الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا به النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن العبادة المقبولة التي يثاب صاحبها عليها هي ما اشتملت على شرطين عظيمين: الأول: الإخلاص لله تعالى، والثاني: المتابعة للنبي ، قال الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31].
فلا يكفي الإخلاص دون المتابعة، فمن كان مخلصًا ولم يكن متَّبعًا للنبي في هديه وعبادته فإن عمله مردود عليه، ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) أخرجه مسلم، أي: مردود على صاحبه.
أيها الإخوة، مما أحدث في شهر شعبان تخصيص ليلة النصف منه بصلاة وقيام ليل، وتخصيص اليوم الخامس عشر منه بالصيام، وهذا التخصيص لم يرد عن النبي ، ولم يأمر به، ولم يفعله، وإنما أحدثه الناس بعد ذلك، ونظرًا لكثرة ما يقال عن هذه الليلة في بعض الإذاعات ووسائل الإعلام وما يُتحدث به في المجالس فلا بد من أن نكون على علم بهذه المسألة لمعرفة الحق فيها، ولبيان ذلك يقال:
1- عن أبي بكر قال: قال رسول الله : ((يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مُشاحن))، وقد صحح هذا الحديث بعض أهل العلم، وغاية ما يدل عليه هذا الحديث الإخبار عن إطلاع الله تعالى ومغفرته لذنوب عباده إلا من كان من أهل الشحناء أو من أهل الشرك، وفي هذا تعظيم للشرك، وتعظيم للعداوة والشحناء بين المؤمنين، وليس في هذا الحديث أمر أو ندب لقيام هذه الليلة أو صيام نهارها، وأما الأحاديث الواردة في الحثّ على قيام تلك الليلة وصيام نهارها فهي أحاديث لا تصح.
2- ما يفعله بعض الناس من الاجتماع في ليلة النصف من شعبان في المساجد وإحياء تلك الليلة فهذه بدعة منكرة؛ لأن النبي وأصحابه لم يفعلوها ولم يأمروا بها، وهم أحرص منا على الخير، روى ابن وضاح عن زيد بن أَسْلَم قال: "ما أدركنا أحدًا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان"، وقيل لابن مُلَيكَة: إن زيادًا النّمَيري يقول: إن ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر! فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته.
فهذا هو الحق والصواب في هذه الليلة، أنه لا يجوز الاجتماع في المساجد لإحيائها، ولا يجوز تخصيصها بصلاة، ولا تخصيص يومها بصيام، وفي الثابت من الأحاديث في غير هذه الليلة غنية وكفاية لمن أراد الخير وسعى لتحصيله بصدق وإخلاص.
|