أما بعد: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِساءً وَاتَّقوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
أيها المؤمنون، إن قضية المرأة من القضايا الكبرى التي شغلت الأفكار، واستفزت كثيرًا من الأقلام، وافترق فيها الناس طرائق عدة ومذاهب شتى، تراوحت بين الغلو والتقصير، وبين الإفراط والتفريط، وهذا الاضطراب وذاك التخبط لا نستغربه ممن لم يهتدِ بنور الإسلام، ولم يعرف السنة والقرآن، ولا ما كان عليه سلف الأمة الكرام، لكننا نستغربه غاية الاستغراب من أقوام نشؤوا في بلاد الإسلام، وعرفوا شيئًا من السنة والقرآن، وعندهم من يعلمهم ما جهلوه من أهل العلم والبيان، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونٍَ [النحل:43].
فلماذا هذا التخبط في شأن المرأة؟! ولماذا هذا الاضطراب؟! أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور:50].
أيها المؤمنون، إن هذا الدين العظيم يستمد أحكامه وتصدر شرائعُه من لدن عزيز حكيم، عالمٍ بالخلق وما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، أَلا يَعْلمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
أيها المؤمنون، إن دين الإسلام دين عدل ورحمة، لا ظلم فيه بوجه من الوجوه، فالله جل وعلا لا يظلم الناس شيئًا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، فدين الإسلام أعطى كل ذي حق حقه، لا وكس ولا شطط، لا هضم ولا ظلم.
فجميع شرائع الإسلام الحاكمة على المرأة أو على الرجل شرائعُ عدل وخير، تكفل لكل من أخذ بها الأمن والاهتداء، ومن داخله في ذلك شك أو ريب فظن الخير والعدل في غير شرائع الإسلام فقد خلع عنه ربقة الإيمان، والله ورسوله منه بريئان، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
أيها المؤمنون، إن الله تعالى قد كرّم بني آدم ذكورًا وإناثًا، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وإن نظرة عجلى في بعض آيات الكتاب الحكيم وأحاديث السنة المطهرة تكسب الناظر المنصف يقينًا ثابتًا وإيمانًا راسخًا بأن الإسلام كرم المرأة وحرّرها من كل سيئة وسوء.
فالمرأة في دين الإسلام حرة كريمة مصونة، ذات حقوق مرعية، لا ظلم عليها ولا جور، وقد أكدّ النبي تكريم المرأة وصيانة حقوقها في أعظم مجمع شهده في خطبة يوم عرفة في حجة الوداع، فقال: ((فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)) رواه مسلم[1].
أيها المؤمنون، المرأة في الإسلام شريكة الرجل، لا تعاني من خصام معه ولا نزاع، بل هي مكملة له وهو مكمل لها، هي جزء من الرجل وهو جزء منها، قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقال في آية أخرى: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195]، فعلاقة الرجل بالمرأة في المجتمع المسلم علاقة موالاة ومناصرة ومؤاخاة وانتماء، فالرجل والمرأة جناحان لا تقوم الحياة البشرية السوية إلا بهما.
أيها المؤمنون، المرأة في دين الإسلام هي الأم التي جعلها أحق الناس بحسن الصحبة، والمرأة في دين الإسلام هي البنت التي من أحسن تربيتها ورعايتها كانت له سترًا من النار، والمرأة في دين الإسلام هي الزوجة التي قال فيها النبي : ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))[2].
أيها المؤمنون، إن المرأة في دين الإسلام هي كالرجل تمامًا في الغاية من الخلق، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذريات:56]. فالمرأة والرجل خلقا جميعًا لعبادة الله وحده لا شريك له، وبقدر تحقيق واحد منهما لهذه الغاية ينال من الكرامة والهداية، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
أيها المؤمنون، إن الأصل في أحكام الشريعة المطهرة استواءُ الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما اقتضت حكمة الحكيم الخبير أن يكون خاصًا بأحدهما، فهما مستويان في جميع ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان وأركانهِ، وفيما عليهما من أركان الإسلام وواجباته، وكذلك هما مستويان في جزاء الآخرة، قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر:40].
هذا ـ أيها المؤمنون ـ غيض من فيض وقليل من كثير من الدلائل على أن المرأة في دين الإسلام تعيش حياة عزيزة كريمة، موفورة الاحترام، مصونة الجانب، محفوظة الحقوق، ليس كمثلها امرأة من نساء العالمين في جلال حياتها وسناء منزلتها وعلو مكانتها.
معاشر المسلمين، إن دين الإسلام ليس في مقام تهمة نحاول دفعها عنه، وليس فيه نقص نجهد في إخفائه أو ستره، بل هو شمس مشرقة لا نقص فيه ولا مطعن، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا [المائدة:3]. فرضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا. وإنما هو البيان وإقامة الحجة ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...
|