أما بعد: فيقول الله عز وجل في سورة البقرة: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في أرض الإسراء والمعراج، يصادف اليوم الجمعة ذكرى مجزرة دير ياسين التي وقعت يوم الجمعة في التاسع من شهر نيسان أبريل عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، على يد عصابات الهاجانا الإرهابية، والتي ذهب ضحيتها العشرات من الرجال والنساء والأطفال، والأمر لم يقتصر على مجزرة دير ياسين فحسب، بل أعقبتها عشرات المجازر منذ عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، بدءًا بمجازر الدوايمة والناقورة وقبية ونحالين وحسان وقلقيلية، مرورًا بمجازر صبرا وشاتيلا.
أما اليوم فإن أبطال هذه المجازر يعملون ما يعملون بالشعب الفلسطيني المرابط، الذي يتعرض لحرب إبادة عنصرية مبرمجة، بدعم مباشر من أمريكا راعية السلام كما تزعم وبتأييد دولي وصمت عربي، ومن هذه المجازر ما حصل في جنين القسام ونابلس جبل النار والشجاعية في غزة ورفح الباسلة، ثم استشهاد الشيخ المناضل المجاهد الشهيد أحمد ياسين رحمهم الله جميعًا.
وإن هذه الحرب تهدف إلى تثبيت الاحتلال وإضفاء الصفة الشرعية عليه ولقمع الشعب الفلسطيني المجاهد وإلصاق تهمة الإرهاب به، ثم يتحدثون عن إنهاء ما يسمى بدائرة العنف، لقد انقلبت المعايير والموازين، والويل للضعيف، فالضعيف في نظرهم هو إرهابي، والمعتدي ليس إرهابيًا، ولكنه يدافع عن نفسه حسب ادعائهم وزعمهم.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في أرض الإسراء والمعراج، إن المجازر والحصارات الخانقة ضد أهل فلسطين لن تزيدهم إلا تصميمًا وإرادة، وذلك للوصول إلى حقهم السليب وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإن أهل فلسطين لن يستسلموا، ولن يرفعوا الراية البيضاء، إنه شعب أبيّ لن تنكسر إرادته الإيمانية، وسيبقى رافعًا الراية الخضراء، هذا هو واجبهم الشرعي الديني، وما يمارس ضد الشعب الفلسطيني في فلسطين هو الذي يمارس ضد الشعب العراقي في العراق.
أيها المسلمون، لم يكتفِ المحتلون بارتكاب المجازر ضد شعبنا، بل استهدف الأرض والبيوت كما استهدف الإنسان، فبلادنا المباركة تعرضت ولا تزال تتعرض إلى هجمة استيطانية شرسة، فلا يخلو يوم إلا ونقرأ أو نسمع عن استيلاء على الأراضي وتجريف للمزروعات أو قطع للأشجار، بهدف إقامة المستعمرات على الأراضي المغتصبة، وبهدف شق الطرق الالتفافية وإقامة الجدار الفاصل العنصري، وما كانت المستعمرات أي: المستوطنات لتخرج إلى حيز التنفيذ لولا التعاون المستمر والوثيق بين إدارات وزارات الدفاع والمالية والإسكان الإسرائيلية، هذا ما ذكرته الصحف العبرية، وما يقام على الأرض المغتصبة يكون غير مشروع، وما بني على باطل فهو باطل.
أيها المسلمون، لقد أشرت في الخطبة السابقة قبل ثلاثة أسابيع إلى ما يقوم به سماسرة السوق من تسريب للبيوت وبخاصة في سلون، وقد حصل ما حذرنا منه حيث نشرت الصحف المحلية عن استيلاء المستوطنين قبل أيام على بيت مكون من ستة طوابق يقع في سلوان، وبالرغم من أن المحكمة الإسرائيلية قد قررت إعادة الساكنين العرب إلى هذا البيت، إلا أن الشرطة قد رفضت تنفيذ القرار وتحرس المستوطنين بالسلاح، وهكذا تقام البؤر الاستيطانية في مدينة القدس، وهناك بيوت أخرى معرضة للتسريب في سلوان وفي البلدة القديمة من مدينة القدس، وذلك بالتواطؤ مع السماسرة المجرمين، ومن بعض أصحاب البيوت ذوي الضمائر الفاسدة الرخيصة المنحرفة الخائنة، والجميع يعرف الفتاوى الشرعية التي صدرت عن علماء فلسطين في الثلاثينيات من القرن الماضي، والتي تنص على خروج هؤلاء الساقطين عن جماعة المسلمين، ولا تزال هذه الفتاوى قائمة ومؤيدة من جميع علماء فلسطين منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، والسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه.
أيها المسلمون، إن المستعمرات كلها غير شرعية، فلا نعترف بمستوطنات شرعية ومستوطنات غير شرعية، لأن جميعها مقام على أراض مغتصبة سليبة، وهذه المستعمرات قد زاد عددها عن مائتي مستعمرة، مع الاستيلاء عن مساحات شاسعة زادت نسبتها عن 74 من أراضي الضفة الغربية، وعن 40 من أراضي قطاع غزة، بالإضافة إلى المساحات التي ابتلعها الحائط العنصري، فيكون مجموع نسبة ما صودر من الأراضي حوالي 90 من أراضي الضفة الغربية.
ولا يخفى أن البؤر الاستيطانية المنتشرة هنا وهناك تهدف إلى تمزيق الأراضي وعزل المدن والقرى والمخيمات والأرياف عن بعضها البعض، وتهدف محاصرة مدينة القدس من جميع الجهات، كل ذلك تحت غطاء السلام، فأين السلام المزعوم؟! وأين التعايش الوهمي بين الشعبين؟! وأين العدالة في التعامل؟! أين هذه الاعتداءات ـ يا مسلمون ـ من تعاليم ديننا الإسلامي العظيم ومن أخلاق رسولنا الأكرم الذي نهى عن قتل النساء والأطفال والمسنين، ونهى عن قطع الأشجار وهدم البيوت، كما أن الخليفة الأول أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: (لا تقتلن امرأة ولا صبيًا ولا كبيرًا هرِمًا، ولا تقطعن شجرة، ولا تخربن عامرًا)، ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدًا). فديننا الإسلامي العظيم لا يجيز نسف البيوت ولا حرق المزروعات ولا قطع الأشجار، لأنه دين العدالة والرحمة، دين الحضارة الإنسانية، لذا فقد انتشر هذا الدين العظيم في أرجاء المعمورة، وتقبلته الشعوب بالترحاب، ودخلت في دين الله أفواجًا.
أيها المسلمون، إن سياسة مصادرة الأراضي وسياسة القتل والبطش والاغتيال لا تكسب المحتلين حقًا لهم، وإن حقنا لن يضيع بالممارسات الاحتلالية الظالمة، فحقنا الشرعي في أرضنا ومقدساتنا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.
وإن هذه الديار المباركة المقدسة لا يسري عليها مرور الزمان مهما طال، فهي أرض وقفية، والسؤال: هل الذي يعترض على الظلم الذي يقع عليه يكون محرضًا ومتطرفًا؟! فأي شريعة يتهم فيها المعتدى عليه بالتحريض والتطرف؟! إنها شريعة الغاب، إنها قوانين قراقوشية غير حضارية، ما أنزل الله بها من سلطان، فلن نقبل بها، ولن نستسلم لها.
أيها المسلمون، تمسكوا بأراضيكم، حافظوا عليها، ازرعوها واستثمروها.
وتحية احترام وتقدير نوجهها من على منبر المسجد الأقصى المبارك لإخواننا المواطنين المرابطين في قرى فلسطين في بدو بيت دقو بيت سوريك والقبية وبيت لقيا بدرس ودير قديس، وفي سائر القرى والريف الفلسطيني، الذين يقفون في وجه الحائط الفاصل العنصري، مدافعين عن أراضيهم، ورحم الله شهداءكم وشفى جرحاكم.
كما يتوجب على أهالي مدينة القدس إشغال جميع البيوت الخالية من السكان، وإن أصابع الاتهام تتوجه للشخص الذي يترك بيته خاليًا، وكونوا على حذر من سماسرة السوق، وكونوا ـ أيها الإخوة ـ أوفياء للقدس والأقصى، لتنالوا ثواب المرابطة في هذه الديار المباركة المقدسة، جاء في الحديث النبوي الشريف: ((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله))، صدق رسول الله .
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.
|