الحمد لله الملك الكريم الرزاق، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، ويمتحن بالمال والأولاد. سبحانه لا إله إلا هو العزيز الحكيم، أحمده وأشكره على نعمائه، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واحذروا الفتن ما ظهر منها وما بطن، احذروا ـ يا عباد الله ـ كل ما يصدكم عن الله من مال وأهل وولد، واذكروا دومًا قول الله تبارك وتعالى: وَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:28].
فالمال والأولاد ـ عباد الله ـ اختبار وابتلاء من الله سبحانه وتعالى لعباده، وليس المال كما يعتقد البعض مقياس السعادة والنجاح، وليس عنوان الوجاهة والفلاح، كما أنه ليس غاية، فليس كل من أعطي المال سعيدًا، ولا كل من حرمه شقيًا.
فيا عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن فتنة المال من الفتن الكبيرة التي ابتلي بها كثير من الناس، وقلَّ من يسلم منها، بل قلَّ من يتحرى في أسباب الحصول على المال أمن حرام هو أم من الحلال، وذلك مصداق ما أخبر به رسول الله حيث قال: ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه من المال: أمن الحلال، أم من الحرام))[1].
فيا عباد الله، إن مما يندى له الجبين ويبعث أشد الأسى في قلوب المؤمنين ما يرى ويشاهد من المشاكل والنزاع الذي يؤدي أغلب الأحيان إلى السب والشتم والاقتتال بين المسلم وأخيه المسلم، ورسول الله يقول: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)) الحديث، وكل ذلك بسبب عرض زائل ودنيا فانية تعلقت بها القلوب في أيام طغت فيها المادة على كل القيم، فأصبح همُّ الإنسان كسب المال بأي وجه من الوجوه متخذًا وسيلة الغش والحيَل والطرق الملتوية والكذب والرشوة للحصول على المال، وكأنه خلق للمال والدنيا فقط، متناسيًا الغاية التي خلق من أجلها، وإن المال وسيلة وليس غاية، كما أنه بداية وليس نهاية، فالمال مال الله، والحساب غدًا عند الله.
فالحذر الحذر ـ عباد الله ـ من الانزلاق في فتنة المال الحرام وشبه الحرام، فتصرفوا عمركم في جمعه، فيوردكم أتعس الموارد المهلكة، فتخسرون دينكم من أجل دنياكم كما أخبر رسول الله حيث قال: ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا))[2]، عياذًا بك يا رب.
إنها فتن مظلمة تعمي الأبصار والقلوب، لا نور فيها، تؤثر في عقيدة الإنسان تأثيرًا بالغًا ما بين عشية وضحاها، فاحذروا ـ عباد الله ـ المال الحرام وحبّ الدنيا وسيطرة المادة على النفوس، فإنها أشد فتكًا بالذمم والأعراض والكرامة وسائر القيم الإسلامية، فكم نشاهد من فضيلة ضاعت بسبب المال، وكم من كرامة ديست وخلق مثالي قد وضع على حطام الدنيا الزائل.
وقد شبه رسولنا الكريم الحرص على المال والشرف بأنه يفسد الدين أكثر مما يفسد الذئب الجائع إذا أرسل في قطيع الغنم فقال: ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه))[3].
عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن كسب المال بالحلال والتمتع بطيبات الدنيا التي أحلها الله ليس ذلك بحرام، بل إن طلب المعيشة فرض على العباد من أجل التقوي على طاعة الله تعالى، ولكن ذلك يصبح حرامًا إذا كان شاغلاً عن طاعة الله والالتزام بسنة رسوله والاستعداد للدار الأخرى.
فإن الحرص طبيعة في الإنسان كما قال رسول الله في الحديث الصحيح من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((يهرم ابن آدم وتشبّ معه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر))[4]، اللهم ثبتنا على الحق وألحقنا بالصالحين.
وقال رسول الله : ((لو أن لابن آدم مثل واد من ذهب مالاً لأحب أن يكون إليه مثله، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب))[5]، اللهم تب علينا أجمعين وتوفنا مسلمين.
فيا أيها الناس، رويدكم في الدنيا، فإن حب المال رأس كل خطيئة، والتكالب على الدنيا أساس كل بلية، وما سميت هذه الدنيا إلا لأنها دنية، فاجعلوا ـ عباد الله ـ جل همكم الدار الآخرة، ولا تنسوا نصيبكم من الدنيا، واعلموا أن أرزاقكم مقسومة، وآجالكم محتومة، وأن ربكم جل شأنه طلب منكم في كتابه الكريم بقوله تعالى: وَٱبْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلاْخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا [القصص:77]، كما بين لنا قيمة المال عنده فقال: وَمَا أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ بِٱلَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَزَاء ٱلضّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِى ٱلْغُرُفَـٰتِ ءامِنُونَ [سبأ:37].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
|