.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

هديه في مناسك الحج

2972

فقه

الحج والعمرة

داود بن أحمد العلواني

جدة

الأمير منصور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الحج خامس أركان الإسلام. 2- ضرورة التأسي بالنبي في سائر العبادات ومنها الحج. 3- صفة حج النبي . 4- الحج المبرور.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله، في هذه الأيام من كل عام تتجدد فريضة العمر وأحد أركان الإسلام، ألا وهي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، دَين الله على كل مستطيع من الناس لقوله تعالى: وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97]، وقوله : ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً))[1].

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن وسيلة قبولِ العمل أن يكون خالصًا لله تعالى ومطابقًا لسنة رسول الله ، فما علينا ـ أيها الإخوة ـ إلا أن نعرف مناسك الحج على ضوء الكتاب والسنة قبل المباشرة بأعمال الحج، ليكون عملنا إن شاء الله تامًا وصحيحًا ومقبولاً.

وقد صح عنه أنه قال: ((خذوا عني مناسككم))[2]، وقد صح عنه أنه مكث تسع سنين لم يحجّ، ثم أذن في الناس في العاشرة، فقدم المدينة بشَر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله ، فلما أتى ذا الحليفة صلى في المسجد ثم ركب القصواء ورفع صوته مهلاً بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، وورد: ((لبيك إله الحق)).

وكان بعض السلف رحمهم الله يقول: "لبيك ذا النعماء، لبيك ذا التواصل، لبيك لا شريك لك لبيك، لك الحمد والملك".

ولما وصل مكة وأتى البيت استلم الركن فرَمَل ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ: وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فجعل المقام بينه وبين البيت، وكان مضطبعًا أي: واضعًا طرف ردائه الأيمن تحت إبطه الأيمن، والطرف الثاني على عاتقه الأيسر.

وهنا ملاحظة هامة وهي تغطية الكتفين قبل الصلاة، حيث ذكر بعض أهل العلم أنه لم ير رسول الله يصلي إلا وهو مغطّ كتفيه.

ثم رجع إلى الركن فاستلمه، وقد قال بعض أهل العلم: إن الملتزَم هو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود، ثم خرج من الباب إلى الصفا، لما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ [البقرة:158] وقال: ((أبدأ بما بدأ الله به))، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى أي: أسرع قريبًا من الهرولة، وذلك للرجل دون النساء، وذلك سبعة أشواط، من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط، يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة، حتى إذا أتى المروة فعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة أمر الناس أن يحلوا ويجعلوها عمرة إلا من كان معه هدي. فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي ومن كان معه هدي أو ساق الهدي مهلاً بما أهلّ به رسول الله .

فلما كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة توجه إلى منى مُهلاً بالحج، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرًا لا جمعًا، ولما طلعت شمس اليوم التاسع أمر بقبة فضربت له بنمرة، فسار رسول الله حتى جاوز المزدلفة ولم يقف بها، حتى أتى عرفة حيث ضربت القبة بنمرة فنزل بها، وصلى بها الظهر والعصر قصرًا وجمعًا وخطب خطبته المشهورة التي بين فيها معالم الدين وحطم عصبيات الجاهلية ونزعاتها، ثم ركب ناقته القصواء حتى أتى الموقف فاستقبل القبلة، ولم يزل واقفًا يهلل ويكبر ويدعو حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً.

ثم دفع رسول الله من عرفة حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئًا. ثم اضطجع رسول الله حتى طلع الفجر فصلاه بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا.

ثم دفع رسول الله قبل أن تطلع الشمس من مزدلفة إلى منى، ورمى الجمرة الكبرى مخالفًا الطريق الذي أتى منه، حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، ثم انصرف إلى المنحر فنحر، ثم أمر ببعض اللحم فطبخ، فأكل من لحمه وشرب من مرقه، وأرخص للناس بالأكل والتزود، والتكبير المشروع: بسم الله، الله أكبر.

وأقام رسول الله بمنى يوم النحر مع الناس، فما سئل عن شيء قدم قبل شيء إلا قال: ((لا حرج، لا حرج))، قال له رجل: حلقت قبل أن أنحر؟ قال: ((لا حرج))، ثم جاء رجل آخر فقال: حلقت قبل أن أرمي قال: ((لا حرج))، ثم جاءه رجل آخر فقال: طفت قبل أن أرمي قال: ((لا حرج))، وقال آخر: طفت قبل أن أذبح قال: ((اذبح ولا حرج))، ثم جاءه آخر فقال: إني نحرت قبل أن أرمي قال: ((ارم)). ثم قال نبي الله : ((قد نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر)).

ثم ركب رسول الله فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة المكرمة الظهر وشرب من ماء زمزم، ثم رجع إلى منى وأقام بها ثلاثة أيام بعد يوم العيد يرمي الجمار الثلاث كل يوم بعد الزوال لا قبله, مبتدئًا بالجمرة التي تلي مسجد الخيف الجمرة الأولى ثم الوسطى ثم الكبرى، يدعو بعد أن يتنحى قليلاً بعد الجمرة الأولى والوسطى أما جمرة العقبة فينصرف بعد رميها مباشرةً.

فهذه ـ يا عباد الله ـ سنة نبيكم في حجه، فاتقوا الله، واحرصوا كل الحرص على الاقتداء به لتحوزوا القبول وتفوزوا برضا الله جل وعلا، وحتى يكون حجكم مبرورًا لا بد أن يكون مطابقًا لحجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولاً وعملاً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ [البقرة:200-202].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



[1] رواه البخاري في الإيمان، باب: قول النبي : ((بني الإسلام على خمس)) (1/7)، ومسلم في الإيمان، باب: أركان الإسلام (16).

[2] رواه مسلم في الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر (1297).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا لدين الإسلام، وجعل القلوب المؤمنة تهفو إلى بلد الله الحرام، أحمده سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير معلم وإمام، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الكرام، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا عباد الله، إن من كمال الحج أن يكون مبرورًا، فقد سئل رسول الله : أي العمل أفضل؟ فقال: ((حج مبرور))[1]، وقال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[2].

وبرّ الحج ـ عباد الله ـ يشتمل على عدة أمور، منها تقوى الله تبارك وتعالى، ومنها التكبير والإكثار من ذكر الله جل وعلا، ومنها الإحسان إلى الناس بجميع وجوه الإحسان بالدعوة والإرشاد والقول والفعل، فقد سئل رسول الله عن البر فقال: ((حسن الخلق))[3].

ومن البر الإكثار من فعل الطاعات والمحافظة على صلاة الجماعة وإيتاء الزكاة، فأركان الإسلام مرتبط بعضها ببعض.

ومن أعظم أنواع البر أيضًا ـ عباد الله ـ كثرة ذكر الله تعالى لقوله : ((أفضل الحج العج والثج))[4]. والعجّ ـ عباد الله ـ هو رفع الصوت بالتلبية والذكر، والثجّ إراقة دماء الهدايا والنسك، ويتخير الحاج الهدي الطيب البالغ السن المشروعة في الهدي والأضاحي في الفقه.

ومن البر في الحج أن يطيب العبد نفقته، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ويختار الزاد الحلال، ولينفق مما آتاه الله تعالى.

ومن بر الحج كذلك ـ عباد الله ـ أن لا يقصد العبد بحجه سمعة ولا رياءً ولا مباهاة ولا نزهة، نسأل الله السلامة والعافية، فيخشع لربه ويتواضع بحجه ويتضرع إلى الله تعالى ويدعوه ويلح عليه في الدعاء.

وأخيرًا، اعلموا ـ عباد الله ـ أن من البر في الحج اجتناب أفعال الإثم كلها من الرفث والفسوق والجدال وكل المعاصي، فكل تلك الأفعال نهى الله تعالى عنها وممقوت صاحبها، بل وينتقص من أجر حجه، فالحاج الذي يريد وجه الله والدار الآخرة يترفّع عن الترهات وسقط الكلام ويشغل نفسه بذكر الله والعبادات والصلاة والدعوة إلى الله عز وجل، وليغتنم الحاجّ فرصة لقائه بإخوانه الحجاج الذين قدموا من أنحاء المعمورة، فيتذاكر معهم ويفيدهم ويستفيد منهم ويحصل بذلك التعارف والتآلف والتعاون على البر والتقوى، فإن اجتماعات الدنيا مهما كانت وأين كانت لن تبلغ الهدف الذي يجتمع فيه الحجاج في عرفات، فاللباس موحد، والهدف واحد، يتوجهون إلى ربهم تبارك وتعالى بقلوب ملؤها الإيمان، وهناك يحرص كل حاج على تحقيق وإقامة أساس الإيمان، ألا وهو توحيد الله جل وعلا الواحد الأحد الفرد الصمد الذي خلقنا وأوجدنا من العدم وأبرزنا إلى حيز الوجود المشاهد، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، كما هو عنوان كل حاج في تلبيته، ولا يرجع من حجه إلا وهو قد حصل على رصيد كبير، ألا وهو توحيد الله والإخلاص له في العبادة، لقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة: فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجّ [البقرة:197]، ولقوله : ((من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))[5].

جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وجعل الله حجّنا مبرورًا خالصًا لوجهه الكريم لا رياء فيه ولا سمعة، إنه جواد كريم.



[1] أخرجه البخاري في الحج، باب: فضل الحج المبرور (2/141).

[2] رواه البخاري في الحج، باب: وجوب العمرة وفضلها (2/198)، ومسلم في الحج، باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1349).

[3] رواه مسلم في البر والصلة، باب: تفسير البر والإثم (2553).

[4] أخرجه الترمذي في التفسير، باب: ومن سورة آل عمران (3001)، وابن ماجه في المناسك، باب: ما يوجب الحج (2896)، وهو في السلسلة الصحيحة (500).

[5] رواه البخاري في الحج، باب: وجوب العمرة وفضلها (2/198)، ومسلم في الحج، باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1349).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً