أما بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنّ أعظمَ نعمةٍ منَّ الله بها على عبادِه هدايتُهم للإسلام، فأعظم نعمةٍ منَّ الله بها على عباده المؤمنين هدايتُهم للإسلام، فتلك أعظمُ النِّعم والمِنن، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]، يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات: 17].
أيّها المسلم، فاعرِف قدرَ هذه النعمة، وقدِّرها حقَّ قدرِها، واشكر اللهَ عليها قائما وقاعِدًا ومضطَجعًا، وفي كل لحظاتِ حياتك، اشكر الله على هذه النعمة؛ أن شرح صدرَك للإسلام، ومنَّ عليك بقَبوله والعمل به، وأنقَذَك ممّا ضلَّ [به] الأكثرون.
أيّها المسلم، كلما تذكّرتَ هذه النعمةَ فارفع إلى الله الثناءَ والحمدَ والشكرَ على هذه النعمة، أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر:22]. لقد ضلَّ أقوامٌ عن هذا الحقّ، وعَموا وصَدّوا عنه رغم وضوحِ الرّؤية عندَهم، ولكن حال الله بينَهم وبين ذلك لِما له من الحكمةِ العظيمة، والحجّةُ لله على خلقِه، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
إنّ الحياةَ الطيّبةَ لا تكون طيّبةً إلاّ بشرع اللهِ القويم، فهو الذي يصيِّر الحياةَ حياةً طيّبة، حياةَ هناءٍ وسعادَة في الدّنيا والآخرَةِ، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
أمّة الإسلام، بالأمسِ ودَّعنا شهرَ رمضان، شهرَ الصيام والقيام، شهرَ الرّحمة والإحسانِ، شهرَ المغفرة والرضوان، ودَّعنا هذا الشهرَ الكريم، ولكن ليتَ شِعري من المستفيدُ من رمضان؟ إنَّ المستفيدَ من رمضان حقًّا من استقبلَ الأعمالَ الصالحة وأعرضَ عن الفسوقِ والعصيان، إنَّ المستفيدَ من رمضان من أتبعَ الحسنةَ بالحسنة، وذاك ـ بتوفيق من الله ـ مِن علامات قبول العمل، المستفيدُ من رمضانَ من سعى في تزكيةِ نفسه وتهذيب سلوكه، المستفيدُ من رمضان من عمَر قلبَه بمحبّة الله ومحبّة رسوله وعمل بمقتضَى ذلك، المستفيد من رمضان من سلِم المسلمون من شرِّ لسانه ويده وأمِنه الناس على دمائهم وأموالهم.
أخي المسلم، ماذا أثَّر فيك رمضان؟ هل أثَّر فيك زيادةَ الإيمان وقوّة الإخلاص؟ هل أثّر فيك تطابقَ القولِ مع العمل والاعتقاد؟ هل أثَّر فيك خشيةَ الله؟ هل أثّر فيك حبَّ الفرائض والمسارعة لأدائها؟ هل أثَّر فيك جدّك في البر والصلة؟ هل أثّر فيك العفوَ والصفح وتحمُّل الأذى والإعراضَ عن الجاهلين؟ فإن كنتَ كذلك فأبشِر بوعدِ الله، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، وإلاّ فاعلم أنّ اللومَ عليك والتقصير من جِهتِك، وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].
أخي المسلم، هذا يومُ الفطرِ، هذا يوم عيدِنا، هذا يوم فِطرِنا من صيامنا، هذا يومُ فرح المسلمين وسرورِهم. أجل إنّه يومُ عِيدهم، فللمسلمين في هذه الشريعة عيدان: عيد الفطر وعيدُ الأضحى. قدِم النبيّ المدينة ولأهلِها يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومَان؟)) قالوا: يومَانِ لفَرَحنا ولسرورِنا، قال: ((قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: عيدَ الفطر وعيدَ الأضحى)). فأبدَل الله أهلَ الإسلام بيَومَيِ اللهوِ واللعب عيدَيِ الفرح والسرورِ الحقّ في هذا الدين، عيدٌ مرتبط بأركانِ الإسلام، فرمضان ينقضي ويأتي يومُ عيد الفطر، يفرَح المسلمون بموافقتِهم أمرَ الله لهم بالصِّيام ومُوافقة أمره لهم بالإفطَار، فصاموا بأمرِ الله وأفطَروا بأمرِ الله، وللصّائم فرحتان: فرحَةٌ يومَ فطرِه، وفَرحَة يومَ لقاء ربه. فيفرَح بفطره عندما وافقَ شرعَ الله، وتناول المباحاتِ بإذنِ الله له، ويفرح يومَ لِقاء ربه، يومَ يجِد ذلك الثوابَ مدَّخرًا له أحوَجَ ما يكون إليه، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا [آل عمران:30].
أمّةَ الإسلام، هذه الأمّةُ المحمّديّة هي الأمّة المرحومَة، هي الأمّة المعصومة، هي الأمّة المنصورَةُ، هي الأمة التي حُفِظ لها دينها، ((ولا تزالُ طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم من خذَلهم ولا من خالفهم حتى يأتيَ أمر الله)).
اختارَها الله لتكونَ خيرَ أمّةٍ أخرِجَت للناس، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. اختارها الله فجَعَلَها أمَّةً وسطًا عَدلاً خِيارًا، شاهدةً على الأمَم بأنَّ أنبياءَهم قد بلَّغوهم رسالاتِ الله، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]. اختارَ اللهُ لها سيّدَ الأوّلين والآخرين وخاتمَ الأنبياء والمرسلين، أفضلَ خلقِ الله؛ ليكونَ رسولاً لهذه الأمّة، ليبلِّغَهم رسالات الله، وربّك يعلم حيث يجعل رسالتَه. اختارَ لها القرآنَ العظيمَ كلامه جلّ وعلا، هذا الكتابُ العظيم والذّكر الحكيم الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يدَيه ولا مِن خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد. فهو سَبَب هدايةِ الأمّة وسَبَب صلاحِها، وهو ذكرُها ورِفعتها، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44].
أمّة الإسلام، تلك المعاني العظيمةُ استثارَت كوامِنَ أعداءِ الأمّة، فسَعَوا جاهدين في إهلاكِها، حَسَدوها على نعمةِ الله عليها، فكادوا لها المكائدَ، وحاكوا لها المؤامراتِ؛ ليصدّوها عن سبيلِ الله، وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ [البقرة:109]، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، ولكن هذه الأمّةُ متى ما تمسَّكت بدينها واستقامَت على إسلامها فإنّ الله كافِلٌ لها النصرَ والتأييد، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40، 41].
لقد عانى الرعيلُ الأوّل مِن هذه الأمّةِ عندما ظهرَت دعوةُ رسول الله ما عانَوا من الشدائدِ والعظائم، ولكن لما صَدقَت نيّتهم مع الله مكَّن الله لهم في الأرض، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55].
أمّةَ الإسلام، العدوُّ هو العدوّ وإن اختلفَ الزّمَن، والعدوّ هو العدوّ وإن تغيَّرتِ الوجوه واختلَفَ المكان، العدوّ هو العدوّ فاحذَروا مكائدَ أعدائكم لعلَّكم تفلحون.
أمّةَ الإسلام، إنّ مما ابتلِيَت به الأمّةُ في هذه العصورِ ما اصطُلِحَ عليه في العصرِ الحديث بالإرهاب، ولا جرَمَ أنه ضرَرٌ عظيم في الزّمانِ الماضي، ولا غَروَ أنه من أشدِّ ما تعاني منه الأمّة في هذا الزمان. هذا الإرهابُ الذي اصطُلِح عليه، هذا الإرهاب الذي حقيقتُه إلحاقُ الضّرَر بالأمّةِ في مَصالح دينِها ودنياها، هذا الإرهابُ الذي حقيقتُه مدُّ اليدِ لأعداء الإسلام لتدميرِ الأمّةِ والقضاء على كلِّ خيرٍ لها في دينها ودنياها. هذا المبدأ الإرهابيّ الخطير الذي لُفِّقَ بالإسلام جَهلا وعدوانًا، والإسلامُ من هذا المبدَأ بَراء؛ لأنّ الإسلامَ دينُ رحمةٍ وحقّ، ليس دينَ ظلم وعدوان.
أمّةَ الإسلام، خطرُ هذا المبدَأ الخبيثِ تبيَّن ضررُه عندما كان هذا الضرَر يحمِله بعضُ أبناء المسلمين، فأتى الخطرُ من أبناءِ المسلمين، فبعضُ أبناء المسلمين ـ للأسف الشديد ـ اعتنَقوا هذا المذهب الخطير والمبدَأ الإجراميَّ السيّئ، اعتنَقه بعض أبناءِ المسلمين بعضُ شبابِ المسلمين الذين تعلِّقُ أمّتُهم الآمالَ ـ بعد الله ـ عليهم، وتعدُّهم للدّفاعِ عن الدينِ ثم الأمّة والوطن، لكن تلوَّثَت أفكارُهم بهذا المبدأ الخبيث. إنّه أشدُّ أثرًا في النفسّ، لا سيما إذا كان ابنُك عَدوًّا لك أو كان داؤك مِن جسدك، فذاك البلاءُ العظيم. لقد نَصَح الناصحون وتحدَّث المخلِصون الصادِقون، وحذّروا الأمّةَ من هذا الإجرام، وبيَّنوا لهم أخطارَه، ولكن الله حكيم عليم، يضلّ من يشاء ويهدِي من يشاء.
فيا شباب الإسلام، إنَّ دينكم وأمّتَكم ووطنكم أمانةٌ في أعناقِكم، فاحذَروا أن تسترخِصوا هذه الأمانةَ أو تضيِّعوها، احذَروا مكائدَ أعدائكم، فوَالله لن يَقصدُوا لكم خيرًا، ولن يريدُوا بِكم خيرًا، يستهدفون دينَكم، يستهدفون أمنَكم، يستهدفون اقتصادَكم، يستهدِفون اطمئنانَكم وقيادَتَكم وراحةَ بَالكم، يريدون أن يحدثوا بين صفوفِكم فرقةً واختلافًا، يريدون ذرائعَ يتوسَّلون بها للنّيل من الأمة مصالحها. احذروا مكائِدَ أعدائِكم، فلا نصحَ منهم لدَيكم، ولا حبَّ خيرٍ لديكم، ولكنه الحقدُ الدفين في نفوسهم، أظهَروا هذا الإرهابَ بصُوَرٍ شتى وعباراتٍ مختلفة، وغايتها إلحاقُ الضَّرَر بالأمّةِ في حاضرها ومستقبَلِها.
انظرُوا إلى الأحداثِ المتتابعة، انظروا إلى الصّراعات السياسية التي نُقِلت من بلادِ أعداء الإسلام لتكونَ أرض الإسلام ميدانًا لهذا التنافس السيّئ والتّزاحُم على مصالحِ الأمّة وخيراتها وثرواتها. نقلوا هذا الحدثَ مِن أرضهم إلى أرضِ الإسلام لتكونَ مَيدانًا للصّراع السياسيّ والمطامِع المادّية في الإسلام وأهلِه. فاحذروا ـ أمّةَ الإسلام ـ تلك المكائد، وكونوا على بصيرةٍ من واقعِ أمرِكم.
أمّةَ الإسلام، إنّ هذه الأحداثَ الخطيرة من تكفيرٍ وتفجير وتبديعٍ وتضليلٍ وإحداثِ فوضى في الأمّة وراءَها أعداءُ الإسلام، يذكون نارَها، ويحبّون إشعالَ الفتن واستطار شرِّها، يحبون ذلك ويكرَهون للأمة أن تعيشَ في أمنٍ واستقرار وراحةِ بال، لا يرضيهم ذلك بل يحبّون أن تكونَ بلادُ الإسلام دائمًا بلادَ فِتَن واضطراباتٍ وانقسامات، فهم يُذكون كلَّ بلاء، ويشعِلون النزاعَ الطائفي والنزاعَ القَبلي إلى غير ذلك مِن كلّ ما يمكِنهم [من] تفريقِ الأمّةِ وضربِ بعضِها ببعض. فكونوا على حَذَر من أعدائكم، فهم والله الأعداءُ وأن أظهَروا لكم المحبّةَ والنصيحة.
أيها المسلم، أيها الآباءُ والأمهات، واجبُكم تقوى الله في أبنائكم، رَبّوهم التربيةَ الصالحة، راقبوا سلوكَهم وتصرّفاتهم، حذِّروهم من مجالسِ السّوء ومن دعاةِ الباطل والضلال الذين يسعَونَ لتَلويثِ أفكارهم وإدخالِ [أمور في أفكارهم] هي بعيدةٌ كلَّ البُعد عن دينهم وعن مصالحِ دُنياهم.
أيّها المربّون، رجالَ التربية والتعليم، واجبُ الجميعِ الأخذُ على أيدي أبنائنا، وتوجيهُهم التوجيهَ السليم، وتحذيرهم من كلِّ أمر فيه ضررٌ عليهم في دينهم ودنياهم، فهم أمانةٌ في أعناقِكم، فعلِّموهم الخيرَ ووجِّهوهم للخير، وحذِّروهم من مبادئ الشرِّ على اختلافها وتلوُّن عباراتها.
رجالَ الإعلام، إنَّ الإعلامَ سلاحٌ نافع إنِ استُغِلّ في الخير، فلا بدَّ لرجال الإعلامِ مِن صحافةٍ وإعلام أن يكونَ إعلامنا موجَّهًا لخدمة ديننا ولإصلاح أبنائِنا، وأن تكونَ برامجُه وما يُحدَث فيه من أطروحَات هي تخدِم هذا الدينَ، وتحذِّر أمّتَنا من الأخطارِ المحدِقةِ بها ومن القنواتِ الإلحاديّة الإجراميّة الهابطة التي غزَت أمّةَ الإسلام، فدمَّرت الاعتقادَ وأفسَدَت الأخلاقَ والقِيَم.
أيّها الإخوةُ المسلمون، أيّها المسلمون، إنّ الإسلامَ ينظر إلى الحقائقِ لا إلى الشعاراتِ والكلِمات الفارغة، إنّ الإسلامَ ينظر إلى الأمور بمقاصدِها وغاياتها، يقول : ((إنّما الأعمال بالنياتِ، وإنما لكلّ امرئ ما نوى))، ويقول : ((إن الله لا ينظر إلى صوَرِكم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبِكم وأعمالكم)).
أمةَ الإسلام، إنّ هناك ألفاظًا تطمئنّ لها القلوب وترتاح لها النفوس وتميل العقولُ إليها بفطرتها، هذه الكلماتُ النافعة هي كلِمَات تطمئنّ القلوب إليها وترتاح النفوسُ لها وتميل إليها العقول السّليمة، ولكن استغلَّها أعداء الإسلام لتمرير شرِّهم ونشر باطلِهم وأكاذيبِهم، وأخرَجوها في قالَبٍ يظنّ السامع أنها خير، ولكن وراءَها ما وراءَها، والمسلم لا يقِف مع الألفاظ، ولكن ينظر إلى ما وراءَها ومقاصِدَها وماذا أراد المتحدِّثُ منها.
هناك كلمتان: النّصيحة والإخلاص، كلِمتان محبَّبتان إلى النّفوس؛ لأنها تحمِل في طيّاتها اسمًا شرِيفًا وعَملاً طيّبًا، ولكن يتفاوت الناسُ في فهمِها. فالنصيحة والإصلاحُ استغلَّها من استغَلّها من كلّ داعٍ فاجر أو خيِّر، ومن كلّ مدَّعٍ حقٍّ أو مبطل، كلٌّ يدَّعي النصحَ والإخلاص، ولكن حقيقةُ ذلك تستبين للمُسلم عندَما ينظر إلى واقعِ هذه المقالة وإلى المتحدِّث بها، فقد بيَّن الله في كتابه عن إبليس ـ لعنه الله ـ أنّه ادَّعى النصحَ لآدم حينما وَسوَس إليه الأكلَ من الشجرة: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21]، فادَّعى أنه ناصحٌ لهما، والله قد حذَّر آدمَ وزوجتَه من تلكم الشّجَرة، ولكن عدوّ الله قاسَمهُما: إنِّي لكُما لمِن النَّاصِحِين. وفرعون اللّعين يقول لقومه: مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29]، ويقول عن موسى: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26]. فهذا فرعون يدَّعي النصيحة، ويصِف موسى بالإفساد، ويصف نفسَه بالمصلح وهو القائل: أنا ربُّكم الأعلى. وهؤلاءِ المنافقون في عهدِ رسول الله كما أخبَر الله عنهم أنهم قالوا ـ إِذَا قِيلَ: لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ ـ قَالُوا: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، إذا حُذِّروا من الفساد في الأرض حينما يسعون في تفتيت شمل الأمة وإحداث الفوضى بين صفوفها قالوا: إنما نحن مصلحون، قال الله رادًا عليهم: أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].
أجل أخي المسلم، إنّ المؤمنَ دائمًا يحاسِب نفسَه، ويفكِّر في واقعه، في أمور دينه ودنياه، ويسعى في الإصلاح والعودَة بطريقِه إلى جادّة الصواب، ووجودُ الخطأ وحصولُ النقصِ ليس أمرًا مستحيلاً، لكنّ المسلمَ يسعى في إصلاحِ الأخطاءِ وتدارُك النقصِ مهما وجد لذلك سبيلاً.
وإذ حُكومتُنا ـ وفقها الله ـ تدعو إلى الإصلاحِ وتنادي له، فإنَّ هذا الإصلاحَ عمل طيّب، فعلى الجميع التعاونُ على الخير، ولكن الإصلاحَ الحقيقيّ إنما هو في اتّباع كتاب الله وسنّة محمّد وسلوكِ ما عليه سلف هذه الأمة؛ لأن الله يقول: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، فالأرض صلحت بمبعث محمّد وبانتشارِ هذا الدينِ وعلوِّ شأنه الذي بلَغ مبلَغَ الليل والنهار، فالإصلاحُ إذا أريدَ إصلاحًا فليَكُن على وفقِ ما دلّ الكتاب والسنة عليه، إصلاحُ الأمة لأخطائِها وتدارُكها لنقصِها وسعيها في الصعودِ بمجتمَعها إلى ما فيه الخير والصلاح أمرٌ محبوب للنفوس، ولكن على المسلمين تقوَى الله والإخلاص في مقاصِدِهم حتى تكونَ مقاصدَ شرعيّة.
أيها المسلم، نحن مع الإصلاحِ إذا أريدَ به الخير، نريد إصلاحًا موافقًا لصحّةِ المعتَقَد الذِي بعث الله به محمّدًا ، إصلاح يضمَن سلامةَ أمنِ الأمة، إصلاح يضمَن التحامَ الأمة واجتماعَ كلِمَتها، إصلاح يُراد به الصعودُ إلى كلّ خيرٍ، إصلاح يُراد به اجتنابُ الفساد مهما كان نوعه، حتى تسيرَ الأمّة على المنهج القويم والطّريق المستقيم الذي بعَث به خاتمَ الأنبياء والمرسلين.
أمّةَ الإسلام، تفكّروا في نِعَم الله عليكم الظاهرةِ والباطنة، فكلّما تذكّر العباد نعَمَ الله ازدادوا شكرًا لله. تذكَّروا نعمةَ الإسلام أعظمَ النعَم، وتحكيمَ الشريعةِ وتطبيقَها. تذكّروا أمنَكم واستقرارَكم. تذكّروا ارتباطَ قيادتَكم مع مواطنِيها. تذكَّروا هذه النعم، وتفكَّروا في حالِ أقوام سُلِبوا هذه النعم. يطلّ عليكم يومُ العيد وأنتم في نِعمةٍ وفرَح وسرور، وهناك فِئات من المسلمين يعانون الأمرَّين مِن تقتيلٍ وتشريد وتدمير وسفك للدماء وانتهاكٍ للأعراض ونهبٍ للأموال، يعيشون حياةَ شقاءٍ وعناء.
نسأل الله أن يرفعَ البلاء عن أمّة الإسلام، وأن يرزقَهم العودةَ إلى شرع الله؛ ليُخلِّصوا أنفسَهم من هذه الأباطيل والضلالات. إنّه لا مخلِّصَ لهم مما هم فيه من الظلمِ والعدوان إلاّ رجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله ، فعليها تلتقِي القلوب وتجتمِع الكلمةُ ويتّحِد الشّمل.
أمةَ الإسلام، نعمة الأمنِ نعمة عُظمى نعمةٌ كبرى، ((مَن أصبح آمنًا في سِربِه معافًى في بدنِه عنده قوت يومِه وليلته فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها)). نعمةٌ عظيمة نسأل الله المزيدَ من فضله، وأن تكونَ عونًا لنا على ما يُرضِي اللهَ عنا. إنها نعمةٌ عظيمة: الأمنُ في الأوطان والاطمِئنان والاستقرار ورَغَد العيش، هذه نِعَم يجب أن نقابلها بشكرِ الله لتزداد قوّةً وثباتًا، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
|