أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس، اتقوا الله، واعلموا أنه سبحانه وتعالى قد نهى عن الظلم نهيًا أبديًا سرمديًا مهما كانت الأحوال والظروف، نهيًا يلازم البشرية منذ نشأتها ووجودها، ويمتدّ إلى يوم القيامة وما بعده، فقال عز من قائل: لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ [غافر:17].
ولذا نهى عن الظلم وتوعّد الظالمين بسوء الحساب وشدّة العقاب وسوء الخاتمة ودخول النار، فقال الله تبارك وتعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [إبراهيم:42]، وقال جل وعلا: وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَـئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ وَكُنتُمْ عَنْ ءايَـٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93].
وفي الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا))[1]، وعنه أنه قال: ((اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة))[2]، وكفى به من ضِعة وهوان وبئس المصير.
والظلم ـ عباد الله ـ هو وضع الأشياء في غير موضعها، والظلم هو منبع الرذائل ومصدر الشرور وطريق الفساد والهلاك والدمار للحكومات والشعوب والأسر، أعاذنا الله بفضله وكرمه من الظلم؛ لأنه وضع المخلوق العاجز المقهور في منزلة الإله عز وجل، ولهذا حرّم الله عز وجل الظلم على نفسه كما حرمه بين العباد حتى ظلم الكافر كما قال تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ [المائدة:8].
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من شدة عظم الظلم عند الله عز وجل أن أباح للمظلوم أن ينشر مظلمته ويتكلم عن الظالم مع العلم أن الله قد حرم ذكر عيوب الناس وذنوبهم، فقال عز وجل: لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ [النساء:148].
ومن عظم شناعة الظلم كذلك أن جعل الله دعوة المظلوم مستجابة حتى ولو كان كافرًا، فقال : ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، يقول الرب: وعزتي، لأنصرنّك ولو بعد حين))[3].
وبهذا الحديث فإنّ النصر مؤكّد لا محالة، عاجلاً أو عاجلاً، كما قال الله تعالى: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)).
عباد الله، احذروا الظلم فإنه عار ونار وظلمات على أهله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، كما أنه في الدنيا يقصم الأعمار ويخرب الديار ويمحق بركة الأرزاق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأبْصَـٰرُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [إبراهيم:42، 43].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|