.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الوفـاء بالعهـد

714

الرقاق والأخلاق والآداب

مكارم الأخلاق

صالح الونيان

بريدة

جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1 – النصوص الشرعية تأمر بالوفاء 2 – أنواع العهود بإعتبار المعاهدة: أ / عهد الله وصور منه ، ب/ عهد العباد وصور منه 3 – حقوق المسلم على المسلم 4 – حسن الوفاء

الخطبة الأولى

أما بعد:

أيها المسلمون!

اتقوا الله تعالى، وراقبوه، وأطيعوا أمره، ولا تعصوه.

عباد الله!

قال تعالى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً [الإسراء:34]. فقد أمر الله تعالى في هذه الآية بالوفاء بالعهد.

والوفاء بالعهد أدب رباني حميد، وخلق نبوي كريم، وسلوك إسلامي نبيل، جعله الله صفة لأنبيائه:

فقال تعالى في إبراهيم: وإبراهيم الذي وفى [النجم:37]. وفى حين ابتلاه ربه بكلمات وأوامر ونواه؛ فأتمهن، وقام بهن، وفى حين قدم ولده إسماعيل قرباناً تنفيذاً لأمر الله، وفى حين صبر على النار ابتغاء مرضاة الله.

وقال تعالى في إسماعيل: واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً  [مريم:54]. فوعد أباه بالصبر حين قال له: يا بنى إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين       [الصافات:102]. ولم يخلف وعده الذي وعد أباه.

وجعل الله الوفاء العهد صفة لأوليائه، فقال في أولي الألباب: إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق [الرعد:20].

والوفاء بالعهد قيام المسلم بما التزم به؛ سواء كان قولاً أم كتابة.

فالتزامه بدين الله واتباعه لشرع الله ومنهج رسوله وفاء؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كل ما أحل الله وما حرم وما فرض في القرآن؛ فهو عهد".

عباد الله!

و العهد ينقسم إلى قسمين: عهد بين الله وبين الناس، وعهد بين الناس بعضهم بعضاً.

فأما العهود التي بين الله وبين الناس؛ فهي كثيرة:

- فإيمان الفطرة عهد؛ قال تعالى: وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا [الأعراف:172].- والإحسان بالقول والفعل عهد، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة عهد؛ قال تعالى: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون [البقرة:83].

والمعروضون هم أولئك الذين نكثوا عهدهم مع الله، وارتكبوا الإساءة وابتعدوا عن الإحسان وتهاونوا بشرع الله، بل وتركوا الصلوات بعد أن أبرموا عهداً مع الشيطان.

ونشر العلم وبيانه عهد؛ قال تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه [آل عمران:187]. قال قتادة: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم؛ فمن تعلم علماً؛ فليعلمه للناس، وإياكم وكتمان العلم؛ فإن كتمان العلم هلكة، فيا سعادة عالم ناطق ومستمع داع! هذا تعلم علماً فبلغه، وهذا سمع خيراً فقبله. وبيع النفس والمال بالجنة عهد؛ قال الله تعالى:  إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم [التوبة:111].

قال شمر بن عطية: (ما من مسلم؛ إلا ولله عز وجل في عنقه بيعة؛ وفى بها، أو مات عليها)، ثم تلا هذه الآية.

وجاء في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله ؛ قال: ((تكفل الله لمن جاهد في سبيله؛ لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلماته؛ بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، مع ما نال من أجر وغنيمة))1.

وقال الحسن البصري في الكلام على هذه الآية: بايعهم الله فأغلى ثمنهم .

وقال بعض العلماء: عونك اللهم! فإن العقد رهيب، إنها صفقة غالية، المشتري فيها هو الله، والبائع هو المؤمن، والمبيع فيها هو النفس والمال، والثمن هو الجنة، والطريق إليها هو الجهاد، والنهاية النصر أو الاستشهاد؛ فالجهاد في سبيل الله ماض، والبيعة في عنق كل مؤمن تطالبه بالوفاء؛ فعونك اللهم!

عباد الله!

وأما العهود التي بين الناس بعضهم بعضاً؛ فهي كثيرة أيضاُ؛ فإذا اتفق اثنان على أن يقوم كل منهما للآخر بشيء؛ يقال: إنهما تعاهدا:

فعقد الزواج عهد؛ قال : ((إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج))2؛ فلابد للمسلم أن يؤدي ما التزم من الشروط على عقد الزواج؛ لأنه استحل بها الفرج؛ فأيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر، ليس في نفسه أن يؤديها حقها؛ فقد خدعها، ووقع تحت طائلة العقاب.

عباد الله!

وتربية الأولاد عهد؛ قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة [التحريم:6]. فمن أهملهم؛ لم يوف بما عهد إليه.

ومن العهود حقوق الجار؛ فإنها حقوق يلتزم بها الجار لجاره فطرة وديناً وخلقاً؛ يقول الله تبارك وتعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين و الجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً [النساء:36].

وقد أوصى النبي بالجار، وحث على حسن معاملته:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله : ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)). قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه))3؛ أي: شروره وأذاه.

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليحسن إلى جاره))4.

والإسلام حريص على أن يفي كل جار لجاره بالأمان من ظلمه؛ فلا تستباح محارمه، ولا ينال عرضه، ولا يستحل ماله، ولا يناله أي صنف من أصناف الأذى.

وإذا نظرنا إلى الوراء؛ وجدنا الجار محل الإكرام، حتى في الجاهلية، حتى صور أحد الشعراء الجاهليين5 حاله مع محارم جاره، فقال:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي

                                        حتى يواري جارتي مـــأواها

أين هذا ممن ولدوا في الإسلام ونشؤا فيه وكانوا حرباً على جيرانهم أذاقوهم صنوف الأذى: إما بالاستطالة في أعراضهم، أو بالأذى الفعلي في بيوتهن، أو بالتلصص على عوراتهم، أو بالأذى في طرقاتهم، أو بالأصوات المنبعثة من داخل بيوتهم، ولم يعرفوا لجيرانهم حقا، وعلموا أن للجار حق الإحسان إليه؟!

فيا ليتهم إذ لم يحسنوا كفوا الأذى عنه!!

فليعلموا أن هذا نقض للعهد، وغدر، وخيانة، والله تعالى قبح صور الخائنين الغادرين، فقال تعالى: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون [البقرة:27].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


 



1 البخارى ( كتاب فرض الخمس، باب قول النبى : ((احلت لكم الغنائم)) 6/220-فتح) وأخرجه مسلم في (الامامة 104) والنسائى في (الجهاد14) والطبراني في ( الجهاد2).

2 رواه مسلم .

3 رواه البخارى ومسلم .

4 اخرجه البخارى في ( الادب ، 10/373 ، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، وفى النكاح ، باب الوصاة بالنساء ، وفى الرقاق ، باب حفظ اللسان ) ، ومسلم في ( الايمان ، باب الحث على اكرام الجار، رقم47 ) ، وأبو داود في ( الأدب ، باب في حق الجوار ، رقم 5154 ) .

5 هو الشاعر عنترة بن شداد .

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين أحمده، وأشكره، وأتوب إليه، وأستغفره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المسلمون!

اتقوا الله تعالى، وأوفوا بالعهد؛ إن العهد كان مسؤولاً.

عباد الله!

ومن العهد الذي ينبغي أن يفي به المسلم حقوق إخوانه المسلمين؛ فإن النبي نبه أن للمسلم على المسلم حقوقاً كثيرة:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله قال: ((حق المسلم على المسلم ست)). قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه))(1).

ومن حق المسلم على المسلم ألا يبخسه شيئاً من حقه:

قال تعالى حكاية عما قاله شعيب لقومه: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم [الأعراف:85].

ففي هذه الآية النهي عن بخس الناس أشياءهم، وهي ما يتبادله الناس في معاملاتهم من المتاع، وإذا كان هذا بالنسبة إلى الأمتعة؛ فإن ما يملكه الناس ويتمتعون به من أخلاق وأفكار أولى بإقامة العدل وإنزاله في منازله من غير وكس ولا بخس ولا شطط؛ لما يترتب على الإبخاس بذلك من الحقد، والقطيعة، والفرقة، وذهاب الرحمة والرأفة، وإحلال البغض والضغينة.

ولما كانت أصـول دعوات الأنبياء عليهم السلام واحدة؛ فإن الأمر بإقامة الموازين، والحـكم بالعدل، والإنصاف؛ ظل الوصية الخالدة التي يوجهها كل نبي إلى قـومه؛ لأنه بالعدل قامت السماوات و الأرض وقد أوصى الله تعالى رسوله محمداً أن يعلن لأمته أمر الله له بإقامة العدل فيها، فقال: وقل آمنـت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم  [الشورى:15].

وأوصى المؤمنين بإقامة العدل مع الناس كافة، حتى مع من يبغضون، فقال تعالى : ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [المائدة:8].

وقد كان النبي يقوم لله بالشهادة، فيعطي كل ذي حق حقه، وفي سيرته مئات من الشواهد التي تدل على ذلك:

فهذا هو يقول: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:

                                ألا كل شيء ما خلا الله باطل      

مع أن لبيداً وقتها كان كافراً. ولقد نبه النبي النساء على ما يجري على ألسنتهن من انتقاص أزواجهن وجحد معروفهم عند أدنى خلاف، فقال: ((أريت النار؛ فإذا أكثر أهلها النساء؛ يكفرن. قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا؛ قالت: ما رأيت خيراً قط))(1).

وهذا الحديث يبرز قضية العدل إبرازاً يقل نظيره؛ حيث جعل عليه الصلاة والسلام جحود الزوج سبباً كبيراً لكثرة وجود النساء في النار؛ لأن كفران العشير يحدث في الحياة الزوجية شروخاً كثيرة.

ألا فلتعلم هذا الوعيد وتلك العقوبة بعض النساء اللاتي كفرن العشير وكفرن الإحسان، وأصبحن لا يرين لأزواجهن حقاً، مع ما يعشن ويتمرغن فيه من النعم وتلبية المطالب، وليعلمن أن القيام بحقوق الأزواج من العهد الذي يطلب الوفاء به.

عباد الله!

وحسب الوفاء بالعهد تشريفاً قول الله تعالى: ومن أوفى بعهده من الله [التوبة:111].

ومن ثم كان مما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة؛ قال تعالى: إن العهد كان مسؤولاً [الإسراء:34]. يسأل الإنسان عنه: أوفى أم نكث؟ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما [الفتح:10].


(1) رواه مسلم

(1) رواه البخارى .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً