أما بعد: أيها المسلمون، ما أحوج المسلم إلى تجديد تقواه لربه في كل حين، ولا سيما عند اشتداد المحن وتوالي الكروب، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]. وما أشد حاجة المسلم إلى السلاح المَضّاء الذي يحميه من كيد الكفرة والفجرة والمنافقين، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120].
فهل ساءلنا أنفسنا عن هذه الحقائق؟! وهل عرضناها على هذه الموازين؟! فالصبر والتقوى سلاحان لمن أراد النجاة والخلاص والرفعة في الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون، إن من قرأ كتاب ربه وتأمل في آياته واتعظ بعظاته واهتدى بهداه يرى أن هناك آيات كثيرة حذّرت المسلمين من أعداء كُثر، وأن هناك صنفًا هو الأكثر عداءً للمسلمين، فقد ورد الحديث عنهم في أكثر من خمسين سورة من سور القرآن الكريم، وما ذاك إلا لتحذَرهم أمة الإسلام أشدّ الحذر، وتتنبه لألاعيبهم وحيلهم التي تخصصوا فيها على مر التاريخ.
فمن هم أيها المسلمون؟ إنهم اليهود، وما أدراك ما اليهود. إنهم القوم المغضوب عليهم الملعونون على لسان الرسل والأنبياء، قوم تفنن آباؤهم وأجدادهم في قتل الأنبياء والمصلحين، عرفوا على مر التاريخ بالإفساد والتخريب ونقض العهود.
وصفهم ربهم تعالى، وذكر بعض افتراءاتهم قائلاً في محكم كتابه: وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة:64].
فهم أحفاد اليهود الذين نقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187]. وهم قتلة الأنبياء ومكذبوهم، وهذا من تخصصهم القبيح، ألم يقل ربنا سبحانه: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ[البقرة:87]؟!
أولئك اليهود الذين غدروا بخاتم النبيين محمد ونقضوا عهده، فإنه لما هاجر إلى المدينة قدمها وفيها ثلاث قبائل من اليهود، فعقد معهم أن لا يخونوا ولا يؤذوا، ولكن أبى طبعهم اللئيم وسجيتهم السافلة إلا أن ينقضوا ويغدروا، فأظهر بنو قينقاع الغدر بعد أن نصر الله نبيه في بدر، فأجلاهم النبي من المدينة على أنّ لهم النساء والذرية ولرسول الله أموالهم. وأظهر بنو النضير الغدر بعد غزوة أحد، فحاصرهم النبي وقذف الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله أن يجليهم على أن لهم ما تحمله إبلهم من أموالهم إلا آلة حرب فأجابهم إلى ذلك. وأما بنو قريظة فنقضوا العهد يوم الأحزاب في يوم عصيب وكرب شديد حين اجتمعت العرب على حرب النبي ، فحاصرهم النبي بعد انتهاء المعركة، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم بقتل رجالهم وقسم أموالهم وسبي نسائهم وذرياتهم، فقتل رجالهم وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة.
هذا لون من ألوان غدرهم بخاتم الأنبياء ، ومن غدرهم وخيانتهم له أنه لما فتح خيبر أهدوا له شاة مسمومة، فأكل منها ولم يحصل مرادهم ولله الحمد، ولكنه كان يقول في مرض الموت: ((ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري)) رواه أبو داود بسند حسن.
فعلينا نحن المسلمين أن نعلم ونتذكر أن العداوة بيننا وبين اليهود مبدأ ثابت لا يتغير ولا يزول كما قرره كتابنا وأخبرنا به ربنا عز وجل، ولذلك فالحرب بيننا وبينهم مستمرة منذ بعثة سيدنا محمد إلى أن تقوم القيامة، ومن المحال أن تحلّ المحبة محلّ العداوة وأن يحل السلام محل الحرب فيما بيننا وبين اليهود، كيف والله عز وجل يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]؟!
عباد الله، إن دين الإسلام اليوم يحارَب بكل شدة وعنف من قبل أعدائه من الكافرين، وهم يستخدمون كل وسيلة في سبيل الصد عن سبيل الله وعن دين الله, فيستخدمون الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية.
ولكن اعلم ـ وفقني الله وإياك ـ أن هذا الأمر قد بدأ منذ بدأت الدعوة الأولى لهذا الدين على يد رسول الله ، وقد حاول كفار قريش منذ تلك الأيام منع انتشار الإسلام والصد عن سبيل الله كما يفعله اليوم الكافرون والمنافقون تمامًا، إلا أن كفار اليوم والمنافقين يستخدمون وسائل حديثة لأساليب قديمة، وتأمل في سيرة رسول الله تجد ذلك واضحًا بينًا. وخذ بعض الأمثلة:
أولاً: استخدم أعداء الدين قديمًا وسيلة التشويه، فحاولوا تشويه صورة النبي عند العرب لكيلا يقبل دعوته أحد، واستمع إلى ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية يقول: "عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم ـ يعني موسم الحج ـ، فقال: إن وفود العرب سوف تقدم عليكم فيه، وقد علموا بأمر صاحبكم هذا ـ يعني رسول الله ـ، فأجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيه فيكذّب بعضكم بعضًا، فقيل: يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأيًا نقول به، فقال: بل أنتم فقولوا، وأنا أسمع، فقالوا: نقول: كاهن، فقال: ما هو بكاهن، رأيت الكهان فما هو بزمزة الكهان، فقالوا: نقول: مجنون، فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته، فقالوا: نقول: شاعر، فقال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالوا: نقول: ساحر، قال: ما هو بساحر، قد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لِقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجني، فما أنتم بقائلين شيئًا من هذا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول أن تقولوا: هذا ساحر، فتقولون: هو ساحر، يفرق بين المرء وزوجه، وبين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك. فجعلوا يجلسون للناس حتى قدموا الموسم فلا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره، يعني يقولون لهم: احذروا هذا الساحر".
هذه صورة واحدة من صور كثيرة قد ذكرت في كتب السيرة لا نريد الإطالة بذكرها.
واليوم يجددون عداوتهم على النبي المصطفى علية أفضل الصلاة والسلام، ويتعمدون الإساءة لشخص النبي عبر صحفهم القذرة، حيث نشرت صحيفة أمريكية هذا الأسبوع لرسام صور في رسمةً رجلاً يرتدي ثيابًا عربية على أنه الرسول ، وهو يقود شاحنة نقل، وقد حُملت الشاحنة بصواريخ نووية، وعليها عبارة استفسار وتشكيك: "ماذا سوف يقود محمد؟!". وبحمد الله صدر بيان من رابطة العالم الإسلامي يوم أمس الخميس فورَ علمهم بشأن الرسم الآثم وتطاول الصحيفة الأمريكية على النبيّ الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام بالاستنكار والتنديد، وطالبت الرابطة من الصحيفة بعدم تكرار نشر ما يسيء للإسلام وبالاعتذار لعدد المليار والنصف من أمة الإسلام في أنحاء العالم لما قامت به من إساءة بالغة المسلمين.
أيها الموحدون، هذا وما يلقاه الإسلام اليوم من حرب دعائية من خصومه بحيث تسلطت الأجهزة اليهودية والصليبية والشيوعية والمنافقين، كلّ أجهزتهم ووسائلهم الإعلامية لتشويه الإسلام وتصويره دينًا وثنيًا أو إرهابيًا أو متخلفًا يمثل حضارة الجمل والصحراء.
وهذا دليل على استمرار هذا الخطّ الدعائي ضدّ الإسلام، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يصورون المسلمين بأنهم متخلّفون لأنهم متمسكون بإسلامهم ويحمِّلون الإسلام كلّ التخلف الحضاري الموجود عند المسلمين، ويمثلون الصحوة الإسلامية المعاصرة بأنها يقودها الأصوليون والمتطرفون الذين يريدون تدمير كل منتجات الحضارة البشرية المعاصرة ويريدون العودة بالبشرية إلى القرون الوسطى وعهود التخلف.
عباد الله، وكان من أعظم ما فرح به المسلمون هو إنزال قوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60]، فكان المسلمون يعيرون اليهود بأنهم أبناء القردة والخنازير وهم كذلك.
فيا أيها الأحبة، إنما سردت هذه الوقائع والقصص لتعلموا قبح أفعال اليهود وحقدهم على أهل الإسلام، ولا تقولوا: تغيروا أو تبدلوا، لا والله، هم على حقدهم وكفرهم، ولا تجوز موالاتهم، ولا حبهم، ولا الفرح لهم، ولا تهنئتهم بعيد أو مناسبة، ولا مشاركتهم في ذلك، ولا تسليتهم في مصيبة، ولا استقدامهم في شيء إلاّ في شيء ضروري عجز عنه المسلمون، بدليل أن عمر الفاروق علم أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما قد اتخذ كاتبًا نصرانيًا وكان حفيظًا عليمًا، فأمره عمر بطرده، فقال أبو موسى: إنه أفضل من في البصرة، فقال عمر: فكيف تصنع إذا مات؟!
فاحذروهم عباد الله، واحذروا موالاتهم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].
إن اليهود ـ يا عباد الله ـ أهل شر وخبث، وإن تبسموا وصالحوا وعاهدوا، وقد روي في بعض الأحاديث عند ابن مردويه: ((ما خلا يهودي بمسلم إلاّ هم بقتله)).
ومن قبائح اليهود في زماننا هذا ما يفعلونه الآن من كتابة لفظ الجلالة على الأحذية وما شابهها، وقيامهم بدهس المصاحف ونشر الصور المشوهة للإسلام ولنبيّ الإسلام عليه الصلاة والسلام، ومع كل ذلك فالمؤمنون غافلون أو متغافلون، كأن لم تحرّك لديهم ساكنًا، وما لجرح بميت إيلام، وتجد الكثير من المسلمين قد مسحوا اسم المسجد الأقصى من ذاكرتهم، وما فكّر أحدهم يومًا أن يرفع يديه إلى العزيز القدير، ويرسل على اليهود سهامًا وصواريخ من سهام "يا رب"، تخترق الدنيا لتمطر على اليهود النكبات والمصائب. ومع كل هذا فإن وعد الله لنا بالنصر والتمكين لا بد حاصل، فقد وعدنا الله بالنصر على أبناء القردة والخنازير، ((حتى لا يبقى حجر ولا شجر إلاّ ويقول للمسلم: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي فاقتله)).
أيها المسلمون، استمعوا إلى نصح ربكم في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:118-120].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|