الله أكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أَكبر، الله أَكبر، ولله الحَمد.
أمّا بعد: فيا إخوةَ الإسلامِ في كلّ مكان، أيّها الإخوة المسلمون في أمّ القرى بلدِ الله الحرام، حجّاجَ بيتِ الله الكرَام، خيرُ ما يُوصَى به الأنامُ تقوَى الله الملِكِ القدّوس السّلام، فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ في السِّرِّ والإعلان، وزكّوا بواطنَكم من الأوضارِ والأدران. اتَّقوا الله في الغَيبِ والشهادةِ تحوزوا والحسنَى وزِيادة.
أيّها الحُجّاجُ الميامِين، ها قد أنعَم الله عليكم ببُلوغ هذا اليومِ المبارَك الأزهَر، وشهِدتُم بفضلِه ومنِّه يومَ الحجّ الأكبَر والمنسكِ الأشهَر، يَوم عِيدِ الأضحى المبارك، اليوم الذي يجود فيه البارِي جلّ وعلا بمغفرةِ الزّلاّت وسَتر العيوبِ والسيّئات وإقالةِ العثَرات وإغاثةِ اللّهَفات ورفعِ الدرجات وإجابةِ الدعوات وقَبول التوبَات. طوبى لكم أيّها الحجَّاج الكِرام، ثم طوبى ما تَنعَمون به من غامِرِ الإيمانيات وسابغ الرَّوحانياتِ، دُموعُكم لرضوانِ الله مطَّرِدَة، والضُّلوع مِنكم بالأشواق متَّقِدَة، والدّموعُ والإنابَة ما يكادُ يذهَب بالمُهَج ويأخُذ الألبابَ.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبِيرًا.
عِبادَ الله، منَ الشّعائر العظمَى التي يتقرّب بها المسلمون إلى ربِّهم في هذا اليوم الأغرّ المبارك شعيرةُ ذبحِ الأضاحِي، اقتِداءً بخَليلِ الله إبراهيم ونبيِّ الله وحبيبِه محمّدٍ عليهما الصّلاة والسلام.
إنّ الأضاحي ـ عباد الله ـ سنة أبيكم إبراهيم وحبيبكم محمد ، فاتقوا الله عباد الله، وضحّوا تقبّل الله ضحاياكم، فقد ضحّى عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين أقرنين، لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ [الحج:37]. أخرج البخاريّ من حديث جُندب بن سفيان رضي الله عنه قال: صلّى النبيّ يَومَ النّحرِ ثم خطَب ثمّ ذبح وقال: ((من ذبَحَ قبل أن يصَلّي فليذبح أخرَى مكانَها، ومن لم يذبح فليذبَح بسمِ الله)).
ويبدأ وقتُ الذّبحِ ـ عبادَ الله ـ مِن صلاةِ العِيدِ، وينتهِي وقتُ ذَبح الأضاحي بغروب شمسِ اليومِ الثالث من أيّام التشريقِ لقوله عليه الصلاة والسّلام: ((وكلّ أيام التشريق ذبحٌ)) أخرجه الإمام أحمد وغيره.
ولا يجوز التّضحيةُ بالمعِيبةِ عيوبًا بيّنَة، لما في حديثِ البراءِ بن عازب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله : ((أربعٌ لا تجزِئُ في الأَضَاحِي: العَورَاءُ البيِّنُ عوَرُها، والمريضة البيّن مَرضُها، والعَرجاء البيِّن ظلَعُها، والكبيرةُ التي لا تُنقِي)) أخرجه أحمد وأهل السنن.
اللهُ أَكبر، الله أَكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أَكبر، الله أَكبر، ولله الحَمد.
ويُعتبَر في سِنّ والأضاحي السنُّ المعتبَر شَرعًا، وهو في الإبِل خمسُ سنين، وفي البقَرِ سنتان، وفي المَعز سنة، وفي الغنَم نصفُ سنة.
وتُجزئ الشّاةُ الواحدة عن الرجُل وأهلِ بيتِه، كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
والسنةُ أن يتَولّى المضحِّي الذَّبحَ بنفسِه؛ لأنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام نحر ثلاثًا وستين بدنةً بيده الشريفة، ثم أعطَى عليًّا رضي الله عنه فنحَر الباقي، كما جاء ذلك في صحيح الخبر عنه .
الله أكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، وللهِ الحَمد.
ومِن السّنَّة ـ يا عبادَ الله ـ أن لا يُعطَى جازِرها أجرَتَه منها.
ومِنَ السنّة أن يأكلَ منها ثُلثًا، ويهديَ ثلثًا، ويتصدّق بثلُث، لقول الله عز وجل: فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.
أمّةَ الإسلامِ، اشكُروا الله على ما هداكم لهذا الدين، فلقد كان الناسُ قبلَه في جهالةٍ جهلاء وضلالة عمياء، إلى أن منّ الله عز وجل ولله الفضل والمنّة، فأضاءَ الكون بشمسِ الرسالة المحمّدية على صاحِبِها أزكى صلاةٍ وأفضل سلامٍ وتحيّة، فأخرجَ الناسَ من الظّلُمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
وكان أساسُ الأسُس وأصلُ الأصول في دَعوتِه عليه الصلاة والسلام وركيزةُ مرتَكَزاتها ورُكن أركانها توحيد الله عزّ وجلّ وإفرادَه بالعبادة، وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. بالتوحيد أرسِلت الرسل وأُنزلت الكتب، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163].
فلِواحدٍ كن واحدًا في واحدِ أعني سـبيلَ الحقّ والإيمـان
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إخوةَ الإسلام، ومن الأمور المهمّة التي يجب أن يتوارَد عليها المسلمون في موسِم حجّهم المبارك ما تميّزت به شريعتنا الغرّاء من منهجِ الوسَطيّة والاعتدال في كلّ أبوابها ومَقاصِدِها، فهي وسطٌ في الاعتقاد والعبادات والمعاملات وفي كلّ شيء، لقول الله عز وجل: وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، فلا إعناتَ ولا غلوّ، ولا إفراط ولا تفريط، ولا مشقّة ولا حرَج، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
ولما انحرَفَ فِئامٌ من المسلمين عن مِنهاج الوسطيّة والاعتدال ظهَرَت فتنةٌ فاقِرَة يقاسي المسلمون جرّاءها الكروبَ، فِتنَة زلّت فيها أقدامٌ وضَلّت فيها أَفهام، ألا وهي فِتنة التّكفير الدّاعية إلى الخروجِ على ولاة أمر المسلمين وإثارةِ القلاقِلِ وزعزعة أمنِ الأمّةِ وشَرخِ صفّ جماعَتها. وأسبابُ هذا الضلال فهمٌ منحرِف أُحاديّ لنصوص الكتاب والسنة، ولله درّ الإمام العلاّمة ابن القيم حيث يقول:
ولهم نصوصٌ قصّروا في فهمِها فأُتوا من التّقصير في العِرْفان
الكفر حـقّ الله حـقّ رسوله لا بالهـوى أو برأي فـلانِ
من كـان ربّ العالمين وعبده قد كفّراه فذاك ذو كفران
إنّ الذين يؤلّبون المسلمين على وُلاةِ أمرهم ابتغاءَ الفِتنةِ والفوضَى ويَسعَون في الأرضِ فسادًا وتدميرًا وإرهابًا وإِرعابًا وتفجيرًا واستِحلالاً للدّماءِ المعصومة من المسلِمِين والمعاهَدين والمستَأمَنين باسمِ الإسلام أو دعوى الإصلاح زعموا لَمَا هم عليه من أبطَل الباطِل وأشدِّه تنكُّبًا عن دين الإسلام، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]. الله أكبر، أيُّ وعيدٍ وتهديدٍ أبلغُ وأزجر من هذا؟! يقول عليه الصلاة والسلام: ((من قتَل معاهَدًا لم يَرَح رائحةَ الجنّة، وإنّ ريحَها ليوجَد من مسيرة كذا وكذا)) أخرجه البخاري. وهل يعني الولاءُ والبراء اتخاذَ المستأمَنين والمعاهَدين والذمّيين غرضًا للقتل والترويع وسفكِ الدماء وتناثُر الأشلاء؟! وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَن لاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ [المائدة:8]، لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]. والآية دليلٌ على سماحةِ الإسلام ويُسرِه ووسطيّته واعتداله وموقفِه المنصِفِ من المخالفين.
إنّ قضيّة التكفيرِ الخطيرة ناجمةٌ عن انحرَافٍ وغلُوّ، وقد نُهِينَا عن الغلوّ في الدين لأنّه سبب هلاكِ الأوّلين: يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقّ [المائدة:77]. والغلوّ مذمومٌ في جانب الوجودِ والعدَم والفِعل والترك، كما أنّ الإرهابَ مذمومٌ في الأسبابِ والبواعث والمقدّمات والنتائجِ والأفعال وردودِ الأفعال، إضافةً إلى أنّ امتَطاءَ صَهوةِ تكفير المجتمعاتِ يبعَثُ عليها جَهلٌ مركَّب في فهمِ مسائلَ من الدّين، وقد بلغت حدًّا يوجِب التصدِّي لها من قِبَل أهلِ العِلم بالحجّةِ والبَيان والدّليل والبرهان، حراسةً لناشئة الأمّة مِن الهُويّ في عَينِها الحَمِئة والتمرُّغِ في أَوحَالها النّتِنة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من رَمَى أخاه بالكفرِ أو قال: عدوّ الله وليس كذلك إلا حارَ عليه))، وقال : ((من قال لأخيه: يا كافِر فقد باءَ بها أحَدُهما)) عياذًا بالله، خرّجهما مسلم في صحيحه.
إنَّ على علماءِ الشريعَة الموقِّعين عن ربّ العالمين والمؤتمَنين على ميراثِ النبوّة والدعاةِ ورجالِ الحِسبة، وعلى وسائل الإعلام ورجال التربية والتعليم أن يربطوا المسلمين وفِتيانهم بمنهاجِ الوسَطيّة السّلفيَّة المعتدِلة التي جاءت بها شريعَة الإسلام، ودلّت عليها نصوصُ الكتابِ والسنَّة وتمثّلتها فهمُ سلَفِ الأمّة، وامتثَلتها بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله، فكان أَن سَطع بأساطِينِ قيادَتها نورُ الإيمانِ، وعمّ الأمنُ والأمَان، وغدَت ثَغرًا باسمًا في وجهِ الزّمان، فضلاً من الله ومَنًّا، لا باكتِسابٍ مِنّا.
إنَّ أمنَ بلاد الحرمين الشريفين قضيّةٌ لا تقبَل المساوماتِ ولا تخضَع للمزايدات والمهاترات، ولا تهزّها الزوبعات، وقد بسَط الله فيها أمنَه وأمانَه إلى أن يرِثَ الله الأرضَ ومن عَليها وهو خير الوارِثين، وإن رغِمَت أنوفٌ مِن أناسٍ فقل: يا ربّ، لا تُرغم سِواها. لا مكانَ في هذه البلادِ المبارَكةِ بإذنِ الله للعنفِ والتّخريبِ والإفسادِ والتأليب والتّرعيبِ.
أمّةَ الدعوة والإصلاح، ومِن القضايا التي يجب أن تتواصَى بها الأمّةُ وتحدَّدَ أصولُها وضَوابطُها وتُتَّخَذ عنوانًا للتّرابُط وتجاوزِ العقَبات والتّحدّيات الدعوةُ للإصلاح الذي هو وَجهٌ من وجوه حِكمةِ بِعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يقول تعالى على لسانِ شُعيبٍ عليه السلام: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88].
والذين يتوجَّهون شَطرَ الإصلاح المعتَبر ويحمِلون لواءَه لهم رِجالٌ بَررَةٌ، يُسلِمون الأمّة إلى ساحاتِ الخير والقوّة، ولا يَقودُ هذه الرِّكابَ إلاّ كبيرُ الهمّة مَضّاء العزيمة، وسيَكون الإصلاحُ مَربحًا ومغنَمًا إذا انطلَقت الأمة فيه من إصلاحِ ذاتها والنظر في عيوبها وتهذيبها وأطرِها على سُنَن الهُدى، وأتبَعت ذلك بإصلاحِ الأسَر لأنها نواة المجتمع، وسيكون الإصلاحُ للعَلياء مرقاةً إذا بَسطنا ظِلالَه على المجتمَع والأمّة بما تقتَضيه المصالحُ الشرعيّة من التدرّج والرفق والأناة ومراعاة فِقهِ المهِمّات والأولَوِيّات.
ولمّا كانت الأهواءُ تجمَح والمدارِك تختلِف وتتفاوَت كانَ لِزامًا اعتبارُ صَلاح المصلِحِ وصفاءِ منهجِه واستقامةِ آرائه. إنه إنِ انبَرَى سفيهٌ غيرُ فقيه ولاسَنَ مَوتورٌ يزعم الإصلاح بشقّ عصا الطاعة وتفريق الجماعة، فإنه داعية فتنةٍ، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
ويؤكَّد هنا ـ يا رَعاكم الله ـ على الجانب المزعوم للإصلاح الذي يركَب مطيّتَه بُعض المزايدِين على الشريعة وذوِي المغامرات الطائِشَة والأطروحات المثيرة المتَّسِمة بالمخالَفات الشهيرة واللاهثِين وراءَ ركوب موجةِ حُبّ الشُهرَة والظهور، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].
أمّةَ الإسلامِ، أيّتها الوفودُ المباركة، تعيشون هذا اليوم على ثَرَى هذا البلد الأمين الأفيَح سرورَ العيدِ وأُنسَ التعارُف والتآلف، وتنعَمون بنسائِمِ الرحمةِ والأخوّة الإسلامية في هذه المواكبِ المهيبةِ، ولكنّنا نذكّر في غمرَة الأسى بأنّ أمّتَنا الإسلاميّة لا تزالُ تتجَرّع المآسيَ والحسرات وتتلقّى الويلاتِ والنّكبات، القوارعُ تنوشُها من كلّ حدَبٍ وصَوب، والخطوب تؤمُّها من كلّ مضيقٍ وطريق، تبدّدَت قواهَا، وانفصمت عُراها، وحيثما أجَلتَ النظرَ أدمَت عينَيك وقرّحَت فؤادَك توازِعُ الأشلاءِ ونزيف الدماء واغتصابُ الأرضِ والعِرض، والعّدوّ المتربِّصُ يجدّ في خَنق أنفاسِها وتجاهُل قضايَاها، ولا مخلِّصَ لها من هذا الواقع المزري إلاّ الاعتصامُ بكتاب الله وسنة رسوله ، وأن نتنادَى بالوحدة الإسلاميّة، إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، وأن لا تربِطَ ولاءاتِها وتوجُّهاتها إلا لعقيدَتها وثَوَابِتها، وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عِمران:103].
وفي هذا الموسمِ الكريم ملتقَى العالَم الإسلاميّ من أطرافِ البقاع والأسقاع يجب على الأمّة أن يمتدَّ بصرُها لتعيَ جيِّدًا موقعَها من رِكاب العلياء والقِيادة، ولتعلَم أنَّها أمة الخيرية والشّهادة على العالمين، ولْتعلم أنّ مسؤوليّاتٍ جسامًا تنتظرها، كِفاؤها الصبرُ والعِزّة، في ابتدارٍ لأسباب النصر ووسائل الظَّفر مهما كانت قوّةُ العدوّ قاهِرة، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
إنّه لا سبيلَ للغايةِ المنشودَةِ إلاّ بالأوبةِ العمَليّة الصادِقة إلى نور الوحيَين الشريفين واتخاذهما شِرعةً ومنهاجًا. وإنّنا في حاجةٍ ملِحّة إلى أن نتمثَّل ذلك كلٌّ بحَسَب ثغرِه من الأمانةِ والمسؤوليّة على كلِّ صعيد؛ سياسيًّا وثقافيًّا وفكريًّا واقتِصاديًّا واجتماعيًّا وإِعلاميًّا وتربَويًّا، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].
الله أَكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، وللهِ الحمد.
إخوةَ الإسلام، قضية المسلمين الكُبرَى قضيّةُ فلسطين والأقصى المبارك، المسجد الأقصَى الجريح المعَنَّى، قضيّة فلسطينُ المسلِمة التي تُسام العذابَ والدّون، والأقصى الملَوَّع الذي يُقاسِي مَرائرَ العدوانِ والهون، فليتَ شِعري كيفَ تَطيب الحياةُ وأرضُنا المقدّسة مسرَى إمامِ الأنبياءِ عليه الصّلاةُ والسّلام في يدِ المحتلِّين الغَاصِبين.
إنّ على الأمّة الإسلاميّة أن تتحرّكَ تحرّكًا جادًّا لنصرة قضايا المسلمين في كلّ مكان، لا سيما في الأرض المباركة فِلسطِين، وأن تسعى لإصلاح حال إخواننا في بلاد الرافدين، فالله ناصرٌ دينَه ومعلٍ كلمتَه، والنّصرُ للإسلامِ وأهلِه طالَ الزَّمانُ أو قَصُر.
الله أكبر، الله أَكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحَمد.
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
|