.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

فداء الأقصى

3667

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

محمد أحمد حسين

القدس

12/2/1425

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نداء تذكير للمجتمعين في القمة العربية. 2- درس من ورع عمر وآخر من غيرة نور الدين زنكي. 3- دعوة المسلمين لمناصرة شعب فلسطين المرابط. 4- تذكير القمة بأهمية قضية فلسطين وقضية العراق المحتلَّين.

الخطبة الأولى

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].

أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت القدس وأكناف بيت المقدس، القمة العربية المؤجلة أو التي يجري الإعداد لانعقادها تصدّرت حديث الشارع العربي ما بين سائل عن أسباب التأجيل، أو حائر في هذه الأسباب، أو محبَط من مواقف الأنظمة العربية التي فقدت الحد الأدنى من التوافق أو الاتفاق حول مجمل قضايا هذه الأمة، وهي قضايا تستحقّ كل واحدة منها قمة لبحثها وإيجاد السبل للخروج منها، أو التخفيف من آثارها، فإذا كان التأجيل لأسباب داخلية فلماذا يجتمع وزراء خارجية الدول العربية للإعداد لمثل هذه القمة، ثم ينفضّ اجتماعهم في المراحل النهائية من إعداد جدول الأعمال الذي سيرفع للقادة على مستوى القمة وليس على مستوى التحديات التي تواجه الأمة، وتكاد تعصف بوجودها بعد أن زعزعت هذه التحديات أركان هذا الوجود، وتمكنت من مكوناتهم، مع أن داعي الحق ينادي: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ [الممتحنة:1].

أيها المسلمون، يا حكام الأمة، إن أمانة المسؤولية توجب عليكم النهوض بما وُسِد إليكم من سياسة الأمة والنظر في مصالحها، وما يحفظ كيانها وثقافتها، ويذود عن عقيدتها وأرضها، وإلا فقدتم شرعية وجودكم، واستوجبتم غضب ربكم، لقول نبيكم عليه الصلاة والسلام: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت هو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة)).

وخوفًا من هذا الوعيد وأمثاله نهض سلفكم الصالح بمسؤولياتهم حتى لقوا ربهم وهو راض عنهم، ألم يقل الفاروق عمر رضي الله عنه: (والذي بعث محمدًا بالحق، لو أن بغلة عثرت على شط الفرات لأُخذ بها عمر)، ـ أو ـ سئل عنها عمر يوم القيامة: لِمَ لمْ تسوِّ لها الطريق يا عمر؟).

وهذا نور الدين زنكي يصنع منبر المسجد الأقصى تمهيدًا لتحريره من دنس الصليبيين، وهو يقول لمن يراجعه في هذا الأمر: والله لأصنعنه، والله لأفتحنه. يريد بيت المقدس.

ويحقق الله هذا الأمر العظيم على أيدي الناصر صلاح الدين، والذي لم يُرَ مبتسمًا حتى دخل بيت المقدس، وحرر مسجدها الأقصى، ونصب فيه المنبر الذي أمر بصنعه نور الدين، رحمهم الله أجمعين.

وبقي هذا المنبر الشريف معلم دعوة وهداية، تنطلق من رحاب المسجد الأقصى المبارك لمدة ثمانية قرون، حتى نالته يد الإثم والعدوان بالحريق المشؤوم الذي أتى على المنبر وعلى أجزاء هامة من المسجد الأقصى في بدايات الاحتلال الإسرائيلي.

هذا الاحتلال الذي ما زال يتربص بهذا المسجد وأهله، ويتحين الفرصة لهدمه لإقامة الهيكل المزعوم مكانه، ولعل ما نشرته وتنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خطر انهيار المسجد أو انهيار أجزاء منه يأتي ضمن الحملة المسعورة لمحاولة تفريغ المسجد من المصلين أو إغلاق بعض أجزائه، تحت ذرائع خطر الانهيار جراء هزة أرضية، وربما جراء جريمة تقترفها عصابات المستوطنين ومن يرعاهم في حكومة الاحتلال.

إننا ـ أيها الناس ـ من علياء هذا المنبر نؤكد للقاصي والداني للعدو وللصديق بأن المسجد الأقصى يفتديه شعب صابر مرابط بالمُهج والأرواح، ويدافع عنه وعن هذه الديار المباركة بلحمه ودمه، يوم غابت جيوش المسلمين عن الوغى، ولن يفرط هذا الشعب المرابط بديار الإسراء والمعراج مهما اشتدت الهجمة الاستيطانية والاستعمارية التي تستهدف الأرض والإنسان والوجود الإسلامي في هذه الديار.

هذا الشعب الذي قدم مواكب الشهداء من خيرة أبنائه وقيادته، وعلى رأسهم الشيخ المجاهد الشهيد الشيخ أحمد ياسين، الذي ودعته الأمة في موكب الشهادة التي تمناها، إلى جنان الخلد بإذن الله، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، ولا نامت أعين الجبناء.

ولله در القائل:

يا أحمد الياسـين إن ودعتنـا   فلقد تركت الصدق والإيمان

أنا إن بكيـت فإنمـا أبكـي   على ديارنـا لما غدوا قطعان

أبكي على هذا الشتات لأمتي    أبكي الخلاف المُر والأضغان

أبكي ولي أمل كبيـر أن أرى   في أمتي من يكسـر الأوثان

جاء في الحديث الشريف عن أنس رضي الله أن النبي قال: ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة))، أو كما قال.

التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.


 

الخطبة الثانية

الحمد الله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، دعا إلى الله على بصيرة حتى أقام الدين وأوضح السبيل، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

وبعد: أيها المسلمون، أيها الحكام والمحكومون، في الوقت الذي تواجه فيه الأمة خطر الاندثار جراء انكفائها على المفاهيم القُطرية والمصالح الآنية يجب أن ترتفع الأصوات عاليًا وقوية مطالبة الحكام في الدرجة الأولى وكل أصحاب الفكر والرأي في الأمة بالوقوف أمام هذا التحدي الكبير والشر المستطير، الذي لم يفرق بين قطر وآخر من بلاد العرب والمسلمين، وإذا كانت الأمة لا ترى في مؤتمرات القمة حلاً جذريًا لهذه التحديات التي تواجه الأمة فلا يقبل من هذا المؤتمر الذي تسعى الدول العربية لعقده أقل من موقف يحفظ للأمة شيئًا من الكرامة وقليلاً من مكونات شخصيتها، التي أصبحت في مهب رياح التغيير العاصفة من الخارج، وكأن أمتكم التي أسهمت بقسط كبير في تقدم الإنسانية لا تمتلك ما يصلح حالها وينقذها من وهدة التردي والتخلف عن ركب الحضارة.

أيها المسلمون، أيها الحكام والمحكومون، إن أهم القضايا والتحديات التي يجب بحثها وعدم المرور عليها مرور الكرام في مؤتمر القمة العربي ـ إن قدر له الانعقاد ـ قضية فلسطين، هذه القضية التي كانت وما زالت تشكل محور البحث في لقاءات المسئولين على مستوى القمة أو أقل من ذلك، لارتباطها المباشر بمجمل الأوضاع في المنطقة العربية وما تمثله من بُعدها الإسلامي، كونها بلد المسجد الأقصى المبارك، ومحور معجزة الإسراء والمعراج، التي تشكل جزءًا من عقيدة المسلمين. إن شعب هذه القضية الذي قدم التضحيات الجِسام من أبنائه ومقدراته دفاعًا عن كرامة المسلمين وذودًا عن جزء عزيز من ديارهم ومقدساتهم، إن هذا الشعب يستحق من أمته كل الدعم حتى يندحر الاحتلال عن أرضه وينال حقوقه المشروعة فوق هذا التراب الطهور، ولا يعقل أن يبقى الفلسطينيون وحدهم في الساحة يدافعون عن كل الأمة الإسلامية.

ولا تقلّ ـ أيها المسلمون ـ قضية العراق الذي مضى على احتلاله عام كامل أهمية عن قضية فلسطين، فالذي يحتل العراق هو الذي يكرس الاحتلال في فلسطين ويدعمه بكل وسائل البطش والقتل، ولا يجوز أن يقال: إن أمريكا تسعى إلى تحرير شعوب هذه المنطقة من استبداد الحكام، وتريد أن تجلب لهم حرية وديمقراطية وحقوق الإنسان. أي إنسان هذا؟! فمتى كان المستعمر والمحتل تعنيه مصالح الشعوب الواقعة تحت احتلاله؟! فاعتبروا يا أولي الأبصار.

ومن التحديات التي تواجه الأمة هذا الغزو الثقافي الذي يستهدف اقتلاع المسلمين من ثقافتهم وتاريخهم تحت مسميات الإصلاح.

أيها المسلمون، أيها المرابطون في ديار الإسراء و المعراج، إن أمتكم تملك من عوامل الوحدة والإصلاح ما يمكنها من المحافظة على أوطانها وشعوبها، إنها تملك العقيدة والشريعة ونظام الحياة الذي أراده الله لسعادة البشرية في كتاب ودستور خالد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فخذي ـ يا خير أمة أخرجت للناس ـ بهذا الهدى، واعملي على تحكيمه في جميع شؤون الحياة، حتى تكوني أهلاً لهذا الموقع بين الأمم، ونبراسًا يهتدي به الحائرون.

ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً