.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

التحذير من الظلم

2938

الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي

داود بن أحمد العلواني

جدة

الأمير منصور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وعيد الله للظالمين. 2- تعريف الظلم. 3- مشكاة المظلوم ودعوته. 4- التحلل من المظالم. 5- نماذج من نصرة الله للمظلومين.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس، اتقوا الله، واعلموا أنه سبحانه وتعالى قد نهى عن الظلم نهيًا أبديًا سرمديًا مهما كانت الأحوال والظروف، نهيًا يلازم البشرية منذ نشأتها ووجودها، ويمتدّ إلى يوم القيامة وما بعده، فقال عز من قائل: لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ [غافر:17].

ولذا نهى عن الظلم وتوعّد الظالمين بسوء الحساب وشدّة العقاب وسوء الخاتمة ودخول النار، فقال الله تبارك وتعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [إبراهيم:42]، وقال جل وعلا: وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَـئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ وَكُنتُمْ عَنْ ءايَـٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93].

وفي الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا))[1]، وعنه أنه قال: ((اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة))[2]، وكفى به من ضِعة وهوان وبئس المصير.

والظلم ـ عباد الله ـ هو وضع الأشياء في غير موضعها، والظلم هو منبع الرذائل ومصدر الشرور وطريق الفساد والهلاك والدمار للحكومات والشعوب والأسر، أعاذنا الله بفضله وكرمه من الظلم؛ لأنه وضع المخلوق العاجز المقهور في منزلة الإله عز وجل، ولهذا حرّم الله عز وجل الظلم على نفسه كما حرمه بين العباد حتى ظلم الكافر كما قال تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ [المائدة:8].

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من شدة عظم الظلم عند الله عز وجل أن أباح للمظلوم أن ينشر مظلمته ويتكلم عن الظالم مع العلم أن الله قد حرم ذكر عيوب الناس وذنوبهم، فقال عز وجل: لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ [النساء:148].

ومن عظم شناعة الظلم كذلك أن جعل الله دعوة المظلوم مستجابة حتى ولو كان كافرًا، فقال : ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، يقول الرب: وعزتي، لأنصرنّك ولو بعد حين))[3].

وبهذا الحديث فإنّ النصر مؤكّد لا محالة، عاجلاً أو عاجلاً، كما قال الله تعالى: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)).

عباد الله، احذروا الظلم فإنه عار ونار وظلمات على أهله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، كما أنه في الدنيا يقصم الأعمار ويخرب الديار ويمحق بركة الأرزاق.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأبْصَـٰرُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [إبراهيم:42، 43].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



[1] جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في البر والصلة، باب: تحريم الظلم (2577).

[2] رواه مسلم في البر والصلة، باب: تحريم الظلم (2578).

[3] أخرجه أبو داود في الصلاة، باب: الدعاء بظهر الغيب (1536)، والترمذي في أبواب صفة الجنة (2528)، وابن ماجه في الدعاء، باب: دعوة الوالد ودعوة المظلوم (3862) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الترمذي وابن حجر في تخريج الأذكار.

الخطبة الثانية

الحمد لله، يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، أحمده سبحانه الملك الديان، القائم بين عباده بالقسط، ومحلّ نقمته وغضبه على أهل الظلم والطغيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخليله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: عباد الله، لقد صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله : ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء منه فليتحلّله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه))[1].

فاتقوا الله عباد الله، وبادروا بالتوبة والاستغفار، وردوا المظالم إلى أهلها، وأدوا الحقوق إلى أصحابها قبل أن تندموا كل الندامة، يوم لا يقدر الظالم على أن يردّ حقًا أو يظهر عذرًا، وخصماؤه قد تعلّقوا به، فهذا يقول: ظلمني بأكل مالي، وهذا يقول: ظلمني فأساء الظن بي وقذفني، وهذا يقول: رآني مظلومًا فلم ينصرني، وهذا يقول: رآني على منكر فلم ينهني، وهذا.. وهذا..

فاستدركوا ـ عباد الله ـ ما فاتكم، وتحللوا من المظالم في هذه الدنيا قبل قدومكم على الحقّ جل وعلا القائل عن نفسه: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].

وقد أورد الإمام الذهبي صاحب كتاب الكبائر في كتابه هذا رحمه الله قصة مؤثّرة، فقال: كان سلطان من السلاطين له قصرٌ مشيد، وجاءت عجوز، فأقامت بجواره كوخًا تسكنه أي: عريشًا، فذات يوم خرج السلطان وحام حول قصره فرأى ذلك الكوخ فقال: ما هذا؟ قالوا: العجوز تأوي إليه، أي: إذا جاء الليل نامت فيه، فأمر بهدمه، فأزيل فجاءت آخر النهار وإذا بكوخها قد أزيل، فدعت ربها جل وعلا، فجاء أمر الله على القصر وما فيه، فرفعه إلى جهة السماء ثم قلبه على من فيه.

كما يروي رحمه الله أن رجلا من أعوان الظلمة ذهب ذات يوم إلى سوق الأسماك، فرأى رجلاً فاغتصب منه سمكة كانت بيده ظلمًا وقسرًا، فعند أكله السمكة دخل في إبهامه عظم منها وتسمّم فبترت إصبعه، فسرى المرض إلى كفه فبتر ثم، إلى المرفق فبتر، ثم إلى الكتف فبتر، ثم سرى إلى جسمه فأرشده عالم بعد أن سأله عن القصة بالذهاب إلى المظلوم صاحب السمكة فيتحلّل منه، فذهب إليه فما عرفه صاحب السمكة المظلوم لتغيّر معالم الظالم بعد بتر يده من الكتف، فأخبره الخبر، فعفا عنه وسامحه، فشفي من مرضه ووقف عند بتر الكتف.

فاتقوا الله عباد الله، وخذوا منه عبرة، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما أكثر العبر وما أقلّ الاعتبار).

أعاذني الله وإياكم من الظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة، اللهم باعد بيننا وبين الظلم كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك...



[1] رواه البخاري في المظالم، باب: من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له هل يبين مظلمته؟ (3/99).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً