أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة، فنعمه سبحانه وتعالى كثيرة لا تحصى، يقول جل ذكره: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].
ومن أجلّ هذه النعم وأكبرها نعمة الإسلام، كما أن من نعمه جل وعلا علينا أن جعلنا من أمة خير الأنام، نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي بعثه ربه بعد أن عم الفساد وانتشر الظلم بين العباد، وأضاع الناس الطريق، وغيروا دين إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، واتخذوا آلهة من دون الله جل وعلا، فعبدوها وقدسوها وهي لا تملك لهم ضرا ونفعا، وانتظم عقد الأصنام حول بيت الله الحرام بمكة المكرمة، وانعدم الأمن بينهم، وفي وسط هذا الظلام الدامس أشرق النور الرباني، وانبثق الفجر الإلهي ببعثة سيد البشر وأفضل من وطئ الثرى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بعثه الله لينير للأمة طريقها، ويقودها لربها، يحمل لها كل خير، ويزيح عنها كل شر، فأدى الرسالة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، واختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أعوانا صدّقوه وناصروه، أبرّ الناس قلوبا، وأعلمهم بهذا الدين، جاهدوا في الله حق جهاده، وحملوا أعباء نشر الإسلام فشرّقوا وغرّبوا، مبتغين بذلك وجه الله جل وعلا، حتى أظهره الله على كل الأديان، فكان منهم القادة والفاتحون الذين فتحوا البلاد والأمصار، وأرسَوا قواعد العدل بين الناس، وحكموا فيهم بما أنزل الله جل وعلا، فدانت لهم القياصرة، وذلت لهم الأكاسرة، وملؤوا الدنيا نورا وضياءً.
هذا هو دين الإسلام الذي أكمله ربّ العزة والجلال حيث قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].
أحبتي في الله، لقد اغتاظ أعداء الإسلام قديما من انتشار المد الإسلامي، وساءهم أن يندفع الناس زرافات وفرادى للدخول تحت مظلة هذا الدين العظيم، فتحالفوا مع الشيطان للنيل منه، مرة بالقدح والذمّ بنبي الله محمد ، ومرة بالتشكيك في شرائعه، ومرة بالطعن في أحكامه، فلما فشل مخططهم وظهرت سوءاتهم واتضحت أهدافهم حاولوا تفريق المسلمين وبثّ العداوات بينهم وتمزيقهم فرقا وشيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، فظهر المنافقون الذين أظهروا للمسلمين الإسلام وأبطنوا الكفر، وظهر الخوارج الذين نقضوا كثيرا من عرى الإسلام، وظهرت فرق أخرى كالجهمية والمعتزلة، لكن كل محاولات هذه الفرق باءت بالفشل، ولم ينل أصحابها إلا التعب والكلل، وبقيت راية الإسلام عالية خفاقة لا يصل إليها الأقزام، ولا زالت بعض هذه الفرق وغيرها حتى يومنا هذا تحاول أن تنفث سمومها، ولكنها بإذن الله مدحورة، ودعوة الإسلام منصورة، وقد أخبرنا رسول الله أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، ولا تزال بحمد الله موجودة وستستمر بإذن الله إلى قيام الساعة، كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى حيث قال: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)).
إنّ أعداء الإسلام لا زالوا يكيدون للإسلام وأهله، ولن يتوقفوا عن خططهم هذه ما دامت الحياة، فالصراع بين الحق والباطل ماض إلى قيام الساعة، وأنتم تتابعون هذه الأيام الحملة التي تقودها الصهيونية الحاقدة ومن وراءها على إخوة لنا في الدين والعقيدة في فلسطين، ساموهم سوء العذاب، لم يرحموا طفلا صغيرا، ولم يوقروا شيخا كبيرا، تساندهم في عدوانهم دول كبرى، وتزوّدهم بالسلاح والعتاد الذي يوجّه لصدور النساء والأطفال والرجال العزّل، ثم يطالبونهم بضبط النفس، ويبررون تصرفات القردة والخنازير بأنها دفاع عن النفس. وحق لهم أن يفعلوا ذلك بعد أن انشغل المسلمون اليوم بأمور أخرى أكثر من انشغالهم بدينهم وعقيدتهم.
أيها المسلمون، إن أعداء الإسلام لا يفترون ولا يكلّون ولا يملّون، فإذا سنحت لهم فرصة استغلوها، وبدؤوا النيل من المسلمين، وهذا ليس بغريب عليهم أبدا، وها هم إخواننا المسلمون يحاصرون حصارا محكما، وتصبّ عليهم القنابل صبّا، تدمّر مساجدهم، ويقتل الأبرياء، وما زال أعداء الله يتشدّقون بحرب الإرهاب!
إن هذا الوضع الذي يمر به الإسلام والمسلمون هذه الأيام قد أخبر عنه رسولنا حين قال: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كلّ أفق كما تداعى الآكلة على قصعتها))، قال: قلنا: يا رسول الله، أمِن قلة بنا يومئذ؟! قال: ((أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن))، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: ((حب الحياة وكراهية الموت)).
فها هو الإسلام اليوم يحارب من كل مكان، وها هم المسلمون يقتلون ويشرّدون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32، 33].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
|