أما بعد: لقد فرح المسلمون في كل مكان بالانفجار الذي حصل بالأمس في القدس الغربية على أيدي المجاهدين الفلسطينيين، والذي ذهب ضحيته ـ ولله الحمد ـ 19 قتيلا وأكثر من 100 جريح إلى الآن، وبعد ذلك وقع انفجار ثان على بعد كيلومتر واحد من موقع الانفجار الأول، كان الانفجار ضخما للغاية، وألحق خسائر بشرية ومادية جسيمة في صفوف الإسرائيليين، حيث وقع في وقت تزدحم فيه المنطقة بالمارة ورواد المطاعم في قلب الحي التجاري بالقدس الغربية، وقد أغلقت الشرطة الإسرائيلية منطقة الانفجار وأبعدت الصحفيين وحاولت منعهم من تصوير حالة الذعر والفوضى التي سادت المكان عقب الانفجار.
وذكر راديو إسرائيل أن الشرطة تخشى من وجود فدائي فلسطيني آخر طليق يستعد لتنفيذ هجوم ثان. وقال الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي في غزة: إن الانفجار أول أبواب جهنم التي انفتحت على إسرائيل ردا على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، ويعد هذا الانفجار ثاني أقوى هجوم يشنه الفلسطينيون منذ بدء الانتفاضة في شهر سبتمبر الماضي، بعد حادث التفجير الاستشهادي الذي وقع أمام ملهى في تل أبيب يوم الأول من يونيو الماضي، وأدى إلى مصرع واحد وعشرين شخصًا والحمد لله. والله، إن قلوبنا أشرقت بالخبر، ووالله لم نرَ منظرًا منذ مدة أجمل من منظر جرحى وقتلى الصهاينة، ولم نر لونًا أروع من لون دمائهم، وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].
أيّها المسلمون، يجب أن يفهم اليهود ومن يدعم اليهود سرًا وجهرًا وهي الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن الدماء الفلسطينية ليست رخيصة، بل دماء المسلمين في أي مكان من الأرض ليست رخصية، والجزاء من جنس العمل، والعجيب أن يأتي رئيس دولة الإرهاب الولايات المتحدة الإرهابية يدين ويستنكر، ويشجب ويندد بقتل الصهاينة حفدة القردة والخنازير، ويطلب من رئيس منظمة التحرير أن يستنكر هذا الهجوم الذي قام به شاب في العشرينات وضحى بنفسه فداء لدينه وأرضه وعرضه.
أين أنت ـ يا فخامة الرئيس ـ عن قتل أطفال فلسطين ونساء فلسطين وشيوخ فلسطين، بطائرات أمريكية وقذائف أمريكية ومدافع أمريكية أعطيت لهم مجانًا ودون مقابل ليقتلوا بها المسلمين، إن لغة الحوار والعقل لن تنفع مع أسلوب المكيالين لدولة الإرهاب أمريكا التي تتبنى بني صهيون.
أيها المسلمون، لقد حكم المسلمون هذه المدينة المباركة هذه الأحقاب الطويلة فما هدموا بيتًا لساكن، ولا معبدًا لمتعبد, التزموا بتعاليم دينهم, احترموا كل ذي عهد وعقد وذمة, وفاءً للعهد العمري, استمعوا ـ رعاكم الله ـ إلى هذا النص من العهد العمري لمن كان يسكن تلك الديار في عهده من أهل الذمة: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله ـ أمير المؤمنين ـ أهل إيليا من الأمان, أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم, سقيمها وبريئها وسائر ملتها أن لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم, ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم على ما في هذا الكتاب, عهد الله وذمة رسوله وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم"، شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وعمر بن الخطاب سنة خمس عشرة من الهجرة, شهد على ذلك وكتب وحضر رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم ورضي عن جميع صحب محمد .
لقد تضمن العهد العمري حرية المعتقد وحرية السكنى وحرية التنقل, وهو عهد منذ أكثر من ألف وأربع مائة سنة, لم يكن متأثرًا بشعارات حقوق الإنسان المنافقة في عصرنا, ولكنها كانت تطبيقًا لمنهج الإسلام في التعامل الراقي المخلص مع أهل الأديان الأخرى.
أما اليوم فبيت المقدس يجري فيه ما لم يحدث على أيدي أي غزاة في تاريخ البشرية كلها، ولم يجرِ ذلك في تاريخ المقدس الممتد آلاف السنين، لم يفعل غازٍ أو محتل مثلما فعله ويفعله اليهود اليوم, وليس بعد شهادة التاريخ من شهادة, وليس من رأى كمن سمع على ما تشاهدون في هذه الأيام بل في هذه الساعات.
أيها المسلمون، عندما تنعدم الخيارات أمام المظلوم، وتضيق المدائن بشعب مقهور، فإن كل سلوك متوقع وكل السياسات يمكن فهمها وإن صعب تبريرها, غزارة دم يسيل, وحرارة دم يغلي, ليسا طرفين متكافئين جيش احتلال مسلح ضد شعب أعزل, القتلى والضحايا في طرف، والقاتل والجلاد الذي يطلق النار في طرف آخر, قاتل ومقتول, وجلاد وضحية. إن القوة والقهر والظلم لا يمكن لها أن تنشئ حقًا أو تقيم سلامًا, إن العدوان لا يولد إلا العدوان, وإن مشاعر الشعوب هي معيار الضغط النفسي، وهي مقياس بواعث الانفجار.
أيها المسلمون، إن ما يجري في بيت المقدس وفلسطين المحتلة اليوم امتحان شديد لأمة الإسلام, أمة الإسلام أمة معطاء, تجود ولا تبخل, في تاريخها المشرق الطويل قدمت ما يشبه المعجزات، وهي اليوم تعيش مفترق طرق خطير يحيط بها وبقدسها وبأجزاء محتلة من ديارها, إنها لم تعجز عن إيجاد آلية منصفة قوية متزنة تعيد الحق إلى نصابه, وترد المغتصب إلى صوابه.
أمة محمد أمة الإسلام وأمة الجهاد وأمة عزة, لا تعجز ـ بإذن الله ـ أن تجد لنفسها ـ بتوفيق الله وعونه ـ مخرجًا من أزمتها, والقدس والأرض المباركة أغلى وأثمن وأكبر من أن تترك لمفاوضات أو لمساومات سلام مزعوم، وما أخذ بالقوة فإنه لا يرجع إلا بالقوة. وحادث الأمس ما هو إلا بداية سلسلة من القتل لليهود بإذن الله تعالى، يقوم بها المخلصون من أبناء فلسطين ردًا لشيء مما تفعله يهود من إجرام ووحشية لم يسلم منها حتى الأطفال والنساء.
كم ألقى حادث الأمس من رعب في قلوب اليهود، حصل بعدها اجتماعات عاجلة على أعلى مستوى في دولة ما يسمى بإسرائيل، لتفادي هذا الوضع، واليهود قوم جبناء، وهم مع كل أسف لم يواجهوا إلى الآن أمة الإسلام المجاهدة، لم يواجهوا إلا أبناء فلسطين فقط العزّل من كل شيء إلا الحجارة، ومع ذلك لم يدعوهم ينامون قريري العين، فكيف لو حصلت مواجهة حقيقية بين اليهود وبين بعض من قاتل الروس على أرض أفغانستان أو من يقاتل الآن على أرض الشيشان؟! وسيكون ذلك بإذن الله تعالى.
أيها المسلمون، إن قضية بيت المقدس وقضية فلسطين لا تنفصل البتة عن قضية الإسلام كله, إنها ليست أرضًا فلسطينية أو عربية فحسب، بل إنها ـ قبل ذلك وبعده ـ أرض المسلمين أجمعين, تُفدى بالأرواح والمهج, وإذا ضعف الإسلام في نفوس الأتباع ضعفت معه روابط الحقوق والحماس والفداء في قضاياه كلها, ويوم يترسخ الإيمان ويصفو المعتقد وتسود الشريعة وتعلو الشعائر ستحيا كل القضايا وسيتحقق كل مطلوب.
أيها المسلمون، إن من البشائر مما يبعث الأمل ويقوي العزائم هذا التفاعل الذي شهده المسلمون وقرت به الأعين, هذا التفاعل من الأمة كلها في الأقطار الإسلامية كافة, جراء هذه الاعتداءات الآثمة من هذا العدو الصهيوني المحتل الغاشم، والمآسي التي يتعرض لها إخواننا في فلسطين. وإن كان معظم من يتفاعل لا يستطيع أن يقدم سوى المال والدعاء، فنقول بأن هذا شيء من الدعم الذي يجب أن يستمر ليبقى الشعب الفلسطيني شوكة في حلق اليهود، فلا بد أن ندعم هذا الشعب المسكين بكل ما نستطيع ولا نتوقف أبدًا حتى يُنحر آخر يهودي على أرض الإسراء والمعراج.
أيها المسلمون، وإن كان من أمر يستحق التنبيه عليه في مثل هذه الظروف وفي هذه الأيام، وفي ظل اشتداد القصف الصهيوني الغادر، وفي ظل المجازر الوحشية التي ترتكبها القوات اليهودية ضد إخواننا في فلسطين المجاهدة، ما يقوم به حزب الشيطان اللبناني برفع شعار: "يا قدس نحن قادمون"، وإنا نسأل هذا الحزب وأتباعه: ما الذي يحول بينكم وبين فلسطين إن لم تكونوا في الأصل منافقين وخونة؟! يا من استغليتم وسائل الإعلام لنشر أفكاركم الشيطانية الهدامة، ولنشر مذهبكم الباطل، والجميع يعلم بأن جنوب لبنان أقرب نقطة إلى فلسطين، فلماذا لم تدخلوا إلى الآن وتضحوا لو كنتم صادقين كما ضحى غيركم؟! ثم إنا نقول لهم ولغيرهم: إن الله سبحانه وتعالى لن يحرر الأقصى على أياديكم القذرة، فقد غرّكم الشيطان ولبّس عليكم حكم ربكم؛ لأن الأقصى بحاجة إلى رجال من أمثال عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهم، وهو بحاجة إلى رجال من أمثال أسود القوقاز مجاهدي الشيشان حفظهم الله، لا إلى أناس فاسدي المعتقد أصحاب بدع بعضها كفرية، تاريخهم يشهد بصور من الخيانات على مستوى الأمة، وأنتم يكفيكم ما تقومون به من زراعة للمخدرات في جنوب لبنان. فلا داعي للجعجعة الإعلامية، ونحن ينبغي علينا أن نتنبه لمثل هذه الحيل ولا نخدع بكل ما يبث عبر وسائل الإعلام.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...
|