.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

خطبة عيد الفطر 1422هـ

2277

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأعمال

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

الرياض

1/10/1422

جامع الإمام تركي بن عبد الله

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الأعياد في الإسلام. 2- الفرح بالعيد. 3- يوم الجوائز. 4- فرح المسلم عند الموت وفي قبره ويوم الفزع الأكبر وحين الوقوف بين يدي الله وإذا دُعي إلى الجنة. 5- ما يشرع يوم العيد. 6- فضل هذه الأمة. 7- الحث على المحافظة على الصلاة. 8- المحافظة على نعمة الأمن. 9- التحذير من الإعلام الكافر. 10- كمال شريعة الإسلام. 11- التحذير من أعداء الإسلام. 12- المداومة على الطاعة. 13- نصائح عامة.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله، اشكروا الله على عموم نعمه، فقد تأذَّن بالزيادة للشاكرين، ودوام النعمة، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

هذا يوم عيد، هذا اليوم يوم العيد، أعني عيد الفطر، يوم سعيد وعيد مجيد، هذا اليوم أحد اليومين اللذين جعلهما الله عيدًا لأمة محمد ، فللأمة الإسلامية في عامها عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، عيد الفطر من صيامنا، وعيد أكلنا من نُسُكنا. قدم النبي المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى))[1]. أجل، أبدل الله الأمة يومي اللهو واللعب والباطل بيومي الذكر والشكر لله.

هذا يوم عيد الفطر، يوم عيد لكم أيها المسلمون، هذا يوم عيد لكم، أنكم صمتم رمضان، واستكملتم صيامه، فاليوم عيدٌ لكم، فرحُكم واستبشاركم أنكم وافقتم أمر الله فصمتم، ووافقتم أمر الله فأفطرتم، وفي الحديث: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))[2].

هذا يوم فرح وسرور، فرحُ المؤمن بهذا العيد كما سبق، فرحُه بموافقته أمر ربه في صومه وفطره، وهو يوم فرحٍ له يرتقب الثواب من رب العالمين، وفي الحديث في خصائص رمضان: ((ويغفر لهم في آخر ليلة))، قيل: أليلة القدر؟ قال: ((لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله))[3].

وهذا اليوم يسمَّى يوم الجوائز، يرجع أناسٌ من مصلاهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، يروى أن ملائكة الرحمن تقف عند أفواه الطرق، تنادي: ((يا أمة محمد، اخرجوا إلى رب عظيم، يعطي الجزيل، ويعفو عن الذنب العظيم، فإذا برزوا لمصلاهم قال الله لملائكته: يا ملائكتي، ما جزاء العامل إذا أدى عمله؟ قالوا: وعزتك أن توفّي أجره، قال: أشهدكم أني قد جعلتُ حظهم من صيامهم وقيامهم مغفرتي ورضائي عنهم، انصرفوا مغفورًا لكم))[4]، وفي الحديث: ((للصائم فرحتان: فرحة يوم فطره، وفرحة يوم لقاء ربه))[5]، ففرحه بفطره بموافقة أمر الله له، ثم بهذا اليوم الذي يتناول فيه المباح، والذي حرَّم الله علينا صيامه، وفرحةٌ للمسلم يوم لقاء ربه، يوم يجد عمله مدّخرًا له أوفر ما يكون، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا [آل عمران:30].

إن للمسلم فرحةً عند موته، عندما يرى نتائج أعماله الصالحة، وتزفّ إليه ملائكة الرحمن البشرى بالمغفرة والجنة، فلا يخاف على ما فات ولا يحزن على ما هو آت، إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ [فصلت:30، 31].

وفرحةٌ في قبره يوم يسأل عن ربه ودينه ونبيه، فيجيب أحسن جواب، فيُفسح له في قبره، ويُفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وريحها، ويُفسح له في قبره مدَّ بصره.

وإن له لفرحة أخرى يوم الفزع الأكبر، حينما يفزع الناس، وهو من الآمنين، لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأكْبَرُ وَتَتَلَقَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء:103].

وفرحةٌ أخرى يوم الوقوف بين يدي الله، ويوم يُعطى صحيفة عمله، فيجد فيها صيامه.

وفرحةٌ أخرى يوم يدعون من باب في الجنة يقال له: باب الريان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أُغلق ذلك الباب.

أمة الإسلام، إن الله شرع لنا في هذا اليوم صلاة العيد، وشرع لنا التكبير تعظيمًا له جل وعلا، وثناءً عليه على عظيم آلائه، وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر هدانا للإسلام، وشرح صدورنا للإسلام، وقد أضل عنه الأكثرين، أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّهِ، وقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَٱلأنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179]، فمن هداه الله للإسلام فليعلم أنها نعمة عظيمة تفضل الله بها عليه.

الله أكبر، هدانا لمعرفته ومحبته وعبادته.

الله أكبر، الله أكبر، هدانا فوحّدناه في أفعاله، معتقدين حقًا أنه ربنا وخالقنا ورازقنا والمحيي المميت، والمتصرف فينا كيف يشاء بكمال حكمته وعدله.

الله أكبر، هدانا فوحَّدناه في أفعالنا، وعلمنا حقًا أن العبادة بكل أنواعها حق لربنا، فهو المعبود بحق ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ [لقمان:30].

الله أكبر، هدانا فآمنا بأسمائه وصفاته، سميناه كما سمى نفسه، ووصفناه بما وصف نفسه، أو وصفه به محمدٌ ، على حدِّ ما قال أئمة الإسلام: آمنا بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله.

الله أكبر، هدانا فاختار لنا سيد الأولين والآخرين نبيًا رسولاً محمد بن عبد الله، اختار لنا محمدًا نبيا، نعرف حسبه ونسبه، وشرفه وفضله، وعفته ونزاهته، وأنه الصادق الأمين قبل أن يوحى إليه، والصادق المصدوق الأمين بعد الوحي.

الله أكبر، هدانا فجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110].

الله أكبر، هدانا لهذا الإسلام الذي أكمله ورضيه وأتم به علينا النعمة، ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3].

أمة الإسلام، إن الله يقول: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى أَنَزلَ مِن قَبْلُ [النساء:136]، يدعونا ربنا بأن نحقق إيماننا، ونكمِّل إيماننا ونستقيم على هذا الإيمان الذي حقيقته اعتقاد القلب، ونطق اللسان، وعمل الجوارح، فلا بد للإيمان من هذا، وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ [العصر:1-3].

هذا الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، أسباب زيادته أداء فرائض الإسلام، يقول الله في الحديث القدسي: ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه))[6].

فأخلصوا لله توحيدكم، الصلاة، الصلاة، حافظوا عليها واحفظوها، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فهي عمود الإسلام، وهي الركن العملي الأول من أركان الإسلام، فحافظوا عليها ـ رحمكم الله ـ جماعةً، وأدوها في وقتها في المسجد، واعتنوا بها، ولتكن من أهمّ أموركم، فإن علامة حب الإسلام العناية بهذه الصلوات والاهتمام بها، أدوا زكاة أموالكم، وصوموا رمضان وحجوا البيت.

كن ـ أخي المسلم ـ داعيًا إلى الله على علم وبصيرة، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، على حكمة وعلم، صابرًا على ما أصابك.

أحسن إلى الوالدين، أحسن صحبتهما، وأحسن برَّهما، فإن ذلك من واجبات الإسلام، وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰنًا [النساء:36].

صِلِ الرحم واحذر قطيعتها، فإن صلتها من الإيمان، والرحم معلقة بالعرش يقول الله: ((ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟! قالت: نعم، قال: فذلك لك))[7].

أكرم الجار، وكفّ الأذى عنه، وفي الحديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاه))[8]، و((لا إيمان لمن لا يأمن جاره بوائقه))[9].

احفظ حقوق الناس، وإياك والتهاون بها، وأن تلقى الله بمظالم العباد، أدِّ الحقوق الواجبة، ابتعد عن الغيبة والنميمة والكذب والغش والخداع.

أيها المسلمون، إن من أعظم نعم الله بعد نعمة الإسلام نعمة الأمن في الأوطان، نعمة الأمن والاستقرار في الأوطان، نعمةٌ أشاد الله بها في كتابه العزيز، فبين تعالى أن إبراهيم الخليل لما دعا لأهل مكة، دعا لهم بالأمن قبل كل شيء، رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ [البقرة:126]، وفي الحديث: ((من أصبح آمنا في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه وليلته، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))[10]، بالأمن يأمن المسلم على دينه وعلى ماله وعلى عِرضه، ويتفرغ لعبادة الله، ويسعى في إصلاح دينه ودنياه، وبالخوف – والعياذ بالله – نكدُ العيش، وقلة الاطمئنان والاستقرار.

أمة الإسلام، نعمة الأمن لا تحققها قوى مادية، ولا قوى عسكرية، ولكن يحققها تحكيم شريعة الله، فالأمن مرتبط بالإيمان، وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا [النور:55]، الأمن مسؤولية كل فرد منا، فتلك نعمة نتفيَّأ جميعًا ظلالها، فهي مسؤولية كل فرد، أن نكون يدًا واحدةً لتحقيق هذه النعمة واستقرارها واستمرارها بتوفيق من الله، وأن لا يسعى أي منا فيما يقوّض هذه النعمة أو يضعف شأنها.

أمة الإسلام، إياكم والاغترار بالإعلام الكافر الكاذب، الذي يحاول أصحابه من خلاله زعزعة الأمة عن دينها، زعزعتها عن عقيدتها، يحاولون من خلاله تشكيك الأمة في ثوابتها، وفي نعمة الله عليها، إعلام جائرٌ ظالم كاذب، إعلام يقلب الحقائق، إعلامٌ قائم على الزور والكذب والبهتان، إعلامٌ إجرامي، إن بلادنا وما تتمتع به من هذه النعمة التي منّ الله بها علينا، وهيأ لها الرجال الصادقين، الذين جعلهم الله سببًا لاستمرار هذه النعمة وبقائها، يجب أن نكون يدًا واحدة معهم، يجب أن نشد أزرهم، وأن نعينهم، وأن نكون يدًا واحدة معهم، نصيحة ورأيًا سديدًا، وتعاونًا على البر والتقوى، لأن اجتماع الكلمة ووحدة الصف قوة للأمة، فمتى كانت الأمة على قلب رجل واحد، يسعى كل فرد منها، فيما يحفظ على الأمة كيانها وأمنها، وفيما يغلق على الأعداء كل الطرق حتى لا يجدوا ملجأ يلجؤون إليه، لأن استقامة الأمة وانتظامها وراء قيادتها، وشدّها أزر قيادتها، تلك من النعم العظيمة التي يعيش المجتمع فيها أمنًا واطمئنانًا، يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103].

أمة الإسلام، دين الإسلام كامل في عقيدته، كامل في نُظُمه ومبادئه، جاء ليحقق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة، دين الوسطية فلا غلو ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط، دين حفظ للمجتمع كيانه وقوته إنِ الأمة تمسكت به، واعتصمت به، حفظ للأفراد حقوقهم إنْ هم حكّموه وتحاكموا إليه، دين العدل والوفاء، واحترام الحقوق والمواثيق والقيام بذلك.

أمة الإسلام، أعداء الإسلام بالأمس هم أعداؤه باليوم، وعداوتهم قديمة ليست وليدة اليوم، وقد حذّرنا الله من مكائد أعدائنا الساعين في التفريق بيننا، وتشتيت شملنا، حذرنا الله من مكائدهم: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة:217]، إنهم يحاربون هذا الدين، ويحاربون قيمه وفضائله تحت مظلة مكافحة الإرهاب أحيانًا، وتحت مظلة حقوق الإنسان أحيانا، وكذبوا والله، ما قصدهم إلا الشر والبلاء، إن الإرهاب الإسلام بريء منه، والإسلام بريء من الإرهاب والظلم والجور، فمبادئه العدل في كل الأحوال، وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ [المائدة:2].

إن الإرهاب لا يمكن أن يُنسب إلى الشريعة، فالشريعة بريئة من الإرهاب بكل صوره، لأنها شريعة الرحمة والعدل، وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ [الأنبياء:107]، وحينما نسمع: مكافحة الإرهاب نجد الإرهاب بصوره يتمثّل في ظلم بعض فئات المسلمين، فها هم إخواننا في فلسطين، ها هم يسامون سوء العذاب، يُقتل من يقتل، ويؤسر من يؤسر، تهدم البيوت، وتُزال كل المصالح بمرأى ومسمع من أعداء الإسلام.

إنه الإرهاب في غاية صوره وبشاعته، وها هي الحروب الطاحنة ضد الأمة المسلمة، وها هو القتل الذريع، وها هو التسلط السيئ، ثم يقال: مكافحة الإرهاب، إن الإسلام بريء من الإرهاب، والإسلام دين عدل وإخاء، ولا يمكن أن ينسب إليه الباطل، فهو دين الحق والعدل كما أراده الله.

أمة الإسلام، تمسّكوا بدينكم، واعتصموا به لعلكم تفلحون، فهو خير أمان لكم في الدنيا والآخرة، ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.




[1] أخرجه أحمد (12006)، وأبو داود في كتاب الصلاة (1134)، والنسائي في كتاب العيدين (1556)، والضياء في المختارة (1911) من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه الحافظ في الفتح (2/442).

[2] أخرجه البخاري في الصوم (1900، 1909)، ومسلم في الصيام (1080، 1081) من حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما.

[3] أخرجه أحمد (2/292)، والبزار (1/458- كشف الأستار)، وابن نصر في قيام رمضان (ص112)، والبيهقي في الشعب (3602) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال البزار: "لا نعلمه عن أبي هريرة مرفوعًا إلا بهذا الإسناد، وهشام بصري يقال له: هشام بن زياد أبو المقدام، حدث عنه جماعة من أهل العلم، وليس هو بالقوي في الحديث"، وقال الهيثمي في المجمع (3/140): "رواه أحمد والبزار، وفيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو ضعيف". وقال الألباني في ضعيف الترغيب (1/294): "ضعيف جدًا".

[4] رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/533، 534) من طريق عباد بن عبد الصمد عن أنس رضي الله عنه بنحوه، وقال: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله "، وأخرجه الطبراني في الكبير (617، 618) بمعناه من حديث أوس الأنصاري رضي الله عنه، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (670).

[5] أخرجه البخاري في التوحيد (7492)، ومسلم في الصيام (1151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[6] أخرجه البخاري في الرقاق (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] أخرجه البخاري في التفسير (4832)، ومسلم في البر (2554) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[8] أخرجه البخاري في الأدب (6019) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (48) من حديث أبي شريح العدوي، وأخرجه البخاري أيضًا في الأدب (6018)، ومسلم في الإيمان (47) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[9] أخرجه البخاري في الأدب (6016) من حديث أبي شريح بلفظ: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، الذي لا يأمن جاره بواثقه))، وأخرج مسلم في الإيمان (46) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)).

[10] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (300)، والترمذي في الزهد (2268)، وابن ماجه في الزهد (4131) من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وحسنه لشواهده الألباني في الصحيحة (2318).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى حق التقوى.

صمتم رمضان فأعقبوه بأعمال الخير والصلاح، أتبعوا الصالح من العمل بصالح العمل، وأعقبوا رمضان بالأعمال الصالحة فهي سبب قبول أعمالكم بتوفيق الله.

أيها المسلم، احذر الدعاوى الكيدية الباطلة التي لا أصل لها، ففي الحديث: ((من خاصم في باطل لم يزل في سخط الله حتى ينزع))[1]، احذر أن تحامي عن المجرمين هَـٰأَنْتُمْ هَـؤُلاء جَـٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً [النساء:109]، احذر شهادة الزور، ولا تشهد إلا بالحق، إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]، احذر ـ أخي ـ الأيمان الفاجرة، فـ((من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان))[2].

أيها المسلم، احذر السحرة والمشعوذين، واحذر أن تقصدهم وتأتيهم فما وراءهم إلا البلاء و((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد))[3] ، تعاملوا بالصدق والوفاء، واحذروا الغش والخداع والخيانة، وفي الحديث: ((من غشنا فليس منا))[4].

أيها المسلم، اتق الله، وتعامل مع أهلك بالمعاملة الشرعية التي أرادها الله لك، وتذكر قول الله: وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [البقرة:228].

احذر ـ أيها المسلم ـ التسرع في الطلاق، والتهاون بأمر ذلك، ففي الحديث: ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة))[5].

فاحذر ذلك أيها المسلم، وتعامل بالصبر، وسعة الصدر.

أيتها المرأة المسلمة، اتقي الله في نفسك، وتخلقي بأخلاق الإسلام، واحذري التبرج والسفور، وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ [الأحزاب:33]، احذري أخلاق أعداء الإسلام، تمسكي بما كنت عليه من عفة وحشمة وكرامة، ومحافظةٍ على هذه الأخلاق الكريمة.

أيها المسلمون، ربّوا أبناءكم التربية الإسلامية، فهم أمانة في أعناقكم، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6].

سهّلوا أمر الزواج، وأعينوا على إفشائه، فإن ذلك من علامة الخير، تعاونوا على البر والتقوى.

أيها المسلم، هذا يوم عيد فصيره عيدًا لإخوانك، ضمِّد جراح المجروحين، وامسح دمعة اليتيم، وفرّج كرب المكروبين، ويسِّر على المعسرين، وعُد المريض، وصل الأرحام، واستبيحوا ما بينكم من الشحناء والعداوة، فذاك واجب المسلمين.

أسأل الله أن يجعله عيد خير وبركة، وأن يعيد أمثاله علينا وعليكم أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، في عز للإسلام والمسلمين، وسلامةٍ وأمنٍ وطمأنينة، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ...

 



[1] أخرجه أحمد (5385)، وأبو داود في الأقضية (3197)، والبيهقي (6/82) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه الحاكم (2/27)، ووافقه الذهبي، وجوّد إسناده المنذري في الترغيب، وصححه الألباني، صحيح الترغيب (2248).

[2] أخرجه البخاري في التوحيد (7445)، ومسلم في الإيمان (138) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بنحوه.

[3] عزاه الهيثمي في المجمع (5/167) للبزار من حديث جابر رضي الله عنهما، وقال المنذري في الترغيب: "رواه البزار بإسناد جيد قوي"، وصححه الألباني في غاية المرام (285)، وله شواهد منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه أحمد (9290، 9536)، وأبو داود في الطب (3904)، والترمذي في الطهارة (135)، والنسائي في الكبرى (9017)، وابن ماجه في الطهارة (639)، والدارمي (1136)، وابن الجارود (107) وقال الترمذي: "ضعف محمد – يعني البخاري – هذا الحديث من قبل إسناده". وقال الذهبي في الكبائر: "ليس إسناده بالقائم".

[4] أخرجه مسلم في الإيمان (102) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] أخرجه أبو داود في الطلاق (2194)، والترمذي في الطلاق (1184)، وابن ماجه في الطلاق (2039) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في الإرواء (1826).

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً