أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون: وأطيعوا الله ورسوله إن كنت مؤمنين، ولا نزال أيها الإخوة في موضوع أخلاق المرأة المسلمة ولقد توقفنا عند قوله تعالى: وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله. إلى آخر الآيات فأقول وبالله التوفيق.
فبعد أن أمر الله نساء النبي بالتقوى وعدم الخضوع بالقول والقول بالمعروف والمكث في البيت وعدم الخروج إلا لحاجة وإذا خرجن فلا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى بعد هذا التصحيح في السلوك الاجتماعي والأخلاقي في الحياة وبعد تهذيب النفس بهذه الآداب والفضائل كان لابد من صلة بالله يرتفع بها الفرد على عرف الناس وتقاليد المجتمع وضغط البيئة، ويشعر أنه أهدى وأعلى من الناس والمجتمع والبيئة، وأنه حري به أن يقود الآخرين إلى النور الذي يراه لا أن يقوده الآخرون إلى الظلمات وإلى أخلاق الجاهلية التي تغرق فيها الحياة كلما انحرفت عن طريق الله.
ولهذا كان الإسلام وحدة تجتمع فيه الشعائر والآداب والأخلاق والتشريعات والنظم كلها في نطاق العقيدة، ومن ثم كان الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله هو خاتمة التوجيهات الأخلاقية والسلوكية لأهل البيت ولأنه لا يقوم شيء من تلك التوجيهات بغير العبادة والطاعة وكل ذلك لحكمة وقصد وهدف، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وهذا التطهير عن الرجس وعن الرذيلة لا يتم إلا بالتزام النساء المؤمنات لهذه الصفات التي أمر الله بها أمهات المؤمنين، والتطهير وإذهاب الرجس يتم بوسائل يأخذها الناس أنفسهم ويحققونها في واقع الحياة العملي، وهذا هو طريق الإسلام، شعور وتقوى في الضمير وسلوك وعمل في الحياة يتم بهما معا تمام الإسلام وتتحقق بهما أهدافه واتجاهاته في الحياة.
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره هذه الآية عند قوله: وأقمن الصلاة. . . : إن الله نهاهن أولا عن الشر ثم أمرهن بالخير من إقامة الصلاة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة وهي الإحسان إلى المخلوقين وبالنسبة لقضية الصلاة لنا فيها عدة مسائل:
الأمر الأول: أنه لا يجوز للمرأة أن تظهر شيئا من بدنها سوى الوجه والكفين حتى الشعر النازل على أذنيها يجب أن تغطيه أيضا ظهور قدميها وبهذا تكون قد سترت عورتها المطلوبة منها في الصلاة وذلك لأن ستر العورة شرط لصحة الصلاة فإن بدا شيء من بدنها بغير قصد في أثناء الصلاة يجب عليها تغطيته وإن طال كشف شيء من عورتها بطلت صلاتها وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار))، وفي لفظ: ((لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها، ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر)) وهذان الحديثان يدلان على وجوب تغطية المرأة لرأسها وجميع بدنها في صلاتها ما عدا الوجه والكفان فإذا بلغت وصارت مكلفة فصلّت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها، قال الترمذي: (العمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها) أي أنه ينبغي لها أن تلبس الثوب السابغ الواسع تغطي به بدنها وقدميها ما عدا الوجه والكفان.
الأمر الثاني: إن نابها شيء في الصلاة فإنها لا تسبح بل تصفق.
الأمر الثالث: صلاتها مثل صلاة الرجل لما ورد عن النبي : ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
الأمر الرابع: أنه لا يصح منها أذان ولا إقامة، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (ليس على النساء أذان ولا إقامة) فلا يجوز للمرأة أن تؤذن ولا يصح أذانها كذلك لا تصح إقامتها إن وجد ذكر بالغ، وإن لم يوجد بأن كانت بين نساء فإقامتها مستحبة.
الأمر الخامس: إمامة المرأة، فلا تصح إمامة المرأة للرجل مطلقا، ولكن تصح إمامة المرأة للنساء وتقف معهن في الصف وكانت أم سلمة تفعله، فلو كانت هناك دار واسعة وبها نساء كثيرات وأراد النسوة أن يصلين صلاة جماعة فيجوز ذلك بشرط ألا تتقدمهن من تصلي بهن بل تقف معهن في الصف ويجوز لها أن تجهر في الصلاة الجهرية إذا كانت بين النساء بحيث لا يسمعها الرجال.
الأمر السادس: حمل المرأة للصغير وهي تصلي، يجوز لها أن تحمل صغيرها إن بكى إن لم يكف عن البكاء إلا بحمله وصلاتها صحيحة وقد ورد ذلك عن النبي : ((أنه صلى وأمامه بنت زينب ابنة النبي على رقبته فإذا ركع وضعها وإذا قام من سجوده أخذها فأعادها إلى رقبته حتى انتهى من صلاته)).
الأمر السابع: يجوز للمرأة أن تذهب إلى المسجد لتصلي فيه إذا أذن لها زوجها ولكن بيتها خير لها كما ورد بذلك الحديث، فإن ذهبت إلى المسجد تخرج غير متبرجة بزينة ولا متعطرة ولا سافرة والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم: لئلا تتسبب في إثارة الشهوة عند الرجال بطيبها ورائحتها، فإن أبت إلا أن تخرج متعطرة ومتزينة فإنها عاصية لله ورسوله، فإن دخلت المسجد فأين يكون موقفها من الرجال، فهي لا تقف أمام الرجال ولا قريبا منهم بل تصلي في مؤخرة المسجد وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي أنه قال: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها))، وإنما كان خيرها آخرها بالنسبة للنساء لما في الوقوف فيه من البعد عن مخالطة الرجال، وكلامنا هذا لا ينطبق على المكان المخصص بالنساء كما في بعض المساجد اليوم التي توجد بها مقصورات خاصة بالنساء وإنما نقصد المساجد التي لا توجد بها المقصورات الخاصة.
فإذا انتهت الصلاة يستحب للمرأة أن تتصرف من المسجد قبل خروج الرجال.
الأمر الثامن: يجوز للمرأة إذا كانت بالمسجد أن تصلي على الجنازة إن كانت هناك جنازة وقد أمرت عائشة أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه عندما مات.
الأمر التاسع: يجب على المرأة أن تخرج لصلاة العيد سواء كانت بكرا أم ثيباً شابة أم عجوزا صغيرة أو كبيرة حتى الحائض ما لم تكن معتدة أو كان في خروجها فتنة لحديث أم عطية: ((أمرنا رسول الله أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها)) رواه البخاري. العواتق: جمع عاتق وهي التي بلغت الحلم وقاربت التزويج.
الأمر العاشر: المرأة المستحاضة وهي التي يخرج منها دم غير دم الحيض فإنها تتوضأ لكل صلاة وتصلي وإن قطر الدم أثناء صلاتها وصلاتها صحيحة، وتستثفر أي تضع قطنة على فرجها حتى لا تتسخ ولا يتضرر المكان.
المسألة الحادية عشرة: وهي إذا ما حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة فإنها تقضي هذه الصلاة بعد طهرها وكذا لو طهرت قبل خروج الوقت ولو بلحظة فإنه يجب عليها قضاء الصلاة التي طهرت في وقتها وهذا مما يجب التنبه له.
المسألة الثانية عشرة: أن المرأة لا يجب عليها حضور صلاة الجمعة في المسجد بل تصلي في بيتها ظهرا أربع ركعات قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا جمعة على النساء، ولكن لو حضرت إلى المسجد وصلت الجمعة صحت صلاتها وأجزأتها عن صلاة الظهر.
ولعلنا بهذا قد أتينا على معظم مسائل الصلاة بالنسبة للمرأة هذا من الناحية الفقهية، وأما الحكم بوجوب محافظتها على الصلاة فهي كالرجل غير أنها لا تصلي في حال الحيض ولا تجب عليها صلاة الجماعة في المسجد بل بيتها خير لها.
فإن أصرت المرأة على ترك الصلاة فإنها تكفر لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم وفي رواية: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، ويترتب على هذا إن ماتت مصرة على ترك الصلاة أن لا يصلى عليها ولا تدفن في مقابر المسلمين، ويجب على زوجها إن كانت متزوجة أن يفارقها إلا أن تتوب وتصلي، وأيضا لا يحق لها حضانة أولادها إن كانت لا تصلي فانتبهوا لهذا الأمر جيدا وأمروا نساءكم بالمحافظة على الصلاة في وقتها وعدم التفريط فيها فإنكم رعاة لهن وكل راع مسؤول عن رعيته.
المسألة الثالثة عشرة: يجوز للمرأة أن تصلي في ثوب حاضت فيه وإن أصابه شيء من دم حيضها إذا حاولت إزالته وبقي شيء يسير منه فقد روى الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها) أي دلكته به، وهذا يدل على العفو عن يسير الدم لأن الدم لا يطهر بالريق.
ويجوز للمرضع أن تصلي بثوبها وإن تقيأ عليه الرضيع قال الإمام ابن القيم: (إن المراضع ما زلن من عهد رسول الله وإلى الآن يصلين في ثيابهن والرضع يتقيؤون ويسيل لعابهم على ثياب المرضعة وبدنها، فلا يغسلن شيئا من ذلك).
المسألة الرابعة عشرة: تكره الصلاة للمرأة وللرجل أيضا في غرفة بها صورة لأي كائن حي ذي روح أما إذا كانت الصورة لغير ذي روح كما لو كانت لأشجار أو أنهار أو مدن فلا أثر لها في صحة الصلاة.
واعلموا أن المرأة المسلمة لا تستطيع أن تتخلق بالأخلاق التي ذكرناها حتى تصلي لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فالمرأة المصلية هي التي تتقي ربها وتخشاه وتحصن فرجها وتطيع زوجها وتحسن تربية أبنائها وما ذاك إلا لأن الصلاة هي قوام الدين وعماده وركنه الأساسي بعد الشهادتين ولهذا كان الأمر بالصلاة بعد تلك التوجيهات والنصائح لترتبط المرأة بربها وتتصل به في كل يوم وليلة خمس مرات لتزكي نفسها وتطهرها من كل إثم و رجس، فيطمئن قلبها ويستقر حالها، وتخرج من صلاتها وقد ملأ الإيمان قلبها فلا تفكر بحال فيما يغضب الله أو يسخطه وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى .
|