عباد الله، اتقوا في السر والعلن، واحذروا المعاصي فإنها سبب العقوبات العاجلة والآجلة، فما حل في العالم بلاء إلا وهي سببها.
أيها الإخوة المؤمنون، منذ حوالي ربع قرن تقريبًا ظهر عدو رهيب للبشرية، وانتشر بخفية وغموض في بعض مجتمعاتها، وما هي إلا مدة يسيرة حتى استيقظت تلك المجتمعات على صرخات الذُعر وصيحات الهلع، وعويل الخوف والجنون؛ بسبب عدو صغير في حجمه، ومع ذلك لم تستطع أكبر دول العالم قوة وأعلاها تقدما، لم تستطع مواجهته، رغم ما أوتيته من وسائل الهجوم والدفاع، وما أنتجت من أدق وأكبر أنواع الأسلحة الفتاكة المختلفة، وبلغت من المستوى الرفيع في شتى علوم الدنيا، رغم ذلك لم تستطع صد هذا العدو، وبقيت أمامه عاجزة حائرة، لا تملك أمامه دفعا أو تأخيرا.
تدرون من هو هذا العدو يا عباد الله؟ إنه طاعون القرن الخامس عشر وسرطان القرن العشرين، إنه عقوبة الله لأمة كفرت بشريعته وكذبت رسله واستباحت محارمه، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124].
تدرون ما هذا العدو؟ إنه مرض الإيدز، وما أدراك ما الإيدز، إنه فيروس لا يرى بالعين المجردة، ولا تراه واضحا إلا بتكبيره تحت المجهر آلاف المرات.
وحول انتشار هذا المرض قيل: إن هذا الفيروس المتناهي في الصغر قد أصاب أكثر من سبعة وثلاثين مليون شخص فيما يقرب من اثنتين وخمسين ومائة دولة، حاملون لهذا الفيروس، ولا يظهر عليهم، وهم الأشد خطورة على المجتمعات التي يعيشون فيها، والمفزِع لهذا العالم الموبوء أن أرقام منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن المجموع التراكمي لحالات الإيدز قد يتضاعف أكثر من عشرين مرة منذ بدأ التبليغ عن حالات الإيدز عام ألف وأربعمائة واثنين من الهجرة، يعني قبل ثلاثة وعشرين عاما.
وهذا الفيروس الذي يقوم العالم أجمع بمكافحته، وقد خصص العالم يوم في كل عام تحت مسمى: "اليوم العالمي لمواجهة مرض الإيدز" والمصادف للعشرين من هذا الشهر، والعالم يقوم في هذا اليوم بحملات إعلامية مكثفة تكلف الملايين من الدولارات للتحذير منه، فينبغي لكل إنسان أن يعرف عن هذا المرض الخطير، وعن أسبابه ومسبباته، كفانا الله وإياكم شره.
ففي خطبتنا اليوم نتحدث عن هذا الوباء الخطير لنتذكر ولنحمد الله على ما من به علينا من نعمة الصحة والعافية، وكما يجب علينا تعاطي أسباب النجاة وتجنب أسباب الهلاك والعقوبات.
نقول: يا عباد الله، إنه عقوبة إلهية لأمم تعدت ما أحل الله لها إلى ما حرم عليها، فهو من عقوبات فاحشة الزنا والشذوذ الجنسي كاللواط ونحوه، تلكم الفواحش التي حرم الله ما ظهر منها وما بطن، قال جل شأنه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]، ويقول سبحانه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68]، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله قال: ((إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذابا)) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".
أما اللواط فهو الذي قال فيه : ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن أخوف ما أخاف على أمتي من عمل قوم لوط)) رواه الترمذي وقال: "حسن غريب"، ورواه الحاكم وصححه، وقال : ((لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط)) ثلاث مرات، رواه النسائي.
نعم يا عباد الله، لقد حرم الله تلك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، رحمة بالعباد وهو أعلم بما ينفعهم وما يضرهم، وحسبك عِلمًا أن تؤمن أن الله ما حرم شيئًا إلا لفساده أو ضرره، وما أحل شيئا إلا لنفعه وصلاحه للعباد أجمعين.
ولكن مجتمعات عديدة في هذه البشرية أعرضت عن ذلك كله، وخالفت شرع الله، لا تبالي بخطورة ما حرمه، بل وأغرقت بالأمور المحرمة على ألسنة الرسل جميعا، وبارزت الله جل شأنه بالمعاصي، وجعلتها تجارة تتاجر وترابح بها، فأشاعتها وأعلنتها، فوقع وعيد الله جل وعلا على لسان رسوله : ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) أخرجه البيهقي في سننه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. الإيدز من الأمراض الفتاكة التي لم تعرف إلا في وقت متأخر ولم تعرف في سالف الزمان والأمة.
عباد الله، لقد تحدثت كثير من الصحف الغربية والأجنبية الكافرة عن هذا الفيروس وأقرت أنه عقوبة، ووصفته بقولها: إن ذلك عقوبة إلهية للمجتمعات التي لم تحترم شرائع السماء، ويقول أحد كبار علماء الميكروبولجين: بأن هذا المرض سوف يقضي على مجتمعات ودول كاملة. نسأل الله السلامة والعافية.
وما زلنا نطالع يوما بعد آخر إحصائيات متعددة عن مدى انتشار هذا الفيروس الخطير، وعدد ضحاياه ومن يحملونه، كان آخر إحصائية من منظمة الصحة العالمية بعدد المصابين بهذا الوباء في العالم الآن أنه قد بلغ سبعة وثلاثين مليون نسمة، وأن نصفهم من النساء، وأوضحت المنظمة بأن هناك حوالي 4.9 مليون إصابة جديدة بمرض الإيدز حدثت في العام الحالي.
في إحدى الصحف صرح مسؤول بوزارة الصحة بأن عدد المصابين بالإيدز بالمملكة حتى هذا العام 1425هـ بلغ سبعة آلاف وثمانمائة وثمانية مصاب، منهم ستة آلاف وستون غير سعودي تم ترحيلهم بعد إجراء فحوصات طبية إجبارية، ومنهم ألف وسبعمائة وثلاثة وأربعون شخصا سعوديا، وعدد الوفيات في المملكة من هذا الوباء الخطير خمسمائة وثمانية وثمانون حالة وفاة بسبب الإيدز.
أما تكاليف العلاج فخمسة عشر مليون ريال لعلاج المصابين في العام الماضي، إن مريض الإيدز يكلف الدولة ما بين ألف واثني عشر ألف ريال شهريا، رغم حقارة وصغر هذا الفيروس، إلا أن المبالغ الطائلة رصدت لتنفق لصد زحف هذا المرض الخطير، والتي عجزت وفشلت حتى الآن عن إيجاد علاج مضاد له.
عباد الله، تشير الإحصاءات من بلاء هذا الداء أن نسبة ثلاث وسبعين بالمائة من جميع حالات الإيدز المعروفة هي من الشاذين جنسيا، وأن خمسة عشر إلى سبعة عشر بالمائة من الحالات هي لمدمني المخدرات، وعشرة بالمائة ناتجة عن عمليات نقل الدم الملوث وأسباب أخرى لا زالت مجهولة، وخلاصة القول والمرعب في هذا المرض أنه مهلك لمن هم في زهرة الشباب واكتمال القوة.
وهذا الوباء الخطر ـ يا عباد الله ـ له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون الإنسان ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ مصابا به ولا يدري أنه مصاب، ولا تظهر أعراض المرض عليه، وهذا النوع من أشد الناس خطرا على من حولهم، منهم الذين ينقلون العدوى ولا يدرون ولا يدري بهم من يخالطهم.
الحالة الثانية: أن يكون المصاب عالما به لوضوح المرض عليه، وهذا لا أمل له في الحياة إلا أن يشاء الله؛ إذ يبدأ جسمه بفقدان المناعة، وانهيار جهاز المناعة في بدنه ـ يعني أن يكون متقبلا لكل ما يهاجم هذا البدن ـ فتموت الخلايا، ويتهرأ أجزاء بدنه قطعة قطعة حتى يموت، إلا أن يشاء الله غير ذلك، فأمره سبحانه بين الكاف والنون.
ولكن يا عباد الله، إذا تأملتم قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].
هذا فيروس حقير صغير لا يرى بالعين المجردة عجزت عنه تلك الدول التي أهلكت وضرت وأفسدت في دول العالم أجمع؛ بسبب سلطتها وويلاتها وفسادها ودمارها على العالم، إنها عقوبة الله جل وعلا: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31].
عباد الله، انظروا واعتبروا، فإن بقاء كل مجتمع سليمًا حيًا صحيحًا بعيدًا عن هذه الأوبئة والأمراض، إن ذلك مرهون بالتحفظ، فاحفظ الله يحفظك، والله سبحانه ابتلى أقوامًا لما عصوه وكفروا به، وكل ذلك مذكور في كتابه العزيز، وإنها قدرة الله جل وعلا، إنها دليل وحدانيته، إنها دليل غضبه، إنها دليل غيرة الله، والله يغار على محارمه، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
أيها الإخوة، يُثار هذا الكلام وتُقلَّب صفحاته والملايين من البشر يتقلبون في أمراض فتاكة ناتجة عن الرذيلة، يتجرعون غُصصها وأوجاعها، ولا زال الأطباء والعلماء بل والعالم بأسره يتشوّفون لعلاج ناجع يخلّصهم من وبيل سياطها، لكنهم لما يفلحوا في إيقافها، فضلاً عن اقتلاع جذورها، والإسلام خير لهم لو كانوا يعلمون.
لقد جاء الإسلام بما يحفظ العقول والأبدان من الأوبئة والأمراض، وذلك بتشريعاته السامية التي أحاطت جانب العِرض بسياج من العفة منيع، وهذّبت الغرائز، فأباحت الحلال الطيب، وحرمت وعاقبت على المنتن الخبيث.
وهذا الأمر لم يعد سرًا نتغاضى عن ذكره وعلاجه، بل هو ظاهرة مثيرة للجدل اليوم، فقبل كل إجازة سواء الصيف أو العيدين تجد العروض والدعايات السياحية، وتجد الإقبال من بعض الشباب المفتون لقضاء سبع ليال وثمانية أيامٍ حسومًا، يذهبون في الإجازة الصيفية والعشر الأواخر من رمضان وفي عشر ذي الحجة، إجازات دينية عبادية يقضيها المؤمنون مستقبلين لبيت الله الحرام، وهؤلاء قد استدبروا البلد الحرام، وقضوا كثيرًا من أوقاتهم في الحرام، وهؤلاء كثير لا كثرهم الله، ثم يأتون بعد نهاية الإجازة يملؤون المستشفيات الخاصة طلبًا للتحليل عن الإيدز، وتجدهم يخرجون بالنتيجة مغلفة مراعاة للخصوصية، ويهجم بعضهم على زوجته التي حفظته وخانها، والتي أكرمته فأهانها، والتي تسهر عليه إذا مرض، ثم ينقل لها الأمراض التي حملها معه من العمل الحرام.
ونقول لمن يعمل هذا العمل: لو ظفر بك الشرع فإن حدك الرجم حتى الموت، وأنت مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، ثم أنت زيادة على جرمك الشرعي، أنت لست على مستوى الأخلاق، لئيم على مستوى الوفاء، مستهتر على مستوى المسؤولية، فما ذنب زوجتك وأولادك حتى تدخلهم معك في المصيبة؟! ولكن هذا جزاء من يسكت على هذه الأعمال.
إخوة الإسلام، نحن لا نقول: إن كل من يسافر إلى بعض الدول هو ممن يقع في الرذيلة، ولكنَّ المسافرين للرذيلة عليهم أمارات في صحبتهم، وفي وقت ذهابهم، وفي صورتهم، وغير ذلك، فإذا عرفَت الزوجة وأهلها من الزوج هذا الصنيع فعليهم أن يدفعوه بالراحتين، أو يركلوه بالقدمين، والزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، وإذا سكتت المرأة على هذه الأعمال المشينة فإن العاقبة عليها وعلى ذريتها مشينة.
تعسّرُ الزواج عليه أو التعدد أو تأخره لا يبرر له جريمة الزنا؛ لأنه باعتباره عضوًا في المجتمع عليه أن يسلك المسلك الحميد الذي لا يجلب الضرر على المجتمع، خاصة أقرب الناس إليه، وأخلصهم له وهم زوجته وذريته.
أما العلاج الإسلامي الشامل لهذا المرض فهو ما سنطرقه في الخطبة الثانية.
اللهم احفظنا واحفظ أمتنا، وأنزل بلاءك وعقابك على أعدائنا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [العنكبوت:33-35].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
|