إخواني في الله، نظرا للأوضاع المأساوية التي يعيشها إخواننا في العراق وخاصة في الفلوجة، ونظرا للمعارك الضارية والدائرة على أرض الفلوجة والرمادي وما جاورهما من المناطق السنية، فإن من حقها علينا أن نقف معها ومع أهلها اليوم وقفة عزّ وإباء، لنحييهم ونحيي جهادهم، ولنهنّئ بالجنة شهداءهم إن شاء الله، ولندعو الله بالشفاء لجرحاهم، وبالصبر لنسائهم وأطفالهم، قوم من أول يوم قالوها لكل من يسمع: "من عاش منا عاش عزيزا، ومن مات منا مات شهيدا، نحسبه كذلك والله حسيبه"، بهذه الكلمات فاجأ أهل الفلوجة العالم، لذلك فإننا نستأذنكم أن تكون خطبة اليوم عن الفلوجة وأهلها والوضع فيها.
من العادي ـ أخي ـ وأنت تدخل مدينة من مدن الدنيا الواسعة أن تقرأ عبارة: "ابتسم فأنت في مدينة كذا"، لكن الفلوجة ابتكرت لنفسها شعارا آخر وهو: "ارفع رأسك فأنت في الفلوجة". ومن العادي أن تشاهد فيها شعارات أخرى تنوه برجالها يوم أن فرضوا على الأميركيين حظر التجول فيها.
أجل إنها الفلوجة فالجة رأس الكفر والإلحاد. إنها الفلوجة التي إذا دخلها دخيل يريد أهلها بسوء فإنها تصبح فالجة للرأس، تفرض على الدخيل الهزيمة، وتفلج الأرض لتدفن فيها الغزاة، نسأل الله تعالى أن يقسم مجاهدو الفلوجة رأس الأمريكان نصفين.
لقد دخلت الفلوجة مفردات الإعلام العربي من اليوم الذي رفضت فيه دخول الأميركيين عنوة، وهي من المدن القديمة في التاريخ، إذ يقول لسان العرب: "الفلوجةُ الأَرضُ المصلحةُ للزرع".
وأهل الفلوجة مشهورون بمزارعهم الخاصة، وبعملهم في تجارة الأقمشة، مثلما هم معروفون بالتدين والمحافظة، ويروي أحد أبنائها أن صدام قتل في ليلة واحدة عام 1992م تسعين من أبنائها، وقال مخاطبا شيوخ العشائر فيها: إنه لن يسمح بنمو الإسلاميين سواء كانوا سنة أو شيعة أو أبناء شيوخ عشائر أو فلاحين معدمين.
هذا التاريخ في المواجهة متجذر في أهالي الفلوجة التي يسكنها سبعمائة ألف نسمة، والحقيقة أن هذه المنطقة كباقي مناطق محافظة الأنبار ذات جذور عشائرية، والاحتلال الأميركي تعامل بغباء مع المؤسسة العشائرية الضاربة بعمق في تاريخ العراق، كما أنه لم يفهم طبيعة تأثير العقيدة في سلوك العراقي المسلم.
والثأر عند أهالي الفلوجة مؤسسة عريقة في النفسية العربية والعراقية خصوصا، وبقدر ما تقتلُ قواتُ الاحتلال من العراقيين تجلب لنفسها من الحاقدين والأعداء من لا يهدأ له بال إلا بالأخذ بثأره، لذلك يرفضون الغريب ويأنفون من الخضوع، والأمريكيون لم يفهموا هذه الطبيعة بعد.
هذا وتسكن الفلوجة عشائرُ سنية عريقة، وهي تدين بالولاء السياسي لهيئة علماء المسلمين، ويوجد فيها أكثر من ثمانين مسجدا جامعا.
ولم تدخل منطقة الأنبار التي تقع فيها الفلوجة مرحلة الفوضى والسلب والنهب التي عمت مدن العراق بعد دخول القوات الأميركية إلى بغداد قبل عام، بل بادر علماء الدين وشيوخ العشائر فملؤوا الفراغ السياسي، وعينوا مسؤولين لتسيير كافة شؤون الحياة بما فيها الشرطة والشؤون البلدية.
وكان ضمن خطة أهل المدينة عرض خطة على الأمريكان وهي السِّلمُ مقابل أن لا يدخلوا المدينة، وقبل الأمريكان الأمر، لكنهم قاموا بعد أسبوع بعرض قوة في شوارع المدينة بدوريات راجلة، وتوج ذلك باستقرار مائة وعشرين من جنودهم في إحدى المدارس بين البيوت.
وهنا ثارت نخوة الأهالي، فتظاهروا سلما يطالبون الأمريكيين بالجلاء وفاءً بعهد قطعوه على أنفسهم، ورد المحتلون بقصفٍ قُتل فيه ثلاثة متظاهرين، ومن هنا انطلقت شرارة المقاومة، فقُصف مقر الأمريكيين في ذلك المساء وقتل سبعة منهم، وتعهد سكان الفلوجة أن تكون مدينتهم مقبرة للأمريكيين.
وحقائق التديّن والمحافظة السائدة في المدينة تجعلها عصية على أيّ محتل، متحدية لكل غريب، ولن تنجح قوات الاحتلال في كسب المعركة إلا إذا ابتعدت عن الفلوجة وتركت أهلها يعيشون في سلام، علما بأن الفلوجة هذه توصف بأنها أم المقاومة العراقية.
إخواني في الله، والآن عبثا يحاول المرء أن يحيط بكل ما تقذفه الفضائيات وتطير به وكالات الأنباء بشأن الوضع في العراق، فيضان من الأخبار، معظمه غير دقيق، ولكنه في النهاية يوحي بجزء من حقيقة الملحمة التي تجري فصولها الشامخة في بلد أبت قِيَمُهُ الشماء أن يطأطئ الرأس ويحني الجبهة للمحتل.
تتزاحم الأخبار وتتلاحق، وتتعانق الأفكار في أذهان السامع والمتابع لها تبعا لها، عشرات بل مئات الأنفس العراقية البريئة قضت نحبها، وعشرات بل مئات كذلك من المحتلين المعتدين قد لقوا حتفهم، مدنيون نالتهم أيدي البغي بمنتهى الخسة، وعسكريون معتدون سقطوا بلا شرف في معركة عجزوا حتى الآن عن أن يرفعوا لها هدفا أخلاقيا نبيلا، فصبر جميل يا أهل العراق ويا أهل الفلوجة، إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [النساء:104].
إخواني في الله، إن الوضع في الفلوجة وخاصة الإنساني صعب للغاية، فالمدينة كلها أصبحت مستهدفة من قبل قوات المارينز الأمريكية، وإنها لا تفرق بين بيت وغيره، وإن حجم القتلى في ازدياد نتيجة الحصار واستهداف سيارات الإسعاف ومنع المصابين من التوجه للمراكز الطبية المكتظة أصلا بالجرحى، مع النقص الشديد في اللوازم الطبية الضرورية، بل وتحوّل ملعب الفلوجة إلى مقبرة يدفن فيها ضحايا القصف الأمريكي بعد منع الأهالي من التوجه إلى المقابر، إضافة إلى الحدائق الملحقة بالمنازل، حيث أن والدا قتِل ولداه ولم يستطع أن يخرج إلى المقبرة لدفنهما نتيجة لوجود القناصة الأمريكيين الذين يستهدفون أي أحد يطلّ برأسه من أي مكان في المدينة، الأمر الذي دعاه إلى أن يقبر ولديه في حديقة منزلـه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
هذا وقد نقلت المصادر الطبية في المدينة أن ضحايا القصف الأمريكي بلغ حتى الآن ثلاثمائة قتيل ونحوا من خمسمائة جريح في آخر حصيلة شبه رسمية الجمعة 9/4/2004م، وعلى الرغم من هذه المجازر الوحشية واستهداف المدنيين العزل من النساء والشيوخ والأطفال بالقنابل العنقودية والقنص واستهداف الرؤوس إلا أن الصمت العربي والعالمي لا زال غير مفسَّر حتى الآن. ولكن ـ والحمد لله ـ على صعيد الروح المعنوية فالواقع أن أهالي الفلوجة مصمّمون على الصمود، فإما الشهادة، وإما الحياة العزيزة، وأنهم لن يستسلموا ولو ظل الحصار أكثر من عام، كما صرح بذلك شيخ كبير السن من أهالي الفلوجة.
وقد فشلت القوات الأمريكية في اقتحام المدينة بالأمس عدة مرات، واندحرت أمام قوة وشراسة المجاهدين وبسالتهم، مما اضطر قوات الاحتلال الأمريكية إلى أن تغير استراتيجيتها العسكرية في هجومها الوحشي على الفلوجة نتيجة ضربات المجاهدين الموجعة والخسائر التي تكبّدتها، فعمدت إلى استخدام الطائرات المقاتلة من طراز إف16 وغيرها من الطائرات الحربية المقاتلة، دون المروحيات التي تمكن المجاهدون من إسقاط العديد منها.
كما بدأت القوات الأمريكية في استهداف المدنيين العراقيين من قبل قناصة أمريكيين متحصنين تمركزوا فوق أسطح البيوت والبنايات العالية ومنائر بعض المساجد التي استولوا عليها.
فتحية لكم يا أهل الفلوجة، يا من رفعتم رأس المسلمين، وأثبتم للعالم أن النصر بالدعوات لا بالطائرات والدبابات، فليهنكم ما أنتم فيه من جهاد وتضحيات، اثبتوا فإن المسلمين معكم بأرواحنا وقلوبنا ودعواتنا، اثبتوا ثبّت الله قلوبكم على الإيمان في الدنيا والآخرة، واعلموا أن مقام أحدكم ساعة في الثغر خير من أعمار أكثر المسلمين في الأرض، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السّيوف، وتذكروا قول الله تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
ولكن رغم كل هذا فلنا في ظل هذه الأحداث وما سبقها دروس كثيرة نذكر أهمها فنقول:
أول هذه الدروس هو وصول الاحتلال بعد عام من سقوط بغداد إلى حال الانسداد التام والعجز المطبق والشلل الكامل، والأخبار المتدفقة من كل مكان تشير جميعها إلى أنه قد حمي الوطيس، وأن أبطال الفلوجة السُّنة ينفذون ملحمة ويخوضون معركة سيسجلها لهم التاريخ، وأن ما يسمى بـ"الدولة العظمى أمريكا" تمر بأسوأ مراحلها الاستعمارية، وأنه قد بدأ العد العكسي لزوال احتلالهم وعدوانهم وأفول إمبراطوريتهم التي لا يغيب عنها القهر إن شاء الله تعالى. ومن سرَّه أن ينظر فلينظر إلى وجه "بوش" ووجوه إدارته، وإلى صاحبه وشريكه "بلير" وقد ظهر في مؤتمره الصحفي قبل أيام أشعث الرأس، يعلو السواد وجهه، يتلعثم في ردوده، وأي ردود تسعفه والوضع لا يحتاج إلى شهادة زور من جديد؟! فهو سهم العدوان يرتدّ في نحر مطلقيه الآن. ومن سرَّه أن يستمع فليستمع إلى السيناتور الديمقراطي الأمريكي "تيد كينيدي" الذي شبَّه وضع "بوش" بوضع "نيسكون" وقارن الوضع في العراق بفيتنام. ولولا أن الأمر كذلك لما صرح بذلك، حتى وصل التصريح بذلك إلى بعض المعارضين في برلمان هذه البلاد، مما اضطر رئيس الوزراء إلى الرد قائلا: "إن أي مقارنة بين الوضع في العراق وما كان عليه وضع فيتنام خطأ من الناحية السياسية والتاريخية، وليس لها هدف إلا أن تفتّ في عضد قوات التحالف". فُتِّت ـ يا رئيس ـ وانتهت، وإذا أحببت أن تعرف ذلك فاسمع ماذا قال مراسل صحيفة "التايمز" البريطانية في الفلوجة نقلا عن أحد قادة قوات مشاة البحرية الأمريكية: "إن المقاومة في الفلوجة أشرس من أية مقاومة واجهها الجيش الأمريكي في فيتنام، بالرغم من لجوء القوات الأمريكية لأعنف الأساليب العسكرية وأكثرها فتكا". أجل، لقد بدا الآن لكل متأمل في الساحة العراقية أنها بالفعل أشد من معارك فيتنام بالنسبة للأمريكيين، فها هي الفلوجة المدينة المسلمة السنية الصغيرة المحاصرة من كل جانب، تُسقط ثماني طائرات أمريكية في يومين اثنين، ويقتل المجاهدون أكثر من مائة وثلاثين أمريكيا في معركة الرمادي فقط باعتراف وكالة أنباء "نيوز سكاي"، دبابات أمريكية أعطبت وأحرقت، وطائرات أباتشي أمريكية أسقطت في الفلوجة والرمادي والسقلاوية والناصرية، حتى عمليات إنزال القوات الأمريكية باتت فاشلة في الفلوجة، وبدا أن المجاهدين ينتظرون أي عملية إنزال تتمتع بحماية طائرات ريثما ينزل المقاتلون منها، حتى يبدؤوا بإطلاق الصواريخ تجاهها لإجبارها على الابتعاد، ثم يتفرغوا لاصطياد الجنود الأمريكان. ومن الخوف والهلع في جنح الظلام والمعركة مشتدة بين الأمريكان وأهالي الفلوجة قامت طائرات الأباتشي الأمريكية عن طريق الخطأ بقصف الصفوف الخلفية للقوات الأمريكية مما زاد في قتلاهم.
وثاني هذه الدروس أن العالم كله أدرك الآن أن أمريكا كانت كاذبة في حربها على العراق واتهامه بأنه يملك أسلحة الدمار الشامل، وبعد مرور سنة كاملة على احتلال العراق ظهر كذبهم جليّا، حتى اعترف بذلك وزير خارجيتها "بول" قبل أسبوع، كما ندّد "كينيدي" قائلاً: "لقد شن بوش الحرب على العراق متّخذًا حججًا كاذبة وغافلاً عن الحرب الحقيقة ضد الإرهاب".
كما ظهر للعالم كله كذب وتزوير المخابرات العراقية والأمريكية والبريطانية، ورئيستهم في ذلك الكذب والتزوير المخابرات الصهيونية التي ضللت هؤلاء جميعا، ولذلك فإن أمريكا اليوم في مأزق يزداد يوما بعد يوم، وخاصة هذه الأيام التي أقضت فيه الفلوجة مضاجع الأمريكان في كل مكان، ولا يخلص أمريكا من هذا المأزق إلا الهروب إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، ووالله مهما بقي المحتل في بلادنا فلا بد يوما أن يُخرج بإذن الله تعالى. و"بوش" الخائف على رئاسته بالأمس ومن مزرعته عقد اجتماعا طارئا عبر الفيديو مع حاكمه في العراق "بريمر" وقائد قواته الوسطى ومستشارته للأمن القومي "رايز" وآخرين، وذلك ليقف على أخبار قواته المنهارة في العراق، ثم يتصل هاتفيا بصاحبه "بلير" ليساعده على إيجاد حل واتخاذ قرار يعيد لهما ماء الوجه الذي أراقوه.
أجل، إنهم في مأزق حتى رئيس وزراء هذه البلاد قال: "إننا نعاني في العراق معاناة حقيقية، لكن ليس بإمكاننا أن ننسحب، لأن للانسحاب آثارا نفسية سيئة على قوات التحالف". الآن تعترف أنه ليس بإمكانك أن تنسحب، وما الذي جعلك تخالف شعبك وترسل أبناءه إلى هنالك؟! ألم يكن من الخير لك أن تستمع لشعبك وتبتعد عن هذه الحرب الظالمة الغاشمة؟!
وثالث هذه الدروس أن أمريكا لم تجلب لنفسها من جراء هذه الحرب إلا مزيدا من الكره لدى الشعوب قاطبة، وهذا ما صرَّح به السيناتور الأمريكي "إدوارد كينيدي" هذه الأيام عندما قال: "لقد حُزنا كراهية العالم، والحربُ على الإرهاب غير ممكن كسبها، ولقد فقدنا سمعتنا"، بل وستفقدون جنودكم وقوتكم في العالم الإسلامي قريبا إن شاء الله تعالى.
ورابع هذه الدروس أن المتأمل في هذه الأحداث يجد أن المسلسل الإجرامي الأمريكي الإسرائيلي واحد، ففي مثل هذه الأيام تماما قبل عامين كانت ملحمة أخرى يسطرها مناضلون آخرون في فلسطين وفي مخيم "جنين" تحديدا، كانت الكرامة يومها حيث قدَّم المخيم الصغير الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع أسطورة فداء للأمة، وسجل درسا للتاريخ وللعسكرية وللعقيدة، إذ استعصت جحافل العدوان الصهيونية عن اقتحامه إلا بعد ثلاثة عشر يوما من الجهاد والفداء والشموخ والكرامة، يومها وقف أبطال الجهاد في المخيم رافعي الرأس، يسطرون الملحمة إلى أن ارتقت أرواحهم إلى السماء في موكب من خمسة وسبعين شهيدا، ولسان فعلهم يقول: "ألا أبلغوا عنا أمتنا أن قد وقفنا وصمدنا ودافعنا عن الدين والأرض والعرض حتى غدونا وما علينا ملامة"، وألسنة المرابطين في الأرض المباركة الكريمة تشيعهم قائلة: "أما هؤلاء فقد أدّوا ما عليهم". خمسة وسبعون شهيدا ـ نحسبهم ـ ارتقوا، وتسعة وسبعون يعالجون إلى اللحظة، ومائة وستة وثمانون لا زالوا قيد الأسر، ثمانمائة منزل هدمت، مائة وخمسون محلا تجاريا نسفت، ومع ذلك صمدوا ثلاثة عشر يوما، هذا والعواصم العربية قد رفعت الرايات البيضاء، والزعماء الكبار لا يقوون حتى على الجلوس على مقاعد "قمة تونس" لساعات!! ويبدو أن قمتهم قد ضاعت، وتراهم يطيرون من هنا وهناك بحثا عنها وحتى الآن لم يجدوها، ونسأل الله أن لا يجدوها. واليوم ملحمة الفداء السنية في الفلوجة والرمادي قد أرغمت أنف المحتل وكانت المعارك متشابهة.
وخامس هذه الدروس أن الممارسات في العراق وفلسطين واحدة ولا عجب، أليست القوات الأمريكية بعيدا عن امتحال المبررات الكاذبة قد أتت إلى بلاد "بابل" لتقيم من قريب ما يسمى بـ"دولة إسرائيل الكبرى"؟! أوليست قد جاءت وفقا "لكونداليزا رايز" وغيرها لـ"تأمين الجبهة الشرقية لإسرائيل"؟! أوليست قد سمحت لضباط الموساد باستباحة الأرض العراقية فجاسوا اليوم خلال بلاد الرافدين؟! أوليس قد قال وزير عراقي في "مجلس الحلم الانتقالي" منذ عدة أيام: "إن من حق يهود أن يستعيدوا أملاكهم في العراق" حتى قبل أن يستعيد العراقيون أنفسهم أملاكهم المغصوبة من بني صهيون؟! لا غرو إن كان الأمر كذلك أن تتشابه فعالهم كما تشابهت قلوبهم. فما العيب إذًا أن تقوم القوات الأمريكية في الرمادي بحصار مستشفاها والحيلولة دون وصول الإمدادات الطبية ووصول المصابين إليه؟! وما العيب في أن تَترك دولة الحرية والديمقراطية المصابين ينزفون حتى الموت في شوارع الفلوجة المحاصرة؟! ما المانع من تدنيس المصاحف وقصف المساجد وسفك دماء الرضع؟! أفلا يكون لإيمان حجو ومحمد الدرة أشقاء في العراق؟! ما المانع والعيب في كل هذا إذا كان ذلك عين ما يحدث في فلسطين الحزينة؟! وهل يضر "بوش" و"بلير" ومن معهما أن يعم الحزن وتصرخ الأرامل ويبكي اليتامى وتنتحب الفتيات والأطفال في كل بلاد المسلمين؟! ثم يزعمون بعد ذلك كله بأن مصلحة الشعب العراقي تقتضي بقاء القوات الأمريكية على اختلاف جنسياتها هناك.
فيا من كنتم تتباكون بالأمس على أشلاء أبرياء إسبانيا، وقبلها على أشلاء أبرياء ومدنيي إسرائيل، واليوم على جثث المدنيين الأمريكيين المشويّين في الفلوجة كما تقولون وإلا فإنهم مخابرات أمريكية، لم لا تتباكون اليوم على أشلاء الأبرياء ومدنيي الفلوجة وفلسطين؟! تلك ـ وربي ـ إذًا قسمة ضيزى.
هذا ونكمل هذه الدروس بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله تعالى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|