أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه، إذ بها تشرف النفس، ويثقل الميزان، ويعلو القدر، ويعظم الجاه، ويحصل القرب من الباري جلّ شأنه، فما خاب من اكتنفها، ولا أفلح من جفاها، ولا جَرَم ـ عباد الله ـ فإن العاقبة للتقوى، فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100].
أيها المسلمون، إنكم في شهر لا يشبهُه شهر، عظيم الأمر، جليل القدر، هو من أشرف أوقات الدهر، فضائله لا تحصى، ومحامده لا تُستقصى، موسمٌ وافرُ الأرباح لمن اتَّجر، مهلكٌ لأرواح من طغى فيه وفجر.
شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ من ألف شهر فُضّلت تفضيلا
طوبى لعبدٍ صـح فيه صيامه ودعا المهيمن بكـرة وأصيلا
وبليله قـد قام يختـم ورده متبتـلاً لإلهـــه تبتيـلا
أيها المسلمون، لقد مضى من رمضان صدره، وانقضى منه شطره، واكتمل منه بدره، فاغتنموا فرصة تمرُّ مرَّ السحاب، ولِجوا قبل أن يُغلق الباب، وبادروا أوقاته مهما أمكنكم، واشكروا الله على أن أخّركم إليه ومكّنكم، واجتهدوا في الطاعة قبل انقضائه، وأسرعوا بالمثاب قبل انتهائه، فساعاته تذهب، وأوقاته تُنهب، وزمانه يُطلب، ويوشك الضيف أن يرتحل، وشهر الصوم أن ينتقل، فأحسنوا فيما بقي، يغفر لكم ما مضى، فإن أسأتم فيما بقي أُخذتم بما مضى وبما بقي.
أيها المسلمون، تنصَّف الشهر وانهدم، وفاز مَن بحبل الله اعتصم، وخاف من زلّة القدم، واغتنم شهر رمضان خير مغتنم، وشقي الغافل العاصي بين الذل والسقم والأمن والندم، ويا ويله يوم تحل على أهل المخالفة الآفات، يوم تنقطع أفئدة أهل التفريط بالزفرات، يوم يُحشر أهل المعاصي والدموع على الوجنات، يقول الرب العلي في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) أخرجه مسلم.
عباد الله، اشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا، فلقد أرسل الله إليكم رسولاً يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، فبقي دينه متلوًا في كتاب الله، غير مُبَدل ولا مُغيّر، ومأثورا فيما صح من سنة رسول الله ، وأفاض عليكم المال لتستعينوا به على طاعته، وتتمتعوا به في حدود ما أباحه لكم، فهو قيام دينكم ودنياكم، فاعرفوا حقه، وابذلوه في مستحقه، وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل:20].
أيها المسلمون، اعلموا أنّ رمضان هو الشهر الذي يتنافس فيه المتنافسون, ويتسابق الخيرون للتقرب إلى ربهم جل جلاله بأنواع الطاعات والقربات، ما بين صيامٍ وقرآن وقيامٍ ودعاء وتضرعٍ ونفقةٍ وصدقةٍ وتفطيرٍ للصائمين، وغير ذلك من أنواع البر وأصنافه، وإن من أعظم أنواع البر في هذا الشهر المبارك التقرب إلى الله عز وجل بإخراج المال طيبةً به نفوسنا، كريمةً به أيدينا، نرجو ثوابه عند الله عز وجل, وقد علمنا يقينًا أن هذه النفقة سببٌ لدخول الجنة، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:15-19], وهذه النفقة كذلك سببٌ في دخولك ـ يا عبد الله ـ في زمرة المتقين، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:2، 3], كما أنّ هذه النفقة سببٌ لمضاعفة الحسنات، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245].
هذه النفقة ـ أيها المسلمون ـ هي سبيل الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، الذين كانوا يجودون بما آتاهم الله من فضله، يبتغون ما عند الله من ثوابٍ وأجر، قال أنس بن مالكٍ رضيَ الله عنه: ما سُئل رسول الله على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، وقد جاءه رجلٌ فسأله فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع الرجل إلى قومه يقول لهم: أسلموا؛ جئتكم من عند خير الناس، إنَّ محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدًا. كان لا يُسأل عن شيءٍ قطّ فيقول: لا, ربما خلع قميصه الذي يلبسه فوهبه لمن سأله إياه, ولربما وهب قميصه لمن طلبه ليكفِّن فيه أباه، ما كان يُسأل شيئًا قط فيقول: لا.
وقد اقتدى به أصحابه رضوان الله عليهم, يقول عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه: دعانا رسول الله إلى الصدقة، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا قطّ، فجئت بنصف مالي إلى رسول الله ، فقال ليَ: ((وما تركت لأهلك يا عمر؟)) قلت: تركت لهم مثله، فجاء أبو بكرٍ رضيَ الله عنه بماله كله، فقال له : ((وما تركت لأهلك؟)) قال: تركت لهم اللهَ ورسوله.
أبو طلحة الأنصاري رضيَ الله عنه كان عنده بيرحاء: بستانٌ من أطيب بساتين المدينة وأكثرها ثمرًا، لما نزل قول الله عز وجل: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] جاء رضيَ الله عنه فقال: يا رسول الله، قد أنزل الله ما قد علمتَ، وليس لي مالٌ أطيبَ من هذا البستان, هو لك يا رسول الله، ضعه حيث شئت مما أراك الله أدخره عند الله، فقال : ((بخٍ بخٍ، ذاك مالٌ رابح، اجعله في أهلك وقرابتك))، فجعله أبو طلحة رضيَ الله عنه في أرحامه وبني عمومته، قسم عليهم ذلك البستان، يرجو ما عند الله من فضلٍ وإحسان.
أيها المسلمون، الصدقة تطفئُ غضب الربِّ كما يطفئُ الماءُ النار، والصدقةُ أجرها مُضاعف وثوابها عظيم، مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، في الصدقة تزكيةٌ للمال، وتطهيرٌ للبدن، ووقايةٌ لمصارع السوء، في الصدقة دفعٌ للبلايا والمصائب والأمراض، كما قال رسول الله : ((داووا مرضاكم بالصدقة, حصنوا أموالكم بالزكاة))، كما أن الصدقة ـ أيها المسلمون عباد الله ـ تنفع العبد يوم القيامة، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم, الصدقة ترفع العبد عند الله درجاتٍ، وتخفف عليه الحساب، وتثقل الميزان، وتكون سبب جوازه على الصراط، كما أنّ الصدقة سببٌ لظل العبد في ذلك اليوم العبوس القمطرير في ظل عرش الله عز وجل يوم لا ظلَّ إلا ظله، ذاك الذي تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271].
أيها المسلمون، الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]، قد يقول قائل: أنا لا أملك إلا ما أقتات أنا وأهلي وعيالي، قال رسول الله : ((سبق درهم مائة ألف درهم))، قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: ((رجلٌ عنده درهمان فتصدق بأحدهما، فقد تصدق بنصف ماله، ورجلٌ عنده مالٌ كثير فأخذ من عرضه مائة ألفٍ فأنفقها في سبيل الله)).
رُبَّ عملٍ قليلٍ تُكثِّره النية، قد تتصدق بتمرة فيقيك الله بها حر النار، ((ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشقِّ تمرة)), تمرة تتقرب بها إلى الله عز وجل، ترجو ثوابه وتخاف عقابه، تنفقها في سبيل الله، تطعم بها جائعًا، تهديها إلى مسكين، تدخل بها السرور على مسلمٍ، هيَ عند الله عزّ وجلّ بميزانٍ عظيم.
يا أيها الغني، اعلم بأن الصدقة سبب لبركة المال ونمائه, سبب لحصول النعمة وتجددها من الله عز وجل، فما استُجلبتْ نعم الله عز وجل ولا استُدفِعت نقمه بمثل الإحسان إلى عباده.
واعلم ـ أيها الغني ـ أنَّ الصدقة لا تنقص المال، قال رسول الله : ((ثلاثةٌ أقسم عليهنّ, وأحدثكم بحديثٍ فاحفظوه: ما نقصَ مالٌ من صدقة, وما ظُلِم عبدٌ مظلمةً فعفا إلا زاده الله بها عزًا, وما فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)). أنفق ـ أيها الغني ـ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، واعلم بأنّ الله عز وجل خزائنه ملأى، لا يغيضها عطاء، ويده سحّاء الليل والنهار، وهو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين.
ويا أيها الفقير، يا من قدِر عليك رزقك، اعلم أنّ رسول الله قال: ((من أنفق عدل تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ فإن الله يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فَلْوه ـ أي: كما يربي أحدكم حملاً أو فرسًا أو دابةً في بيته ـ حتى تكون مثل الجبال))، هذه التمرة التي تصدقت بها ترجو بها وجه الله عز وجل، حالك كحال الصالحين الذين قالوا: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان:1-9]، هذه التمرة تجدها يوم القيامة حسناتٍ كأمثال الجبال.
فالبدار البدار أيها المسلمون, أدخلوا السرور على أرحامكم وعلى إخوانكم، وأنفقوا من أموالكم، واعلموا أن الله عز وجل يخلف عليكم بخيرٍ مما أنفقتم، وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].
أيها المسلمون، اعلموا أنّ إمساك المال والشح به لا يزيده، بل يمحقه ويُذهب بركته، وينزل غضب الربّ على صاحبه، فإنّ الله عز وجل نعى على أقوامٍ فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77], وقد ذمَّ الله عز وجل في القرآن من يبخلون بهذا المال، وأثنى على من يوقَ شحَّ نفسه، ووصفه بالفلاح، وبين ربّنا جل جلاله أنّ هذا المال عذابٌ على صاحبه إن لم ينفقه في سبيل الله، ويتقرب به إلى ربه ومولاه: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35].
يا مسلم، يا عبدَ الله، قد تُطعم أخاك على جوعٍ فيجزيك الله من جنس عملك، يطعمك يوم القيامة من ثمار الجنة، قد تكسو مسلمًا على عُريٍ فيكسوك الله عز وجل من حُلل الجنة، تقدم مالك تبتغي به وجه الله عز وجل يقيك الله به حرَّ النار يوم القيامة، أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقر وتأمل الغِنى، ولا تنتظر حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: هكذا وهكذا ولفلانٍ كذا ولفلانٍ كذا. إن بعض الناس لا تجود نفسه بمال ولا يقبل أن ينفق، بل ربما يعدّ المنفقين والمتصدقين ممن خفت عقولهم وذهبت أحلامهم، حتى إذا أصاب ذلك المسكين داءٌ عضال ومرضٌ فتّاك وعاين الموت بدأ ينفق ماله يمنةً ويسرة، بعدما ذهبت نضرة الشباب وبهجة الدنيا، شتان شتان بين هذا وذاك، شتان شتان بين من أنفق حال شبابه وقوته، حال حضور ذهنه واكتمال رغبته في هذه الدنيا, وبين هذا الذي تصدق بعدما عاين الموت، بعدما أيقن أنّ الدنيا قد ولت مدبرة وأن الآخرة قد جاءت مقبلة بدأ يتصدق، شتان شتان بينهما.
أيها المسلمون، خير من توجهون إليه صدقاتكم أرحامكم، قراباتكم، فإنَّ رسول الله قال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقةٌ وصلة))، ثم ثانيًا: من كان عفيفًا متعففًا ذا عيال لا يسأل الناس ولا يتَفَطّن له فيُتصدق عليه، اقرؤوا إن شئتم: يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273].
واعلموا ـ أيها الإخوة في الله ـ أنّ الصدقة أمانٌ للفرد والمجتمع، أن الصدقة يحصل بها الرضا والسرور، أن في الصدقة تفريجًا للكروب وتنفيسًا للهموم وإعانةً للمحتاجين، إدخالاً للسرور على المسلمين، فأدخلوا السرور على إخوانكم يدخل الله السرور عليكم.
واعلموا ـ أيها الإخوة في الله ـ أن هموم المسلمين ليست محصورةً في بلدنا هذا، فهناك إخواننا في فلسطين حاجاتهم متجددة، تحت حصارٍ ظالمٍ من قوةٍ باغية من اليهود الذين غضب الله عليهم ولعنهم، الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا, يحاصرون إخواننا، يحرقون زروعهم، يمنعون تجارتهم، يحولون بينهم وبين ما يشتهون من الضربِ في هذه الأرض والتماس بركة الله عز وجل, فلنتصدق على إخواننا المسلمين في كل مكان، ولنتقرب إلى الله عزّ وجل بمحاولة تفريج همومهم، ولنجاهد بأموالنا إذ قد عجزنا عن الجهاد بأنفسنا: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ [التوبة:111], قدموا أموالكم لإخوانكم، وتبرعوا لأهل دينكم وملتكم.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى, وأن يجعلنا ممن يخرجون أموالهم طيبة بها نفوسهم, وممن يبتغون بذلك وجه ربهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|