أيُّها المسلمون، هذا يوم عرفة، يوم عظيم جليل، مبارك فضيل، وإخوانكم اليوم في عرفة يعجُّون بالتلبية، يهلّلون ويوحِّدون ربهم ويمجّدونه، وغدًا فيوم الحج الأكبر يوم عيد النحر، وأنتم فاستعدّوا لما يلزمكم فيه من منسك الأضحية وصلاة العيد.
أما منسك الأضحية فقد شرحته لكم فيما تقدم.
وأمَّا المنسك الآخر فصلاة العيد وخطبته، وهي شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، أمر رسول الله بالخروج إليها، وأخرج حتَّى النساء والصبيان، بل أخرج لها حتَّى الحيَّض، وأمرهنَّ باعتزال الصلاة، وحثَّهن على شهود الخير ودعوة المسلمين.
ولم يزل يواظب على فعلها وعلى إخراج النساء لها حتَّى مات، فدلَّ هذا كلُّه على وجوب هذه الشعيرة، وأنَّها فرض عين لا فرض كفاية، فروى البخاري عن امرأة سألت النبيَّ فقالت: يا رسول الله، أعَلى إحدانا بأسٌ إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: ((لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخيرَ ودعوة المسلمين))، وروى البخاري ومسلم عن أمِّ عطيَّة قالت: أمرنا رسول الله أن نخرج الحيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتَهم، ويعتزل الحيَّض مصلاهنَّ.
ويرخَّص للمسافر والمريض في عدم شهودها لما صحَّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّه قال: (لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلاَّ في مصر جامع أو مدينة عظيمة) رواه ابن أبي شيبة وغيره بسند صحيح موقوفًا عليه.
ويستحبّ الغسل للعيد كغسل الجمعة والجنابة لما رواه مالك في الموطأ عن نافع أنَّ ابن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلَّى، وقال سعيد بن المسيب: "سنة الفطر في ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال" رواه الفريابي في صلاة العيد بسند حسن. والعلماء على قبول مراسيل ابن المسيب، فكيف وهو معتضَد بالأحاديث المروية في معناه؟!
والغسل محلّه بعد صلاة الفجر، وإن اغتسل قبلها فلا بأس بذلك.
ويستحبُّ أن يلبس أحدكم من أحسن ثيابه ويتجمَّل بأفضل ما يجد لما روى الحارث في مسند بسند حسن عن نافع وقد سئل: كيف كان ابن عمر يصنع يوم العيد؟ فقال: كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام، ثم يرجع إلى بيته، فيغتسل غسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيَّب بأطيب ما عنده، ثمَّ يخرج حتَّى يأتي المصلَّى، فيجلس فيه حتَّى يأتي الإمام، فإذا جاء الإمام صلَّى معه.
وأفضل الثياب البياض لقول النبيِّ فيما صحَّ عنه: ((عليكم بالبياض من الثياب، ليلبسها أحياؤكم، وكفّنوا فيها موتاكم، فإنَّها من خير ثيابكم))، وقال : ((البسوا البياض، فإنَّها أطهر وأطيب)).
والسنَّة في عيد الأضحى أن لاَ يفطر حتَّى يرجع من المصلَّى لما رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي بسند صحيح عن بريدة قال كان رسول الله لا يخرج يوم الفطر حتَّى يطعم، ويوم النحر لا يأكل حتَّى يرجع، فيأكل من نسيكته. أي: من أضحيته.
أخا الإيمان، فإذا اغتسلت وتجمَّلت وتطيَّبتَ وتهيَّأت للخروج إلى المصلَّى فخذ في التكبير في الطريق، واجهر به حتَّى تصل إلى المصلَّى أو المسجد، فإذا خرج الإمام فاقطع التكبير لثبوت ذلك عن النبيِّ ، وثبت أيضًا من فعل عبد الله بن عمر.
ويبدأ التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق لثبوته عن جمع من الصحابة، وهو قول جمهور العلماء، أي: من فجر يوم تاسع ذي الحجة إلى عصر يوم ثالث عشر من ذي الحجة.
ولم يثبت في صفة التكبير حديث مرفوع، وإنَّما ثبت عن عبد الله بن عباس يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا. رواه البيهقي بسند صحيح.
وليس من السنَّة أن يصلِّي أحدكم قبل صلاة العيد ولا بعدها شيئًا، فقد روى البخاري أنَّ النبيّ صلَّى الفطر ركعتين، لم يصلِّ قبلها ولا بعدها.
والسنَّة أن تكون صلاة العيد في المصلَّى، كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرها، إلاَّ أن يمنع من ذلك مانع أو عذر كالمطر ونحوه، فيجوز أداؤها في المسجد.
|