.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

وجوب التوبة والاستغفار

4316

الرقاق والأخلاق والآداب

التوبة

رضا عبد السلامي

ابن عكنون

عباد الرحمن

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حال النبي في العشر الأواخر من رمضان. 2- فضل الاستغفار. 3- وجوب التوبة من الذنب. 4- أسباب المغفرة وتكفير الذنوب. 5- المداومة على الاستغفار في جميع الأوقات.

الخطبة الأولى

فلقد مضى أكثر رمضان ولم يبق منه إلا القليل، فطوبى ثم طوبى لمن عرف كيف يغتنم هذه الأيام، فيا فوز ويا فلاح من يخرج من رمضان وقد غفر له ما تقدم من ذنبه، طوبى لمن كان من أهل الشقاء والنار فأعتقه الله تعالى في هذا الشهر المبارك العظيم، طوبى لمن بادر عمره القصير فعمر به دار المصير، وتهيأ لحساب الناقد البصير قبل فوات القدرة وإعراض النصير.

كان النبي إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله. نعم عباد الله، كان النبي إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد مئزره أي: اعتزل النساء وجد واجتهد أكثر في العبادة والطاعة وشمر لها. وأحيا ليله أي: سهر ليله فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه. وأيقظ أهله للصلاة، كما جاء ذلك من حديث زينب بنت أم سلمة: لم يكن النبي إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدًا من أهله يطيق القيام إلا أقامه.

ففي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأواخر من رمضان، والإكثار من الذكر والعبادة وقراءة القرآن وكثرة الاستغفار، الاستغفار الذي يعد مفتاحًا للخير ومفتاحًا للرزق ونزول الرحمات، وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود:3]، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]؛ لأن الذنوب والمعاصي ـ عباد الله ـ حجاب تحجب العبد عن الله تعالى، والابتعاد والانصراف عما يبعد عن المحبوب واجب، وإنما يتم ذلك ـ بل لا يكون ذلك ـ إلا بالعلم والندم والعزم، فإنه متى لم يعلم العبد أن الذنوب من أسباب البعد عن الله لم يندم ولم يتأثر ولم يتحسر على الذنوب ولم يتوجع بسبب سلوكه طريق البعد، وإذا لم يتوجع القلب ولم يتأثر مما يتعاطاه من الذنوب فإنه لن يرجع ولن يتوب ولن يستغفر، وقد أمرنا المولى بالتوبة والرجوع إليه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المؤمنون:31].

وهذا إرشاد وتوجيه رباني في وجوب التوبة والاستغفار، بل وأن هذا هو أصل الفلاح والنجاة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8].

وقد أمرنا النبي بهذا أيضًا فقال: ((يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة)).

أن يخطئ الإنسان فهذا ليس بعيب، وإنما العيب وإنما المذموم هو إصراره على المعاصي وعدم الرجوع إلى الله، كلما أخطأ العبد وأذنب يتذكر رحمة الله وكرمه، وأنه أرحم بعباده من المرأة التي تخاف على طفلها، يتذكر الله وأنه يقول: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

نعم، هذه دعوة من الله، من الرب الغفور الودود الرحيم بعباده، والذي من سعة رحمته وفضله وكرمه يفرح بتوبة عبده ورجوعه إليه، عن أنس قال: قال : ((لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض مهلكة معه راحلته عليه طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته)).

فكلما أذنب العبد بادر وسارع بالاستغفار والتوبة، وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].

إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة، وقد مدح الله عبده داود ووصفه بقوله: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:17]، قيل: الأواب هو سريع الرجوع والاستغفار إلى الله، عن أبي ذر قال: قال : ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها))، وعن أنس قال: قال : ((يقول الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة)). ففي هذا الحديث القدسي العظيم تتجلى لنا عظمة الله وسعة رحمته ومغفرته للذنوب.

وقد بين هذا الحديث أن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة وتكفير الذنوب وهي:

1- الدعاء: ((إنك ما دعوتني ورجوتني)). والدعاء مأمور به العبد موعود عليه بالإجابة، وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وعد الله من دعاه بأن يستجيب له، ولكن قد تتخلف الإجابة بوجود بعض الموانع والأسباب التي تحول بينك وبين استجابة الدعاء، ومن أعظم ما يلزم في الدعاء حضور القلوب ورجاء الإجابة، عن أبي هريرة قال: قال : ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)).

وقد نهي المسلم من أن يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء الاستجابة، يقول: دعوت فلم يستجب لي، بل هذا خطأ وخطأ عظيم، فإن رحمة الله قريب من المحسنين، وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف56].

فليلح وليكثر المسلم والمسلمة من دعاء الله ولا يمل أبدًا، فمن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له، بل من رحمة الله وفضله ورأفته بعبده أن يعوضه بخير مما دعا، فعن أبي سعيد قال: قال : ((ما من مسلم يدعو بدعوة ليس له فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يكشف عنه من السوء مثلها))، وقال تعالى في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة)).

الخطبة الثانية

ثم قال تعالى في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك)). وهذا هو السبب الثاني من أسباب المغفرة وتكفير الذنوب، كثرة الاستغفار حتى قال تعالى: ((لو بلغت ذنوبك عنان السماء)) والعنان قيل: هو السحاب، وقيل: ما انتهى إليه البصر.

وقد ذكر الله صفة أهل الجنة فقال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] أي: إذا صدر منهم ذنب أتبعوه مباشرة بالتوبة والاستغفار، ولم يتمادوا في المعاصي، بل يرجعون كلما تذكروا أن لهم ربًا رحيمًا يغفر الذنوب في كل وقت، ما دام العبد يستغفر ويندم على ما اقترفه، عن أبي موسى الأشعري قال: قال : ((إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).

فينبغي علينا أن نعمر أوقاتنا بكثرة الذكر والتوبة والاستغفار، وخاصة في هذه الأيام العظيمة، وخاصة في ساعة من ساعات الاستجابة، كالثلث الأخير من الليل، أو بين الأذان والإقامة، أو في آخر ساعة من يوم الجمعة، أو في أي وقت من الليل والنهار، فإن العبد لا يدري لعله يدعو بدعاء ويستغفر ويتوب فيوافق ساعة الاستجابة، فقد روي عن لقمان أنه قال لابنه: (يا بني، عود لسانك: اللهم اغفر لي، فإن العبد لا يدري متى ينزل رحمة الله)، وقد جاء عن الحسن: "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وفي طرقكم وفي مجالسكم وفي سيركم؛ فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة".

نعم، لا يدع الإكثار من الاستغفار في الصباح والمساء، في الليل والنهار، حتى تنزل مغفرة الملك الغفار، بل لعله يختم له بهذا الاستغفار فيغفر له، عن أبي هريرة مرفوعًا: ((بينما رجل مستلق إذ نظر إلى السماء وإلى النجوم فقال: إني لأعلم أن لك ربًا خالقًا، فاللهم اغفر لي، فغفر له))، وعن مغيث بن سمي: "بلغنا أن رجلاً خبيثًا تذكر الله فجعل يقول: اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، فمات، فغفر له".

والمقصود ـ عباد الله ـ هو الاستغفار والتوبة التي تكون مصحوبة بالندم على ما فوته على نفسه من الخير، وعلى ما اقترفه وتعاطاه من الذنوب والمعاصي، والتوبة التي تكون مصحوبة بالندم والعزم على عدم الرجوع إلى المعاصي، فيعاهد المسلم نفسه بقلب صادق مخلص على أنه يتوب إلى الله، ولن يرجع إلى ما كان عليه من قبل، ويكثر من الدعاء راجيًا من الله الاستجابة، ويكثر الاستغفار والتوبة، فلو علم الله في قلبه الصدق والإخلاص فإنه سيوفقه إلى الخير ويجنبه المعاصي.

وقد كان خير خلق الله أجمعين محمد الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يكثر من الاستغفار والتوبة، فعن ابن عمر قال: إنا كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور.

سأل أبو بكر النبي فقال له: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)).

ولا شك أن النبي لا يعلمه إلا ما علم النبي أن فيه صلاحه في الدنيا والآخرة؛ لأنه رؤوف بنا وحريص على إيصال الخير لنا، لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

جاء عن عائشة أم المؤمنين: (طوبي لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا)، ويقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة)).

والسبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقده وضيعه ضيع وفقد المغفرة وتكفير الذنوب، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

فلا بد من التوبة وكثرة الاستغفار والندم على ما ضيعه العبد من وقت في الشهوات والمعاصي، قال أبو الدرداء : (تفكّر ساعة خير من قيام ليلة).

لذلك ـ عباد الله ـ من تفكر في ذنوبه تاب ورجع، ومن تذكر قبيح عيوبه ذل وتواضع، ومن علم أن الهوى يسكن تصبر، ومن تلمح ونظر إساءته لم يتكبَّر.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً