أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، لليوم العاشر على التوالي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على شمال قطاع غزة، في بيت لاهيا وبيت حانون ومخيم جباليا وتل الزعتر، ويستهدف هذا العدوان الغاشم الحجر والشجر والبشر، وقد زاد عدد الشهداء على ثمانين شهيدا، من بينهم الأطفال والشيوخ والنساء، مما يدلّ دلالة واضحة على أن العدوان يستهدف الشعب الفلسطيني دون تمييز بين مدني ومقاتل؛ فالعدوان على الشعب الفلسطيني منذ بدايات النزاع فوق هذه الأرض بين أهلها الشرعيين والمحتلين لم يميز بين فئات الشعب؛ إذ يأخذ هذا العدوان في كثير من أشكاله وأساليبه طريق التطهير العرقي وأسلوب الأرض المحروقة، إمعانًا في الظلم ورغبة للوصول إلى أهدافه في كسر إرادة هذا الشعب وإخضاعه لمخططات الاحتلال والمحتلين.
وتجري هذه المجازر البشعة في غزة تحت سمع وبصر العالم بأسره في ظل صمت عربي وإسلامي، وصل إلى شبه صمت أهل القبور، وفي ظلّ غياب دولي حتى في أروقة الهيئات الدولية التي تزعم رعاية الأمن والسلم الدوليين، هذه الهيئات التي غدت منذ زمن بعيد أداةً في يد قوى الاستعمار العالمي، لخدمة أهداف هذه القوى وتنفيذ مخططاتها، كما جرى في العدوان الأمريكي على أفغانستان ومن بعدها على العراق، والقادم أعظم ما دامت شعوب الأمة الإسلامية تغطّ في سبات عميق، وغابت عن ساحها عزيمة الرشيد ومروءة قطز وصلاح الدين.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن الدماء البريئة التي تضيء فوق أرض غزة هاشم في هذه الأيام تقود بالذاكرة إلى تلك المجزرة التي اقترفت في رحاب المسجد الأقصى المبارك بحقّ المصلين المسلمين من أبناء هذه الديار قبل أربعة عشر عامًا من اليوم.
في 2/10/1990 أقدمت سلطات الاحتلال على ارتكاب جريمة قتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء والشباب الذين هبّوا للدفاع عن قدسية هذا المسجد المبارك وحمايته من اعتداء جماعات التطرف والاستيطان والحالمين ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
إن أرواح الشهداء التي انطلقت من رحاب هذه الديار الطاهرة إلى رحاب الرضوان والكرامة في جنات الخلود التي أعدّها الله لعباده المكرمين ما زالت تهتف بأبناء المسجد الأقصى وأهل هذه الديار المقدسة إلى مزيد من الصبر والثبات والرباط الذي يريد الاحتلال ضدّ شعبنا وأرضنا ومقدساتنا أن يثنيه، بل على وجودنا في هذه الأرض التي قرر الله إسلاميتها، ونفذ سلفنا الصالح هذا القرار الرباني يوم جاؤوا فاتحين لهذه الديار بقيادة الفاروق عمر وصحبه الكرام من أصحاب رسول الله .
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، إن ذكرى مجزرة الأقصى المبارك تضع المسلمين جميعًا أمام مسؤولياتهم في حماية هذا المسجد ودياره، فلم يعد خافيًا على أحد في دنيا المسلمين خطورة ما يتهدد هذا المسجد وأهله في ظلّ غياب المواقف الجادة للأمة الإسلامية التي كلّفها الله رعاية مقدساتها وجعلها القيِّمة على إرث الرسالات والنبوات.
أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، إن العقيدة التي حملها المسلمون من سلفكم الصالح ودفعتهم إلى هذه الديار معلنين نداء التوحيد بالتهليل والتكبير على لسان مؤذن رسول الله ، هي العقيدة نفسها التي حركت جيش المظفر صلاح الدين لتحرير القدس ومسجدها الأقصى من دنس الصليبيين الذين لم يرعوا في المسجد الأقصى وأهله عهدًا ولا ذمة، ولم يطبّقوا أبسط حقوق الإنسان في حفظ دينه وحياته، وهي العقيدة التي جعلت وما زالت تجعل من شعبنا الأعزل يواجه بلحمه ودمه وإيمانه عصابات البغي وجند الاحتلال دفاعًا عن الأقصى المبارك وعن كرامة الأمة في أرضها ومقدساتها.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن الله اختاركم الطليعة المتقدّمة من أبناء الأمة الإسلامية للدفاع عن كرامة المسجد الأقصى، في هذا الظرف الدقيق والعصيب من حياة الأمة، فكونوا أهلاً لهذا الشرف العظيم والمسؤولية الجسيمة، فأرواح الشهداء التي ترفرف في رحاب الخلد وتطلّ على أنوار المسجد الأقصى تهتف بكم أن لا تفرّطوا بالذي قضوا من أجله، وتحذّركم أن تضعف الهمم أمام غطرسة الباطل.
فكونوا ـ أيها المرابطون ـ أهلاً لبشرى رسولكم بالظهور على الحق حتى يأتي أمر الله وأنتم كذلك: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك))، والله يخاطبكم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].
جاء في الحديث الشريف عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)).
|