أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخيرُ الهديِ هديُ محمدٍ , وشر الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار, وما قَلَّ وكفى خيرٌ مما كَثُرَ وألهى, وإنّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين.
أما بعد: أيها المسلمون، عباد الله، فإنّ المُقرر في عقيدة الإسلام أنّ الواجب على كل مسلم أن يوالي في الله ويعادي في الله, ويحبّ في الله ويبغض في الله, حتى يصحّ دينه ويكمُل إيمانه, يقول الله عزّ وجل: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [المائدة:51]، فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَـٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا أَسَرُّواْ فِى أَنفُسِهِمْ نَـٰدِمِينَ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَهُـٰؤُلاء ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَـٰسِرِينَ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَـٰفُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ [المائدة:52-56].
أيها المسلمون، عباد الله، الموالاة في الله معناها أن توالي المؤمنين، تتقرب إليهم، تذلّ لهم، تحبهم، تناصرهم، تدعمهم، تقدم لهم كل ما يرفع شأنهم ويشدّ عضدهم ويقوّي أمرهم. والمعاداة معناها أن تبغض الكافرين، أن تجد لهم في قلبك كراهيّة لأنهم أعداء الله ورسوله، لا تقدم لهم عونًا، لا تجد لهم حبًا؛ لأنّ من عادى الله فهو عدوّك، ومن أبغض رسول الله فهو بغيضك، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)).
أيها المسلمون، عباد الله، هذا المعنى الإيماني كان واضحًا عند سلفنا الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين, فكان حبهم في الله، وبغضهم في الله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، كانوا يحكِّمون الله جل جلاله في شأنهم كله. وهذا المعنى ينبغي أن يحيا في أيامنا هذه؛ لأن المسلمين أمة واحدة كما أخبر الله عز وجل في كتابه: وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ [المؤمنون:52]، إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. تتكرر الآية، مرةً يأمرنا ربّنا بالتقوى، ومرةً يأمرنا بأن نكون عباده حقًّا.
هذه الأخوة الإيمانية أكّد عليها رسول الله ، فأخبر أنّ المسلمين أمةٌ واحدة، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم. المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ اشتكى كلّه، إذا اشتكى رأسه اشتكى كلّه: ((مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)).
أيها المسلمون، عباد الله، الآن كثير من إخواننا المسلمين في المشارق والمغارب يُقتّلون, يُعذّبون, يُشرّدون, تُنتَهب أموالهم, تُنتَقص أطرافهم, تُنتَهك أعراضهم, تُحرّق زروعهم, تُهدّم بيوتهم، والمسلمون في غفلةٍ عن هذا، كأنّ الأمر لا يعنيهم.
إخواننا في فلسطين أمرهم لا يخفى على مسلم, إخواننا في الشيشان, إخواننا في كشمير, إخواننا في الفلبين, هنا وهناك، في كل مكانٍ جرحٌ للمسلمين ينزف، بيد مَن؟ بيد من تنزف هذه الجراح؟ بيد من تسفك تلك الدماء الطاهرة الزكية وتذهب تلك الأرواح؟ نشكو إلى ربنا ظلم العباد.
لا شكّ أنّ للإسلام أعداء، أعداءً يكيدون له بالليل والنهار، يمكرون مكرًا كُبّارا، لا يرقبون في مؤمنٍ إلاً ولا ذمةً. هؤلاء الأعداء اللهُ سبحانه وتعالى ما تركنا لنبحثَ عنهم ونختلف حولهم، بل أخبرنا عنهم ونصّ عليهم بأسمائهم وأوصافهم، في مقدّمتهم أهل الكتاب اليهود والنصارى الذين قال الله فيهم: وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ [البقرة:109]، قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـٰسِقُونَ قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ [المائدة:59، 60].
أهل الكتاب اليهود والنصارى قال الله فيهم مخاطبًا إيانا معشر المسلمين: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة:217]. لا يزالون ـ أي: هؤلاء الكفار ـ لا يزالون يقاتلونكم، يشنون الحروب عليكم: حربًا اقتصادية, حربًا ثقافية، حربًا عسكرية؛ لتشويه تعاليمكم، وتدنيس مفاهيمكم, والإغارة على أفكاركم، لا يزالون يقاتلونكم, حتى يبلغوا غايةً ويصلوا إلى هدفٍ, حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا.
أهل الكتاب كفروا بمحمد , هل كانوا يجهلونه؟ اللهم لا، قال الله عز وجل عنهم: ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ [الأنعام:20]، يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَـٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـئِثَ [الأعراف:157]، لكنهم كفروا به حسدًا من عند أنفسهم.
هذه العداوة ـ عباد الله ـ لا تتقطّع حبالها، ولا ينتهي زمانها، عداوة كانت بالأمس، عداوة اليوم، وعداوٌة غدًا، وإلى أن تقوم الساعة. اليهود والنصارى أعدى أعدائكم، لا يريدون لكم خيرًا، وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118].
أما عداوة اليهود فهي الآن ظاهرة، لا تخفى على أحد, يعادون الإسلام في كلّ قبيل ومع كلّ جيل، لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً [التوبة:10], لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة:82]. عداوة اليهود أعظم من عداوة المشركين.
وأما النصارى ـ أيها المسلمون ـ فتُمثِّلهم زعيمة الكُفر ورأس الإلحاد وبلد العُهر في زماننا هذا الولايات المتحدة الأمريكية، التي ما فتئت تمدّ اليهود بالمال والرجال والسلاح والدعم في المحافل الدولية وفي كل مكان، أمريكا هي الداعم الأول لإسرائيل.
لمّا كان سفّاح اليهود شارون قبل أسابيع معدودة يدكّ الأرض دكًّا ويهدم البيوت على رؤوس أهلها في جنين في فلسطين، فأزهق من الأرواح ما لا يعلم عددَه إلا الله, حتى ساعتنا هذه لا توجد هناك إحصائية، ولم تُتَقَصَّ الحقائق, ولا يعرف أحدٌ حقيقة ما حدث, هُدّمت الدور على رؤوس أهلها, وقُتّل النساء والأطفال، وأُتلفت الأموال. ثم بعد ذلك، في أثناء تلك المعمعة، وما زالت الجريمة لم تكتمل خيوطها بعد، يقرّر الكونجرس الأمريكي دعمَ دولة اليهود بمائتي مليون دولار لمكافحة الإرهاب، هذا قبل أسابيع معدودة.
أما الجرائم الطويلة للولايات المتحدة الأمريكية فتتمثّل في حصار إخواننا المسلمين في العراق, حتى هلك أكثر من مليوني طفل، ثم بعد ذلك القصف المستمرّ بأعتى أنواع الأسلحة على رؤوس إخواننا المسلمين في أفغانستان في كل يوم, ولا يعلم عددَ الضحايا إلا الله، ثم محاصرة المسلمين وفرض العقوبات الاقتصادية عليهم، حتى بلادنا هذه ما سلمت من شرّهم، ولا أمنت من مكرهم، وما زالت تكتوي بنيران فِتَنهم وجرائمهم، تارةً بدعم المتمرّدين الصليبيّين في الجنوب، وتارةً بمحاولة الهيمنة الاقتصاديّة، وتارةً بفرض عقوبات، وتارةً بترويج تهمٍ وأباطيل وتُرّهات بأن هذه البلاد تمارس رِقًّا، وأنّ هذه البلاد تضطهد من ليس بمسلم، إلى آخر تلك الاتهامات الطويلة التي ما فتئت أمريكا تردّدها من سنوات ولا تملّ، ولا تستحي لا من الله ولا من الناس، لم يفعلون ذلك؟!
أيها المسلمون، هل هذا كله نِتاج الحادي عشر من سبتمبر كما يزعمون؟! لا والله, بل قبل ما يزيد عن العشر سنوات في سنة إحدى وتسعين لمّا عُقد مجلس الشؤون الأمنيّة الدولية في مدينة ميونخ في ألمانيا قُدِّمت الورقة الأمريكية وقيل فيها بالعبارة الصريحة واللفظ الواضح: إنه بعد سقوط الشيوعية أصبح الإسلامُ هو العدو الأول. من الذي قدّم هذه الورقة؟ وزير الدفاع الأمريكي تشِيني، الذي هو الآن نائب الرئيس الأمريكي، قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118].
ما واجبنا أيها المسلمون؟ عباد الله، أنُلقي الخطَب ونتكلم في الدروس وتكتب الصحف وتسير المسيرات ويغضب الناس أيامًا معدودات ثم يبقى الحال على ما هو عليه؟! لا والله، لا بد أن نتخذ خطوة، ولا بد أن يكون لأهل الإسلام كلمة, أهل الإسلام رُواد المساجد قُراء القرآن من يدينون بالحب لمحمد رسول الله عليه الصلاة والسلام, لا بد أن يكون لهم موقف.
إنّ إخواننا المسلمين المجاهدين الذين خلصوا إلى الثغور في أفغانستان وفلسطين وفي غيرها من بلاد الله يجُاهدون في الله حق جهاد، هؤلاء هم أفضل الأمّة، هؤلاء هم الأخيار، فلم يبق لنا ـ معشر القاعدين ـ إلاّ أن نُعِين إخواننا المسلمين بأضعف الإيمان، وأضعفُ الإيمان أن نقاطعَ مقاطعةً اقتصاديةً صارمةً جميع السلع والبضائع التي تُنتج في تلك البلاد، سواءٌ كانت يهودية واضحة أو كانت أمريكيةً أو إنجليزية أو غيرها من الدول التي تدعم الحرب ضد الإسلام.
أيها المسلمون، عباد الله، هذه المقاطعة ليست قرارًا سياسيًا, ولا ثورة غضبٍ من فلان أو فلانٍ من الناس، بل اتفقت عليها كلمة علماء الإسلام في هذه البلاد وغيرها، اتفقت كلمة علماء الإسلام على أنّ هذه المقاطعة ضرورة شرعية وواجبٌ دينيّ، يحتمه علينا إسلامنا، قرآنُنا.
ما الأدلة على ذلك؟ الأدلة ـ أيها المسلمون عباد الله ـ أولاً: أنّ الله عزّ وجلّ نهانا أن نتعامل مع الكافر الحربي، الكافر الذي يحاربنا، الذي يُضِرّ بِنا، الذي يريد أن يستأصل شأفتنا ويمحو عقيدتنا ويبدّل ديانتنا، يحَرُم علينا أن نتعامل معه، قال الله عزّ وجل: إِنَّمَا يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَـٰتَلُوكُمْ فِى ٱلدّينِ وَأَخْرَجُوكُم مّن دِيَـٰرِكُمْ وَظَـٰهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرٰجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [الممتحنة:9]. ألا تنطبق هذه الأوصاف على أمريكا ومَن وراءها؟! قاتلونا في الدين, أخرجونا من ديارنا في فلسطين وفي أفغانستان وفي كشمير وفي غيرها.
وفي أخبار هذا الصباح أمريكا تطالب الباكستان بأن تمنع تسلّل المجاهدين من أرضها لتخليص أرض المسلمين في كشمير، هكذا يقفون ضدّ المجاهدين، ضد الدّعاة، ضد العاملين للإسلام في كل مكان، يقفون في وجوههم حجر عثرة، يشوهون سمعتهم، يدنسون سيرتهم، يلقون عليهم بالتهم المزيفة، يلقون القبض عليهم، والآن إخواننا الأسرى في تلك الجزيرة النائية منذ شهور معدودات لم توجّه لهم تهمة, ولم يثبُت عليهم شيء، لكنّ أمريكا هكذا تحبسهم عنوة واقتدارًا, ولا تبالي بأحد. قاتلونا في الدين، أخرجونا من ديارنا، ظاهروا على إخراجنا، ممنوع علينا أن ننفعهم.
ثانيًا: أيها المسلمون، عباد الله، الله عز وجل يأمرنا في القرآن بقتال هؤلاء الكافرين: فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]. قال الإمام القرطبي رحمه الله: "من الحصر منعهم من التصرف في بلاد المسلمين". الآن سلع أمريكا، بل سلع اليهود تملأ بلاد المسلمين، تتصرف فيهم كيف شاءت، تقول التقارير الاقتصادية: صادرات الولايات المتحدة الأمريكية إلى البلاد العربية وحدها في كل عام تبلغ ما قيمته ثلاثمائة مليار دولار، في العام الواحد ثلاثمائة مليار دولار تخرج من البلاد العربية التي هي دون الثلاثين، وتذهب إلى الخزينة الأمريكية، أرصدة بلد مسلم واحد في البنوك الأمريكية تتراوح ما بين خمسمائة إلى سبعمائة مليار دولار مجمّدة لحساب اليهود يتصرّفون فيها كيف شاؤوا, ولا تستطيع تلك الدول أن تسحب تلك الأرصدة لو أرادت، بل ربّما تعمد أمريكا إلى تجميدها. وفي هذه الأيام نداءات للولايات المتحدة باتخاذ إجراء كهذا.
ثالثًا: أيها المسلمون عبد الله، المقاطعة الاقتصادية سلاحٌ قديم, استخدمه المشركون ضدّ رسول الله ، علقوا صحيفةً في جوف الكعبة أن لا يبيعوا للمسلمين ولا يشتروا منهم, حصروهم في شِعب بني هاشم ثلاث سنوات حتى اضطر رسول الله وأصحابه أن يأكلوا أوراق الشجر. ثم إنّ رسول الله حاصر بني النضير وقطع نخيلهم ليضرّ بهم اقتصاديًا ويجبرهم على الاستسلام، وحاصر بني قريظة حتى نزلوا على حكمه.
وكذلك الصحابي الفاضل ثمامة بن أثال رضي الله عنه وأرضاه، لمّا أسلم وذهب إلى مكة معتمرًا قالوا له: يا ثمامة أصبأتَ؟ قال: لا ولكنني تابعت محمدًا رسول الله على دينه, ووالله الذي لا إله غيره لا تصل إليكم من اليمامة حبّة حِنطة بعد اليوم حتى يأذنَ رسول الله . ورجع رضي الله عنه وأنفذ وعيده: منع القوافل من أن تصل إلى مكة، حتى جاع المشركون وأرسلوا يستغيثون بالنبي الرسول عليه الصلاة والسلام يقولون له: يا محمد جئت تأمر بتقوى الله وصلة الرحم، وقد قتلتَ كبارنا وأجعتَ صغارنا، فكتب النبي إلى ثمامة بعد أن أراهم قوّةً, وأنّه قادرٌ بأصحابه على أن يضرهم ويغيظهم ويؤثر فيهم، كتب إلى ثمامة يأمره بأن يسمح للقوافل أن تصل إلى أهل مكة.
ثم رابعًا أيها المسلمون عباد الله: هذه المقاطعة الاقتصادية التي يدعو إليها الدعاة ويأمر بها أهل العلم ويستدلّون عليها هي من باب المعاملة بالمثل، فإنّ المسلم لا يرضى بالذل، ولا ينام على ضيم، هؤلاء الأمريكان الظالمون مارسوا سياسة المقاطعة ضد خمسٍ وثلاثين دولة، ومن بينها دولتنا هذه، مقاطعةٌ منذ سنين، لا بد أن نقاطعهم من باب المعاملة بالمثل، يقول الله عز وجل: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126], وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا [الشورى:40]. أمّا أن يقاطعونا ثم بعد ذلك نفتح لهم أسواقنا ونشترى بضائعهم ونروج لسلعهم فكأننا والعياذ بالله بمنزلة الحمير.
الآن، لو أنك ضربتَ كلبًا أو أسأت إلى حيوان ما رضي، نبح عليك، وكشّر أنيابه، وحاول أن ينتقم لنفسه، أما الحمار وحده فهو الذي يُضرب ويُصفع ويُركل وهو يطأطئ رأسه، وقديمًا قالت العرب: من استُغضب فلم يغضب فهو حمار.
في كل ليلة في كل يوم أمريكا تُغضبنا بدعم اليهود، أمريكا تُغضبنا بتشويه ديننا، أمريكا تُغضبنا بقتل إخواننا، ثم بعد ذلك نحن لا نغضب! غضبنا لحظات معدودات ثم لا يغير في الأمر شيئًا. وقد جرّبت أمريكا من سنوات طويلة أنّ المسلمين لا يتحركون، أيقاظٌ نيام، كأهل الكهف أيقاظٌ نيام، لا يحرّكون ساكنًا، يمصمصون شفاههم، يحكّون رؤوسهم، يُلقون خطبًا عصماء ومقالاتٍ بليغة تكتب، ثم بعد ذلك الحال هو الحال، حتى بلغ السفه ببعض بني ملتنا أن يحاولوا استغفالنا، شركة الكوكاكولا هذه التي تروّج هذه الأيام للفساد وتريد أن تُقيم حفلاتٍ هنا وهناك وتستجلب الفنان وتصنع له استقبالاً أسطوريًا ويكتب الكاتب أن شركة الكوكاكولا أعادت الدماء لشعب السودان، جفّت الدماء في عروقه لأنّ الفنان كان غائبًا، كان مهاجرًا، فلما عاد بطلعته البهيّة ووجهه الذكي عادت الدماء إلى شعب السودان! كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا [الكهف:5].
هذه الشركة ـ أيها المسلمون عباد الله ـ شركة أصلها يهودي, ومآلها يهودي, وهؤلاء ليسوا إلا وكلاء. وفي كلّ عام تبرعات هذه الشركة وحدها لدولة اليهود تبلغ ثمانمائة مليون دولار, وفي أخبار يوم الثلاثاء قبل أربعة أيامٍ نشرت الجرائد المحلية في بلادنا هذه أن شركة الكوكاكولا في أمريكا قررت التبرع بأرباح أربعة أيام في جميع أنحاء العالم لدعم دولة إسرائيل لمكافحة الإرهاب. هذه الأخبار ليست من مصادر سرّية بل تُنشر في الجرائد على الملأ.
شركة البيبسي كولا هذه أختها وقرينتها، أيضًا شركة يهودية، أكثر الشركات التي تدعم دولة اليهود من الشركات العالمية مائتا شركة, شركة البيبسي كولا تأتي في المرتبة الثانية في دعم دولة اليهود.
أيها المسلمون، عباد الله، في كل جمعة نجمع التبرعات لإخواننا في فلسطين, ثم نشتري باليد الأخرى سلعًا ندعم بها دولة اليهود! كأننا ندعم المسلمين وندعم اليهود، ثم بعد ذلك ينتصر من كان أقوى. لا والله، يجب علينا أن يكون عندنا ولاء وبراء، ومن هنا صدرت فتوى من علماء الإسلام في هذه البلاد, وقبلها صدرت فتوى علماء الإسلام في مصر وفي الحجاز وفي غيرها من بلاد الإسلام أنّ كل مسلم يشتري سلعةً أو بضاعةً أمريكيةً أو يهوديةً فقد أثِم إثمًا مبينًا, واقترف ذنبًا عظيمًا, وأتى بابًا من أبواب الحرام؛ لأنّه بهذا الشراء يدعم أعداء الإسلام والمسلمين، يُقوّيهم ضدّ إخوانه, والله عزّ وجل قال لكم: وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ [الأنفال:72]. إن استنصروكم، إخواننا يستغيثون بنا، تضجّ السماء من شكواهم، ونحن من أجل شهوة، من أجل نَزْوَة، من أجل زجاجة غازية أو سلعةٍ كمالية نشتري سعادتنا بشقائهم، نشتري شهواتنا بدمائهم، هذا والله حرام، قال رسول الله : ((ما من مسلمٍ يخذل مسلمًا في موضعٍ يحبّ نصرته فيه إلا خذله الله يوم القيامة))، أتريدون أن تُخذلوا أيها المسلمون؟!
وإذا كان يحرم شراء تلك البضائع فإنه يحرُم كذلك أخذ التوكيل عنها, هذه الشركات الموكّلة في سلعٍ أمريكيةٍ أو يهوديةٍ أو إنجليزيةٍ الحُرمة في حقهم أفحش والذنب أعظم, وكذلك التُجّار الذين يتّجرُون في تلك السلع, هذا هو حكم الشرع وهذه كلمةُ الدين كما أخبر بها ساداتنا العلماء.
نسأل الله أن يعيننا على الالتزام بها، نسأل الله أن يجعلنا نصرًا لإخواننا المستضعفين من المسلمين، ونسأل الله عزّ وجل أن يستعملنا في طاعته، وأن يجعل أموالنا رِدءًا لإخواننا، وعونًا لأشقائنا، وسهامًا في نحور أعدائنا، والحمد لله رب العالمين. |