أما بعد: إن مما ينبغي علمه من كليات وأصول الدين، أن اليهود من أعظم أعداء الإسلام وأهله، قال الله تعالى عنهم: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة:82]، وقد وصفهم الله سبحانه في كتابه بأنهم يقتلون الأنبياء، والذين يأمرون بالقسط من الناس، وأنهم سمّاعون للكذب، أكالون للسحت، يأخذون الربا وقد نهوا عنه، ينقضون المواثيق، ويحكمون بالطواغيت، ويصفون الله تعالى بالنقائص، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون، وغيرِ هذا مما هو مشهور عنهم.
وتاريخ اليهود مليء بالمؤامرات والدسائس، فقد أرادوا قتل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، فشُبه لهم ورفعه الله، وأرادوا قتل النبي مرارًا فأنجاه الله منهم، وأرادوا أن يوقعوا الفتنة بين الصحابة فسلمهم الله، وأول فتنة فرّقت بين المسلمين كانت فتنة ابن سبأ اليهودي، واستمر كيدهم طوال التاريخ، فأثاروا فتنًا، وأسقطوا دولاً، حتى تمكنوا أخيرًا من اغتصاب أراضي المسلمين.
ومطامع اليهود ليس لها حد، فهم لا يقيمون وزنًا لعهد ولا لميثاق ولا لخارطة، فقد قال الله تعالى على لسانهم يقولون: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلامّيِينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75]، وقال تعالى: أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنْهُم [البقرة:100]، وقال سبحانه: ٱلَّذِينَ عَـٰهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ [الأنفال:56].
وأرض إسرائيل الكبرى التي يحلمون بها، والتي وضعوا رايتهم على أساسها، من النيل غربًا حتى الفرات شرقًا، ومن شمال الجزيرة جنوبًا حتى جنوب تركيا شمالاً. وقد علموا جيدًا أنه لا بقاء لهم، ما دام للعقيدة الإسلامية القائمة على الولاء والبراء، والجهاد في سبيل الله وجود بين الشعوب، حتى لو طال مُقامهم، فإن قاعدة الدين وملة إبراهيم وأصل دين الإسلام، ومقتضى شهادة التوحيد، موالاة الإسلام وأهله ومحبتهم، والبراءة من الكفر وأهله ومعاداتهم، كما قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4].
فانتبه يا عبد الله، وإياك وسماع الدعوات التي تقول إنه لا عداء بيننا وبين اليهود، أو غيرهم من الكفار، أو أننا لا نبغضهم من أجل دينهم، فإن أصل الأصول البراءة من الكفر وأهله ومعاداتُهم وبغضهم.
من أجل هذا يخترعون لنا في كل مرة ما يصب في مشروع السلام، في السابق أطلقوا عليه السلام الدائم والشامل، واليوم خارطة الطريق، والذي يريدون من خلاله اختراق صفوف الشعوب المسلمة، ومحاولة كسر الحاجز النفسي بين المسلمين واليهود، وإذابة عقيدة البراء ومعاداة الكافرين، من خلال الذوبان الثقافي والتعليمي والإعلامي، ونشر ما يسمى بحوار الحضارات، وحوار الأديان في سبيل السلام ونحوها، بالإضافة إلى إفساد أخلاقيات المسلمين.
ويهدف اليهود من خلال هذه العملية، بالإضافة إلى تغيير عقلية المسلمين، إلى تأمين بلادهم من ضربات المجاهدين، وتعزيز اقتصادهم المنهار، وتهجير بقية اليهود إلى فلسطين، وإكمال بناء المستوطنات، تمهيدًا لإكمال الهيمنة على المنطقة بأسرها. لذلك فالتصور الصحيح لخارطة الطريق، ولهذا السلام المزعوم، كافٍ في معرفة حكمه الشرعي، إذ هو مشتمل على منكرات كثيرة محرمة بإجماع المسلمين، منها: التحاكم إلى الطواغيت، وهدم أصل البراء في الإسلام، وإلغاء شريعة الجهاد في سبيل الله، وتسليط اليهود على المسلمين، وغيرها من العظائم.
إن أرض فلسطين وما حولها أرض مباركة، وصفها الله سبحانه بذلك في خمسة مواضع من كتابه، وفيها المسجد الأقصى: أولى القبلتين، وثالث المسجدين، ومسرى الرسول ، افتتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحرّرها صلاح الدين رحمه الله، فهي مملوكة للمسلمين، وأرضها وقف عليهم والحق فيها لله عز وجل، ليست حقًا شخصيًا لأحد كائنًا من كان، حتى يتنازل عن شيء منها.
وهناك فرق كبير بين ترك قتال اليهود لعدم القدرة، وبين إعطائهم صكًا بملكية الأرض، وإضفاء شرعية مزعومة عليهم، فالأول من باب العجز المسقط للتكليف، والثاني من باب الخيانة الموجبة للعقوبة. لذا فإن ما يسمى بخارطة الطريق ومؤتمراته ستفشل، ولو نجحت فنجاحها سيكون مؤقتًا، وإن المسلمين سيقاتلون اليهود فيقتلونهم، حتى يختبئ اليهودي خلف الشجر والحجر، فيقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء.
إن مشروع خارطة الطريق، له آثارٌ سيئة على المسلمين وعلى بلادهـم، ولو تم ـ ونسأل الله أن لا يكون ـ فسيقضي على عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين، أو على الأقل يضعفها، عن طريق شعار: حوار الحضارات، والإسلام دين السلام، ونبذ التطرف وكراهية الآخر، وسيقضي على روح الجهاد بينهم، وسيُضرَب المجاهدون بسلاح السلام، كما سيحصل تغيير وتشويه للتاريخ الإسلامي، وستُستنـزف ثروات المسلمين، وتُبنى عندهم أوكار الجاسوسية، وتصدر لهم الآفات والأمراض، وغير ذلك.
إن اتفاقيات السلام مع اليهود، وإقامة العلاقات الدائمة معهم، تعد إقرارًا لهم في ديار الإسلام، وتمكينهم من الدخول والعبث بعقول المسلمين، وإمدادهم بما يزيد من قوتهم وجبروتهم، وهذا كله في الشرع من باب الموالاة لليهود، وإلقاء المودة لهم، والركون إليهم، وقد دلت نصوص كثيرة على النهي عن ذلك، قال الله تعالى: لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، وقال تعالى: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [المائدة:51]، وقال تعالى: بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعًا [النساء:138، 139].
والنصوص في النهي عن موالاة الكفار، والركون إليهم ومودتهم، ووجوب بغضهم ومعاداتهم كثيرة جدًا، وفرق كبير بين ترك قتالهم والهدنة معهم، بسبب ضعف الإعداد لهم، وبين الاعتراف بهم وإقرارهم على أراضي الإسلام، فالأول جائز بالإجماع، والثاني محرم بالإجماع، إضافة إلى أن تطبيق خارطة الطريق مضاد لشرع الله سبحانه ولقدره:
أما مضاداته للشرع فلأنه يلغي شعيرة الجهاد في سبيل الله، وقد قال الله تعالى: وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة:36]، وقال سبحانه: فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَـٰنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة:12]، وقال عز وجل: وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْء فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].
وفي المسند وغيره: أن النبي قال: ((جاهدوا المشركين بأموالِكم وأنفسِكم وألْسِنتِكم)). وفي المسند أيضًا وسنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: ((بُعِثْتُ بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد اللهُ وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي)).
وأما مضادة خارطة الطريق للقدر: فقد أخبر الرسول ـ وخبره حق ـ أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، ومن ذلك: ما في الصحيح عن النبي : ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة؛ الأجر والمغنم)). وقد تواتر عنه في الصحاح وغيرها أنه قال: ((ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله)).
إن مساعي خارطة الطريق ستفشل، نقول هذا تحقيقًا لا تعليقًا، وتحقيق ما يسمى بالأمن الدائم في ما يسمونه بالشرق الأوسط مع اليهود لن يحصل مطلقًا، ولو حصل فهو وقتي سيفشل سريعًا، وهذا الأمر دلت عليه الأدلة الشرعية.
إنها حرب طويلة مديدة بيننا وبين اليهود، بدأت منذ بعثة الرسول ، وسوف تستمر حتى خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، والقضاء على آخر يهودي في الأرض، هذه المعركة الطويلة لها جولات وجولات، وفيها كر وفر، يغلبنا فيها اليهود مرة، ونغلبهم مرات، ويهزمونا مرة، ونهزمهم مرات. وإن أشد وأعنت وأقسى جولات هذه المعركة هي هذه الجولة التي نعيش فيها في هذا الوقت، والتي تحققت فيها غلبة اليهود علينا، وهزيمتهم لنا، ولكنها جولة، تتبعها جولات، لنا فيها الظفر والغلبة والنصر بإذن الله.
وسيظل الغرب المستعمر يهزأ بنا ويسخر منا، ما دمنا نعالج مشكلة فلسطين على أساس أنها أرض عربية، اغتصبها الاستعمار والصهيونية، وحينما نضع نحن خارطة الطريق، ونوجه سير المعركة وجهة أخرى، ونعلن أن فلسطين ليست أرضًا عربية فحسب، وإنما هي ملكٌ لمليار مسلم يفتدونها بالأرواح والمهج؛ لأنها أرض مقدسة، تربطهم بها روابط دينية وتاريخية، أقوى من رابطة بضعة ملايين من اليهود في فلسطين، عندها ترجح كفتنا ويصبح زمام الأمر بأيدينا.
إن خارطة الطريق امتحان شديد لأمة الإسلام, أمة الإسلام أمة معطاء, تجود ولا تبخل, في تاريخها المشرق الطويل قدمت ما يشبه المعجزات، وهي اليوم تعيش مفترق طرق خطير، يحيط بها وبقدسها وبأجزاء محتلة من ديارها. أمة محمد أمة الإسلام، وأمة الجهاد، وأمة العزة، لا تعجز ـ بإذن الله ـ أن تجد لنفسها بتوفيق الله وعونه مخرجًا من أزمتها، والقدس والأرض المباركة أغلى وأثمن وأكبر من أن تترك لمفاوضات أو لمساومات سلام مزعوم، وما أخذ بالقوة فإنه لا يرجع إلا بالقوة.
فنسأل الله تعالى أن يبصرنا بخطط أعدائنا.
أيها المسلمون، لقد تسامع الجميع أنباء التفجيرات التي حصلت في مدينة الرياض، وصار هو حديث الناس منذ عدة أيام. ولا شك بأن ما حصل أمر لا يرضاه مسلم، وفاعلوا هذه التفجيرات أخطؤوا خطًا كبيرًا.
إن تحقيق الأمن ـ أيها الأحبة ـ مطلب للجميع، والمجتمع بدون أمن تسوده الفوضى والاضطراب.
لكن الأمر الذي ينبغي أن نكون منه على حذر، هو عدم إطلاق التهم بدون بينة، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ [الحجرات:6].
إن إطلاق العبارات، التي قد يفهم منها بأن كل متمسك بالدين وآدابه وهديه، هو في قفص الاتهام أمر خطير. وهناك من يستغل مثل هذا الحدث، ويلصق ذلك بكل الدعاة والصالحين والأخيار، وجميع العاملين في الحقل الإسلامي. بل ربما بعضهم كان يتمنى حصول مثل هذا في مجتمعنا، ليجد مادة يتهجم بها على الدعاة والأخيار وطلبة العلم. وقد حصل شيء من هذا في الأيام الماضية، بل ورسمت بعض صور الكاركتير فيها غمز ولمز بالعلماء والصالحين. إن مثل هذه الكتابات لا تعالج الموضوع بل تزيد منه.
فالتفجيرات التي حصلت أمر لا نرضى به ولا نقره، لكن في نفس الوقت فإن الأذان، وصلاة الجماعة، وارتياد المساجد، والتزام السنة في اللباس، وإكرام اللحى، والبعد عن التشبه بالكفار، وأهل الفسوق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل هذا وغيره من الدين، ومن الأمور التي يجب حفظها ورعايتها وتقديرها، وتقدير أهلها. والمسلم الحق عنده ثقة بدينه لا تزعزعها طعنات الطاعنين، ولا أخطاء بعض المنتسبين.
|