.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

عشر ذي الحجة

4118

فقه

الحج والعمرة

حيان بن حلمي الإدريسي

القدس

4/12/1425

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل عشر ذي الحجة. 2- عموم بركة هذه الأيام. 3- وفود الحجيج. 4- نداء إبراهيم عليه السلام بالحج. 5- انتقال مشعل الهداية إلى الجزيرة العربية. 6- تضحية إسماعيل وصبره. 7- حال الأمة في هذا الزمان.

الخطبة الأولى

أما بعد: يا عباد الله، لقد أقسم رب العزة في كتابه الكريم بفضل الأيام العشر من هذا الشهر الكريم شهر ذي الحجة، فقال عز وجل: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:1-5].

إنها الأيام المعلومات التي يشهد المسلمون فيها والجميع منافع لهم، ويذكروا اسم الله، قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:26-28].

فيا عباد الله، إننا نستظل في هذا الأسبوع الكريم ببركة الأيام العشر، هذه أوقات مضاعفة الحسنات، وأوقات إجابة الدعوات وإفاضة البركات والنفحات الربانية، هذه أوقات عتق الرقاب من النار، إنها أيام الثجّ: سيلان دم الهدي، والعجّ: رفع الصوت بالدعاء والتسبيح والتهليل وذكر الله، هذه أوقات الوقوف بالمشاعر ورفع الحوائج للمولى ورفع الشكايا من الظلم والبطش الذي أصابنا من أعدائنا ومن تحكّم في رقابنا.

إن هذه الأيام ـ يا عباد الله ـ مواسم عظام، ولا يظنّ ظانّ أن فضلها وبركتها مقتصرة على حجاج بيت الله الحرام فقط، وإنما يشترك في خيرها حجاج بيت الله الحرام وكذلك المقيم على الطاعات في كل الأرض وجنباتها، ومن يتنافس على عمل الخير والأعمال الصالحة النافعة يضاعف له الثواب، ويرتقي إلى أعلى الدرجات، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله : ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام)) يعني الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء))، وفي رواية: ((فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد))، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي قال: ((ما من أيام أحب إلى الله عز وجل أن يتعبّد له فيه من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر))، وقد روي عن النبي أنه قال: ((ما رئي الشيطان أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه يوم عرفة؛ لما يرى من تنزّل الرحمة وتجاوز الربّ عن الذنوب العظام، وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيده من النار من يوم عرفة، ومن صام يوم عرفة غفر له ذنب سنتين متتابعتين))، وقد روي عن الرسول أنه قال: ((إن الله عز وجل يدنو إلى السماء الدنيا عشية عرفة، فيقبل على ملائكته فيقول: ألا إن لكل وفد جائزة، وهؤلاء وفدي، شعثا غبرا، أعطوهم ما سألوا، وأخلفوا لهم ما أنفقوا، وإذا كان عند غروب الشمس أقبل عليهم فقال: ألا إني قد وهبت مسيئكم لمحسنكم، وأعطيت محسنكم ما سأل، أفيضوا باسم الله)).

عباد الله، لقد بدأت وفود الحجيج تصل تباعا إلى بلد الله الحرام تلبيةً لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي جعله الله إماما للناس في قوله تعالى: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124].

وقد كانت أوامر رب العزة قد صدرت إلى نبيه إبراهيم عليه السلام بدعوة الناس للحج إلى بيته الحرام بقوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27]، فقام إبراهيم بالنداء، واستغرقت استجابة هذا الدعاء أكثر من ألفي سنة حتى نزلت الرسالة على خاتم الأنبياء سيدنا محمد ، وحينما ظهرت دعوة الإسلام كان الناس من مشركي مكة يطوفون حول الكعبة ويصفّرون ويصفّقون وفيهم العراة، ويبتهلون إلى الأصنام والأوثان التي وضعوها في بيت الله الحرام، فلما أظهر الله دين الإسلام قام الرسول وصحابته بتحطيم الأوثان وتطهير البيت من الرجز وعبادة الأصنام، وتحول مركز الدعوة ونزول الوحي من بلاد الشام منتقلا إلى أرض الحجاز التي أصبحت موئلا لرسالة الإسلام، وتحولت القبلة من بيت المقدس إلى مكة بعد أن ظلّت القدس لعشرات القرون مهبطا للرسالات السماوية وموئل الأنبياء من نسل إبراهيم عليه السلام من أبناء إسحق، وقد كان لتحول الرسالة من نسل إسحق إلى نسل إسماعيل ولدي إبراهيم عليه السلام حكمة إلهية؛ ذلك أن بني إسرائيل بعث الله لهم بعشرات الأنبياء، فلم يصلح أمرهم، ولم تتغير نفوسهم أو طبيعتهم، فعزلهم الله عن منصب حملة الهداية، ونقَلها إلى أرض الجزيرة العربية إلى نسل إسماعيل إلى الارض التي جعل فيها رب العالمين أول بيت وضع للناس، وزاد من كرم الله علينا أن أنعم على هذه الأمة بأن وضعها خير أمة أخرجت للناس، وزاد رب العزة علينا من فضله أيضا بأن جعل دين الإسلام هو الدين الخاتم، وجعله المهيمن، ولم يقبل من الناس غير الولاء لهذا الدين، وأنزل رب العزة في يوم وقفة عرفة على نبيه محمد عليه السلام في السنة العاشرة في أثناء خطبة الوداع التي ألقاها رسول الله في الحجيج قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

وقد رضيت أمة العرب حمل هذه الرسالة الشريفة، وكانوا مطيعين لنبيهم محمد ، وافتدوه بأرواحهم وأموالهم وأولادهم، وبذلوا في سبيل الله نشرها كل غال ونفيس، وهم بذلك تأسّوا بالرضا والقبول والإذعان الذي أبداه فيهم إسماعيل عليه السلام، حيث قال لأبيه إبراهيم: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]، وذلك عندما علم أن رب العالمين أمر أباه إبراهيم بذبحه، ولم تكن تضحية إسماعيل بنفسه هي التضحية الوحيدة إذا ما أضفنا إليها أنه امتثل أيضا لأمر الله عز وجل بأن يبقى ويستوطن في أرض الجزيرة العربية القاحلة غير الآهلة بالسكان، فعاش فيها مع والدته إذعانا لأمر الله، وعاش في بلد قاحل شديد الحرارة، مع أنه ولد في أرض العراق بلاد الخيرات والماء الوفير.

هذه هي أمة العرب التي خرجت من أرض الجزيرة من نسل إسماعيل، حملت الأمانة، وأدت الرسالة، وجاهدت في سبيل الله، وتحملت كلّ تبعات نشر الدعوة، فاستحقت أن تكون خير أمة أخرجت للناس، فما بالها اليوم استكانت وتركت الميادين للأمة التي غضب الله عليها ولعنها ونزع منها الرسالة؟! ما بال هذه الأمة التي كانت تجاهد مع رسول الله أصابها الوهن وحب الدنيا حتى فضلت بناء القصور وركوب أفخر السيارات والطائرات وفضلت سباق السيارات وسباق الخيول على سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]؟! ما بال هذه الأمة تتسابق اليوم لإرضاء سادتها الذين يقفون متفرجين بل متآمرين على رعيتهم وهم يداسون تحت أقدام الغاصبين المحتلّين والمتآمرين على دين الله وعلى أرضنا وثرواتنا وتراثنا وحضارتنا وكرامتنا وحريتنا؟! ما بال هذه الأمة التي كل ما في دينها يوحدها من الإيمان بالله الواحد إلى كتاب كريم واحد إلى ميول واحد وقبلة واحدة؟! ما بالها فقدت إحساسها بالمصير الواحد حتى صارت أمما تعيش في أقطار متفرقة، انتماء كل واحد منها للمكان الذي تعيش فيه، لا دخل لها بالعراق وأهله، ولا دخل لها بفلسطين وأهلها، ولا دخل لها في السودان وأهلها؟!

لقد فقدنا الإحساس بوحدة المصير، وتكرّست التجزئة والتشتّت، وأصبح لكل بلد مصالحه وأولوياته، هذا ينادي بالتنمية، وذاك ينادي في بلده بالتحرير، وأمة أخرى تنادي بالوقف على الحياد، وأمة أخرى تستضيف قواعد المستعمرين، وأخرى تستقبل وفود الغاصبين لأرض إخوانهم في فلسطين.

عباد الله، إن ابتعادنا عن دين الله وتحكيم شرعه أوصلنا اليوم إلى فوضى، لا نعرف من أين نحن ولا من نحن، نعيش في تناقض وتنابذ، نعيش في كيانات مغلقة دون بعضها وحدود مصطنعة رسم خريطتها المستعمرون بحسب خريطة التوراة، ومن استمع إلى أخبار اجتماع الجامعة العربية يوم أمس في ظل غياب سبع وزراء في ظل عدم اتفاقهم على أدنى ما يكون قبوله أو الاتفاق عليه من قرارات لم يعلم أن المسؤولين في أقطارنا ليسوا على قدر المسؤولية أنّ همّ كلّ نظام هو استمرار وجوده وحماية مصالحه الشخصية، وأين هو مصير الأمة ومصالحها التي جعلوها بين أيديهم وائتمنوا عليها؟!

إننا كأمة مسلمة نبرأ منهم أمام الله عز وجل، ونسأله أن يبعث لهذه الأمة من يوحّد كلمتها ويجمع كيانها في كيان واحد؛ لكي نتمكن من الوقوف ثانية أمام التحديات وأطماع الأعداء قبل أن نذوب وتسحقنا الأقدام، ولن يعفي الله أيا منا من مسؤولية تغيّر هذا الواقع المخزي.

 

 

الخطبة الثانية

لم ترد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً