أمّا بعد: فإنَّ خيرَ ما تُفتَتح به الوصايا وتُختَتَم ويُستجلَب به الخير ويُستَتَمّ الحثُّ على تقوى الإلهِ وخشيته في السرِّ والعلن؛ فمن جعل التقوَى مرمَى بصرِه أفلح ونجَا، وفازَ بما أمَّل ورجا، وصدَر عن بهجةٍ وانشراح روح، ونفسٍ راضية مرضية في رياضِ السّعادة تغدو وتَروح.
أيّها المؤمنون، لسنا في نجوًى عن القول: إنّ أمّتَنا الإسلاميّة العتيدة إنما شدَّت ركابها شطرَ المجد والعلياء وتسنَّمت قِمَم السؤدَدِ والإباء وساقت الإنسانيّةَ إلى مرابِع الحضارة والمدنيّة والهناء وأفياءِ الأمن والرّخاء والعدل والإخاء ساعةَ استعصَمَت بالوحيَين الشريفين، واستمسَكت بالهديَين النيِّرين، وكانت مِلءَ سمعها وبصرها، ومُفعَم روحِها ومُستَولَى مشاعرها، سنّةُ نبيّها الغرّاء وسيرتُه وشمائِله الفيحاء.
خُلُقٌ كما خطَر النّسيم فهزَّ أعطافَ النبات وشمائلٌ علويّة أصفى من الماء الفرات
ويومَ أن شطَّ بها المزار عن ذلك الهديِ المتلألئ المِدرار فاءت الأمّةُ إلى يَبابِ التبعيّة والذيليّة والوهَن، وصارت والتنافُرَ والتناثرَ في قَرَنٍ، والْتأمَتْ مع الأسَى الممِضّ أمّةُ الاقتداء والوحيِ والاقتفاء على دعاوًى منَ الحبِّ مسطَّحةٍ زَيفاء، تكاد عند المحاقَقَة لا تبارِح الألسنة والشِّفاه، وذلك من مكامنِ دائها العُياء، فَدَاءُ الأمّة فيها، ولو أنها اعتصَمَت بالكتاب والسنّة ما استفحَل داؤها ولتحقَّق دواؤها.
إخوةَ الإيمان، ولئن ازدَانَت الغَبراء فَبُدِّلت وضَّاءةً خضراء منذ ما يربُو على أربعةَ عشر قرنًا من الزّمان ببعثة سيِّد الأنبياء وعطَّرت سيرته المونِقة الأقطارَ والأرجاء
فالكَونُ أشرَقَ والفَضاءُ تعطَّرَا والأُفْق ظلَّله السرور فهل تَرى
بما تضمَّنته من حقائق المهابةِ والجمال والخشية والجلال ومسدَّدِ الحِكمةِ في الأقوالِ والفِعال، فإنَّ تلكم السيرةَ المشرقة الجبين المتلألِئة المُحَيَّا لا تزال تُهيب بوُرَّادها مناشِدَةً: إليَّ إليَّ، وحيَّهَلاً عليَّ عليَّ، نهلاً وفهمًا، واقتِباسًا ورِيًّا.
معاشر المحبين، إنَّ الحديثَ عن الحبيب المصطَفى والرسول المجتبى والخاتم المقتَفَى صلواتُ الله عليه وآلِه وسلّم لهو حديثٌ عَذبُ المذاق، مُجرٍ لدموع المآق، بَلسَم لجفوة القلوب ولقَسوَتها تِرياق، كيف لا وهو رسول الملِك العلام وحامِل ألوية العدلِ والسّلام ومُخرج البشريّة بإذن ربِّها من دياجير الانحطاطِ والوثنية والظلام ووِهاد الأرجاس والآثام إلى أنوار التوحيدِ والإيمان والوئام؟! صلوات الله وسلامه عليه ما ذرَّ شارق، وحنَّ إلى إِلفِه المفارق، نبيُّ المعجِزات، وآخذُنا عن النار بالحُجُزات، أمَنّ النّاس على كلِّ مسلم ومسلمة، وأحقُّهم نَقلاً وعقلاً بالمحَبّة الوادِقة والطاعة الصادقة، صاحِبُ المقامِ المحمود واللِّواء المعقود والحَوض المورود.
تجود بالدّمع عيني حين أذكرُه أمّا الفؤاد فلِلحوض العظيم ظَمِي
لا يتمّ دينُ المرءِ إلاّ بإجلاله والانقيادِ له وحبِّه، ومن صعَّر خدَّه هدم دينَه واتُّهِم في لُبِّه، يقول عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان: ((لا يؤمِن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وولده ووالدِه والناس أجمعين)).
تِلكم هي المحبّةُ الصادقة التي أفضَت إلى أصلِ الطّاعة والتسليم الذي دلَّ عليه قول الحقّ تبارك وتعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. أحبَّه مولاه واجتبَاه، وميَّزه على سائر الخليقة واصطفاه.
فكم حَبَاه ربُّه وفضّله وخصّه سبحانه وخوَّله
أبـى الله إلاَّ رَفعه وعُلُوَّه وليس لما يُعلِيه ذو العرش واضعُ
بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام. أظهرُ الخليقَة بِشرًا وأُنسًا، وأطيبُهم نَفَسًا ونفْسًا، وأجملُهم وصفًا، وأظهرهم لُطفًا، لا يطوي عَن بَشَرٍ بِشْرَهُ، وحاشاه أن يشافِهَ أحدًا بما يكره، والبِشْرُ عنوان البشير، صلّى الله عليه ما همَى رُكام وما هَتن غَمام، كان ذا رأفةٍ عامّة وشفَقَة سابغة تامّة، أجملُ الناسِ ودًّا، وأحسنُهم وفاءً وعهدًا، تواضَعَ للناس وهمُ الأتباع، وخفض جناحه لهم وهو المتبوع المطَاع، كان شديدَ الخوف والعبادة، وافرَ الطاعة والقنوت والإفادة، له شجاعةٌ ونجدة وبسالة في الحقّ وشِدّة، يبذُل الرّغائب، ويعين على الصروفِ والنوائب، ما سئِل عن شيء فقال: لا، وما أشاحَ عن مُعتَفٍ ولا قَلَى. فيا للهِ، هل في طوقِ الأبيِنَاء من غَطارِفة البيان أن يتفرَّدوا بوصفِ نبيٍّ نُزِّه عن المثالب والنقائص وكُرِّم ببديع الشمائل والخصائص؟! كلا لعَمرو الحقِّ كلاّ.
مَلَكت سَجايَاه القلوبَ محبَّةً إنَّ الرسول إلى القلوبِ حَبيبُ
نبيٌّ تقيّ، ورسول نقيٌّ، زكَّى الباري لسانه فقال: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى [النجم:3]، وزكَّى بصره فقال: مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكَّى صدره فقال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]، وزكَّى فؤادَه فقال: مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]، وزكَّى جليسَه فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى [النجم:5]، وزكّاه كلَّه فجاءت الشهادة الكبرى التي شرُف بها الوجود وانزَوَت لها كلُّ الحدود، إذ يقول البَرّ الودود: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
خُلُق عظيمٌ اشتُقَّ من عظمة هذه الرسالةِ العالمية الإنسانية، خُلُق لا يؤوده بلاغ الرحمة والعدل والفضيلة والقوّة والعزة والرفق والحكمة، وشعار المحِبّ دائمًا يعلو:
خيالُك في ذهني وذِكراك في فمي ومَثواك في قلبي فأين تغيب؟!
إخوةَ الإيمان، ولسيرةِ النبيِّ المختار هَديرُها ورِواؤها في سُويداءِ النفوس التي أحبَّته وأجلّته والأفئدةِ الموَلَّهَة العميدَةِ بخصالِه، وإبلالاً لذلك الصَّيهَج من الحبّ الطهور نُزجِي للعالَم ومضاتٍ ولُمَعًا من سيرتِه المنَشَّرَة بالرحمة والحنان، وهيهات أن يبلُغَ المرام بنان.
فيومَ أن اشتدَّ أذى قومِه له، فانطلَقَ وهو مهمومٌ على وجهه عليه الصلاة والسلام، فلم يستفِق إلاّ وهو بقرنِ الثعالب، فناداه ملك الجبال وقال: يا محمّد، إن شِئتَ أن أطبقَ عليهم الأخشبين، فقال وهو الرؤوف الرحيم: ((بل أرجو أن يخرِجَ الله من أصلابهم من يعبدُه وحدَه لا يشرك به شيئًا)) أخرجه الشيخان.
فسبحان الله عبادَ الله، انظروا كيفَ قابلوه بالتَّهَجّم والنكران، فنحَلَهم العفوَ والغفران، وصدق الله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّما أنا رحمةٌ مهداة)) خرَّجه البخاري.
هو رحمةٌ للناس مهداة فيا وَيلَ المعانِدِ إنّه لا يُرحَم
وصرخةُ مَفؤودٍ متوجِّع ولَوعةُ مصدورٍ متفجِّع ممّن يقتِّلون الأنفس المعصومةَ البريئة، لا يتلذَّذون إلا بإراقةِ الدماء وتناثُر الأشلاء، في جهالاتٍ تتلوها حماقاتٌ، فيا لها من قِحَة جريئة وقلوب قاسيَة قبيحة، معاذَ الله ثم معاذَ الله أن يكونَ الفساد والدمار والإرهابُ والبوار من هديِ النبوّة وشمائلها في وردٍ أو صدر.
وفي فتحِ مكّةَ حين اشتدَّ الفزعُ الهالِع بمشركي قريش وظنّوا كلَّ الظنّ أنّ شأفتَهم مستأصلة وقف منهم الرسولُ الشاكر الرحيم المانّ الحليم وقال: ((ما تظنّون أنِّي فاعل بكم؟)) قالوا: خيرًا؛ أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: ((اللّهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، اذهَبوا فأنتم الطلقاء)).
الله أكبر، يا له من نبيٍّ ما أعظَمَه، ومِن رسولٍ ما أكرمه.
لَه الصلاة والسلام تترَى ما شرى برقٌ على طيبَةَ أو أمِّ القرى
إنّه المثل الأعلى للإنسانيّة؛ انتَصَر فرحِم وعفا، وقدَر فصفَح وما جفا.
مَعالٍ جازَت الجَوْزا جَوازًا وحُسْنٌ قد حَوَى الحُسْنى وجازَا
وغيرُ خافٍ ـ يا أولي الألباب ـ ممّا يسهِّدكم تفصيلُه ويؤلمكم قليله ما مُنِي به بعضُ العُلاَة حينَ استبدَّ العتاة، فأهدَروا إنسانيّةَ الإنسان، وحطَّموا في صلَفٍ وعنجهيّة كلَّ المواثيق والحقوق، فأينَ الحَضيض من السِّماك الأعزل؟! وشتّان شتّان بين الاهتداء المنير والادِّعاء المبير.
ونظيرُ ذلك مما ينتَظِم في أسلاك الصّفحِ والنّبل والشهامة من نبيِّ الرحمة والكرامة ما كان منه إزاءَ ثمامَة وهِندٍ والثلاثة، ويكفي من القلادَةِ ما أحاط بالعنق.
وصفوةُ القول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، أسوةٌ في جميع ضروب الحياة وتصاريف الأمور والمعاملاتِ، اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124]، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].
إنَّها النفس التي عانَقَت السماء، وعاشَت على الثَّرى دانيةً من الناس، مِلؤُها الإحسان المدِيد والعقلُ السديد والرأي الرّشيد والقول اللطيف الوئيد، في أقصى آمالِ الحِرص والإخلاص والصّدق والأمانة.
فعن حبِّه حدِّث عن البحر إنّه لبحرٌ ولكن بالمعاني انسيابُه
معاشرَ المسلمين، ثلاثةٌ وعشرون عامًا بل دُرّةٌ مِن الدعوة والصبر والتعليم والجهاد تقِف شامخةً على قمَّة الزمنِ والحضارة والتأريخ، لا تجِد فيها ساعةً أو خطوَة توصَف بالضياع أو الإهدارِ.
يـا ربَّنا فاجمَعنـا معًا بنبيِّنا فِـي جنّةٍ تثنِـي عيونَ الْحُسَّد
في جنّةِ الفردوس فاكتبها لنا يا ذا الجلالِ وذا العلا والسّؤدَد
أمّةَ الإسلام، أحباب سيّدِ الأنام، ومع كلِّ هذا الجلاء في سيرةِ خير الورَى والبهاء لا يزالُ أحلاسُ النّفاق وشُذّاذ الآفاق ومَردَة الكُفرِ والاستشراق ومُسوخ العولمة والتغريب ينشرون أباطيلَهم وحقدَهم الأرعن عبرَ الحمَلات والشبكات حِيالَ الجناب المحمدّيّ الأطهر والهديِ المصطفويّ الأزهَر، فيا وَيحهم، يا ويحهم يَرمون من أرسلَه الله رحمةً للعالمين بالقَسوة والجفاء والإرهابِ والغِلظة والشناءَة، في رسومٍ ساخِرة ودِعايات سافِرة وحملات ماكِرة، فالله حسبنا وحسيبُهم.
وهَل أنكروا إلاّ فضائلَ جمّةً؟! وهل يبصِر الخفّاش والنورُ ساطِع؟!
وما عُدَّتهم إلاّ الافتراء والزور، ينفثُها صدرُ كلِّ مأفونٍ موتور، تشكيكًا في النبوّةِ والرّسالة، فويلٌ لهم من وَصفِهم أشرفَ الورى بما اختَلقوا مِن عندهم والتّزَعُّمِ. وقد علِموا يقينًا قاطعًا أنّ النبيَّ الأمّيَّ الهاشميّ القرشيّ صلوات ربي وسلامُه عليه قد جاء للبشريّة بأسمى الحقائِق الكونية وأزكى الآداب الخلُقُية وأرقى النُّظُم الاجتماعيّة وأجلى الشرائع التعبديّة، ولكن وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]. الله أكبر، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]، ولله درُّ حسّانَ رضي الله عنه:
هجوتَ مباركًا برًّا حنيفًا أميـنَ الله شِيمتُه الوفاءُ
فإنَّ أبي ووالدَه وعِرضي لعِرضِ محمّدٍ منكم وقاء
أمّةَ الإسلام في كلّ مكان، وإذا كانَت المآسي تلفَح وجوهَنا في كلِّ شبرٍ وواد من كلِّ باغٍ وعادٍ فإنّه لِزامًا على الأمّة وقد رضِيَت بالركون إلى هذه الدنيا والإخلاد ورَثَّ حبلُ صِلَتِها بهذِه السّيرةِ الهادِية أو كاد وغدَت سيرةُ الحبيب بعد الجدّة والإشراق أشبهَ بالأخلاط أن تَنثَنِي إلى السيرة النبوية في شمولٍ وعُمق وجِدٍّ وصِدق، وأن تكونَ أشدَّ تعلُّقًا بنبيِّها وسيرتِه عليه الصلاة والسلام تأسِّيًا وفهمًا وسلوكًا واستبصارًا واعتبارًا؛ لتنتشلَ نفسَها من كلاكل العجزِ والتمزّق والفِتن والانحدار التي مُنِيت بها في هذهِ الآونةِ العصيبة، ولْتعلِنها مدوّيَة خفّاقةً وشَجًى في اللّهواتِ المغرِضة الأفّاكة أنّ السيرة النبويّةَ والمناقب المحمّديّة على صاحبها أزكَى سلامٍ وأفضل تحيّة هي مناط العِزّ والنصر وأجلَى لُغاتِ العصر التي تعرُج بالأمة إلى مداراتِ السّؤدَد والتمكين، وهي التي تقضِي على جدلٍ كلِّ عنيد وخداع كلِّ ماكر ونَزَق كلِّ دعِيّ، وهي الحجّة القاطعة لدحرِ المتقحِّمين على أصولِ الشريعة والأحكام مِن قليلِي البصيرة وسُفَهاء الأحلام.
والسيرةُ النبويّة ـ يا رعاكم الله ـ هي الشمسُ الساطعة التي تربَّى عليها الأجيالُ بمنهج الوسَطِ والاعتدال بعدَ أن تلقَّفَتهم جحافِل الغرائز والشهوات في رائِيَات وفضائيّات، وطوَّقتهم فيالِقُ الشّبهات في شبكاتٍ ومنتدَيَات، وغزَتهم كتائبُ الانهزاميّة والفرقة والشّتات، حتى جفَّت في قلوبهم ينابيعُ الحبِّ المورِقِ لنبيِّهم وشمائِلِه وصَحبهِ إلاّ مَن رحم الله. ومنهج المحبِّ الصادِق:
لي فيك حبٌّ ليس فيه تملُّق أملاه دينٌ ليس فيه تكلُّف
يا أمّة الحبيب المصطفى ، ولن يتحقَّق الحبّ النبويّ المكين في أكملِ معانيه وأحكمِ مبانيه إلاّ إذا كانت لُحمتُه الاتِّباعَ والاقتداء، وسُداه الائتِساءَ والعمل والاهتداء.
إنِّـي أرى حبَّ النبيِّ عبادةً ينجو بها يومَ الحساب المسلم
لكن إذا سلَك المحبّ سبيلَه متأسِّيًـا ولِهديِه يتـرسَّـم
واضَيعتاه لأمّةٍ ضيَّعت مبعَثَ آمالها ومُنتَهى آلامها. يا لَضَيعةِ السنّة السنيّة أن تكونَ من قبيل الغلوِّ والإطراءِ وإنشادِ القصائدِ الحوليّات وسَردِ القصَصِ والرّوايات والترانيم والمدائِحِ التي لا تغادِر الشّفاه في ليلةٍ مخصوصَةٍ أو شهرٍ معيَّن، من فئاتٍ رامت الإجلالَ فوقعت في الإخلالِ، فهم أقربُ ما يكونون إلى طلبِ العافيَة والبُعد عن ميدان الدّعوة والمصابَرة وتحمُّلِ التّبِعات، والحبُّ الصادِق:
حبٌّ مدَى الأيّام يُنشَر ذكرُه ويُذاع في كلِّ البقاع وينقَلُ
إنَّ السيرةَ الفَيحَاء لهي أعذبُ الموارد وأجَلّ من أن تؤسِّنَها بِدَع الموالِد، ومن للسنّة أحَبّ نافَح عنها وذبَّ، فمن ادَّعى المحبّة أُلزِم صِدقَ الشهداء، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الكَاذِبُونَ [النور:13].
فإن كنتَ فـي دَعوى المحبّةِ صادقًا ففِي شرعِنا برهان دعوَى المحبّةِ
وفِـي شرعِنـا أنّ الْمَحبّة طـاعة وسيرٌ علـى منهاج خيرِ البريَّة
فيا أيّها الجيل المحِبّ في كلّ مشرِق ومغرب، خِفّوا للتحلِّي بشمائل نبيِّكم وأخلاقِه، وتزيَّنوا بمناقبِه وآدابِه، وتمثَّلوا هديَه، وترسَّموا سنّتَه، وعَضّوا عليها بالنواجذ، تغنَموا وتنعَموا وتسودوا وتقودوا.
يـا مسلمون لسنّة الهادي ارجِعوا واسترشِدوا بدروسها وتعلَّموا
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:21].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ [آل عمران:31، 32].
بارك الله لي ولكم في الوَحيين، ونفعني وإيّاكم بهدي سيِّد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه كان توّابًا.
|