاب تسجل كل ستِ دقائق، وإن جريمة الاغتصاب أكثر الجرائم تسجيلاً في محاضر الشرطة والمدن الأمريكية.

- ويقول المحللون: إن تسعين في المائة من حوادث الاغتصاب لا تصل إلى سجلات البوليس، وهذا يعني بحسبة بسيطة أن عشر حوادث للاغتصاب تتم كل ستِ دقائق أو جريمتين كل دقيقة تقريبًا.

- وأما في فرنسا فقد أذاع الراديو الفرنسي إحصائية ذكر فيها أن في فرنسا خمسة ملايين امرأة متزوجة على علاقة جنسية بغير أزواجهنّ.

- أربعون في المائة من النساء في إيطاليا هنّ ضحايا الاغتصاب الجنسي، وتتم العمليات في المنازل والشوارع وأماكن العمل بلا تمييز.

- أربعة عشر مليون امرأة في إيطاليا يخشون السير بغير رفقة في الشوارع المظلمة أو الأماكن المهجورة.

وبعد هذه النقولات نقول: إن الداعين إلى تحرير المرأة على الطريقة العلمانية اللادينية والداعيات إلى ذلك التوجه في الوطن الإسلامي إنما ينشدون محالاً من الأمر، فهم وهنّ في شقاء مستمر في سبيل الوصول إلى مركب يجتمع فيه الخير والشر في آن واحد، وكما قلت: فذلك من المحال.

إن الإسلام الذي جاء شاملاً وكاملاً من عند الله لا يمكن أن يكون ألعوبةً في أيدي هؤلاء العابثين المخربين دعاة وداعيات التحرير المزعوم، فالمرء مخير بين أمرين لا ثالث لهما: إما الإسلام كله، أو التبعية للجاهلية المعاصرة كلها، ولا خيار ثالث لهما، فليعِ هذا من أراد مناطحة الجبال.

إن الهجوم على المرأة المسلمة إنما هو هجوم على قيم الإسلام، ذلك أن الدعوة إلى تحرير المرأة إنما هو تسفيه لدينها الذي هو عصمة أمرها، وهو اختيارها ووجودها عبر أكثر من أربعمائة وألف من الأعوام، وهو الذي أخرجها من ذلّ وأسر الجاهلية إلى عزّ الإسلام، فالدعوة التحريرية دعوة في الواقع إلى إرجاعها إلى الذلّ والأَسر من جديد، ودعوة إلى تحويلها إلى دمية لمجرد المتعة على الطريقة التي يعرفها دعاة التحرير في هوليوود وغيرها حيث مسارح الرذيلة وملاهي الخنا.

إن المرأة التي تنطلي عليها هذه المؤامرة واحدة من اثنتين: إما جاهلةٌ لا علم لها بشيء على الإطلاق، لا بما يحاك ضدها ولا بأمور دينها، أو عالمة بما يدور حولها وبنتائج هذه الدعوة الخبيثة، فتكون في هذه الحالة جزءًا من المخطط الجهنّمي الذي يدبّر بليل ونهار، ليس للإيقاع بالمرأة فحسب، ولكن لتقويض الكيان الإسلامي من أساسه، ولن يتم ذلك لدعاة الهدم والتخريب بإذن الله ثم بيقظة المخلصين، فليتدبر كل منا أمره، فالخطب جسيم، والهجمة شرسة، والطريق طويل وشاق، والله المستعان.

لا بد أن يُعلم أنه كلما عظم الخطر عظمت المسؤولية، وكلما كثرت أسباب الفتنة وجبت قوة الملاحظة، وإننا في عصر عظم فيه الخطر وكثرت فيه أسباب الفتنة بما فتح علينا من زهرة الدنيا واتصالنا بالعالم الخارجي مباشرة أو بواسطة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وخاصة ما يبث عبر قنوات البث المباشر والمقروءة، وبسبب ضعف كثير من الرجال وتهاونهم للقيام بمسؤولياتهم تجاه نسائهم، وترك الحبل لهنّ على الغارب، حتى إنك لترى المرأة الشابة تذهب من بيتها إلى أي مكان تريد دون أن تُسأل: إلى أين؟ وتتكلم بالهاتف الساعات الطوال دون أن يعلم ولي أمرها من تكلم، وترى بعض النساء يخرجن إلى الأسواق بلا رقيب، تطوف بها ليلاً ونهارًا صباحًا ومساءً، وما ذهابها إلى السوق من أجل شراء شيء تريده، وإنما من أجل التسلي والتسكع، ومن أجل تضييع الوقت، ومن أجل البحث عن الجديد من الأزياء أو المكياج، حتى تكون الزينة لها هدفًا لذاته.

إليك هذه الإحصائية المهولة لاستعمال أدوات الزينة لدى نساء الخليج: ففي عام 97م أنفقت نساء الخليج حوالي ثلاثة مليارات ريال على العطور فقط، وخمسة عشر مليون ريال على صبغات الشعر، وبلغت مبيعات أحمر الشفاه أكثر من ستمائة طن، فيما بلغت مبيعات طلاء الأظافر أكثر من خمسين طنًا. فكم هي الأرقام الآن؟!

إن من نتائج انحراف المرأة في مجتمعاتنا أن كثر الفسق، وانتشر الزنا، وابتعد الناس عن الزواج، وانهدم كيان الأسرة، وأهملت الواجبات الدينية، وانعدمت الغيرة، واضمحلّ الحياء، وتركت العناية بالأطفال، وأصبح الحرام أيسر حصولاً من الحلال، وكثرت الجرائم، وفسدت أخلاق الرجال خاصة الشباب المراهقين، وأصبحت المتاجرة بالمرأة كوسيلة دعاية أو ترفيه في مجالات التجارة وغيرها، وكثرت الأمراض التي لم تكن في السابق، قال : ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) رواه ابن ماجه.

ومن أعظم العقوبات التي هي قطعًا أخطر من القنابل الذرية ومن أسلحة الدمار الشامل هي استحقاق نزول العقاب الإلهي، قال الله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16]، وقال : ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعذاب)).

إن من أعظم مقاصد هذا الدين إقامة مجتمع طاهر، الخلق سياجه، والعفة طابعه، والحشمة شعاره، والوقار دثاره، مجتمع لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه عوامل الفتنة، تُضيّق فيه فرص الغواية، وتقطع فيه أسباب التهييج والإثارة. ولقد خُصَّت المؤمنات بتوجيهات في هذا ظاهرة ووصايا جليلة، فعفة المؤمنة نابعة من دينها، ظاهرة في سلوكها، ومن هنا كانت التربية تفرض الانضباط في اللباس سترة واحتشامًا ورفضًا للسيرة المتهتّكة والعبث الماجن.

وليعلم دعاة السفور من العلمانيين ومن وراءهم أن التقدم والتخلف له عوامله وأسبابه، وإقحام الستر والاحتشام والخلق والالتزام عاملاً من عوامل التخلف خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلاّ على مغفل ساذج، في فكره دخن، أو في قلبه مرض. ودعاة السفور ليسوا قدوة كريمة في الدين والأخلاق، وليسوا أسوة في الترفع عن دروب الفتن ومواقع الريب، إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ [المائدة:55، 56].

إن كل امرئٍ عاقلٍ بل كل شهم فاضل لا يرضى إلاّ أن يكون عرضه محل الثناء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرمًا مصونًا لا يرتع فيه اللامزون، ولا يجوس حماه العابثون. إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة الشهم يقدم ثروته ليسد أفواهًا تتطاول عليه بألسنتها أو تناله ببذيء ألفاظها. نعم، إنه ليصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضًا. بل لا يقف الحد عند هذا، فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامته، يهون على الكرام أن تُصاب الأجسام لتسلم الأعراض، وقد بلغ ديننا في ذلك الغاية حين أعلن النبي فقال: ((من قتل دون أهله فهو شهيد)).

فيا أختي المسلمة، يا من رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا ورسولاً، إنهم يقولون لك: إن الرجل قد ظلمك حين فرض عليك ارتداء الحجاب، فقولي لهم: لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع قضيتها ضده لتتخلص من ظلمه، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك إن كانت مؤمنة أن تجادل فيما أمر به أو يكون لها الخيرة في الأمر، ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا [الأحزاب:36].

ويقولون لك: إن أختك الأوربية قد حملت قضيتها وأخذت حقوقها، وقضايا المرأة واحدة في كل بلاد العالم. فقولي لهم: بادئ ذي بدء لا أخوّة بيني وبين الأوربية؛ لأن المسلمة لا تؤاخي المشركة، وأما عن الحقوق التي تزعمونها للمرأة الأوربية ففي الحقيقة لقد كانت هذه المرأة ضحية من ضحايا المجتمع الذي حررها فقذف بها إلى المصنع والمكتب، وقال لها: عليك أن تأكلي من عرق جبينك، في بيئة مليئة بالأخطار على أخلاقها، فتركها في حرية مشؤومة ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع. وقولي أيضًا: يكفيني ما تنشره تلك الدول من إحصاءات وأرقام تخيف وتهدد البشرية بسبب تحرير موهوم.

انقلي ـ يا أختاه ـ للعالم كله نماذج رائعة ومواقف مدهشة للنساء في صدر الإسلام، وكيف صبرن كما صبر الرجال، ففاطمة بنت الخطاب تسلم قبل أخيها عمر، ولما عرف عمر بذلك ضربها، فتقول في وجهه حين رأت الدم يسيل منها: نعم يا ابن الخطاب، أسلمت، فافعل ما بدا لك، فيُصعق عمر من إجابتها، ويقول لها: جيئيني بالكتاب الذي تقرؤون منه، فتأتيه به، فلما قرأه قال: دلوني على محمد كي أسلم.

وأم شريك آمنت وعذبت وجُوّعت وعُطّشت وألقيت في الحرَّ، وهي في شبه إغماء من الجوع والعطش، ولما حاولوا ردها إلى الكفر قالت: اقتلوني، ولن أعود للكفر أبدًا. وبينما هي في حالة إغماء أحست بشيء رطب على فمها وهي مقيدة ومربوطة في الشمس، فنظرت فإذا دلو من السماء نازل لكي تشرب منه. الله سقاها كرامة لها. ولما عرف قومها الحقيقة عرفوا أنها على الحق وأنهم على الباطل، ففكّوا وثاقها وحبالها وقالوا لها: فلننطلق إلى رسول الله لنعلن إسلامنا.

وكذلك أم أيمن الحبشية امرأة هاجرت وحدها في شدة الحر والعطش، وكانت صائمة ولكن الله تعالى حين جاء وقت الغروب أنزل إليها دلوًا من السماء فشربت منه، وكانت لا تحمل ماءً معها. تقول أم أيمن وهي مربية الحبيب محمد ، تقول بعد أن شربت من هذا الدلو: كنت أصوم في اليوم الشديد الحر فلا أشعر بعطش أبدًا.

ولا ننسى نسيبة الأنصارية والتي كانت مع النبي تدافع عنه في أحد حين انهزم كثير من الرجال وابتعدوا عنه، حتى قال عنها : ((ما التفت يمينًا وشمالاً إلا وأنا أراها تقاتل عني)).

ويمشي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فتستوقفه المرأة فيقف لها وتقول له: يا عمر، كنت تدعى عُمَيرًا، ثم قيل لك: عمر، ثم قيل لك: أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب. وهو واقف يسمع لكلامها، فقيل له في ذلك فقال: والله، لو حبستني من أول النهار إلى آخره ما تحركت من مكاني، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!.

الله أكبر! هذا كله دليل على صدق هؤلاء النساء، وعلى عظم مكانة المرأة في الإسلام، فالله لم يعط الفضل للرجال فقط، ولم يعط الشرف للرجال فقط، ولم يعط العزة والكرامة للرجال فقط، إنما أعطاها لكل من آمن وصدّق وأخلص في إيمانه وثبت على الحق ثبوت الجبال.


 

الخطبة الثانية

أما بعد: وهنا سؤال يطرح نفسه: ما المطلوب من المرأة المسلمة أن تفعله في هذا الوقت العصيب؟

 المرأة المسلمة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تكون سلاحًا في وجه أعدائها، وذلك من خلال ما يلي:

أولاً: رفضها لكل الدعوات الكاذبة والخادعة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، متمثلةً قول الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [سورة الكافرون].

ثانيًا: تقف سدًّا منيعًا إلى جانب الرجل المسلم في وجه ما يخطط للأمة الإسلامية من خلالها، فلا تكون عونًا لأعدائها وأعداء أمتها، بل يجب عليها أن تعي وتدرك ما يدور حولها من خطط لإبعادها عن دينها ورسالتها في هذه الحياة، وتهميش دورها في بناء مجتمعها الإسلامي، وإشغالها بتوافه الأمور، وإضاعة وقتها في تتبع ما تبثه الفضائيات وما تنشره المجلات الهابطة من عروض للأزياء وآخر الموديلات من مكياج وعطورات ومتابعة أخبار الفنانين والفنانات.

ثالثًا: تعود إلى إسلامها وتتمسك به بكل قوة، وتعيش تعاليمه كلها منهجًا وسلوكًا، وتطبقها على نفسها أولاً، ثم على من هم تحت رعايتها.

رابعًا: تعمل المرأة المسلمة على تثقيف نفسها والتسلح بالعلم الشرعي، وذلك من خلال حضورها لبعض الدروس الشرعية المتاحة في مجتمعها، وسماعها للأشرطة المأمونة المتوفرة، وكذلك تلاوتها للقرآن وتدبر آياته، خصوصًا آيات الأحكام، وتحفظ ما تيسر لها منه، والاطلاع على كتب التفسير والسيرة حتى يساعدها ذلك على أداء مهمتها في الدعوة لهذا الدين العظيم.

خامسًا: الحذر كل الحذر من أن تقع في شراك أدعياء تحرير المرأة، فإنهم يهدفون من وراء ذلك الطعم إلى اصطيادها وتحللها من دينها وقيمها وأخلاقها، وحينها تكون ذيلاً لهم وتابعة ذليلة لمناهجهم.

نسأل الله جل وتعالى أن يحفظ نساء المسلمين وبناتهم إنه سميع قريب مجيب...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً