أما بعد: إن قلب المسلم ليتقطّع وهو يُتابِع أخبار المسلمين في فلسطين، فلا يكاد تغيب شمس أيّ يوم إلاّ والقتلى بالعشرات، والوحشية اليهودية تعدّت كبارَ السنّ فوصلت الأطفال والنساء، والعالم كله شرقيّه وغربيّه يتفرّج، وكأنّ الأمر لا يعنيه.
لقد انكشفت عورة الدول الغربية وبانت سوأتها عندما ادعت حماية حقوق الإنسان، وهي تتفرج على ما يحصل على أرض الإسراء والمعراج راضية بذلك، بل داعمة لكل ما يحصل من وحشية وإجرام، بل إن دولة اليهود تمارس اليوم أنواعًا من الاستفزاز, الاستفزاز لجميع المسلمين على مرأى ومسمع من العالم كله، وبمباركة من الصليبيين الغربيين، وفي مقدمتهم دولة عاد، بل والأمم المتحدة.
لقد تعرض الأقصى وعلى مدار تاريخه الطويل لعدد من حملات الغزو والغصب والاعتداء، وكان آخرها بعد انهيار الدولة الإسلامية التي كان يقوم عليها آل عثمان، وعلى وجه الخصوص بعد إقصاء السلطان عبد الحميد الثاني عن الخلافة عام 1308هـ على يد اليهود، يعاونهم الفرنسيون والإنجليز، ويساندهم الحاقدون من الصليبيين تحت سمع وبصر ما يُسمّى بالمنظمات الدولية، بداية بعُصْبة الأمم ونهاية بالأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها. إذًا هذا الغصب لبيت المقدس قد حدث بعد انهيار الخلافة، ذلكم السياج الحامي للأمة الإسلامية، وفي غفلة من أبناء المسلمين بعد أن ابتعدوا عن دينهم، ونحّوا كتاب ربهم وسنة نبيهم عن حياتهم.
إن الأرض المقدسة قطعة من العالم الإسلامي، بل هي تُشكّل فلذَة كبده، وستبقى قضية هذه الأرض حيّة في نفوس أبناء هذا الدين حيثما كانوا؛ لأنها جزء من ديار المسلمين، وهي مرتبطة عندهم بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، فهي أولى القبلتين وثالث المسجدين، وهي أرض الأنبياء عليهم السلام ومبعثهم، فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وسليمان وداود وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام. ويُسنّ شدّ الرِّحال إليه وزيارته، قال رسول الله : ((لا تشدّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) رواه البخاري ومسلم. وقد أخبر أن الصلاة فيه تعدل مائتي وخمسين صلاة فيما سواه من المساجد، ومِن على هذه الأرض عُرج بالنبي إلى السماء بعد أن أُسري به إليها من البيت الحرام، قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1].
لقد طغى الصهاينة وعثوا وداسوا ولوّثوا، وتآمرت معهم قوى الكفر على أمة الإسلام تجزئةً وتقسيمًا وتفرقةً وتدميرًا، ولكن العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين.
إن قضية القدس واحتلال اليهود للأراضي المقدسة والمسجد الأقصى هي قضية العالم الإسلامي الأولى، ويجب أن تكون هي الأولى. والواقع المعاصر في معركتنا مع اليهود يشهد بأن اليهود أرادوا النفاذ إلى أعماقنا واختراق خطوط هجومنا وجهادنا وإزالة صمودنا وتحدّينا، أرادوا إماتة أرواحنا والسيطرة على نفوسنا وقتل هممنا وامتصاص ثوابتنا واجتثاث وجودنا وتركنا نفوسًا مشوّهة وكيانات معوّقة وأفرادًا قانطين يائسين محبطين، لكن هل نجحوا في ذلك؟ الجواب: إنهم لم ينجحوا، ولن ينجحوا بإذن الله، صحيح أنهم تمكنوا من النفاذ إلى أعماق وقلوب بعض منّا، فأصبحوا قانطين مستسلمين، لكنهم أفراد قلائل، أما الشعب الفلسطيني المسلم المجاهد على أرضه فإنه يزداد كل يوم صمودًا أمام اليهود وتحديًا لهم وثباتًا على إسلامه وجهاده ورفضًا للوجود اليهودي، وكلما صَعّد اليهود من بطشهم وتنكيلهم وقتلهم زاد هذا الشعب استعلاءً وتصميمًا وجهادًا.
لقد دُهِش العالم عندما فجّر أبطال فلسطين صاروخهم الأول "قسام1"، وما كاد العالم أن يستفيق من دَهْشته وإذا بصاروخ "قسام2" يدوّي على رؤوس اليهود. وإن أعظم مفاجأة للعالم كانت تلكم الانتفاضة المباركة.
ومع كل ما فعله اليهود تأتي هذه الانتفاضة وتدخل عامها الرابع، لتحمل معها بشائر كثيرة. ومع كل الآلام التي تَجَرّعها الشعب الفلسطيني طوال هذه الفترة من المعاناة والألم بفقدان أكثر من ثلاثة آلاف شهيد وآلاف الجرحى وأكثر من سبعة آلاف معتقل وتدمير كُلّي للبُنَى التحتية الاقتصادية والمدنية والأمنية وغيرها، إلا أن الخسائر لم تكن حَكْرًا فقط على الفلسطينيين، بل تعدّى ذلك إلى العدو الصهيوني، فحسب الإحصاءات الصهيونية فقد قتل ما يزيد عن ثمانمائة وستين قتيلاً، وبلغ عدد الجرحى خمسة آلاف جريح، ما بين عسكري ومدني من بداية الانتفاضة، وهو عدد يزيد عن القتلى الذين خسرتهم إسرائيل في سلسلة حروبها مع جيرانها العرب من عام (48م).
ومن بشائر الانتفاضة انخفاض مُعدّل الإنتاج العام في دولة ما يسمى بإسرائيل بنسبة 6 في المائة حسب تقرير البنك المركزي، وهذا أدّى إلى حالة من الركود والتدهور في الاقتصاد الصهيوني لم يسبق له مثيل منذ عام 1983م، فبعد سنوات من الانتعاش والازدهار والاستقرار إلى حدّ ما جاءت الانتفاضة لتعصف باقتصاد الدولة العِبْرية، وتَحمله إلى أزمة عميقة، وتدخله في ركود لم يألفه من قبل وفي حالة من الاستنفار والخشية والترقب بشكل لم يسبق له مثيل.
ومن البشائر هذه العمليات الاستشهادية التي قضت بشكل شبه تام على السياحة داخل إسرائيل، وحسب التقارير المعلنة فقد انخفضت السياحة بنسبة تفوق 60 في المائة، فضلاً عن الخسائر بمئات الملايين في شركات الطيران. وقد وصف المدير العام للجمعية الإسرائيلية لأصحاب الفنادق تأثير الانتفاضة بأنها الأزمة الأكثر والأطول زمنًا بين كل ما شهدناه، والأسوأ من ذلك أننا لا نرى لها نهاية في الأفق.
ومن البشائر أن الانتفاضة دفعت أعدادًا كبيرة من الصهاينة إلى السعي في الهجرة نهائيًا من إسرائيل إلى الدول الأوربية وأمريكا الشمالية، فقد كشفت التقارير الصهيونية أن بين سبعمائة ألف إلى مليون يهودي غادروا إسرائيل نهائيًا بسبب عدم إحساسهم بالأمن بعد انتفاضة الأقصى والعمليات الاستشهادية.
كما أكدت الصحف الصهيونية أن الانتفاضة دفعت بالمستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزّة إلى إخلاء المستوطنات والانتقال إلى داخل الكيان، بينما ذكرت وزارة الحرب الصهيونية بأن عشرات النقاط الاستيطانية خالية تمامًا من سكانها، وأن أفراد الجيش الصهيوني يتمركزون في هذه المناطق الخالية من السكان لحماية الممتلكات.
لقد أثبتت الانتفاضة أن عهد الازدهار الذي وفّره اتفاق "أوسلو" لنمو المشروع الاستعماري الصهيوني وتوسعه قد بدأ يخفت، بعد أن أصبح الهمّ الأساسي للمستوطنين هو البحث عن توفير الأمن الشخصي لهم تاركين خلفهم مقولتهم القديمة: "الاستيطان في كل مكان من أرض إسرائيل".
تشير الإحصاءات إلى أن 42 في المائة من الصهاينة يودّون مغادرة الكيان والإقامة في دولة أخرى أكثر أمانًا، وأن 10 في المائة بدؤوا في الإجراءات الفعلية للمغادرة.
من جهة أخرى فهناك هجرة داخلية في إسرائيل من المناطق المحاذية لما يُسمّى الخط الأخضر إلى داخل مناطق الدولة، ومن الأماكن المزدحمة إلى مناطق أقل ازدحامًا خوفًا من العمليات الفلسطينية.
ومن البشائر أن الانتفاضة أظهرت عيوب الجيش الصهيوني بشكل واضح وجلي، حيث اتضح للعالم أن هذا الجيش ليس لديه استعداد للتضحية من أجل تحقيق أهداف الصهيونية العالمية، وقد تمثّل ذلك في استخدام إسرائيل المفرط للأسلحة الفتّاكة ضد المدنيين كمروحيات الأباتشي وطائرات (إف16) والدبابات والمدرعات وكل أنواع الصواريخ، والابتعاد عن استخدام قوات المشاة تفاديًا للخسائر الناتجة عن المواجهات المباشرة كما حدث في جنين الصامدة عندما قُتِل ثلاثة وعشرون جنديًا إسرائيليًا عندما حاولوا اجتياح المخيم، فتدخّلت الطائرات والمروحيات لتقصف المخيّم وتدكّه على رؤوس أهاليه في مجزرة بشعة على مرأى من العالم.
ومن البشائر أن الانتفاضة هزّت أواصر المجتمع الصهيوني كله، حتى إن الصحافة الإسرائيلية نطقت بكلمات عجيبة مثل قول أحدهم: "العملية الاستشهادية ليست حدثًا مروّعًا في موقع بعيد عنك حتى تستطيع أن تنساه، ولكنها حقيقة تخرج وتدخل مع نَفَسِك، إنها هنا، إنها الآن، إنها مُرعِبةٌ كالجحيم"، ويقول آخر: "دعونا نأكل ونشرب فسوف نموت غدًا".
هذه الكلمات القليلة تعكس مدى اليأس والخوف الذي يحيا فيه المجتمع بسبب العمليات الاستشهادية في العمق الصهيوني التي أصبحت ضيفًا ثقيلاً على الحياة اليومية للصهاينة، فقد استطاعت هذه العمليات أن تتجاوز كونها دفاعًا عن الشعب الفلسطيني ضد ما تقوم به قوات الاحتلال من ممارسات، بل أصبحت سببًا في شيوع حالة من القلق والتوتر داخل الأسرة الصهيونية، وهو ما أدى إلى زعزعة أمن واستقرار المجتمع الصهيوني بأكمله. هل تعلم أن معظم من يقوم بهذه العمليات من المتعلّمين وأصحاب الدراسات العليا؟!
كل هذا الرعب الذي يحياه الصهاينة جاء ليتراكم همًّا فوق همّ الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمرّ بها دولة الكيان الصهيوني، والتي يرجع جزء كبير منها إلى ما تلحقه هذه العمليات من خسائر فادحة في الاقتصاد الصهيوني، وتسبب حالة من الكساد التجاري في الأسواق والمحلات والمطاعم، بل وصالات الأفراح التي أصبح لا يرتادها سوى المقربين من العريسين.
يقول أحد الكتاب اليهود: "إن الحياة داخل الكيان أصبحت غير معقولة، كل عمل بسيط لا بد أن تفكر فيه أكثر من مرة حتى تفعله، كل مشوار إلى مركز تجاري أو غيره فيه مجازفة، ندخل في يوم جديد مع خوف بأن لا يعود إلينا، وكلنا مدفوعون إلى أخذ قرارات كان المفروض أن لا نواجهها"، ويقول هذا الكاتب أيضًا: "تحولت مدارس أطفالنا إلى مركبات مصفّحة، وأصبح من العمل اليومي تفقد ساحة المدرسة مرتين قبل وبعد اليوم الدراسي للتأكد من عدم وجود قنابل، والعيش في هذا الوضع كاف بأن يسبب انهيارًا نفسيًا لأي إنسان وزرع الخوف في مستقبله".
ومن البشائر أن الانتفاضة خلّفت عادات اجتماعية وأساليب حياة جديدة زادت من تفكك المجتمع الصهيوني المنهار أصلاً، فقد أصبح مجرد الخروج من المنزل مخاطرة قد لا يُحمد عقباها، فقد يركب أحدهم في حافلة أو يمشي في طريق وفجأة يموت إثر انفجار أو طلقة نارية، وحتى الذهاب إلى نادٍ ليلي أو إلى فرح أصبح أمرًا يحتاج إلى تفكير عميق وتخطيط مسبق، وأصبحت العلاقات الاجتماعية شبه معدومة.
ومن البشائر ظاهرة ارتفاع عدد الاتصالات التليفونية بين الزوجات وأزواجهن التي أصبحت من الظواهر الملفتة للنظر في المجتمع الصهيوني، فقد أعربت وزارة الاتصالات الصهيونية عن تذمّرها بسبب الاتصالات التليفونية الكثيرة في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة تجاوزت السِّعات الأساسية لكل سنترال، وهو ما يُشكّل عِبئًا كبيرًا على الوزارة وإمكانياتها.
ومن بشائر الانتفاضة انزعاج الشرطة الإسرائيلية من كثرة الاتصالات من المواطنين اليهود وسؤالهم عن الأماكن التي تتوقع الشرطة أن يحصل فيها شيء حتى لا يذهبوا إليها، وهل هناك حماية لهذه الأماكن من العمليات الاستشهادية؟ بلغ عدد الاتصالات عام 2001م سبعة ملايين وخمسمائة ألف اتصال، فضلاً عن الكثير من الاتصالات للتبليغ عن عملية فدائية، وما إن تصل قوات الشرطة فتجده مجرد خوف وشك من المواطن الصهيوني في قطّة أو كلب في الشارع.
ومن البشائر ارتفاع عدد الرافضين لأداء الخدمة في القطاع العسكري، وقد مُلئت السجون العسكرية برافضي الخدمة.
ومن ردود الفعل أيضًا على عمليات جيش الاحتلال الصهيوني في اجتياح المدن الفلسطينية رفض الخدمة احتجاجًا على الأعمال الوحشية التي يمارسها جيش الاحتلال ضد المواطنين المدنيين. وما تزال أصداء العريضة التي قدمها سبعة وعشرون طيارًا عسكريًا صهيونيًا لقائد سلاح الجو الصهيوني تصم الآذان، حيث أبلغوه فيها رفضهم المشاركة في عمليات الاغتيال التي ينفذها سلاح الجو، وعدم استعدادهم لأداء الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة، وأوضح الموقّعون في بيانهم أنهم يرفضون تنفيذ أوامر غير قانونية وغير أخلاقية كتنفيذ غارات جوية في مناطق يسكنها مدنيون.
ومن بشائر الانتفاضة أن زاد تعاطي المخدرات لدى الصهاينة، فهذا المكتب المركزي للإحصاء يقدم تقريرًا في زيادة نسبة تعاطي المخدرات في أوساط المجتمع الصهيوني بمقدار 4 في المائة في العام الأول للانتفاضة، وأرجعت الدراسة السبب أنه ارتفاع حالة الخوف والرعب الذي يعيشه الصهاينة من العمليات الفدائية، بل إن هذا الأمر وصل أوساط المجندين والمجندات في جيش الاحتلال فزاد لديهم تعاطي المخدرات والهيروين بنسب مرتفعة.
ومن البشائر تلك الدراسة التي قام بها أحد المعاهد في إسرائيل تفيد أن واحدًا من كل ثلاثة صهاينة يعاني من اضطراب نفسي، وأنه طرأ ارتفاع كبير على نسبة المتوجهين إلى مراكز الخدمات للصحة العامة، وأن عدد المراجعين لهذه المراكز يوميًا يصل إلى خمسة وعشرين ألف حالة، ويتوجه الكثير من المواطنين للاستفسار عن عوارض أصيبوا بها جرّاء التوتر الأمني والضغط النفسي والكآبة، وتتضح مشاعر القلق والخوف التي تصيب الصهاينة بحقيقةٍ فحواها أنهم يعيشون في ظل مشاعر الخوف من وجود خطر حقيقي يهدّد وجود دولتهم.
إننا لا نتوقع في الظروف الدولية الراهنة إزالة دولة إسرائيل، وإن كنا نتمنى ذلك، ولكن إضعاف هذا العدو هو مقدمةٌ لزواله إن شاء الله، وإذا كانت الانتفاضة تضم أصنافًا شتى من الناس، إلا أنها أوجدت تغيرات إيجابية في بنية المجتمع الفلسطيني، لقد ازدادت الألفة والمحبة بين الناس، وازداد التضامن والتكافل الاجتماعي، ونسي الناس الخصومات والمشاكل، واشتغلوا بعدو واحد، بل إنهم في الخصومات في كثير من الأحيان أصبح مرجعهم العلماء. رجع كثير من الناس إلى دينهم وامتلأت المساجد، وخاصة من الذين بقوا داخل فلسطين المحتلة منذ عام (49م) ممن لم يكونوا يعرفون عن الدين شيئًا، عادوا الآن إلى المساجد. كسرت الانتفاضة حاجز الخوف من اليهود، بل إن ما يقوم به الشباب الصغار في فلسطين يدل على شجاعة وبطولة تدعو إلى الإعجاب.
إن ما يفعله أطفال الحجارة وشباب الإسلام في فلسطين هو مرحلة من مراحل الصراع، ويجب أن تستمر هذه المرحلة ولا تذهب هدرًا، ونستطيع أن نقول: إن انتفاضة الحجارة أنجزت ما لم تنجزه البنادق الإسرائيلية، لقد أزالت الحجارة حجاب الخوف من اليهود الذي هيمن على قلوب أهل الأرض المحتلة خلال السنين الماضية. حطمت الحجارة أسطورة الجندي الإسرائيلي القادر على فعل ما يشاء ولا يزال قابعًا خلف الثكنات والمعدات، لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن ورَاءِ جُدُرٍ [الحشر:14]، فها هي الحجارة قد جَرّدت الجندي الإسرائيلي من سلاحه التقليدي، ووضعته أمام جوهر قوة الإنسان النابع من عقيدته الأخروية، والتي بانعدامها تفقد أسلحة الدنيا قوتها وفعاليتها. نقّت الحجارة القلوب من حجاب الوهن، فالإقبال على الدنيا والهروب من الموت لم يكن لينجي أهل الأرض المحتلة من الذل والهوان ولا من طغيان الاحتلال، وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال:7].
بارك الله لي ولكم...
|