.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الإنفاق في سبيل الله

2935

فقه

الزكاة والصدقة

داود بن أحمد العلواني

جدة

الأمير منصور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- المال مال الله والإنسان مستخلف فيه. 2- أجر المنفق في سبيل الله تعالى. 3- سنن الصدقات وآدابها.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله، لقد قرن الله سبحانه وتعالى في كتابه بين الإيمان بالله ورسوله وبين الإنفاق في سبيله، فقال الله تعالى: ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7].

فاتقوا عباد الله، وأنفقوا مما رزقكم الله تعالى، واعلموا أن الله هو المالك الحقيقي لكل ما في الكون المتصرّف فيه المدبّر له، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والمال في الحقيقة مال الله؛ لأنه هو خالقه وواهبه وميسّر سُبُله ومانح الإنسان القدرة على اكتسابه، ومهما ذكر الإنسان عمَله وجهده فليذكُر القدرة الإلهية في الإيجاد والإمداد والبسط والعطاء وإنبات الزروع وإنزال الماء وتنويع ذلك، ولذلك يوجّهنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إلى هذه الحقيقة فيقول جل ذكره: أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَءنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزرِعُونَ لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَـٰمًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَءيْتُمُ ٱلْمَاء ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ أَءنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَـٰهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ [الواقعة:63-70].

وفي آيات أخرى يقرر الله تعالى أن المال مال الله، وأن الإنسان ما هو إلا مستخلف فيه أو موظف مؤتمن على تنميته وإنفاقه والانتفاع والنفع به، فقال الله تعالى: وَءاتُوهُمْ مّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى ءاتَـٰكُمْ [النور:33]، وقال الله تعالى: وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7].

فاتقوا الله يا عباد الله، وأنفقوا من بعض ما رزقكم الله على إخوانكم من عباد الله من المسلمين، وذلك قيامًا بواجب المنعم علينا والشكر له على نعمائه، وسارعوا بالإنفاق في سبيل الله قبل أن تبحثوا فلا تجدوا من يقبلها منكم فتصبحوا من النادمين، ففي الصحيح عنه أنه قال: ((ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه))[1].

ولا تستح ـ أخي المسلم ـ من إعطاء القليل القليل، فإن الحرمان أقل منه، وقد ورد في الحديث عن رسول الله أنه قال: ((لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فيربيها كما يربِّي أحدكم فلوَّه[2] أو قلوصه[3] حتى تكون مثل الجبل أو أعظم))[4]. والله جل وعلا هو الذي يقبل الصدقات.

وقد صور لنا القرآن الكريم ما أعده للمنفق في سبيل الله من مضاعفة الأجر فقال جل شأنه: مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، وقال النبي : ((ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا))[5].

فإياك ـ أخي المسلم ـ أن تقع في حبائل الشيطان أو الهوى والنفس الأمارة بالسوء وجلساء البخل والسوء، فتُزيّن لك الأمور بميزان المادة، فتظنّ أن البذل والإنفاق خسارة ومغرمًا، فالعكس هو الصحيح، وقد بيَّن لنا رسولنا الكريم خطأ هذه المفاهيم، روت عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا ببعضها، فقال النبي : ((ما بقي منها؟)) قالت: ما بقي منها إلا كتفها، فقال: ((بقي كلّها غير كتفها))[6] أي: الذي أنفقوه هو الباقي لهم عند الله تعالى، كما قال الله تعالى: مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ الآية [النحل:96].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَـٰكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10، 11].

وفقني الله وإياكم للإنفاق في الوجوه المستحقة للبر والإحسان، ووقانا بمنّه وكرمه الشح والبخل، وجعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] رواه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة قبل الرد (2/113)، ومسلم في الزكاة، باب: الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها (1012).

[2] الفلو: المهر أوّلَ ما يولد.

[3] القلوص: الناقة، فهو للأنثى كالجمل للذكر.

[4] رواه مسلم في الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (1014) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وللبخاري نحوه بلفظ متقارب في الزكاة، باب: لا يقبل الله صدقة من غلول (2/112).

[5] رواه البخاري في الزكاة، باب: قول الله تعالى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (2/120)، ومسلم في الزكاة، باب: في المنفق والممسك (1010).

[6] أخرجه الترمذي  في صفة القيامة (2472) وقال: "هذا حديث صحيح".

الخطبة الثانية

الحمد لله المتفضل على عباده بجزيل النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن لكل عبادة آدابًا وسننًا لا بد من مراعاتها، لعل الله جل وعلا يقينا فيها من الرياء ويرزقنا فيها التقوى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتوّج العمل بالقبول والرضا من الله عز وجل.

وإن من سنن الصدقات وآدابها أن يخصّ بها أقرباءه من الفقراء، فإن هذا أدعى لإيجاد المودة والصلة والمحبة ونزع العداوة من القلوب؛ لأن القلوب جبلت على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، وقد قال النبي : ((الصدقة على المسكين صدقة، وإنها على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة))[1].

ومن آدابها أيضًا الإسرار بها؛ لأن الإسرار بها يكون أبعد عن الرياء والسمعة، قال الله تعالى: إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفّرُ عَنكُم مّن سَيّئَاتِكُمْ [البقرة:271]، وقد أعلمنا النبي أن من السبعة الذين يظلّهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))[2].

ومن المستحب في الصدقة أيضًا أن نخصّ بها المتعفّفين عن المسألة، والذين يغفل أكثر الناس عنهم إذا ظهر لنا عوزُهم وفقرهم وحاجتهم.

ومن سننها أيضًا أن ينفق الإنسان مِن أحبِّ أمواله إليه، كما قال تعالى: لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وكما قال الله تعالى: وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ الآية [البقرة:267].

وإياك ـ أخي المسلم ـ أن تمنّ بصدقتك أو تتحدّث بها أو تذكر اسم المعطَى له، فإن ذلك يؤذيه ويحبط أجرك، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلأذَىٰ [البقرة:263].

وأخيرًا عليك ـ أخي المسلم ـ أن تشكر الله أولاً وآخرًا أن وفّقك للإنفاق في سبيله، وشرح لذلك قلبك، فله المِنة والفضل والثناء الحسن إذ أنعم عليك بالمال وجعلك ممن يبذله، لا ممن يطلبه، والله الموفق.



[1] أخرجه أبو داود في الصوم، باب: ما يفطر عليه (2355)، والترمذي في الزكاة، باب: ما جاء في الصدقة على ذي القرابة (658)، والنسائي في الزكاة، باب: الصدقة على الأقارب (5/92)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن".

[2] جزء من حديث أخرجه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة باليمين (2/116)، ومسلم في الزكاة، باب: فضل إخفاء الصدقة (1013).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً