.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

وقفات مع أعمال الحج

4066

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الذبائح والأطعمة, فضائل الأزمنة والأمكنة

بهجت بن يحيى العمودي

الطائف

الأمير أحمد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الوصية باغتنام الأعمار. 2- عظم الأشهر الحُرم. 3- فضل يوم عرفة. 4- من أحوال السلف في يوم عرفة. 4- وقفات مع يوم العيد الأكبر. 5- من أحكام الأضحية.

الخطبة الأولى

أما بعد: ألا فاتقوا الله ـ عباد الله ـ في أنفسكم، واغتنموا ساعات العمر ولحظاته، وتعرضوا لنفحات الله الجواد الكريم، فإن لله مواسم خيرات يغفر فيها الخطيئات ويقيل العثرات ويتجاوز عن السيئات، ويعظم فيها الأجر ويضاعف الحسنات. فالله الله ـ إخوتي ـ أن تفوتكم هذه المواسم الخيّرات، فالأعمار محدودة والأنفاس معدودة، جعلني الله وإياكم من المسارعين للخيرات ولها سابقين.

عباد الله، في مثل هذه المواسم المباركة التي تتعدّد فيها الفضائل والخيرات يجد المرء نفسه أمام أعمال عديدة مباركة لا بد من التنبيه عليها، فجعلت حديثي معكم عبارة عن وقفات أذكّر بها نفسي وإخواني في الله:

فالوقفة الأولى: مع الأشهر الحرم، قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36].

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: "وإنما كانت الأشهر الحرم أربعةً ثلاثٌ سَرد وواحدة فرد؛ لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، فحرّم قبل أشهر الحج شهرًا وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون عن القتال، وحرّم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بأداء المناسك، وحرّم بعده شهرًا آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنًا". ثم قال عند قوله تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ: "أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تعظم، فكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام. وقال ابن عباس رضي الله عنه فيها أيضًا: فلا تظلموا فيهن أنفسكم في كلّهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرامًا وعظم حرمتهن، وجعل الذنب فيها أعظم والعمل الصالح والآجر أعظم، وقال: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكنّ الله يعظّم من أمره ما يشاء".

الله أكبر يا عباد الله، ما أعظم الله وأرحمه بعباده، إذ حرّم الظلم وشدّد في تحريمه في الأشهر الحرم، وتذكّر ـ أخي الحبيب ـ بهذه الوقفة إخوةً لك في الإسلام في أصقاع من الأرض كثيرة يظلَمون، كلّ جرمهم أنهم بربهم يؤمنون، وبدينهم متمسكون، فنهبت أموالهم، وهدمت ديارهم، وانتهكت أعراضهم، ويتِّم أطفالهم، فلم يجدوا ما يسدّون به جوعتهم أو يسترون به عورتهم أو يحمون به أعراضهم، أو دارًا تقيهم حرّ الصيف أو برد الشتاء. فهلاّ جعلتَ لهم ـ أخي ـ من دعائك حظًا ونصيبًا، ومن مالك ما تحتسبه عند الله فيخلفه عليك ربك في الدنيا والآخرة؟!

وأنت أخي الكريم، الله الله في تعظيم حرمات الله، إياك ـ أخي ـ ثم إياك والظلم، إياك وظلم نفسك بارتكاب المعاصي والمنكرات وترك الصلاة ومحاربة الله سرًا وجهرًا، فإنه يمهل ولا يهمل، ولله سطوات يهلك بها الظالمين فاحذرها، إياك ـ أخي ـ وظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل، أو إيذاءهم بالقول أو الفعل، فإن حرمة المؤمن عند الله عظيمة جدًا، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وقد وعد الله بأن يستجيب لها ولو بعد حين، فاحذر أخي الحبيب.

الوقفة الثانية: مع يوم عرفة وفضله، إن يومَ عرفة ـ إخوتي ـ يوم فخرٍ للمسلمين؛ إذ لا يمكن للمسلمين في أيّ مكان أن يحتشِدوا بهذا العدد في وقت واحد إلا في هذا المكان. إن في هذا الاجتماع ـ أحبتي ـ آية عظيمة على قدرة الله سبحانه وتعالى؛ إذ يسمع دعاءَ كلّ هؤلاء في وقت واحد على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأجناسهم، ويعطي كلّ واحد سؤله دون أن تختلط عليه المسائل والحاجات أو تخفى عليه الأصوات والكلمات، سبحانه هو السميع البصير العلي الخبير الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

يوم عرفة هو الشّفع الذي أقسم الله به في قوله: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3]، وهو الشاهد الذي أقسم الله به في قوله: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:3] كما ثبت ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا ومرفوعًا في مسند الإمام أحمد: (الشاهد يوم عرفة).

يوم عرفة ـ إخوتي ـ يوم العتق من النار والمباهاة بأهله من الله للملائكة الكرام، فقد قال النبي : ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ فيغفر الله فيه لكل من وقف ومن لم يقف فيه ممن قبِل توبتهم واستغفارهم)).

ويوم عرفة ـ عباد الله ـ يوم خوف وخشوع وخشية من الله، يوم يذلّ فيه المؤمنون لربهم مخبِتين، يوم البكاء والانكسار بين يدي الغفور الرحيم، يلحون بخيرِ الدعاء وبخيرِ ما قال النبي والنبيّون من قبله: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، ليعلنوا بذلك صدق ولائهم لله وتوحيدهم إياه، فلا يدعون غيره ولا يرجون سواه.

وفي يوم عرفة ـ عباد الله ـ يغفر الله لمن صامه من غير الحجيج السنة التي قبلها والسنة التي بعدها. فلا إله إلا الله إخوتي، ما أحلم الله على عباده، وما أكرمه وهو الجواد الكريم.

ولقد كان لسلفنا الصالح في موقف عرفة مآثر لا تنسى ومواقف خالدة، فقد وقف مطرف بن عبد الله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: "اللهم لا تردَّ أهل الموقف من أجلي"، وقال الآخر: "ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم". ووقف أحد الصالحين بعرفة فمنعه الحياء من ربه أن يدعوه، فقيل له: لم لا تدعو؟! فقال: أجد وحشة، فقيل له: هذا يوم العفو عن الذنوب، فبسط يديه ووقع ميتًا. وروي عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى تسبيح الناس وبكائهم عشيّة عرفة فقال: أرأيتم لو أنّ هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقًا ـ يعني: سدس درهم ـ أكان يردّهم؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق. وقال ابن مبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تذرفان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين وقدوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ فيما استرعاكم الله تعالى من الأبناء، وأحسنوا تربيتهم فإنّ الله سائلكم عنهم يوم القيامة، أصلح الله لنا ولكم ذرياتنا، إنه سميع مجيب.

عباد الله، أما الوقفة الثالثة فمع العيد، وهو يوم النحر، يوم الثجّ والعجّ، يوم الفرح بطاعة الله تعالى.

فاحرص ـ أخي ـ على شهود صلاة العيد مع المسلمين، والتكبير من فجر يوم التاسع إلى آخر أيام التشريق، ولتأتِ من طريق وترجع من آخر، وتتجمّل بأبهى زينة وأفضل حله، واحذر من اتخاذ زينة محرمة كإسبال الثياب وحلق اللحى؛ فإن الله ورسوله أمر بإعفائها وعدم أخذ شيء منها.

ومن السنة عدم الأكل قبل الصلاة حتى ترجع بعد صلاة العيد والخطبة، فتذبح الأضحية وتأكل منها.

وتجنب في اختيار الأضحية العوراء والعرجاء والمريضة والهزيلة والعضباء والهتماء، وأفضلها أكرمها وأسمنها وأغلاها ثمنًا، وقم بذبحها بنفسك، وإذا وكّلت أحدًا غيرك فلا بأس بذلك، وارفق بالأضحية عند ذبحها فلا تحدّ السكين أمامها، ومكّنها من الأكل والشرب قبل ذلك، وحدّ شفرتك قبل ذبحها، ولا تذبح واحدة بحضرة الأخرى، ويجب عند ذبحها قطع المريء والحلقوم وأحد العرقين اللذين في العنق أو كلاهما.

والسنة في تقسيمها ثلاثًا، ثلث يؤكل، وآخر يهدى، وآخر يتصدّق به على الفقراء. ووقت الذبح بعد صلاة العيد إلى آخر يوم الثالث عشر من ذي الحجة.

وتوبوا إلى الله ـ عباد الله ـ توبة نصوحًا عسى ربكم أن يغفر لكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار.

قال ابن القيم رحمه الله يصف حال الحجيج في بيت الله الحرام:

فللَّـه كم من عبـرة مهراقـة     وأخرى على آثـارها لا تقـدم

وقد شرقت عيـن المحب بدمعها     فينظر من بين الدموع ويسحـمُ

وراحوا إلى التعريف يرجون رحمته   ومغـفرة مـمن يجـود ويكـرم

فللَّـه ذاك الموقف الأعظم الذي    كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم

ويدنو به الجبـار جـل جلاله       يبـاهـي بهم أملاكـه فهو أكرم

يقول: عبادي قد أتونـي محبةً       وإني بهـم بـرّ أجـود وأكـرم

فأشهدكم أني غفرت ذنوبـهم      وأعطيـهم مـا أمّـلوه وأنعـم

فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي    به يغـفر الله الذنـوب ويـرحم

فكم من عتيـق فيه كمّل عتقه      وآخر يستسعـي وربـك أكرم

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً